خلود الزغير ,كارولين بربري
مصر
نشرت الباحثة كارولين بربري في “مجلة العالم الثالث” Revue Tiers Monde العدد (N° 226-227) من العام ٢٠١٦ دراسة تحت عنوان: نمط آخر للشباب “الأقباط” في الثورة المصرية: التسييس ومسارات الانخراط في اتحاد شباب ماسبيرو.
تبحث هذه الدراسة في أنماط المشاركة السياسية للشباب الأقباط الذين ساهموا بتأسيس اتحاد شباب ماسبيرو في آذار ٢٠١١. حيث تدرس العلاقة بين اتحاد شباب ماسبيرو، كأحد قوى شباب الثورة، وباقي القوى الثورية في مصر. وذلك من خلال تناول عمليات التسييس لدى مختلف القوى الثورية. تركز الدراسة بشكل أساسي على علاقة هذه الحركة بالكنيسة وتأثيرها على الشباب من جهة، وعلاقتها بالنظام السياسي من جهة أخرى. لتتساءل بالنهاية عن مدى إسهام اتحاد شباب ماسبيرو في النضال القبطي بشكل خاص وبثورة ٢٠١١ بشكل عام؟
تعتمد الباحثة في دراستها على نظرية روبيرت بينفورد وديفيد سنو حول تحليل أطر/أنساق الحركات الاجتماعية (frame analysis for social movement). حيث يشير مفهوم الإطار/النسق (frame) هنا للنماذج المتعددة في تفسير وصياغة الأحداث من شخص لآخر ومن مجموعة لأخرى.
كما تستخدم منهج دراسة الحالة، متخذة من تحليل المسار السياسي للشابين ملاك وأبانوب أمثلة حيّة لنمط مختلف من الشباب القبطي الناشط سياسيا، دون أن تدعي تمثيلهم لحراك الشباب القبطي عموما. بناء على ذلك، تدرس تجربة التنشئة الاجتماعية لكلّ منهما، وخاصة دور الكنيسة الأرثوذكسية في مسارهما. إضافة لإجراء مقارنات بين أساليب التسييس والمشاركة السياسية التي يخضع لها الشباب الأقباط وبين باقي الشباب المصري من جيلهم.
الجزء الأول: أوصاف متقاطعة لناشطَين قبطيّين
يتناول هذا الجزء محورين أساسيين. في المحور الأول تتناول الباحثة عمليات الإقصاء والدمج التي يتعرض لها الشباب القبطي من خلال دراسة تجربة (ملاك) أحد المبحوثين.
يُسلّط الضوء في هذا المحور على الدور الذي تلعبه البيئة الاجتماعية لبعض المدن الصغيرة والمغلقة، كمدينة “المنيا” التي تعتبر “بؤرة طائفية”، في ترسيخ الانقسام والتمايز المجتمعي بين المسلمين والمسيحيين. يبدو أن هذا التمايز لا يتم في بلد كمصر بشكل رقمي، أي على أساس أغلبية وأقلية عددية، بقدر ما يتم بالشكل الرمزي الذي يكرس الهيمنة الثقافية لجماعة معينة على أخرى. على سبيل المثال: التمايز من خلال الأسماء المسيحية، وشم الصليب على اليد اليمنى، اتباع نظام غذائي يعتمد على الزيت.
وفقا لشهادة (ملاك)، يُمارس هذا التمايز داخل الحقل التعليمي من خلال حرمان الطلاب المسيحيين المتفوقين في المسابقات بين المدارس من الحصول على الدرجة الأولى، وذلك بسبب عدم إلمامهم بالقرآن. في عملية التمايز هذه بين الطلاب المسلمين والمسيحيين يوظّف الرمز (الاسم المسيحي لملاك) في عملية الإقصاء الممارسة، على اعتبار أن حامله لا يمثل “القيم الاجتماعية” المطلوبة للجماعة المهيمنة. وبالتالي يتم إبعاده عن المركز الأول لمسابقات تشترط الإلمام بثقافة الأغلبية المسلمة، بدلا من أن يكون التفوق العلمي معيارا لحيازة مركز داخل الحقل الدراسي.
تشير الدراسة إلى أن نظام التعليم منذ العهد الناصري قد بدأ يشهد أسلمة واسعة خاصة في دروس التاريخ التي تغفل الحقبة القبطية من تاريخ مصر، كذلك في دروس اللغة العربية التي تستند على النصوص القرآنية. بالإضافة لذلك، بدأت الدولة المصرية، في السبعينيات، تبني شرعيتها داخل إطار المرجعية الدينية، مما جعل الهوية الوطنية المصرية منحازة لمن يمتلك إيمان “مشروع”. هذا الواقع سيدفع بالطلبة المسيحيين كأقلية للتوجه للتعليم المسيحي ك «مدارس الآحاد” لكسب الشرعية. حيث توفر الكنسية أنشطة اجتماعية تستقطب أبناء هذه الأقلية مثل: المشاركة بجوقة الكنيسة، كشافة الكنيسة ورحلات الكنيسة. الخ.
