السياسات العامة ودورها في تحقيق العدالة الاجتماعية
شيماء الشرقاوي



Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [0.98 MB]

مقدمة:[1]

كان مطلب تحقيق العدالة الاجتماعية أحد المطالب الجوهرية منذ بدء الحراك في الدول العربية المختلفة، ولا تعتبر العدالة الاجتماعية مفهوما مجردا، بل أنه بتفكيك المفهوم، نجده يرتبط ارتباطا كليا بحياة المواطنين اليومية ويترجم من خلال عدالة توزيع الموارد واستهلاكها، متوسطات دخول المواطنين، سهولة الوصول للخدمات العامة، إلخ، وليتم فعليا تحقيق العدالة، يجب أن يكون ذلك من خلال تبني الحكومات لسياسات عامة في مختلف المجالات. ولا يكفي فقط تبني الحكومات لسياسات عامة معينة بل يجب أيضا أن تضمن عملية صنع السياسات العامة تحقيق العدالة الاجتماعية.

وبالتالي، فالتساؤل الرئيسي لهذه الورقة التحليلية هو محاولة فهم الكيفية التي يمكن أن تكون بها العدالة الاجتماعية جزء أساسي من عملية صنع السياسات العامة. وذلك من خلال الإجابة على عدة تساؤلات فرعية.

أولا، ما هي أنواع السياسات العامة التي من شأنها أن تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، بمعنى هل يمكن الاكتفاء بالسياسات التنظيمية فقط، أم السياسات التنموية أم التوزيعية، أم الدمج بين الأنواع المختلفة للسياسات العامة، وما إلى ذلك

ثانيا، كيف يمكن لدورة صنع السياسات العامة بمختلف مراحلها أن تراعي تحقيق العدالة الاجتماعية، وهنا تأتي أهمية الإشارة لعدة نقاط هامة منها أهمية أن تقوم عملية صنع السياسات على المبدأ التشاركي (على سبيل المثال عمليات وضع الميزانيات التشاركية)، والنقطة الأخرى لتحقيق سياسات عدالة اجتماعية فعالة هو ضرورة ضمان مبدأ الشفافية في تبني وانتهاج سياسات معينة وأيضا مبدأ المحاسبة للحكومات.

وأخيرا، كيف لعملية صنع السياسات العامة أن تراعي كافة المجالات المختلفة التي ترتبط بتحقيق العدالة الاجتماعية، فلا يمكن التقليل من أهمية الجوانب البيئية عند صنع السياسات، أيضا ضرورة أن تراعي عملية صنع السياسات العامة البعد الجندري على سبيل المثال عن الحديث عن إعادة التوزيع وما إلى ذلك.

أولا: السياسات العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية

على الرغم من أن مفهوم العدالة الاجتماعية وتطبيقاته وشعاراته، قد انعكس في الخطابات السياسية العربية المطروحة سواء في برامج حزبية أو انتخابية برلمانية أو رئاسية في أعقاب الانتفاضات العربية، إلا إن تحقيق العدالة الاجتماعية ظل مقتصرا على الخطابات ولم يلق أي صدى على أرض الواقع. فإما حصر المفهوم وتطبيقاته في مدخل واحد والتركيز عليه، على سبيل المثال عدالة الأجور والتي تعد جزءا من المفهوم الشامل للعدالة الاجتماعية، تم الاقتصار فقط على فكرة مطالبة المواطنين بها، وعدم التركيز على مؤشرات العدالة الاجتماعية الأخرى والتي ترتبط بباقي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وعلى رأسها الحق في الخدمات العامة كالصحة والتعليم. أو أن يتم التعامل مع العدالة الاجتماعية كمفهوم واسع ومجرد وليس مرتبطا بسياسات عامة ومؤشرات واقعية تعني تحقيقه، ويظهر هذا جليا في اعتبار مطالب المواطنين الاقتصادية والاجتماعية مطالب فئوية وليست مرتبطة بالحراك السياسي ويجب إرجاءها حتى تحقيق التغيير على مستوى النظام السياسي.[2]

على الناحية الأخرى، نجد أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي تبنتها حكومات ما بعد الحراك، بقيت مستمرة على النهج الذي يعلي من النمو على حساب عدالة التوزيع، ويعمل على تحفيز تراكم ثروات الأغنياء، وتجاهل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة التي يعيش فيها فئات عريضة من الشعب، وفشلت الحكومات العربية الجديدة في مصر وتونس بالأخص في الاستجابة لمطالبات المواطنين بالعدالة الاجتماعية من خلال سياسات مختلفة تعيد النظر في توزيع الثروة من ناحية، وفي توزيع الأعباء على المواطنين من ناحية أخرى.[3]

