المؤشّرات البديلة والرفاهية الشخصية
زينب سرور

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [0.99 MB]

لعقود طويلة، احتلّ الناتج المحلي الإجمالي (GOP) صدارة مؤشّرات قياس حجم اقتصاد بلدٍ ما. و”الناتج المحلي الإجمالي عبارة عن القيمة السوقية لكلّ السلع والخدمات النهائية محلّيًّا (داخل دولة ما)، أي يتمّ إنتاجها داخل الدولة خلال فترةٍ زمنيةٍ محددة، يمكن القول إنها أيضًا كل ما ينتج من قبل الأفراد والشركات داخل الدولة”.1
وقد اقترنت النتائج الصّادرة عن هذا الناتج بمفهومَي الرّفاه وجودة الحياة لشعب دولةٍ ما على اعتبار أنّ الوضع الاقتصاديّ المتقدّم في دولةٍ ما ينعكس إيجابًا على الشّعب، وبالتالي يحقّق الرّفاه والسعادة. ومنذ “فترة الستينات”2 بدأ التذمّر من اعتماد هذا المؤشّر واعتبار أنّه “لا يعبّر عن الوضع الحقيقي للتقدّم الاقتصادي أو الرفاهية، ما أثار تساؤلات حول البدائل الإحصائية المتاحة. وقد ساهم منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس السويسرية للعام الحالي في تصعيد نغمة أن الناتج المحلي الإجمالي والرفاهية من بين المسائل الشائكة كونهما مفهومان مختلفان للغاية لكن بطريقة أو بأخرى يتم يخلط بينهما”.3

وخلال السّنوات الماضية، تزايدت الدّعوات والتّقارير التي تقلّص من أهمية الناتج المحلي الإجمالي أبرزها تقرير “ساسكو بنك” الاستثماري الذي توقّع، في تقريرٍ نشر العام الماضي، انتهاءَ “الفترة الطويلة لكون الناتج المحلي الإجمالي مؤشّرًا رئيسيًّا لرصد التقدم الاقتصادي في عام 2019”.4

انطلاقًا من هنا، وبالاستناد إلى تراجع السّياسات التي تحصر قياسَ رفاه وجودة حياة الشعوب بالناتج المحليّ فقط، بل وتدعو إلى اعتماد مؤشّراتٍ اقتصاديّةٍ بديلة، تدرس هذه الورقة أبرز المؤشرات البديلة المطروحة للناتج المحلي الإجمالي، ثمّ تعرض المؤشرات البديلة لقياس جودة الحياة كما وردت في “رابطة مسح القيم العالمية” (World Value Survey)والتي تُعتبر مؤشّراتٍ ذاتية لتقييم الرّفاه (مؤشرات الرفاهية الشخصية) على أن تقدّم تقييمًا لأبرز نقاط ضعفها وقوّتها.

أولاً: مؤشّرات بديلة للنّاتج المحلّي الإجمالي
في مقالةٍ بعنوان خمسة مقاييس للنّمو أفضل من الناتج المحلي الإجمالي، يشبّه ستيوارت واليس، الكاتب والمدافع عن نظامٍ اقتصاديّ جديد كما يعرّف عن نفسه، الناتجَ المحلي الإجمالي بعدّاد السرعة، فهو يخبرك ما إذا كان اقتصادك يسير بسرعةٍ أو ببطء. وكما في السيارات، عدّاد السرعة مفيد، لكنه لن يخبرك كلّ شيءٍ تريد معرفته. والأهم، لا يخبرك عدّاد السرعة ما إذا كنتَ تسير في الاتّجاه الصحيح أم لا5.
يعتبر واليس أنّ الاتجاه الصحيح للاقتصاد الحديث يتحدّد عبر سؤال النّاس الذين سيجيبون حتمًا: “الاقتصاد الجيّد يلتقي مع الاحتياجات الأساسية للجميع. هذا يعني أن الناس سيتمتّعون بصحّة جيّدة وسعادة في الحياة.6 ولأنه “من الممكن تمامًا أن يسير الاقتصاد أسرع وأسرع من دون الاقتراب من تحقيق هذه الأهداف، بل في الواقع بينما يسير في الاتجاه المعاكس”،7 يعرض واليس خمسة مؤشرات بديلة كانت قد عرضتها “مؤسسة الاقتصاد الجديد (The New Economics Foundation) في تقريرٍ نشرته عام 2015 هي على الشكل الآتي: مهن جيّدة، البيئة، الصحة، العدالة، الرفاهية.

