اليمن المنسي.. دور المجتمع الدولي في الحالة اليمنية
ياسمين أيمن

اليمن

 كثيرا ما تدور التساؤلات في أذهاننا حول نتائج ما يمر به وطننا العربي الآن من حراك اجتماعي وسياسي وما سببه من تطورات على نواح عدة أثرت على العديد من المواطنين، هل كانت الثورات العربية سببا رئيسيا في تلك المشكلات، أم أنها لعبت دورا مساعدا في كشف الغطاء عما كان مطمورا في نسيج المجتمعات العربية من سنين؟ وحينما نأتي على ذكر اليمن وهو أحد الدول العربية التي مرت بتجربة الثورات العربية، نجد أن الوضع متشابك ومتأزم خاصة مع وجود التباسات عدة حول دور المجتمع الدولي في اليمن، لذا تسعى تلك الورقة لتفسير موقف المجتمع الدولي داخل اليمن، والسياق الذي من خلاله تتشكل اتجاهات الدول المختلفة وأيضا مواقف المنظمات الدولية، وعلى آثره نتائج تلك السياسات على مختلف الأوضاع بدءا من الإنسانية والتي كانت سببا رئيسيا لكتابة تلك الورقة مرورا بالاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل اليمن.

 ففي نوفمبر 2011 سلم الرئيس السابق علي عبد الله صالح مقاليد الحكم لنائبه عبد ربه منصور هادي، وعلى الرغم من محاولات هادي لرأب الصدع الذي حدث في البلاد جراء الانتفاضات التي بدأت في 2011، إلا أن زمام الأمور قد أفلت من يده نتيجة لتشابك مجموعة من العناصر ساهمت في اضطراب الأوضاع مثل: استغلال الجماعات الحوثية المسلحة التي تنتمي للطائفة الشيعية الزيدية الوضع الهش للدولة ومحاولتهم للسيطرة على مناطق مختلفة بها، وهجمات تنظيم القاعدة وارتفاع معدلات البطالة، هذا إلى جانب استمرار موالاة عدد كبير من قيادات الجيش للرئيس السابق علي عبد الله صالح،[1] كل ذلك دفع المملكة العربية السعودية بالتحالف مع ثمان دول أخرى إلى شن غارات جوية على البلاد لتحجيم دور الحوثيين الشيعة؛ خاصة بعد هروب هادي في مارس 2015 نتيجة ملاحقته من الجماعات الحوثية والمتحالفين معهم من القوى السياسية المختلفة الانتماءات.[2] والآن في 2017 أي بعد مرور قرابة السبع أعوام على بداية الثورة اليمنية، وعامين على الحرب التي ساهمت بها دول الخليج وقادتها المملكة العربية السعودية بدأت النتائج تلوح في الأفق، حيث يعيش أكثر من 19 مليون شخص على المساعدات الإنسانية، وأعلنت وزارة الصحة اليمنية في 5 مايو 2017 عن حالة الطوارئ فيما سجلت المستشفيات اليمنية نحو 300 ألف حالة إصابة بالكوليرا، وأكثر من 1600 حالة وفاة، كما تراجعت نسبة المستشفيات إلى 45% نتيجة لتدمير البنية التحتية،[3] وفي غمار الأحداث واضطراب الأوضاع اليمنية وخاصة الوضع الإنساني، كان موقف المجتمع الدولي مثيرا للدهشة، مما دفعنا لرصد ردود الأفعال الدولية وتحليلها وتفسير طبيعة تحركاتها وماهيتها، ويمكننا توضيح الأسئلة البحثية التي تسعى الورقة للإجابة عنها في الآتي:

ما هو دور المجتمع الدولي في الحالة اليمنية وكيف تم التعامل مع تطوراتها وتداعياتها المجتمعية، وما هو أثر ذلك على إمكانيات حل الإشكاليات الراهنة وعلى الأوضاع المجتمعية في اليمن في المستقبل القريب؟

وسيتم تناول الموضوع في عدة نقاط وهي:

1-    جذور وأسباب الحرب في اليمن.

2-    آثار الصراعات في اليمن.