وكان لاستمرار نفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية أسبابا عديدة، بعضها مرتبط بخيارات الحكومات في الدول التي شهدت حراك والتي اختارت تبني سياسات السوق متجاهلة كل مطالب المواطنين بتغيير السياسات الاقتصادية التي أدت لإفقارهم والمطالب بإعادة توزيع الثورة والتراجع عن خصخصة الخدمات العامة، والرجوع عن تبني سياسات تحرير قطاعات الزراعة والطاقة والبنية التحتية.[4] وكان هذا جليا في اتباع الحكومات مثل تونس ومصر بعد الحراك لسياسات مثل توجيه الكثير من الاستثمارات لقطاعات لا تدر فائدة كبرى على تحسين أوضاع المواطنين نحو المزيد من العدالة الاجتماعية مثل قطاعات السياحة والعقارات والإنشاء والتجارة الاستهلاكية. وتزداد قوة النخب وقدرتها على استغلال نفوذها مع تبني السياسات النيوليبرالية والتي تقوم بدورها بتعميق الفوارق الاقتصادية والاجتماعية وتؤدي بمرور الوقت لزيادة حدة الفقر والتهميش وانعدام المساواة.[5]

وبالتالي يمكن القول إن تحقيق العدالة الاجتماعية يرتبط بالخيارات السياسية السياسات العامة المتبناة من قبل الحكومات، وإذا قلنا إن السياسات العامة تنقسم لأربعة أنواع أساسية وهي سياسات تنظيمية، سياسات تنموية، سياسات توزيعية، وسياسات إعادة التوزيع. فإن تبني أحد أنواع السياسات العامة دون باقي الأنواع كما حدث من تبني لسياسات قائمة على تعظيم النمو والاستثمارات ما يعبر عن غلبة نوع على الأنواع الأخرى وهذا بدوره يؤدي إلى خلل في السياسات العامة ككل، وهو ما ينعكس سلبا على أي سياسات متعلقة بالعدالة الاجتماعية، فبدون سياسات تنموية سيكون من الصعب تطبيق سياسات مرتبطة بالعدالة الاجتماعية بشكل كاف، وبدون سياسات توزيع لن نتمكن من إيصال أثر هذه السياسات إلى عموم المواطنين، وبدون إعادة توزيع فلن تصل السياسات للفئات غير المستفيدة بشكل مباشر من هذه السياسات وستظل قاصرة على فئات بعينها. وبدون سياسات تنظيمية لن نتمكن من ضمان ضبط واستمرارية هذه السياسات.[6]

وبالتالي فتبني الدمج بين الأنواع المختلفة من السياسات العامة من شانه أن يساهم في السير نحو المزيد من العدالة الاجتماعية عن طريق سياسات اجتماعية شاملة تعمل تتبناها الحكومات وتكون قائمة على تنمية القطاعات الاقتصادية المختلفة وما سيترتب على ذلك من خلق لوظائف العمل وأن تكون قائمة أيضا على أهمية كفالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين مثل التعليم والصحة، وأن تقوم أيضا على إعادة التوزيع للثروات والحماية الاجتماعية بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية.

وتعتمد بعض الدول في هذا الشأن ما يطلق عليه سياسات الرعاية الاجتماعية، كأداة لتحقيق العدالة الاجتماعية أو حتى للحفاظ على استقرار اجتماعي واقتصادي للمجتمع ككل، والسياسة الاجتماعية بهذا المعني هي إطار شامل لمختلف فئات المجتمع، ولا يتوقف عند فئة دون غيرها، لأن هدف الرعاية الاجتماعية هو النهوض بالمجتمع كله، وتحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة الذي يضمن الكرامة الإنسانية لمختلف فئات المجتمع، بالرغم من أنه على مستوى الفئات المستهدفة، فإن هناك شرائح عدة تكون موضوعة على قائمة الأولويات في هذا الإطار، وهي العمال، والشرائح الأقل قدرة وتمكينا في المجتمع، مثل النساء والأطفال.