أكثر ما يعنينا في ورقتنا هو المؤشّر الأخير، ذلك أنّ قياس الرّفاه الشخصي هو أحد نهجين علميّين “تم إطلاقهما خلال العقود القليلة الماضية لقياس جودة الحياة”8 إلى جانب المؤشرات الموضوعية أو الاجتماعية.

ثانيًا: مفهوم جودة الحياة
“خلال السنوات الخمسين الماضية، أصبحت جودة الحياة قضيّةً رئيسيّةً بشكلٍ متزايد والهدف الأهم الذي يتبعه الأفراد”.9 خلال تلك العقود، درس العلماءُ والمفكّرون والمنظّمات المعنيّة “جودةَ الحياة” واضعين مؤشّراتٍ لقياسها. وعلى الرّغم من الانطباع الواضح الّذي يؤمّنه المصطلح لجهة المفهوم، إلا أنّ مصطلح “نوعيّة أو جودة الحياة” مبهمٌ ومتغيّر ومن الصّعب تعيين مفهومٍ موحّد وواضحٍ له، فـفي كثيرٍ من الأحيان لا يحاول الباحثون تحديد المفهوم، ويستخدمونه بدلاً من ذلك كمؤشّر“.10 وعلى الرغم من كون مفهوم “جودة الحياة” “غامضٌ ومراوح”،11 إلا أنّه يمكن الإشارة إلى أنه يدور حول تأمين الاحتياجات، وبالتالي هو يشمل بشكلٍ أساسيّ السلامة العامّة للأفراد والمجتمعات، مع تلخيص السمات السلبية والإيجابية في الحياة. وترصد جودة الحياة الرضا عن الحياة بما في ذلك كل شيء من الصحة الجسدية، والعائلة، والتعليم، والتوظيف، والثروة، والأمان، وضمان الحرية، والمعتقدات الدينية، والبيئة. وكذلك وجهات النظر الثقافية والقيم والتوقّعات الشخصية والأهداف التي نريدها من الحياة”.12


ثالثًا: المؤشّرات البديلة الذّاتية لقياس جودة الحياة (مؤشّرات الرفاهية الشخصية)

لم يعد قياس “جودة الحياة” مقتصرًا على العاملَين الاقتصادي والاجتماعي. لقد حاجج كثرٌ أنّ “التقدم الاقتصادي قد لا يضمن في المقام الأوّل عوامل أخرى مهمّة كغياب الجريمة، وأنه في بعض الأحيان قد يُعتقد بأن التقدم الاقتصادي مرتبطٌ عكسيًّا بجوانب معيّنة من نوعية الحياة مثل وقت الفراغ أو بيئة صحية”.13 كما انطلق البعض من تأثير التّصنيع على الحياة البشرية، معتبرين أنه “في وقتٍ يحوّل التّصنيع أسلوبَ الحياة وقيمَ كل المجتمعات في الأرض، تشكّل المعرفة العلمية الخاصّة برفاهية الإنسان ضرورةً في تحديد ما إذا كان يجب أن يكون الترف المادي عامل القلق المهيمن في تحقيق نوعية الحياة المرغوب بها”.14
وانطلاقًا من اعتبار عدم صحّة “تعيين ما هو جيّد للناس من دون أخذ وجهات نظرهم بالحسبان”،15
أصبح العامل الذاتي أساسيًّا أيضًا في تعيين جودة الحياة وقياس الرّفاه. بدأ خلال السنوات الماضية التركيز على اختيار الأفراد وآرائهم تجاه السياسات العامة وكذلك طموحاتهم وأفكارهم الشخصية، وأصبح “النّهج إلى المنفعة أو الحياة المبنيّة على اختيارات الناس جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الحديث، وتُعتبر في هذا النّهج عوامل كمشاعر الفرح والسعادة والرّضا عن الحياة أساسيّة، لذلك فإن صانعي السياسات يقيمون حاليًّا وزنًا كبيرًا للاختيار”.16
ويكمن “الافتراض الأساسيّ في إمكانيّة تعريف الرّفاه من خلال تجارب النّاس الواعية من حيث مشاعر المتعة أو الرّضا المعرفي، وأنه لفهم الجودة التجريبية لرفاه الأفراد، من المناسب دراسة كيف يشعر الشخص تجاه الحياة ضمن سياق معاييره الخاصّة بشكلٍ مباشر”. 17

