شيماء الشرقاوي
في البدء من المفيد الحديث حول ما نعنيه بسيادة الطاقة، وهذا المفهوم يعني بشكل مختصر حق الأفراد والمجتمعات والشعوب في اتخاذ قراراتهم الخاصة بشأن توليد الطاقة وتوزيعها واستهلاكها بطريقة مناسبة في ظروفهم البيئية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بشرط ألا تؤثر هذه القرارات سلبًا على الآخرين وأن لكل شخص وكل مجتمع الحق في كمية ونوع الطاقة اللازمة للحفاظ على نفسه والموارد اللازمة لاستدامتها بشرط ألا يتسبب في حدوث آثار بيئية أو اجتماعية أو اقتصادية سلبية. علاوة على ذلك، فإن الوصول إلى سيادة الطاقة يعني أنه يمكن للمجتمعات اتخاذ قرار بشأن مسائل الطاقة دون تدخل أو استعباد مثل تلك التي يتطلبها الواجب الائتماني، ومتطلبات زيادة الأرباح وإرضاء المساهمين الذين ترتبط بهم المؤسسات الخاصة حاليًا والتي هي ثمرة تسليع الطاقة. لإعطاء الأولوية لسيطرة الناس على شيء مشترك مثل الطاقة، من الضروري تجاوز المعضلة بين القطاعين العام والخاص، وهو منطق تستبعد منه جميع وجهات النظر الأخرى.1
نظرة على إشكاليات الطاقة في المنطقة العربية:
تتعدد مشكلات قطاع الطاقة في المنطقة العربية، ولكن يمكن الإشارة لعدد من المشكلات الرئيسية والأساسية المرتبطة بالطاقة في المنطقة العربية. المشكلة الأولى هي مشكلة سياسات التسعير والعدالة في توزيع الطاقة المتجددة وغير المتجددة، على سبيل المثال سياسات تسعير الغاز الطبيعي في مصر وطريقة توزيعه. ومن هنا تظهر العلاقة بين البيئة والعدالة الاجتماعية حيث يلعب التسعير دورا محوريا في تشجيع الاعتماد على مصدر طاقة دون غيره والمستوى الثاني يرتبط بتشجيع الصناعات المستهلكة للمصادر غير المتجددة ويستبعد صناعات تعتمد أكثر على المصادر المتجددة ولذا فإن أنماط الاستهلاك المبنية على سياسات التسعير تؤثر على العلاقة العدالة الاجتماعية والمناخية.
المشكلة الثانية هي غياب مصادر الطاقة وتوفيرها بشكل عادل على سبيل المثال في العراق على الرغم من تخصيص أموال كبيرة لتوفير الطاقة دون نتيجة حقيقية على الأرض. على الرغم من هذه الجهود، فقد شهد العراق تقدما ً هزيلا في تلبية احتياجات مواطنيه من الطاقة. ويظل نصيب الفرد من الكهرباء من أدنى المعدلات في الشرق الأوسط، وهو الذي يجب أن يكون مرتفعا ً لتلبية احتياجات الكهرباء اللازمة لمكيفات الهواء. فالعراق يولد كهرباء أقل من لبنان التي تعاني من قصور حاد في الكهرباء، وأكثر بقليل من نصيب الفرد في ٍ مصر والأردن، على الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنحو ملحوظ.2
وبالنسبة للمشكلة الثالثة، يمكن هنا الحديث حول كلفة الحصول على المصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية، فعلى الرغم من فوائد الطاقة المتجددة العديدة والواضحة سواء من ناحية الاستهلاك الأقل أو من ناحية الاستدامة، إلا أنه على الناحية الأخرى هناك العديد من الحواجز التي تحول بيننا وبين انتشار الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة؛ أولهم هي حاجز البنى التحتية والمعمارية للمنازل على سبيل المثال في مصر، تصميم المنازل من حيث المساحات ومن حيث مواد البناء المستخدمة يحول دون انتشار الاعتماد على الطاقة الشمسية في مصر لتوليد الكهرباء.