ويمكننا هنا الإشارة لبعض أمثلة لدول قامت بتبني سياسات عامة ساهمت في تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، ومنها:

  • أوروجواي و”خطة المساواة الاجتماعية:” والتي تعتبر أحد أنجح تجارب أمريكا اللاتينية في مجال سياسات الأمان الاجتماعي ومكافحة الفقر، فقد ساهمت سياسات رئيس أوروجواي السابق، تابارى فاسكوز، الاجتماعية في تخفيض معدلات الفقر من 32% عام 2004 إلى نحو 18% في عام 2010، وقد صممت أوروجواي برنامج خدمات “الطوارئ الاجتماعية” والذي يشتمل على تحويلات نقدية للأسر شديدة الفقر، ونظام تشغيل مؤقت وتدريب، إلى جانب تقديم كروت للحصول على الغذاء وامتيازات أخرى، ثم طورته أوروجواي في عام 2007 وأطلقت عليه برنامج “خطة المساواة الاجتماعية”. وتعتبر حكومة فاسكوز أن نجاحها في مكافحة الفقر لا يرتبط فقط بالسياسات الاجتماعية التي تتبعها ولكن أيضا بمجمل السياسات الاقتصادية المطبقة، حيث نجح المجلس الثلاثي للأجور، المشكل من ممثلين للحكومة والعمال والهيئات المشغلة، في المساهمة في رفع الأجور الحقيقية بنسبة 18% خلال أربع سنوات، بالإضافة إلى النظام الضريبي الذي بدأته في عام 2007، الذي قلل من الضرائب غير المباشرة خاصة على المنتجات الغذائية، وتتمثل في ضريبة القيمة المضافة. [7]
  • سياسة الإعانة البرازيلية “بولسا فاميليا”: والتي حققت إنجازا في الحد من الفقر في البرازيل فقد وصل عدد المستفيدين إلى نحو 11 مليون أسرة، وهو ما يعنى 64 مليون شخص بما يعادل حوالي 33% من الشعب البرازيلي. وبشكل عام فقد ساعد برنامج (بولسا فاميليا) في خفض مؤشر جيني بنسبة 21%، في حين أدت عمليات رفع الحد الأدنى من الأجور إلى خفض المؤشر بنسبة 32%. ويقول البنك الدولي أن دخل أفقر 10% من السكان يزيد بنسبة 9% سنويا في حين يزيد دخل الطبقات الأغنى بنسبة تتراوح بين 2: 4% سنويا، وهذا يعنى تقليل الفجوة بين الطبقات بصورة تدريجية. إلى جانب ذلك أدى تغيير سياسات الإقراض وتوفير التسهيلات الائتمانية، إلى تسهيل إقامة المشروعات الصغيرة وتوفير فرص عمل ورفع مستوى الطاقة الإنتاجية والنمو وهو ما ساهم بشكل عام في حل مشكلة الفقر، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإعانات لم تكن هبة من الدولة بل تم اعتمادها كسياسة عامة، تصاغ بطرق تشاركية وقادرة على الوقوف على الاحتياجات المجتمعية المحلية بشكل كبير، وهو ما يعكس إرادة سياسية قوية نحو تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية تقترب من مفهوم العدالة بحيث تضمن عدالة في التخطيط والتنفيذ والرقابة.[8]

على الناحية الأخرى نجد نموذج الدول الإسكندنافية والتي تتبع نموذج دولة الرفاهة بالمعنى الشامل (خاصة إذا ما قورنت بالدول الغربية الأخرى التي قد تتبع بعض ملامحه) بهدف تحفيز العنصر الشخصي على الإبداع والعمل وتشجيع الحراك الطبقي وضمان شامل لحقوق الإنسان بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأوضاع الاقتصادية الكلية بشكل صحي مع الالتزام بحرية التجارة. ويتميز نموذج الدول الإسكندنافية بتأكيده على تعظيم المساهمة في قوة العمل والمساواة بين الجنسين وتوزيع الدخل بشكل عادل والاستخدام الحر للسياسات المالية التوسعية. وجدير بالذكر أن حجم القطاع العام كبير نسبيا في هذه الدول إذ يعمل به في المتوسط 30% من القوى العاملة بها. ومن الممكن أن نحدد ستة مجالات أساسية للعدالة الاجتماعية تتخذ فيها هذه الدول العديد من السياسات لتحقيقها وتشمل: تقليل ومنع الفقر، النفاذ إلى التعليم، الإدماج في سوق العمل، الترابط الاجتماعي وعدم التمييز، الصحة، العدالة بين الأجيال. ووفقا لهذه المحددات تعمل الدول على اتباع مجموعة من السياسات المتكاملة بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان إرساء شبكة ضمان اجتماعي متكاملة. ومن هذه السياسات:

  1. الأنظمة الضريبية ذات الضرائب المرتفعة على الدخل والتي تصل لأعلى المستويات في العالم (فى المتوسط أكثر من 45%)
  2. التعليم المجاني مع المساواة سواء بالنسبة للعرق أو الجنس،
  3. التأمين الصحي الشامل لجميع أفراد المجتمع،
  4. الرعاية السخية للآباء والأطفال والحث على الإنجاب مع تقديم التسهيلات المادية والإجرائية،
  5. تقليل الفساد بأكبر شكل ممكن (هذه الدول بها أقل نسب للفساد على مستوى العالم)،
  6. الإدماج في سوق العمل بالنسبة لأكبر عدد من المواطنين مع ضمان حقوق العمال،
  7. نظام معاشات يضمن حياة كريمة،
  8. العديد من الخدمات العامة التي تهتم بالجودة وتحترم آدمية المواطن إذ أن الإنفاق العام يصل في المتوسط إلى أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة تعد من أعلى النسب على مستوى العالم أجمع.[9]

وبالتالي يمكننا استنتاج أن تحقيق العدالة الاجتماعية لا يتفصل عن تبني الحكومات العربية لسياسات عامة واقعية تركز على معالجة المؤشرات المختلفة لمفهوم العدالة الاجتماعية وليس فقط الاكتفاء بالنص على العدالة الاجتماعية كمفهوم مجرد في النصوص الدستورية والقوانين مع الاستمرار في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أدت لاندلاع الحراكات الشعبية من البداية.

ثانيا: عملية صنع السياسات العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية

في سياق آخر، تجدر الإشارة إلى أن عملية صنع السياسات العامة تؤثر بشكل كبير على مدى تحقق العدالة الاجتماعية. حيث أنه من أهم مؤشرات السياسة العامة الفعالة والناجحة هو كونها تتم بطريقة تشاركية، وضمان مبدأي المحاسبة والشفافية في صنع واتخاذ القرارات.

فهناك علاقة بين عدم تحقق العدالة الاجتماعية وبين الفساد والذي بدروه يؤثر على عمليات توزيع وإعادة توزيع الثروات، فيعد الإفلات من العقاب أحد الأسباب الرئيسية التي أدت ولا زالت إلى تفشي الفساد والرشوة في المنطقة العربية. على سبيل المثال في المغرب، ورغم أن الدستور الجديد يربط المسؤولية بالمحاسبة، نجد أن هناك معدلات فساد عالية مما يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني بتقليص الاستثمار المنتج وتقويض المنافسة الشريفة وتعطيل تنافسية المقاولات وتعميق الفقر وتهديد السلم الاجتماعي. فالحكومة المغربية توفر بالكاد الحد الأدنى من المعلومات المتعلقة بالموازنة للمواطنين، كما لا توفر أية إمكانية للتتبع العام للميزانية. هذا إلى جانب ضعف آليات المراقبة التي تتوفر عليها كل من السلطة التشريعية والمجلس الأعلى للحسابات لمتابعة الموازنة. في الوقت ذاته تمثل الصفقات العامة الجانب الأكبر من النفقات العامة وتعتبر شفافية الإجراءات المتبعة في تلك الصفقات بما يضمن المنافسة الشريفة وصولا إلى أسعار تنافسية ومعقولة مقابل الأشغال والسلع أو الخدمات المقدمة، حقا أساسيا ومشروعا باعتبارها مدخلا أساسيا لحماية المال العام ومرتكزا رئيسيا لدولة القانون والنظام الديمقراطي. وقد سن المشرع المغربي عدة نصوص قانونية لضمان شفافية ونزاهة الصفقات العامة. ولكن الواقع يؤكد أن الصفقات العامة ورغم كل النصوص القانونية وكل الشعارات الحكومية، لا تزال مجالا لشيوع الرشوة وجميع أنواع الفساد (صفقة تدبير النفايات بمدينة سلا خلال 2015، صفقة اللقاحات في عهد وزيرة الصحة السابقة……الخ)، مما يؤثر سلبا على جودة السلع والخدمات ويضيع على الدولة مليارات الدراهم، مما يرهن التنمية الاقتصادية والأجيال القادمة عبر الالتجاء إلى القروض.[10]