ولأنّ الرّضا والسّعادة والشعور الشّخصي أصبحت مؤشّرًاتٍ هامّةً في قياس جودة حياتهم، تمّ تأسيس مجالس ومنظّمات متخصّصة بالسعادة وجودة الحياة على رأسها “المجلس العالمي للسعادة وجودة الحياة” الّذي يُعــدّ “شــبكةً عالميــةً تضــم نخبــة مــن كبــار علمــاء الســعادة وجــودة الحيــاة ومهنييــن مخضرميــن فــي مجــالات وقطاعــات متنوّعــة، والتــي تشــمل علــم النفــس، والاقتصاد، والتعليــم، والصحــة، والتخطيــط الحضــري، والمجتمــع المدنـي، وقطـاع الأعمال، والحكومـة. ويعمـل المجلـس علــى تحديــد أفضــل الممارســات والسياســات المختصّــة بالســعادة وجــودة الحيــاة والقائمــة علــى الأدلة العلميــة والعمليــة وذلــك لتشــجيع اعتمادهــا لإحراز التقــدّم علــى المســتوى المحلــي والوطنــي والعالمــي”.18 ويعمل المجلس على تحديد أفضل الممارسات والسياسات المختصّة بالسعادة وجودة الحياة والقائمة على الأدلّة العلمية والعملية وذلك لتشجيع اعتمادها لإحراز التقدم على المستوى المحلي والوطني والعالمي.19

وقد تنوّعت طرق قياس ذلك وتنوّعت مصادرها إذ “طوّر علماء النفس وعلماء الأعصاب على وجه الخصوص، عددًا من الأدوات العامة لتقييم جودة الحياة الفردية متعدّدة الأبعاد، وأصبح بالإمكان قياس الجودة بطرق متعددة، بما في ذلك استبيانات الإبلاغ الذاتي، والأدوات السلوكية، والتصوير بالرنين المغناطيسي وجهاز تخطيط الدماغ، وإن أحدثها التطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتعليم الآلي والبيانات الضخمة. كما تتيح تقييمات الصحة النفسية متعدّدة الأساليب للخدمات الصحية العامة من تعقّب انتشار وظهور الاضطرابات النفسية كالاكتئاب وحالات الإدمان والقلق”.20
غير أنّ الأسلوب الأكثر اعتمادًا، والأكثر ذاتيّةً، التواصلُ المباشر مع الأفراد عبر الاستبيانات التي يدور معظمها حول رضا الفرد عن نفسه وحياته وعن سائر السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي ينهجها صانعو السياسات في الدولة، وكذلك تعكس أفكار الشخص وآراءه. “ويتكوّن الرّفاه الذاتي من ثلاثة عناصر مترابطة: الرضا عن الحياة، والتأثير السارّ، والتأثير غير السار”.21

وتُعتبر “رابطة مسح القيم العالمي”22 (World Value Survey) أحد أبرز المشاريع البحثية القائمة منذ العام 1981 التي تقدّم استبياناتٍ ومعلوماتٍ تساعد في قياس جودة الحياة. وتعتمد الرّابطة على المؤشّرات الذاتية التي تركّز على القيم والمعتقدات والرضا والرفاه والرّؤى للمستقبل على المستويين الشخصي والعام، وتقدّم استبياناتٍ تحوي ما يفوق 250 مؤشّرًا ذاتيًّا.
نورد هنا أبرز المؤشرات التي تعمل عليها الرابطة والتي تأتي على شكل أسئلة استبيانات:

أهمية الحياة: العائلة، الأصدقاء، وقت الراحة، السّياسة، العمل، الدّين.

الشعور بالسّعادة

الحالة الصحيّة (من وجهة نظر شخصية)

خصال مهمّة للأطفال: الاستقلاليّة/ الجد في العمل/ شعور بالمسؤولية/ الخيال/ احترام الآخرين/ ادّخار الأموال والأشياء/ العزيمة والمثابرة/ الإيمان الدّيني/ عدم الأنانية/ الطاعة/ التعبير عن الذات.