3-    دور المجتمع الدولي.

4-    خاتمة.

أولا: جذور وأسباب الحرب في اليمن:

 لم تكن مشاكل اليمن الحالية وليدة اللحظة، ولكنها تطورت وتبلورت على عدة فترات، ويمكننا عرض مراحل تطور الأوضاع على فترتين، الأولى تبدأ من 1990 حتى عام 2014، والثانية منذ عام 2015 حتى 2017، ويمكن تفصيلهما كالآتي.

1-   تطور الوضع اليمني حتى عام 2014:

 منذ توحيد اليمن بشقيه الشمالي والجنوبي عام 1990؛ لم تشهد اليمن ما يعرف بالاستقرار السياسي، فقد اندلعت الحرب الأهلية عام 1994 بين الرئيس علي عبد الله صالح والقيادات الجنوبية بسبب رغبتهم في الانفصال، واستخدم صالح في الحرب كل الوسائل والأسلحة إلى أن تمكن من إخضاع التمردات الجنوبية والحفاظ على الوحدة، ولكن تلك الوحدة لم تقم على أسس عادلة وقوية، حيث ظلت الفوارق بين الشمال والجنوب واضحة، ولم تحقق السلطة أي مظاهر للتنمية، فخرجت الاحتجاجات عن بكرة أبيها في 2011،[4] وبدأت تلك الاحتجاجات بدعوة من الشباب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي دون وجود معارضة منظمة ولم يطل الزمن حتى انضمت إليهم أحزاب اللقاء المشترك، وعلى الرغم من وجود أكثر من 72 مجموعة شبابية في ميدان الثورة إلا أنها لم تستطع أن تحدث تأثيرا يذكر على مسار الأحداث السياسية والمفاوضات الداخلية، ويعود ذلك لغياب التنظيم بينهم وغياب الخبرة في المجال السياسي والديمقراطي.[5]

 ولكن بعد عشرة أشهر من الضغوط والاحتجاجات التي بدأت في فبراير 2011 والتي لم يستطع الرئيس السابق على عبد الله صالح أن يكبح جماحها، وتحديدا بعد أن نجا من محاولة لاغتياله؛ تأزمت الأوضاع إلى أن تم توقيع مبادرة الخليج في 23 نوفمبر 2011 والتي نصت على أن يقوم الرئيس بالتنحي وبنقل سلطاته لنائبه على أن يظل على عبد الله صالح رئيسا فخريا، وينال حصانة قانونية وقضائية هو وعدد من أركان نظامه، لكن المعارضة اليمنية رفضت تلك المبادرة، واستمرت الاحتجاجات.[6] ولعل من الأمور التي تضمنتها خارطة الطريق الناتجة عن تشاورات الإصلاح الوطني لدفع الوضع اليمني للتحسن هي: إجراء انتخابات جديدة في عام 2014، إصلاح دستوري بجانب إعادة هيكلة للجيش اليمني، والسماح بدور تشاركي أكبر لمنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمرأة داخل اليمن، لكن ظلت المخاوف قابعة في نفوس اليمنيين من استمرار هيمنة النخبة على الموارد الاقتصادية للدولة مع زيادة الخوف من نضوب الموارد البترولية للدولة.[7] إذن الحراك السياسي اليمني شهد تطورات ملحوظة في بداياته ولكن تشرذم أطراف الحوار واختلاف المصالح بين الجماعات المتنازعة المتباينة سواء الموالية للحوثيين أو للحكومة أو غيرهم ساهمت في تعقد الأمور.