سيكون لحركة مدارس الآحاد دورا أكبر في عملية تنشئة اجتماعية خاصة، من خلال تأطير الشباب الأقباط بتعليم ديني يركز بدوره على الحقبة القبطية وتاريخ الأجداد القديسين. وبالتالي سوف تعزز هذه المدارس الانتماء القبطي لدى هؤلاء الطلبة كمرجعية لحياتهم اليومية الخاصة والعامة. هذا التأطير سوف يستمر لاحقا في المرحلة الجامعية من خلال مجموعة “CH”، المنتشرة في الكليات المصرية والتي يجتمع من خلالها الطلاب المسيحيين في استراحات القهوة.
بناء على هذا الواقع، توضح بربري أن التنشئة الاجتماعية الأولية لشخصية كملاك هي فعليا محددة بقيم مؤسسة شبه سلطوية كالكنيسة القبطية، مما يجعل أي تصور خاص للذات محدود بشكل مضاعف. وذلك بسبب وجود “مجتمع قبطي” يمثله البطريرك فقط، يقدم تمثيل متجانس وموحد لجميع الأقباط. هذا التصور تعززه الدولة من خلال تواصلها واعترافها بهذا الممثل الوحيد للأقباط. من ناحية أخرى، التصور الذاتي للفرد ك “قبطي” يحصره في نظام قيمي يبنيه من خلال معرفته بالمجتمع، نظام يحكم أفعاله وخياراته. بالمقابل، هذا المجتمع ذو الملامح الطائفية الذي يتعرّف به ملاك كشخص، لا يرجع فقط للكنيسة، بل هو عبارة عن عملية تاريخية – اجتماعية طويلة من العلاقات المعقدة بين الدولة والكنيسة والأقباط.
في المحور الثاني والذي يأتي تحت عنوان “الدولة، الكنيسة والأقباط”، تستعين الباحثة في تحليلها للعلاقة بين هذه العناصر الثلاثة بوجهة نظر لوك بولتانسكي (١٩٨٢) حول فهم تشكيل فئة اجتماعية معيّنة. يعتمد بولتانسكي في نظريته على استخدام نهجا مزدوجا يقوم أولا، بعملية تفكيك تهدف لكسر التأثير الذي من خلاله تعطي هذه المجموعة لنفسها مظهرا طبيعيا تقريبا. ثانيا، القيام بإعادة بناء لتاريخ هذه الفئة.
يستند هذا المحور على شهادة (أبانوب) وهو شاب قبطي من منطقة نجع حمادي في محافظة قنا بالصعيد المصري. ينتمي للطبقة الوسطى، ويظهر سلوكه نوعا من التمرد على كنيسته، بخلاف (ملاك) الذي كان أكثر انسجاما معها. فقد حاول أبانوب إصلاح كنيسته المحلية وأدخل على نشاطاتها المسرح. كما انتقد دور الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلال الأحداث الدموية في نجع حمادي عام ٢٠١٠.
التجربة السياسية التي يقدمها (أبانوب) تبين أن وحدة المجتمع القبطي واستقراره ترجع إلى “تحالف مُنحاز” بين الدولة والكنيسة يكون فيه الفرد القبطي طرفا ثالثا. هذه التجربة التي تبلورت مع أحداث نجع حمادي، كشفت البنية العشائرية لمحافظة قِنا، المنقسمة بين قبيلتين أساسيتين “الأعراب” و”الهوارة” بينما يشكل الأقباط القبيلة الثالثة وعلى رأسهم الأسقف. كما أظهرت كيف يُوظف ويُستثمر العنصر الطائفي في الصراع السياسي خلال الانتخابات. بالنتيجة الوضع السيئ للأقباط يعود لارتباطهم المباشر بالنظام السياسي طوال فترة حكم حسني مبارك. حيث يفترض هذا “التحالف المُنحاز” أن يساند الأقباط الحزب الحاكم ورئيسه، في مقابل تأمين الحماية لهم واستقلالية البطريرك بشعبه القبطي. لكن مذبحة نجع حمادي بينت ضعف الكنيسة كطرف، رغم امتلاكها وسائل ضغط، أمام العنف الذي يمارسه النظام كطرف آخر. مما يحول الكنيسة لجزء من المشكلة القبطية بدلا من أن تكون جزءا من الحل. هذا الواقع، سينعكس على الرؤية الجديدة للقضية القبطية بعد عام ٢٠٠٤، حيث ستحمّل مسؤولية الجرائم والتمييز ضد الأقباط إلى الدولة. كما سيلقي النشطاء باللوم على الكنيسة الخاضعة لدولة تعادي المسيحيين بينما تدمج الإسلام السياسي في كوادرها، وذلك من خلال إعطاء الإخوان المسلمين ثلاث مؤسسات أساسية: العدل والتعليم والإعلام.