الرّضا عن حياتك

يمكن الثّقة بمعظم الناس

عضويّة فاعلة/ غير فاعلة: الكنيسة أو منظّمة دينية/ منظمة رياضية أو ترفيهية/ منظمة فنية/ موسيقية أو تعليمية/ اتّحاد عمّالي/ حزب سياسي/ منظّمة بيئية/ منظّمة إنسانية أو خيرية/ منظمة استهلاكية/ إلخ.

لا ترغب بأن يكون جيرانك: مدمنو المخدرات/ أشخاص من أعراق مغايرة/ مرضى الإيدز/ المهاجرون/ العمال الأجانب/ مثليّو الجنس/ الأشخاص من ديانات مختلفة/ إلخ.

عندما تعمل الأم مقابل أجر يعاني الأطفال

التعليم الجامعي أفضل للصبي من الفتاة

تغييرات مستقبلية: التّركيز بشكلٍ أقل أهمية على العمل/ احترام أكبر للسّلطات إلخ

حماية البيئة أم النمو الاقتصادي

إلى أي حد تثق بعائلتك، بجيرانك، بالأشخاص الذين تعرفهم شخصيًّا، بالأشخاص من جنسيات مختلفة إلخ.

نعتمد كثيرًا على العلم وليس بشكلٍ كافٍ على الإيمان.
النّظام السياسي: لديه زعيم قوي لا يزعجه البرلمان أو الانتخابات/ لديه خبراء، لا حكومة، يتّخذ القرارات بناءً على ما يعتقدون أنه الأفضل للبلاد/ يحكم فيه الجيش/ لديه نظام سياسي ديموقراطي إلخ.

الديموقراطية: تفرض الحكومات الضرائب على الأغنياء وتدعم الفقراء/ تفسّر السلطات الدينية القوانين/ يختار المواطنون زعماءهم في انتخاباتٍ حرّة/ يحصل المواطنون عند البطالة على مساعداتٍ دولية إلخ.

كم مرّة تصلّي

الإيمان بالله/ ما مدى أهمية الله في حياتك

الإيمان بالجحيم


رابعًا: تقييم المؤشرات البديلة الذاتية

من غير المنصف وسم تقييم مؤشرات الرّفاه الذاتي لقياس جودة الحياة بالسّلبي فقط أو الإيجابي، ذلك أنّ هذه المؤشرات تختلف أهميّتها باختلاف المجتمعات والثّقافات والأنظمة السياسية والاقتصادية في البلد نفسه، وذلك على الرّغم من تزايد الاهتمام بها خلال السّنوات الماضية من قبل صانعي السّياسات ومحدّدي جودة حياة الأفراد ومدى سعادة شعبٍ من الشعوب وتعاسة آخر.

ما لا يمكن نكرانه أنّ هذه المؤشرات تقوم على الفرديّة، إذ هناك “علاقة قوية بين مؤشرات الرفاهية الذاتية والفردية”،23 فهي ترتكز على المشاعر والآراء والطموحات والتطلّعات نحو المستقبل من منظورٍ شخصيّ لا يعير كثير اهتمامٍ للتطلّعات الجماعيّة. هنا يكمن الاختلاف، “ففي بيئةٍ مقبولة، قد يفيد البديل الفردي الكثير من الناس، بينما في الظروف القاسية، يوفّر البديل الجماعيّ مزيدًا من الأمن والنّظام، وبالتالي من المستحيل أن تملي على المجتمعات أيّهما الطريقة الأفضل، كما أنّ الأفراد والمجتمعات يختلفون في درجة اعتقادهم بأن مؤشرات الرفاهية الذاتية هي السمة الرئيسية للحياة الجيدة”.24