2-   المرحلة الثانية لتطور الأوضاع اليمنية حتى عام 2017:

 في مارس من عام 2015 وبقيادة سعودية صدر بيان التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن معلنا عن البدء في عاصفة الحزم، والذي أكد البيان على أنها جاءت بناء على طلب من الحكومة الشرعية بعدما استنفذت كل التوسطات الإقليمية والدولية للوصول لحل سلمي مع الحوثيين المسيطرين على نواحي عدة في البلاد،[8] فبعد حدوث مفاوضات خليجية بشأن الوضع في اليمن، أرادت دول الخليج العربي تهيئة الأوضاع داخل اليمن بما يتناسب مع مصلحة المملكة العربية السعودية، راغبة في بقاء المملكة العربية السعودية مهيمنة على الوضع بالداخل، حيث مثلت اليمن نقطة هامة لمكافحة الإرهاب العابر للقارات عن طريق سيطرتها على مضيق باب المندب الذي قد يمس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن دول الخليج أرادت الحفاظ على نظام اليمن الذي يهمين عليه مؤسسة سياسية-عسكرية يدعمها الغرب والسعودية، مع وجود صرعات مناطقية وقبلية قابلة للاحتواء، طالما سيضمن هذا بقاء الأرض والجو متاحا للنشاطات الاستخباراتية الأمريكية، فتظل قادرة على مواجهة تنظيم القاعدة والسيطرة على مضيق باب المندب المطل على سواحل البحر الأحمر.[9] وفي 21 إبريل 2015 تم الإعلان عن انتهاء عاصفة الحزم والبدء في عملية إعادة الأمل والتي تجمع بين الجانب السياسي والعمليات العسكرية بهدف إعادة الأمل للشعب اليمني وحماية المدنيين والتصدي للتمدد الحوثي ومجابهة الإرهاب مع تكثيف المساعدات الإنسانية لليمنيين المتضررين.[10] نلاحظ هنا أثناء عرض جذور المشكلة تدخل إقليمي واضح متمثل في المملكة العربية السعودية بالتعاون مع دول الخليج، بجانب ظهور دولي كائن في الولايات المتحدة الأمريكية، مما يدل على أن الصراع في اليمن الدائر حاليا لا يتوقف على الأطراف الداخلية فقط وبالتالي الحل لابد أن يتم بوساطة دولية.

وطالما ذكرنا دور الحوثيين أكثر من مرة فلا بد من الاسترسال بالحديث عنهم بصورة أكبر كالتالي.

الحوثيون:

 تختلف المصادر حول بداية ظهور الحوثيين، فعلى الرغم من أن الحوثيين كجماعة ظهرت بشكل واضح في عام 2004 نتيجة لحدوث أول مواجهة بينها وبين الحكومة اليمنية، إلا أن هناك مصادر أخرى تحدد حقبة الثمانينات لتفسر تبلور تلك الجماعة، حيث أنه في عام 1986 أنشأ صلاح أحمد فليتة اتحاد الشباب لتدريسهم قواعد الطائفة الزيدية وكان بدر الدين الحوثي هو أحد مدرسي الاتحاد، وعقب اتحاد اليمن عام 1990 والسماح بالتعددية الحزبية اتخذ الاتحاد شكلا سياسيا حيث تشكل حزب الحق ذو الطائفة الزيدية، وفي عام 1997 تحول إلى تنظيم الشباب المؤمن، وفي عام 2002 اتخذ شعار: “الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام”، وتشير بعض المصادر إلى أن الحركة شيعية اثني عشرية ولكن تنفي الحركة ذلك وتؤكد أنها زيدية ولكن تلتقي في بعض النقاط مع مذهب الاثني عشر.[11]