ولم يختلف الواقع في مصر كثيرا، فقد تمثل الفساد الإداري والمالي في غياب الطابع المؤسسي للدولة واستبداله بتزاوج فادح بين الثروة والسلطة، حيث أصبحت الدولة يتحكم في مسارها الاقتصادي والسياسي حفنة من رجال الأعمال لا يتجاوز عددهم العشرات، وبات واضحا هيمنة السلطة التنفيذية -ممثلة بالتحديد في مؤسسة الرئاسة والإدارات التابعة لها- على باقي السلطات، للدرجة التي كان يجري استخدام السلطة التشريعية لإضفاء الطابع القانوني على ما يتم نهبه من الثروات المصرية. وهناك العديد من الأمثلة الصارخة الدالة على ذلك مثال قانون مكافحة الاحتكار الاقتصادي الذي تأخر إصداره أكثر من عشر سنوات (جرى النقاش حوله من عام 1994 حتى إقراره في البرلمان سنة 2005) وعندما تم إقراره تغاضى عن الكثير من صور الاحتكار الاقتصادي مثال سيطرة شركة حديد عز التابعة لرجل الأعمال أحمد عز على 72% من سوق الحديد في مصر. في الإطار ذاته فقد تم استحداث مجموعة من القرارات المتعلقة بإدارة المال العام، التي بموجبها تم حجب رقابة السلطة التشريعية على إدارة المال العام وذلك من خلال استحداث نماذج الشركات القابضة فيما يتعلق بإدارة الموارد الاقتصادية في البلاد. وهذا النوع من الشركات لم يكن متداولا قبل عام 1991 وهو العام الذي صدر فيه القانون “203” المعروف باسم قانون قطاع الأعمال العام، وهو القانون الذي تم على ضوئه سياسة خصخصة شركات القطاع العام وتحويلها إلى ملكية خاصة، حيث شهدت عملية الخصخصة تلك أشكال عديدة من الفساد المالي والإداري. وهذا النموذج من الشركات جرى تعميمه في كافة القطاعات الاقتصادية، فقطاع الإسكان شهد إنشاء الشركة القابضة لهيئة المجتمعات العمرانية، الأمر الذي أتاح التصرف بالبيع في أراضي مصر. [11] وبالتالي فيما يتعلق بموضوع الفساد والشفافية في الدول التي شهدت حراك شعبي مثل المغرب ومصر، نلاحظ استمرار نمط الفساد وإعادة إنتاجه. حيث لا زالت أوضاع الفساد قائمة ولم تتقلص معدلاته سواء قبل عام 2011 أو بعده. ولعل التناقضات الواضحة بين الحقوق التي ترد بالدساتير وخاصة الدستور المغربي والمصري فيما يتعلق بإعمال المعايير المتعلقة بالشفافية ومكافحة الفساد وبين التشريعات والقوانين التي تعكس تلك الحقوق حيث تفرغها من محتوياتها، راجعة بالأساس إلى ما ذهبت إليه الدساتير في إرجاع تنفيذ الحقوق التي ترد بالدساتير إلى القوانين التي تفرغها من محتواها.

وفي نفس السياق، لا زالت الموازنة في العديد من دول المنطقة العربية، تعتمد في إعدادها على كونها مجرد بيان مالي دون الاهتمام الكافي بتعديلها بحيث تقوم على قاعدة البرامج والأداء. كما أن غياب المنهاجية التشاركية في إعداد الموازنة وسيادة المركزية الشديدة رغم كل دعاوي اللامركزية في برامج الإصلاح المختلفة، تحد من إمكانية إشراك المواطنين في إعداد الموازنة.

على الناحية الأخرى، هناك ما يطلق عليه “مدخل الحقوق” في إعداد الموازنة العامة ولعل تطبيق مدخل الحقوق في الموازنة العامة للدولة يتطلب تفصيلا واضحا للهدف من الإنفاق العام والذي يتمثل في توفير وحماية واستيفاء الحقوق التي تكون في الكثير من الأحيان مقرة دستوريا. وهذا ما يتطلب موازنة تمكن المواطن من مراقبة مجموعة الأهداف المرتبطة بالحقوق من الأساس، وهو ما لا يمكن في حالة موازنة البنود (المتبعة في الكثير من دول المنطقة العربية)، بل يحتاج لموازنة برامج؛ وفى موازنات البرامج يتم توزيع الإنفاق على برامج محددة تمثل مجموعات من الأنشطة تتصل بأهداف حكومية محددة، مثل برامج الرعاية الصحية الأولية وبرامج التعليم، وتمثل خطوة رئيسية فى التحول نحو إعداد موازنة البرامج والمحاسبة على الأداء. وذلك بدلا من موازنة البنود التي تقوم على سرد بنود محاسبية صماء للإنفاق العام دون هدف واضح من الإنفاق يمكن مراقبة تحققه، وينحسر فيها دور الجهات الرقابية في هذه الحالة على الرقابة المحاسبية دون وجود أية رقابة حول تحقق الأثر الاجتماعي والاقتصادي من الإنفاق العام.[12]