يستند الداعون إلى اعتماد هذه المؤشرات في تحديد السياسات وقياس رفاهية الشعوب إلى أنها تفتح المجال واسعًا أمام الأفراد وتطلّعاتهم وتعطيهم مساحةً واسعةً للتعبير عمّا يريدون، وهم بذلك يدعون الحكومات إلى اعتماد سياساتٍ تعينهم على تحقيق ذلك. كما يستندون إلى قصور عامل التقدّم الاقتصاديّ وحده على تحقيق سعادة الشعوب. ويستعين هؤلاء أيضًا بالعلاقة القائمة بين مخرجات مؤشرات الرفاهية الشخصية والمؤشرات الموضوعية، معتبرين أنّ هذه المؤشرات “تؤمّن تقييمًا إضافيًّا مهمًّا يمكن استخدامه لتقييم الأدلة الموجودة بواسطة مؤشّرات موضوعية، ذلك لأنّ معظم المؤشرات الاجتماعية الموضوعية هي قياسات غير مباشرة لما يشعر به الناس”،25 كما أنّ “الباحثين في مجال الرفاهية الشخصية كشفوا عن عددٍ من النتائج المثيرة للاهتمام على المستويات الفردية والاجتماعية والثقافية التي تكمّل مفاهيم الرّفاه السابقة التي كانت تستند إلى حدٍّ كبيرٍ إلى مؤشّراتٍ موضوعيّة”.26 بناءً عليه، بحسب داعمي هذا التّوجّه، “فعلى الرّغم من الانطباع بأنّ الذات تعني مصداقيّة علمية أقلّ، فإن قياسات الرفاهية الذاتية تمتلك صلاحية كافية”.27 وعلى الرّغم من الصلاحية الكافية المشار إليها سابقًا، من غير المعقول والعلميّ اعتبار كلّ ردود أفعال وإجابات الأشخاص صالحة ودقيقة، الأمر الذي يدفع إلى الإشارة إلى السلبيات الكثيرة التي يعتريها هذا النوع من المؤشرات في قياس جودة الحياة.
يكمن أبرز السلبيات في ارتكاز هذه المؤشرات إلى الفردية المشار إليها سابقًا على حساب الجماعيّة، ما يعني الخضوع للرّغبات والطّموحات الشخصية التي لا تتوافق بالضّرورة مع الصالح العام، بل قد تتعارض معه، كما أنها لا تعني بالضّرورة تحقيق سعادة الأشخاص “فخيارات الناس قد لا تجعلهم سعداء، أو قد تتعارض مع المُثُل المعياريّة، بمعنى آخر، قد يرغب الأشخاص في أشياء غير جيّدة أو لن تجعلهم سعداء”.28


خاتمة
لم يعد الناتج المحلي الإجمالي المؤشّر الوحيد لقياس حجم اقتصاد دولةٍ ما وبالتالي رفاه شعبها وجودة الحياة فيها. خلال العقود الماضية، خرج العديد من الأصوات التي طالبت باعتماد مؤشراتٍ اقتصادية بديلة عنه. كما بدأ اعتماد مؤشراتٍ اجتماعية وذاتيّة بديلة لقياس جودة الحياة والرفاهية.

وقد تزايد خلال السنوات الماضية الاعتماد على مؤشرات الرفاهية الذاتية لقياس الجودة والتي تستند إلى الأفكار والآراء والتطلّعات الشّخصية وتعطي مساحةً واسعةً للأفراد للتعبير عنها. وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بتعبير الفرد نفسه عن رأيه بالسياسات التي تناسب تطلّعاته واهتمام صانعي السياسات بتلك الآراء، ينطوي هذا النوع من المؤشرات على سلبياتٍ وإيجابيّات كثيرة، كغيره من المؤشرات.

وبين اعتبار العديد من علماء السياسة والاقتصاد أنّ “مؤشرات الرفاهية الذاتية ليّنة واتّهام علماء النفس باحثي المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بتجاهل مقياس النتيجة النهائية للرفاه الشخصي”،29 دعواتٌ إلى التوفيق بين الأنواع الثلاثة “ودمج نقاط القوة لكلّ منظور، فعلى الرغم من امتلاك كلّ واحدٍ من القياسات المختلفة عددًا من نقاط القوّة والضعف، إلا أنّها مكمّلة لبعضها البعض منهجيًّا ومفاهيميًّا. إن جودة الحياة بنية معقّدة متعدّدة الجوانب تتطلّب مقارباتٍ متعدّدة من زوايا نظريّة مختلفة”.30

يفسّر الدّمج بين المؤشرات الموضوعية والشخصية بسبب حاجتهما إلى بعضهما البعض، ذلك أنّ أفراد مجتمعٍ ما قد يعيشون ظروفًا اقتصاديّةً مزرية ويكونون سعداء وراضين عن حياتهم الشخصية بسبب خلفيّاتٍ دينيّةٍ أو روحيّة أو ثقافية معيّنة، والعكس صحيح، فالوضع الاقتصاديّ المتقدّم لدولةٍ ما لا يعني حكمًا أنّ شعبها سعيدٌ أو راضٍ عن وضعه، فمفهوم السّعادة وجودة الحياة والرّضا عنها معقّدٌ ومتشعّب وغير قابلٍ للتّوحيد.