من جهة ثانية، سيدفع هذا الواقع أشخاص كأبانوب للنشاط من خارج الكنيسة، وهو ما تجلى عبر احتكاكه بالناشطين من التيارات السياسية الأخرى. مثل كمال خليل (من التروتسكيين) وجورج اسحق خلال المظاهرات الاحتجاجية لمجموعة (مارد) أمام نقابة الصحافيين. هذه التجربة أظهرت لأبانوب ضعف وضبابية الخطاب السياسي لهؤلاء، خاصة فيما يتعلق بسؤال الهوية الوطنية. فالشعارات التي يرفعونها عفا عليها الزمن (مثل: وحدة الهلال والصليب)، إضافة إلى أن تأكيدهم المبالغ فيه على شعار الوحدة الوطنية لا يثبت سوى غيابها.
بالنتيجة، يبدو أن المرجعية التاريخية للهوية الوطنية المصرية كانت منذ عهد محمد علي مرتبطة بالهوية الإسلامية التي تحارب الاستعمار الأجنبي، وهو ما شكّل لاحقا أحد دعائم الأيديولوجية الناصرية. بناء على هذا الطرح للهوية الوطنية سوف نفهم لماذا أبانوب وغيره من الشباب القبطي سيرفضون الهوية الوطنية الحالية، التي لا تعطي أهمية لكونهم أقباط، ويطرحون هوية وطنية جديدة تقوم على وجود دولة القانون.
الجزء الثاني: تسييس بديل
ما الذي دفع الناشطين الأقباط للبحث عن نمط مختلف من التسييس السائد في الحقل السياسي المصري؟ ولماذا لم يشاركوا في الحركات السياسية المتواجدة؟
إذا كانت الانتفاضة الثانية للأقصى عام ٢٠٠٠ قد شكلت منعطفا ودافعا لإنخراط جيل الشباب المصري عموما ومن بينهم شباب قبطي في الحراك السياسي، إلاّ أنه سرعان ما انكفأ العديد من هؤلاء الشباب القبطي عن المشاركة في التجمعات والحركات السياسية التي ظهرت بعد عام ٢٠٠٠.
وفقا لشهادتي ملاك وأبانوب، شكلت الشعارات الإسلامية خلال المظاهرات من جهة، وسيطرة التيار الإسلامي وخاصة الإخوان المسلمين داخل هذه التجمعات من جهة أخرى، سببا لشعورهم بعدم الانتماء لهذه الحركات. على سبيل المثال فإن حركة “كفاية”، على الرغم من وجود شخصيات مسيحية فيها مثل جورج اسحق، لم تكن قادرة وفقا لهؤلاء الشباب الأقباط على تمثيل تطلعاتهم وتوجهاتهم.
هذا الواقع سوف يدفع الشباب الأقباط للبحث عن تجمعات سياسية بديلة تتبنى القضية القبطية في نشاطها وخطابها. فكانت حركة “مارد” أحد هذه التجمعات. لكن يبدو أن هذا التسييس البديل قد تبلور فعليا مع حدثين أساسيين هما إنشاء صحيفة “الكتيبة الطيبية” ثم تأسيس حركة “أقباط من أجل مصر” لاحقا.
في محاولة الإجابة عن سبب انخراط الشباب القبطي في هذه التجمعات السياسية البديلة تشير الدراسة لمجموعة من النقاط المحورية:
أولا، ركزت صحيفة “الكتيبة الطيبية” التي تأسست عام ٢٠٠٤ من قبل الأب ماتياس نصر، كاهن كنيسة العذراء والقديس كيرلس بعزبة النخل، على القضايا القبطية بشكل مركزي. وقدمت قراءات جديدة في اللاهوت المسيحي تستجيب للرغبة في التغيير عند الشباب. وتعطي شرعية للكفاح من أجل كسب الاعتراف الاجتماعي دون أن تجعله في تناقض مع المرجعية الدينية للجماعة القبطية، أي مع “كلام المسيح”.
ثانيا، لم تغفل الصحيفة القضايا السياسية والوطنية. ففي مقال أثار ضجة كبيرة بعنوان: «الأقباط بين سندان الحزب الوطني الديمقراطي ومطرقة الإخوان المسلمين” نشر خلال فترة الانتخابات التشريعية عام ٢٠٠٥، تم طرح إشكالية الأقباط داخل الوضع السياسي المصري القائم. مبيّنا أن دعم الحزب الوطني لم يحمي الأقباط من تهديد الإخوان المسلمين. هذا الطرح أكد على تمايز الجماعة القبطية عن المكونيين الأوسع حضورا على الساحة السياسية (الحزب الحاكم والإخوان)، ليس فقط دينيا وسياسيا، لكن أيضا كجماعة اجتماعية تم تجاهل متطلباتها وتوجهاتها.