ومن جهة أخرى، لا زالت الانتخابات التشريعية والمحلية لا تتمتع بالنزاهة الكافية وذلك فيما يتعلق بكافة إجراءات العملية الانتخابية، الأمر الذي يأتي بمجالس لا تعبر عن الإرادة الحرة للناخبين. ومما لا شك فيه فإن افتقاد العملية الانتخابية لمعايير النزاهة تنعكس سلبا على عملية ومراحل إعداد الموازنة والموافقة عليها أو رفضها من قبل المجالس المنتخبة. [13] وفوق كل هذا وعلى الرغم من حالة الحراك، إلا أن تلك النظم استمرت في غلق قنوات التعبير وتقييد الحريات العامة، والسعي لتغييب وإضعاف مختلف القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمكنها أن تطرح بدائل للفئة الحاكمة وعدم فتح المجال أمامها للمشاركة في صنع السياسات العامة، وكل هذا لا يتوافق مع مبادئ الحكم الرشيد والذي من شأنه أن يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية.[14]

ثالثا: القضايا المرتبطة بالعدالة الاجتماعية وعملية صنع السياسات العامة

هناك العديد من القضايا التي لا يمكن فصلها عن تحقيق العدالة الاجتماعية، والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند صنع سياسات تهدف لتحقيق قدر من العدالة، وسنتطرق لقضيتي البيئة والمرأة كأمثلة لتلك القضايا.

  • قضية المرأة والعدالة الاجتماعية:

لا يمكننا إغفال أن هناك بعض الفئات الاجتماعية التي تؤثر عليها السياسات الاقتصادية غير المراعية لاعتبارات العدالة بالسلب أكثر من غيرها ومن هذه الفئات النساء. فقد أفرز تنامي عولمة رأس المال، نشأة اقتصاديات هشة غير قادرة على خلق أسواق عمل صلبة، ومواجهة أزمة البطالة وخاصة في صفوف النساء، إذ يعتبرن أولى الضحايا اللاتي لم يستوعبهن سوق العمل الذي اعتمد تقسيما جندريا، باعتبار الرواسب الثقافية وهيمنة الفكر الذكوري الذي يحمل في طياته ملامح وتعبيرات وثقافة سائدة مبنية على عدم المساواة والتقسيم غير العادل للثروات تعتبر تقديرات معدلات عدم التساوي في الدخل في العالم متباينة ومثيرة للكثير من الجدل. كما أن التقدم المنجز في عدد النساء العاملات بأجر، تباطأ بسبب الأزمة المالية الاقتصادية بين 2008 و2009، وخصوصا في المجالات الصناعية.[15]

كما انتشرت الأشكال الهشة غير اللائقة للعمل إذ أمام الفقر الذي ألم بأكثر من ثلثي سكان العالم وانعدام العدالة الاجتماعية فإن ملايين الأشخاص يقبلون بأي شروط للعمل نظرا لغياب الاختيارات العادلة وهو ما يناقض شروط التنمية نفسها، وأمام أشكال التعسف والاستغلال الذي تمارسه رؤوس الأموال يتم تشغيل الآلاف من الأطفال والنساء في الصناعات الخطرة ويتعرضون للعمل بالإكراه ويتم استغلالهم جنسيا والاتجار بهم. كما تبين الإحصائيات العالمية أن في سنة 2012 تعرض 14 مليون شخص إلى الاستغلال في العمل و4.5 ملايين للاستغلال الجنسي غالبيتهم من النساء والفتيات. وتقر نفس الإحصائيات أنه على الصعيد العالمي فإن عدم المساواة في الأجور بلغ مستويات مرتفعة رغم أن القوانين الوطنية لعديد البلدان النامية تقر بالمساواة في الأجور إذ تتقاضى المرأة 24% أقل من أجر الرجل وهي لا تشغل سوى 25% من المناصب الإدارية والقيادية في عالم الأعمال ولا تشغل أي منصب في الإدارة العليا في 32% من الشركات ولا تزال حصة المرأة تناهز 22% من المقاعد النيابية في المجالس الوطنية.

وبالتالي فهذا الواقع التمييزي في توزيع الثروة، يخلق واقعا هشا للنساء، فظاهرة تأنيث الفقر تزداد بتعميق الفوارق بين مختلف الفئات الشعبية واحتداد التمييز القانوني بين الجنسين في الحقوق وإقصاء النساء من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخصوصا من مراكز صنع القرار، ومن المشاركة في البناء الاقتصادي. فانعدام المساواة وتكافؤ الفرص في مجال العمل لن يؤدي سوى إلى مزيد من الانقسامات والفوارق في المجتمع.[16] وبالتالي فوضع الأبعاد الجندرية محل الاعتبار عند صنع السياسات العامة من شأنه أن يحسن من تلك الأوضاع السابقة وهنا لا يمكن الاكتفاء فقط بوضع برامج اجتماعية موجهة للنساء على الرغم من أهمية تلك البرامج. بل يجب ان يتم إدماج النساء في عملية صنع السياسات العامة ككل باعتبارهن فاعل رئيسي قادر على تحديد مسارات السياسات العامة التي من شأنها أن تحسن من أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية.