————————————–

1 ماذا يعني النّاتج المحلي الإجمالي؟ العربية. نت، الأحد 20/ 8/ 2017، https://bit.ly/2GilCCQ

2 تحليل: العالم يبحث عن بديل للناتج المحلي الإجمالي، سالي إسماعيل، مباشر، 5/ 2/ 2019، https://bit.ly/2GraFQZ

3 المرجع السابق

4 10 توقّعات “مستبعدة وخطيرة” في الأسواق العالمية خلال 2019، سالي إسماعيل، 28/ 12/ 2018، https://bit.ly/2XczWnl

5 Five Measure Of Growth That Are Better Than GDP, Stewart Wallis, World Economic Forum, 18/ 4/ 2016, https://www.weforum.org/agenda/2016/04/five-measures-of-growth-that-are-better-than-gdp/

6 المرجع السابق

7 المرجع السابق

8 Measuring Quality of Life: Economic, social, and subjective indicators: Social Indicators Research, Ed Diener, Eunkook M Suh, https://bit.ly/2UC1YM6

9 Quality of Life: a challenge for Social Policy, World Value Survey, http://www.worldvaluessurvey.org/WVSEventsShow.jsp?ID=179

10 Quality of Life: Everyone Wants It, But What Is It?, IESE Insight, 4/ 9/ 2013, https://bit.ly/2UgFn2I

11 Defining Quality of Life: A Wild- Goose Chase? Barbara Barcaccia* a , Giuseppe Espositob , Maria Mataresec , Marta Bertolasoc , Marta Elvirad , Maria Grazia De Marinisc, Europe’s Journal of Psychology, https://bit.ly/2UH6oRW

12 Quality of Life: Everyone, مرجع سابق

13 Measuring Quality of Life, مرجع سابق

14 المرجع السابق

15 المرجع السابق

16 المرجع السابق

17 المرجع السابق

18 التقرير العالمي لسياسات السعادة وجودة الحياة، المجلس العالمي للسعادة وجودة الحياة، التقرير كاملاً عبر الرابط https://bit.ly/2IpA932

19 المرجع السابق

20 التقرير العالمي لسياسات السعادة، مرجع سابق

21 Measuring Quality of Life, مرجع سابق

22 رابطة مسح القيم العالمية (World Value Survey) مشروع بحثي عالمي يهدف إلى استكشاف قيم الأفراد ومعتقداتهم وكيف تتغيّر بمرور الوقت، بالإضافة إلى تأثيرها الاجتماعي والسياسي. تتولى القيام بمهامها شبكة عالمية من علماء الاجتماع قاموا منذ العام 1981 بإجراء دراسات في حوالي 100 بلد. وتركّز الرابطة عملها على دعم القيم الديموقراطية والتسامح إزاء الأجانب والأقليات العرقية، ودعم المساواة بين الجنسين وكذلك دور الدين وتغير مستويات التدين وتأثيرات العولمة والمواقف تجاه: البيئة والعمل والأسرة، والسياسة، والهوية الوطنية، والثقافة، والتنوع، وانعدام الأمن، والرفاه الشخصي. تتضمّن نتائج الدراسة معلومات لمقرّري السياسات الذين يسعون لبناء مجتمع مدني ومؤسسات ديمقراطية في البلدان النامية. وغالبًا ما يتمّ استخدام هذا العمل من قبل الحكومات في أنحاء العالم و الباحثين والطلاب والصحفيين والمنظمات العالمية ومؤسسات مثل البنك الدولي والامم المتحدة.

23 Measuring Quality of Life، مرجع سابق

24 المرجع السابق

25 المرجع السابق

26 المرجع السابق

27 Measuring Quality of Life، مرجع سابق

28 المرجع السابق

29 المرجع السابق

30 المرجع السابق

Start typing and press Enter to search