ثالثا، أوجدت هذه الصحيفة مكانا يتموضع فيه الأقباط للتعبير عن هويتهم كجماعة متمايزة عن الأغلبيات السياسية والدينية القائمة. فقد لاقت هذه الحركات السياسية البديلة شعبية واسعة في أوساط الجمهور القبطي الشاب الذي وجد بها مخرجا له من التمثيل الحصري الذي يمارسه البابا، وبنفس الوقت دون أن يقطع مع اللاهوت المسيحي كمرجعية ثقافية له. من ناحية أخرى، سعت هذه التجمعات لربط الشباب بتاريخهم الديني والاجتماعي ووفرت لهم ما لم توفره المدارس الحكومية من معلومات عنهم ومكانة لهم كجماعة مُؤسّسة في الدولة الوطنية.
رابعا، اكتسبت هذه الصحيفة شرعيتها من كونها “مُنتج” كنسي مرخّص من قبل شنودة الثالث. إضافة لشعبية الأب ماتياس نصر بين الشباب الأقباط وما طرحه حول الهوية القبطية الجمعية. بالتالي كانت الصحيفة خطوة نحو الانتقال للعمل السياسي عام ٢٠٠٨، حين أنشأ مؤسس الصحيفة مع الشباب المحيطين به حركة ” أقباط من أجل مصر”، وكان أول إضراب قبطي في يوليو٢٠٠٨ للاعتراض على الظروف المعيشية للأقباط.
بالمحصلة، نلاحظ أن هذه الحركات البديلة التي تشكلت بالتوازي مع الكنيسة، وفي محاولة منها لإنهاء التمثيل البابوي للأقباط، والتمهيد لمواطنة يكون فيها الأقباط ممثلين لأنفسهم. لم تستطع بالمقابل أن تمارس العمل السياسي من خارج عباءة الكنيسة. وهو ما يضعها في مواجهة مع تناقضاتها حين ترفض العمل داخل حركات وتيارات سياسية أخرى بحجة أن خطابها إسلامي ومرتبط بالمؤسسة الدينية الإسلامية. يؤكد هذا التخبط إشكاليات الهوية في المجتمع المصري، كما باقي مجتمعات المنطقة، حيث لا تزال الانتماءات المحلية والطائفية عوامل حاسمة ومتقدمة في تشكيل الانتماء الوطني الجامع.
الجزء الثالث: اتحاد شباب ماسبيرو
يتناول هذا الجزء الظروف التي تأسس فيها اتحاد شباب ماسبيرو في شهر آذار عام ٢٠١١، أي بعد شهر من سقوط مبارك وفي خضم النشاط الاحتجاجي لعام ٢٠١١. إلى أي درجة ابتعد أو اقترب الاتحاد من القوى الثورية الشبابية المتواجدة بعد ثورة يناير؟ خاصة وأن الثورة التي رفعت شعار: خبز، حرية، عدالة اجتماعية، لم تُشكّل المسألة القبطية جزءا من مطالبها المركزية. ينقسم هذا الجزء الأخير من البحث لثلاث محاور:
المحور الأول: من النشوة الثورية للتنكّر لشباب الثورة الأقباط
فتحت ثورة ٢٥ يناير أفقا جديدا للشباب المصري بكل تنوعاته الطبقية والدينية. فقد كان للنشطاء الأقباط من حركة (أقباط من أجل مصر) وشباب أقباط آخرون حضورا واضحا في ميدان التحرير. فعلى الرغم من تخوفهم من الحضور الكبير للإخوان المسلمين ومن سعيهم للسيطرة على المشهد السياسي الجديد، وبالرغم من موقف البابا شنودة الثالث الداعم لنظام مبارك. إلاّ أننا نجد في شهادتي ملاك وأبانوب تأكيدا جليّا على ذلك الشعور الممتزج بالخوف والفرح معا.
تُلمح الدراسة إلى وجود ظاهرة “عدم التطابق” حسب تعبير ميشيل دوبري (فانيتزل، 2011) في العمل أثناء الثورة. ففي الوقت الذي انخرط الشباب القبطي بالنشاط الثوري تحت الشعارات العامة المرفوعة “خبز، حرية، عدالة اجتماعية” بصفتهم مواطنين مصريين. وهو ما يدل عليه حل حركة (جبهة الشباب القبطي) التي أسسها أبانوب مع مينا دانيال بعد تركهم لحركة (أقباط من أجل مصر) على إثر خلافات تنظيمية. ومن ثمّ اندماجهم بالعمل الثوري في ميدان التحرير لإيمانهم أن الثورة تدافع عن المطالب الاجتماعية والسياسية لجميع فئات الشعب المصري بما في ذلك الأقباط. لكن تجاهل القوى السياسية الأخرى للقمع الممارس ضد الأقباط، أجهض في النهاية مشروع المواطنة. أي أن عدم التطابق بين الفئات والحركات الشبابية الثورية في الأهداف والمطالب حالت دون الانتقال لنظام سياسي جديد مبني على المساواة المواطنية بغض النظر عن الجنس والعرق والطبقة والدين.