على الناحية الأخرى هناك عوامل ترتبط بهياكل السوق، وغياب الفهم للتكنولوجيات المتجددة الناشئة، إضافة إلى صعوبة الحصول على التمويل، وكذلك ارتفاع تكاليف التمويل ونقص الأُطر التنظيمية وغياب المكافآت مقابل الإحلال محل أنواع الوقود الأحفوري الخارجية (ومن ذلك مثلاً الانبعاثات الكربونية وملوّثات الهواء المحلية) وصِغر حجم الأسواق وتخبّط السياسات المتبعة، كل هذا لَعب دوراً في الحيلولة دون انتشار الطاقات المتجددة.3
حول أهمية البديل والعلاقة بين السيادة والتنمية في المنطقة العربية:
من الهام في البداية الإشارة إلى أنه لا تنمية متناسقة بلا سيادة وطنية، إذ أن التنمية المتناسقة لا بدّ لها من تدعيم السيادة الوطنية من خلال تطوير متناسق للقدرات الاقتصادية للدولة النامية، الأمر الذي يستحيل بدون القضاء على تبعيتها، أي على ارتهانها غير المتكافئ بدول أخرى أكثر تطوّرا. والغاية هي أن يحلّ محلّ ذلك الارتهان التبعي ارتهانٌ متبادل ومتكافئ هو السمة الطبيعية للعلاقات الاقتصادية بين الدول الصناعية. والحال أن شرط مثل هذه التنمية هو القطيعة مع الإطار النيو ليبرالي القائم على حرية التجارة وأولوية القطاع الخاص. فإن تجارب التنمية الناجحة لدول حصل نموّها في ظروف سيادة دول أخرى على السوق العالمية في زمننا المعاصر، شأنها في ذلك شأن الدول التي كانت الأولى تاريخيا في تحقيق التصنيع بحيث أتيح لها الانتساب إلى مركز النظام الرأسمالي العالمي، تلك التجارب جميعا إنما استندت إلى حماية انتاجها الوطني ودور مركزي للدولة والقطاع العام في رعايته ودفع تنميتها، بخلاف العقيدة النيو ليبرالية الداعية إلى تقليص دور الدولة إلى حدّه الأدنى والتعويل على القطاع الخاص وحده في ظروف من الحرّيات الاقتصادية غير المقيّدة.
بيد أن التنمية المتناسقة لا تصبو إلى “الاكتفاء الذاتي” والانعزال، بل إلى التكافؤ، كما سلف الذكر. وقد كانت لتجارب الانعزال عن السوق العالمية، سواء أكانت تجارب اختيارية أم قسرية، كلفة عظيمة أدّت إلى تنمية غير متناسقة وفاشلة بصورة حادّة في نهاية المطاف. وهذا ما يتهدّد أيضا الصيغ القصوى مما يسمّى “ما بعد التنموية” التي ترفض النموذج الصناعي واصفة إياه بالغربي على غرار الصيغ القصوى من الفكر “ما بعد الكولونيالي” التي تنبذ العلوم الاجتماعية بحجة أنها غربية. فإن الموقف الداعي إلى الانكفاء على الذات والاستناد بصورة أساسية إلى أساليب الإنتاج التقليدية إنما هو موقف رومانسي طوباوي يحيل في الواقع إلى طوبى رجعية بالمعنى الدقيق للكلمة، إذ تريد الرجوع بالمجتمع إلى الوراء وتبرّر دعوتها بتصوير أسطوري الماضي.
بيد أن ما هو أهم بكثير من تلك النظريات، وقد بات اعتبارا لا بدّ من أن يحتلّ مكانة أساسية في أي مشروع تنموي، إنما هو الاعتبار البيئوي. ويواجه العالم اليوم حالة كارثية بسبب التجاهل الكامل لهذا الاعتبار، سواء من قِبَل الاقتصادات الرأسمالية أو من قِبَل الاقتصادات البيروقراطية. ولم يتعمّم الوعي بخطورة الكارثة المحدقة بالجنس البشري سوى بصورة متأخرة إلى حدّ أن جلّ ما يمكن التطلّع إليه الآن هو الحدّ من الأضرار، ولا يمكن الحلم بإزالة الأضرار كليا والعودة إلى الحالة التي كانت الكرة الأرضية عليها قبل الثورة الصناعية. ويلتقي هنا مفهوم التنمية المتناسقة مع مفهوم التنمية المستديمة الذي غدا ركنا أساسيا من أركان المفهوم الأول، بمعنى أن أحد أهم شروط التناسق في التنمية إنما هو حفاظها على الثروة البيئية وضمان ديمومتها بالتالي.4
1 Defining energy sovereignty, https://odg.cat/wp-content/uploads/2014/08/energy_sovereignty_0.pdf
2 روبن ميلز ومريم سلمان، التحديات التي تواجه قطاع الكهرباء في العراق، فريدريش إيبرت،
http://library.fes.de/pdf-files/bueros/amman/16924.pdf
3 عدنان ز. أمين، كيف يمكن أن تصبح الطاقة المتجدِّدة متنافسة من حيث التكاليف، وقائع الأمم المتحدة، https://www.un.org/ar/chronicle/article/20309
4 جلبير الأشقر، السيادة والتنمية، سلسلة الاقتصاد البديل، منتدى البدائل العربي للدراسات، http://afalebanon.org/?p=5974