  • قضية البيئة والعدالة الاجتماعية:

عند الحديث حول قضية البيئة والعدلة الاجتماعية نجد أن النظام الاقتصادي السائد في معظم الدول العربية له العديد من الآثار السلبية على البيئة، وهذه الآثار تظهر على مستويين أولا هو احتكار الاقتصاد الرأسمالي للموارد البيئية، فنجد أن العديد من الفئات في الدول العربية، والتي تتخذ من الموارد البيئية مصدرا أساسيا لدخلها مثال الفلاحين، الصيادين، وما إلى ذلك، حيث تعاني من تدني في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهناك العديد من الأسباب التي تكمن وراء هذا التدني، من بينها تزايد معدلات الاحتكار للموارد من جانب وضعف الوصول لتلك الموارد من جانب آخر. حيث ترتبط زيادة الإنتاجية الغذائية على سبيل المثال، في هذا النمط من خلال بناء المزارع الكبيرة باعتبارها الأساس للقضاء على المشكلات المتعلقة بتحقيق الأمن الغذائي. في المقابل فإن تطبيقات هذا النمط الرأسمالي يدفع بمزيد من خروج الملاك الصغار للأراضي الزراعية وانتقالهم إلى العمل كعمالة زراعية في المزارع الكبيرة أو في القطاعات الصناعية والخدمية المختلفة، ما يؤثر بشكل مباشر على علاقات العمل والملكية ويخلق المزيد من التفاوت الطبقي. [17]

ثانيا فيما يخص العلاقة بين هذا النمط والأزمة البيئية، نجد أن له أثر بالغ على البيئة، حيث تعتمد أطروحته الأساسية على الاهتمام المفرط بتزايد معدلات النمو والإنتاجية، ما أدى إلى الاعتماد بشكل أساسي على موارد الطاقة غير المتجددة (كصناعات البترول ومشتقاتها) في مقابل الإهمال بل وفي الكثير من الأحيان التدمير المتعمد للطبيعة، وقد نتج عن ذلك العديد من الأزمات المناخية والبيئية مثل الاحتباس الحراري.[18]

وبالتالي، فمراعاة الجوانب البيئية عند صنع السياسات الاقتصادية من شأنه من ناحية سيساهم صنع السياسات بطريقة تشاركية لامركزية في إعطاء الفرص للمجتمعات المحلية لمعرفة واستغلال مواردها البيئية المختلفة بالشكل الأمثل دون الإخلال بها وبعيدا عن احتكار نظام السوق للموارد. ومن ناحية أخرى مراعاة الجوانب البيئية يعزز من الحفاظ على البيئة من خلال الترويج لنماذج اقتصادية تحافظ على البيئة من منطلق الضرورة الحتمية وليس من قبيل الرفاهية.

الخاتمة:

يتطلب تحقيق العدالة الاجتماعية ما هو أكبر من مجرد وضع نصوص دستورية والمناداة بشعارات حزبية وانتخابية، فتحقيق تحقيق العدالة يتطلب وجود إرادة سياسية حقيقية وهذه الإرادة تتجلى في تبني سياسات عامة شاملة تتعامل مع المؤشرات والجوانب المختلفة لمفهوم العدالة الاجتماعية كعدالة التوزيع، المساواة، وما إلى ذلك. وحتى تكون تلك السياسات ناجحة وفاعلة فلا يمكن ان يتم الاكتفاء بنوع واحد من السياسات العامة أو بالتركيز على أحد مؤشرات العدالة وذلك لأن كافة المؤشرات ترتبط ببعضها وتؤثر على بعضها فلا يمكن التعامل مع مؤشر عدالة الأجور دون التعامل مع مؤشر عدالة الوصول للموارد وأنماط الاستهلاك المختلفة على سبيل المثال. وذلك حتى تتحقق عدالة اجتماعية متكاملة.

على الناحية الأخرى، يجب التأكيد على ضرورة أن تتم عملية صنع السياسات العامة في إطار تشاركي وديمقراطي يضمن شفافية العملية ومحاسبة المسئولين السياسيين حتى لا تبقى النسبة الأعظم من المواطنين دائما تحت سيطرة حفنة من المسيطرين والمتحكمين في الموارد الاقتصادية والذين يعملون على تعظيم أرباحهم ومكاسبهم دون الالتفات للغالبية العظمى من المواطنين مما يعمق من الفوارق الطبقية والاجتماعية ويزيد من معدلات الفساد على كافة المستويات، وهذا في النهاية يعزز من وضعية العدالة الاجتماعية المتراجعة.