من جهة أخرى، لم تكن المرحلة التي استلم فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم بقيادة المشير طنطاوي بأفضل حال فيما يخص وضع الأقباط داخل المجتمع المصري. استمر تعرض الكنائس لضربات الإسلاميين، كالهجوم على دير الانبا بيشوي بوادي النطرون وكنيسة صول بالجيزة، تحت أعين العسكر.
هذه الانتهاكات المستمرة سترفع وتيرة الغضب داخل المجتمع القبطي. بالنسبة للنشطاء الأقباط سوف يترافق غضبهم بمشاعر من الخيبة تجاه النشطاء من باقي التيارات السياسية. وذلك بسبب سلبيتهم مما يجري، حيث أن قلّة منهم فقط سيعلّق على الانتهاكات الحاصلة. كما أن ائتلاف شباب الثورة، الذي تأسس في أوائل شباط ٢٠١١ وضم ممثلين عن مختلف القوى السياسية، كان له موقف متأخر تجاه مسألة الحريات العقائدية وتبنى موقفا سلبيا تجاه النضال القبطي. تشير الدراسة إلى أنه من بين ثمانية عشر متحدث باسم الائتلاف يوجد اسم واحد قبطي لناشطة هي سالي توماس. وفقا لمعايير أبانوب ل “الناشط القبطي”، فإن سالي توماس غير مؤهلة لتمثيل القضية القبطية وللتكلم باسم الأقباط وطرح مشاكلهم من خلال بيانات وأرقام.
تجد الباحثة أن هذه المعايير التي يتبناها أبانوب وغيره من الناشطين الأقباط تتقاطع مع تعبير لوك بولتانسكي (١٩٨٢) عن “أقباط أكثر قبطية” من غيرهم. فبالرغم من وجود العديد من الناشطين المسيحيين في المجال السياسي، إلاّ أنهم وحدهم مؤهلين لوضع القضية القبطية في صلب النقاش العام.
من جهة أخرى، وعلى إثر الانتهاكات التي حصلت في دير بيشوي وكنيسة صول، سوف تتدهور العلاقة بين الناشطين الأقباط، خاصة جزء من الناشطين السابقين في جبهة شباب الأقباط، وبين ائتلاف شباب الثورة. وذلك بسبب رفض طلبهم بالانضمام للائتلاف من قبل شباب ٦ أبريل وجماعة الإخوان المسلمين، بحجة أن مطالبهم ذات بعد طائفي وليس سياسي. لكن ائتلاف الثورة رفض هذا الطرح وأكّد على أن المسيحيين مشاركين في معظم الحركات والجمعيات، ويعطي مثالا على ذلك “الجمعية الوطنية للتغيير” التي شكّلها البرادعي والتي ضمّت الأقباط في صفوفها. إذن، الخلاف كان يتمحور حول “شرعية” الممثلين للقضية القبطية. ففي حين يعتبر الائتلاف وجود مسيحيين في كوادره تمثيلا للأقباط، يضع النشطاء الأقباط معاييرا تحدد من هم المسيحيين المؤهلين لتمثيلهم.
لفهم وتحليل الانقسام والتنافر بين هاتين المجموعتين المتعارضتين المشكلتان للائتلاف: من جهة الناطقين باسم الثورة ومن جهة أخرى المدافعين عن القضية القبطية. تستخدم الباحثة الأدوات النظرية التي اقترحها ديفيد أ. سنو وروبرت د. بنفورد (2012) حول عملية “تأطير” الحركات الاجتماعية. يشير المؤلفين لثلاث عمليات أساسية في نظريتهم: الأطر التشخيصية، التكهّنية والتحفيزية. اعتمدت الباحثة على الأطر التكهنية لفهم سلوك شباب الائتلاف.
إنّ اقتراح الناشطين الأقباط تمثيلهم داخل الائتلاف سوف يقيّد نشاط الآخرين لأنه يتعارض مع “استراتيجية مقبولة”. فإذا أخذنا بعين الاعتبار من جهة واقع الساحة السياسية المؤلفة من مجموعات متعددة، والتي يشكل الإخوان المسلمين الشباب قاعدتها الشعبية في ميدان التحرير. ومن جهة أخرى الجماهير التي يتوجه لها شباب الثورة، خاصة وأن غالبية الشعب المصري مسلم. سوف نجد أن الأقباط يشكلون أقلية مقلقة في مسألة التحالفات الاستراتيجية. ففي حين سعوا للانضمام لائتلاف شباب الثورة من أجل تسليط الضوء على التمييز الذي ارتكب ضدهم، فإنهم بالمقابل يتعرضون لتأطير مضاد هو: الطائفية. بالتالي، وكرد فعل على حرمانهم من التمثيل في الجماعة التي قدمت نفسها كصوت للشباب الثوري (الائتلاف)، سوف يتوجهون لمهاجمة الفضاء السياسي العام من خلال وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون الوطني.
إذن، يمكننا فهم سلوك وخيارات هذا النمط من الشباب الأقباط كنتيجة لواقع سياسي سعى لأن يبقى الحضور القبطي فيه هامشيا وشكليا، وأعاق أي حضور فعلي يعزز وجودهم كشركاء في صياغة مشروع وطني جديد لمصر يقوم على المواطنة المتساوية. مشروع وطني يكون حراكه السياسي قائما على الأغلبيات والأقليات الاجتماعية والطبقية وليس الدينية فقط.
المحور الثاني: من نشأة حركة “قبطية” للشباب الثوري إلى إجهاض مشروع المواطنة للثورة
لقد أراد الأقباط لأنفسهم حضورا في الحياة السياسية لمصر. كانت الثورة نافذة لهم للخروج للشارع والتعبير عن مطالبهم وحقوقهم ووسيلة لدخولهم اللعبة السياسية أيضا.
في ٦ مارس ٢٠١١ تحول الاعتصام الذي دعت إليه حركة (مارد) أمام مبنى ماسبيرو، تنديدا بقمع الأقباط في قرية صول، لحشد ضخم استمر ٩ أيام. وهو ما فاجأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة والأقباط أنفسهم. اغتنم النشطاء الأقباط الذين تعود تجربتهم السياسية لما قبل الثورة (الكتيبة الطيبية، أقباط من أجل مصر، جبهة الشباب القبطي وغيرهم)، هذه الفرصة لتأسيس اتحاد شباب ماسبيرو. وتم انتخاب عشرين شاب لرئاسته من بينهم أبانوب وملاك.
لم يقدم اتحاد شباب ماسبيرو نفسه كحركة سياسية يمينية ولا يسارية، بل اختار تقديم نفسه كحركة من أجل الحقوق المدنية وطالب بقوانين تحمي من التمييز الطائفي، وأيضا بتنحي المجلس العسكري ليحل محله مجلس رئاسي.
في الميدان وعلى مستوى شعارات المتظاهرين في ماسبيرو، تغلّبت الشعارات والرموز الدينية على السياسية. مما دفع مؤسسي الاتحاد للتحرك بين الأحزاب والحركات السياسية لحثّها على التواجد بين المتظاهرين، الذين لم يتبنوا أيديولوجية سياسية، ولتقديم برامجهم السياسية بهدف رفع السمة الطائفية عن هذا التجمع. لكن هذه المحاولة من مؤسسي الاتحاد لم تنجح. فعلى الرغم من اجماع جميع قوى الثورة على مطالب الدولة المدنية في خطاباتها، إلاّ أن الواقع أظهر تناقضا بين الأقوال والأفعال، وهو ما تجسد في شعارات المتظاهرين في ماسبيرو. تجد بربري أن هذا الواقع قد يعود للتمييز الطائفي والانتهاكات التي تعرض لها الأقباط سابقا. ولكن أيضا وبشكل أساسي بسبب تهميش القضية القبطية من قبل الجماعات السياسية الأخرى، وعدم الاتساق بين الخطابات المطروحة حول الوحدة الوطنية المزعومة ومشروع المواطنة وبين الحقائق في الواقع. كما ترجع هذا الوضع لفشل النخب المعارضة بإنشاء حركة حقوق مدنية قادرة على إشراك جميع الفئات المهمشة من الشعب المصري، والتي تعاني من تمييز على صعيد الدين أو العرق أو الجنس أو الطبقة.
عززت الثورة من إمكانية النضال لأجل القضية القبطية، وذلك بسبب “المعقولية التجريبية” على حد تعبير (بنفورد وسنو، 2012). وهو ما تجسد في تقارير منظمات حقوق الإنسان (الوطنية والدولية) التي وثقت الانتهاكات ضد الأقباط. ومع ذلك تأثرت هذه الرؤية ب “السمة النسبية” التي يفهمها المؤلفين وفقا لثلاث أبعاد: المركزية، التناظر، والموثوقية السردية. فيما يخص المسألة القبطية، يبدو أن هذه الموثوقية تُستمد من البيئة الثقافية ومن سردياتها (أساطير ومفاهيم وأيديولوجية متأصلة) وهي التي لعبت الدور الأساس في عمليات التأطير والتعبئة والتسييس. يمكننا هنا التساؤل عن دور خطاب المظلومية التي اعتمد عليه الأقباط في عمليات التسييس والتعبئة؟
تخلص الباحثة في هذا المحور للقول إنه بالرغم من كون الطائفية هي الوجه الآخر للأيديولوجية القومية، فإن أي إطار لمواطنة لا يستند للدين الإسلامي -الذي هو مكوّن الهوية العربية المصرية– لن يتطابق مع الرؤية المتعارف عليها لثقافة النضال السياسي المصري، والموروث جزئيا من عهد ناصر.