إلى جانب ذاك، فعملية صنع السياسات العامة يجب ألا تتغافل عن الأبعاد الأخرى المرتبطة بتحقيق العدالة الاجتماعية كالبعد الجندري خاصة فيما يتعلق بعدالة توزيع الموارد، وأيضا الأبعاد البيئية وآثار السياسات على المدى البعيد والتعامل مع تلك القضية بشكل جدي، وهنا يمكننا التأكيد على أن تلك الأبعاد يمكن الانتباه لها من خلال تغيير المنهاجية التي يتم اتباعها أولا في اتخذا القرارات وصنع السياسات وثانيا من حيث منهاجية عمل الموازنات سواء كانت الموازنات المحلية أو الموازنة العامة للدولة وهذا يمكن تداركه من خلال ما أشرنا له وهو مدخل الحقوق في وضع الموازنات والذي يعتمد على موازنة البرامج بدلا من موازنة البنود والتي بدورها تساهم في توجيه الإنفاق بشكل عادل، مما سيساهم في النهاية في تحسين وضعية العدالة الاجتماعية.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] مساعد باحث: ياسمين أيمن.

[2] محمد العجاتي، خاتمة كتاب العدالة الاجتماعية: المفهوم والسياسات بعد الثورات العربية (أوراق مؤتمر ـ القاهرة 18 و19 مايو 2014)، https://goo.gl/BCfM1R

[3] هبة خليل، سياسات الاتحاد الأوروبي والعدالة الاجتماعية في الدول العربية: ماذا تعلم الاتحاد الأوروبي من الثورات العربية؟ (رؤية نقدية)، كتاب العدالة الاجتماعية: المفهوم والسياسات بعد الثورات العربية (أوراق مؤتمر ـ القاهرة 18 و19 مايو 2014)، https://goo.gl/BCfM1R

[4] المرجع السابق.

[5]توفيق حداد، انعدام المساواة والبحث عن البدائل التنموية لتحقيق العدالة الاجتماعية”، الفجوات الاجتماعية والفوارق الطبقية في المنطقة العربية، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2016، https://goo.gl/hgJN85

[6] محمد العجاتي، العدالة الاجتماعية بين السياسي والاقتصادي، العدالة الاجتماعية. مفاهيم وتطبيقات “دليل تدريبي”، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2015، https://goo.gl/QEa6ZS

[7] عمر سمير خلف، العدالة الاجتماعية: دروس من تجارب أمريكا اللاتينية، العدالة الاجتماعية. مفاهيم وتطبيقات “دليل تدريبي”، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2015، https://goo.gl/QEa6ZS

[8] المرجع السابق.

[9] أحمد فاروق غنيم، العدالة الاجتماعية في النموذج الرأسمالي، العدالة الاجتماعية. مفاهيم وتطبيقات “دليل تدريبي”، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2015، https://goo.gl/QEa6ZS

[10]رجاء الكساب، الشفافية وحدود العدالة الاجتماعية: المغرب ومصر نموذجا، في محمد العجاتي (محررا)، العدالة الاجتماعية بين الحراك الشعبي والمسارات السياسية في البلدان العربية، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2015، https://goo.gl/FSufrL

[11] المرجع السابق.

[12] ريم عبد الحليم، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى الموازنة العامة، في ” إصلاح الخدمات العامة في مصر (واقع وتحديات)”، أعمال مؤتمر: إصلاح الخدمات العامة في مصر (29 نوفمبر – 2 ديسمبر 2015)، منتدى البدائل العربي للدراسات، يونيو 2016، https://goo.gl/Gvn7Tc

[13]نفس المرجع.

[14] فضيلة عكاش (مداخلة)، كتاب العدالة الاجتماعية: المفهوم والسياسات بعد الثورات العربية (أوراق مؤتمر ـ القاهرة 18 و19 مايو 2014)، https://goo.gl/BCfM1R

[15]منجية هادفي، التمكين الاقتصادي للنساء بين السياسات الاقتصادية الرأسمالية والبدائل الاقتصادية، الفجوات الاجتماعية والفوارق الطبقية في المنطقة العربية، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2016، https://goo.gl/hgJN85

[16] المرجع السابق.

[17] عبد المولى إسماعيل، الإشكاليات البيئية للاقتصاد الراهن وأطروحات اقتصاد بديل يتعامل معها، الفجوات الاجتماعية والفوارق الطبقية في المنطقة العربية، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2016، https://goo.gl/hgJN85

[18] داليا هاني، كيف تدمر الرأسمالية البيئة، بوابة الاشتراكي، 29 مارس 2015، http://revsoc.me/theory/34362/

Start typing and press Enter to search