المحور الثالث، ٩ أكتوبر: استمرار للنماذج المهيمنة
إذا كان اتحاد شباب ماسبيرو قد فشل في إعادة بناء نمط جديد للأيديولوجية القومية السائدة لدى القوى السياسية. فإنه استطاع بالمقابل تعطيل التوازن القائم في العلاقة بين الدولة والكنيسة. لقد توجهت الحكومة من خلال عصام شرف (رئيس الوزراء حينذاك) للتفاوض المباشر مع المتظاهرين، وتعهدت الدولة بالإفراج عن المعتقلين وإعادة بناء كنيسة صول على نفقتها وبنفس المكان. هذا الإنجاز شجعهم على المضي في نضالهم من خلال الحشد والتظاهر. ولكن سريعا وعلى حساب دماء المتظاهرين ستمضي الدولة مع الكنيسة قدما لاستعادة نموذج التحالف المنحاز
التعبئة الثانية التي دعا إليها الاتحاد في ٩ مايو ٢٠١١ أمام ماسبيرو بعد الهجوم على كنيستين في إمبابة، جعلت البابا شنودة الثالث يطلب مقابلة مؤسسي الاتحاد، ويطلب منهم وفقا لشهادة أبانوب: “أن يفعلوا ما يجدونه صحيح بشرط أن يحافظوا على الصورة الجميلة للمسيح”. لاحقا سوف يصرّح سكرتير البابا بضرورة إنهاء هذا الاعتصام فورا. هذا التناقض والتخبط في تصريحات الكنيسة عكس التغيير الحاصل في العلاقة بين الدولة والكنيسة منذ نشأة اتحاد شباب ماسبيرو.
بناء على هذا الخطاب المزدوج للكنيسة أطلق مؤسسو الاتحاد، الذين رفضوا مغادرة الاعتصام، رسالة تحدد دور البابا وتعترف به كمرشد روحي لا يتوجب عليه التدخل في القضايا السياسية. تتساءل هنا الباحثة عن وجود خطاب تهديد خفي من النظام، الذي يرفض التكلم مباشرة للأقباط، مُرسل من خلال شنودة الثالث. وكيف يمكن تفسير هذا السلوك المتناقض للكنيسة؟
في كل حراك جديد للنشطاء الأقباط كانوا يحصلون على مكاسب جديدة وإن كانت بسيطة. لقد تمكن اتحاد ماسبيرو من موضعة المسألة القبطية بموقع بارز دفع كلا من الحكومة والكنيسة للتعامل بشكل مختلف مع الأقباط ونشطائهم. لكن هذا الوضع الجديد الذي بدأ بسحب المسألة القبطية من تحت وصاية الكنيسة وسلطة النظام سوف يزعج الطرفين. في ليلة ١٤ مايو انتهى الاعتصام بهجوم من “المرتزقة”، ومع ذلك نجح هذا الحشد في جعل مجلس الوزراء يتخذ قرار بتكوين لجنة وطنية لحل المنازعات الطائفية.
التعبئة الثالثة لحراك ناشطي ماسبيرو جاءت إثر صراع طائفي في إحدى قرى أسوان دمّرت فيه كنيسة. واجه الجيش هذا الاعتصام بالقوة واعتدوا على (رائف) وهو أحد المتظاهرين. نقلت وسائل الإعلام، وخاصة القنوات المسيحية، صورا لهذا الاعتداء مما زاد في غضب الأقباط.
في ٩ أكتوبر نظمت مظاهرة أوسع، اعتبرت الأضخم للأقباط في تاريخ مصر المعاصر. امتدت إلى القاهرة والإسكندرية ومحافظات أخرى. هذا الحضور القوي للأقباط في المشهد السياسي والاحتجاجي سوف يثير قلق النظام، فأُنزلت الدبابات لمواجهة المتظاهرين السلميين، ودعى أحد المذيعين في التلفزيون المصري “المواطنين الشرفاء” للنزول للشارع وحماية الجيش من الأقباط! نتيجة لهذا الحشد الاخير سيتم اعادة العلاقة التقليدية بين الدولة والكنيسة على حساب دم 27 متظاهر قبطي.
ردا على هذا التعامل التجييشي مع الحراك الأخير، سوف يطالب ناشطي ماسبيرو البابا، في رسالة وجهت إليه بعد شهرين من المذبحة بمناسبة أعياد الميلاد، بعدم دعوة ممثلين عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في المراسم التي تنظمها الكنيسة. ولكن تمت دعوتهم مما أثار غضب الكثير من الشباب النشطاء الأقباط، الذين أيقنوا طبيعة العلاقة الوثيقة والكارثية بين الدولة والكنيسة.
تختم بربري هذا البحث بالتأكيد على ما استخلصته من دراسة المسار السياسي لملاك وأبانوب كمثالين على نمط آخر من الشباب القبطي المُسييس. تشير للدور الذي تلعبه التنشئة الاجتماعية في خيارات وتوجهات الفاعلين الاجتماعيين. كيف يشكل المجتمع الثقافي والديني لمثل هؤلاء الشباب “حوامل للتحديد الهوياتي الجمعي” على حد تعبير (ويتورسكي، 2008)، أي إطارا تتكون فيه هوياتهم. وكيف يصبح الدين علامة محددة لهوية الأمة والدولة (جرجس، 2011 ج). وتخلص إلى أنه لا يمكن عزل الانتماءات الدينية عن عمليات التسييس وصناعة الهويات السياسية، خاصة مع ظهور خطاب الإسلام السياسي على الفضاء العام. من هنا تأتي خصوصية الشباب القبطي عن باقي النشطاء المصريين الذين انخرطوا بالعمل السياسي بعد انتفاضة عام ٢٠٠٠، فهؤلاء الشباب خبرتهم السياسية هي نتيجة لتنشئة اجتماعية منفردة أقاموها مع عالمهم الاجتماعي المحيط وفقا لنماذج فكرية وممارسات داخلية. هذه التنشئة مستمدة من نمط ل “حياة جماعة” تحميها الدولة التي تخضع لها الكنيسة من خلال “تحالف مُنحاز” ومجتمع يزداد طائفية.
بالمحصلة، إذا كان النشاط السياسي القبطي قد ظهر من قبل ٢٠١١، فإن الجديد والمتميز الذي قدمته تجربة اتحاد شباب ماسبيرو هو إثارة التساؤل عن معاني الثورة وعن إمكانية الخروج عن النموذج التقليدي المطروح للوطنية.
أخيرا، يمكننا القول إن هذه الدراسة استطاعت تقديم فكرة عن نموذج من الشباب القبطي الناشط سياسيا. من خلال الربط بين سِير لشخصيات شبابية لها تجاربها الحياتية والسياسية، وبين واقعها الاجتماعي والثقافي الذي لعب دورا لا يمكن إغفاله في خياراتهم السياسية. هذا النوع من الدراسات يبدو لنا مهما كونه يعتمد اللقاءات الحية والمباشرة مع الفاعلين في الواقع. بالتالي يعكس تطور الحدث السياسي وتبدلاته من خلال تطور الشخصيات ذاتها. كما أن المراجع المتنوعة التي اعتمدت عليها الباحثة واللقاءات التي أجرتها في الميدان دعّمت التحليل النظري للوقائع التي شهدتها الساحة السياسية المصرية منذ ٢٠١١. بالمقابل، تتوقف هذه الدراسة عند أحداث عام 2011. فلا يمكننا متابعة تطور المسار السياسي لهؤلاء الشباب، أو معرفة موقفهم من التغييرات التي طرأت على المشهد السياسي المصري لاحقا، ولا استكشاف خياراتهم ومواقفهم الحالية وأين هم الآن؟
___________________________________
Boltanski L., 1982, Les Cadres. La formation d’un groupe social, Paris, Minuit
Benford R. D., Snow D. A., 2012, « Processus de cadrage et mouvements sociaux : présentation et bilan », trad. Plouchard N. M., Politix, n° 99, pp. 217- 255, http://www.cairn.info/revue-politix- 2012-3-page-217.htm (mars 2016).
Vannetzel M., 2011, « L’émergence d’une mobilisation multisectorielle en Égypte : des prémisses aux basculements », Le Monde, 21 juin, http://www.lemonde.fr/idees/ article/2011/06/21/l-emergence-d-une-mobilisation-multisectorielle-en-egypte-des-premisses-contextuelles-aux-basculements-situationnels_1538669_3232.html?xtmc=vannetzel&xtcr=5 (février 2016).
Wittorski R., 2008, « La notion d’identité collective », in Kaddouri M., Lespessailles C., Maillebouis et al., La question identitaire dans le travail et la formation. Contributions de la recherche, état des pratiques et étude bibliographique, Paris, L’Harmattan, pp. 195-213.
Guirguis L., 2013, « The Copts, the Nation, and the Revolution », Program on Arab Reform and Democracy, Standford, Stanford University, https://fsi.stanford. edu/sites/default/files/Laure_Guirguis_ English.pdf (mars 2016).