 أما عن مطالب الحركة فهي تتلخص في التالي: الاعتراف بالمذهب الزيدي كمذهب رئيسي في الدولة إلى جانب المذهب الشافعي، والسماح لهم بإنشاء حزب سياسي مدني وجامعة شريعة لتدريس المذهب الزيدي، وتفعيل دور مثقفي الطائفة الزيدية، ولكن الحكومة رفضت ذلك على اعتبار أنهم يسعون لعودة الإمامة الزيدية في الدولة، ولإقحام أمور الدين في السياسة، وبدأت المواجهات بينهم وبين الحكومة عام 2004، واستمرت المواجهات العنيفة والخلافات حتى قيام الثورة عام 2011 واشتراكهم فيها، وتثار الشكوك والاتهامات حول تعاونهم مع حزب الله اللبناني وإيران لدعم المذهب الشيعي في المنطقة وهو الأمر الذي تستمر الجماعة بنفيه على الدوام.[12] وبما أن السياسة تقوم على مبدأ إدارة المصالح فليس هناك عدو ولا صديق دائم؛ تحالف الحوثيون مع نظام الرئيس على عبد الله صالح منذ عام 2014 لمواجهة نظام عبد ربه منصور هادي المدعوم من قوات التحالف العربي، واستولوا على الحديدة وصنعاء وعدد من المحافظات الأخرى، إلا أنه في سبتمبر 2017 استطاعت قوات التحالف العربي تحقيق نجاحات متنوعة لتحجيم سيطرة الحوثيين، وشبت النزاعات بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح وقامت بمحاصرته في صنعاء، وعملت على استمالة قواته وإقحام شخصيات حوثية بقيادات الجيش لإحكام سيطرتهم على الدولة، علاوة على تشككهم في نوايا علي عبد الله صالح إزاء التحالف معهم واتجاهه لإنهاء ذلك التحالف لاستعادة حكمه، فعملت قوات صالح على تكثيف وجودها في صنعاء بينما عمل الحوثيون على نشر قواتهم المسلحة في جنوب العاصمة.[13] نأتي هنا مرة أخرى للتأكيد على وجود دور خارجي متمثل في إيران وفي إشارة مصادر متعددة لدعمها للحوثيين وتوغلهم في البلاد، وبالتالي قد تكون أحد أسباب تدخل السعودية في اليمن هو الخوف من التمدد الشيعي في المنطقة العربية.

ثانيا: آثار الصراعات في اليمن

 لم تقف الأزمة اليمنية عند الخلافات بين الأطراف الفاعلة، فلقد خلفت آثارا لن يتم محوها بين ليلة وضحاها، فباتت اليمن في حاجة إلى إعادة تأهيل وتنظيم لاحتواء الآثار الناجمة عن الأزمة، ويمكن تفصيل تلك الآثار كالتالي:

1-   الآثار الإنسانية:

 كانت اليمن واحدة من أفقر الدول داخل الشرق الأوسط، ولكن عقب الحرب اليمنية تفاقمت المآسي الإنسانية في اليمن وتعثر كثير من السكان اليمنيين في الحصول على احتياجاتهم الأساسية من طعام ومياه نظيفة صالحة للشرب، وتشير المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة أن الأحوال الإنسانية لن تتحسن طالما لم يحدث حوار وطني حقيقي ولم يتم وقف العمليات القتالية، حيث ساهمت الحرب اليمنية في تهجير نحو مليوني مواطن يمني من منزله، كما أن نحو 24 مليون نسمة مهددين بالمجاعة داخل اليمن،[14]وجاء في بيان لمنظمة اليونيسف أنه منذ تصاعد حدة الصراع في 2015 وحتى يناير 2017؛ تم قتل قرابة 1400 طفل وإصابة نحو 2140، كما أن هناك أكثر من 2000 مدرسة أصبحت غير صالحة للاستخدام نتيجة لتعرضها للدمار أو لأن الأسر النازحة تستخدمها كمأوى لها أو أنها يتم استغلالها في أغراض عسكرية.[15] ووفقا لإحصائيات برنامج الغذاء العالمي فقرابة 7.3 مليون يمني في حاجة إلى المساعدات الغذائية العاجلة والفورية، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فنحو 14.8 مليون نسمة من أصل 27.4 مليون يمني لا يستطيعون الوصول لخدمات الرعاية الصحية، علاوة على أن نحو 462 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد وفقا لمنظمة اليونسف.[16]

2-   الآثار الاجتماعية:

 أصيب المجتمع اليمني بحالة من التفسخ والانهيار جراء ما شهدته البلاد من أحداث عنف ودمار طالت الكثيرين، حيث وجود حكومة سيئة وعدم استقرار وغياب قانوني وانتشار للفقر، فمنذ مارس 2015 تم تهجير نحو 3.3 مليون مواطن يمني من منزله، وبلغ عدد المشردين نحو 2 مليون مواطن في يناير 2017، ووصل عدد اللاجئين اليمنيين الآن نحو 2 مليون لاجئ وهم في حاجة لمساعدات إنسانية طبقا لتقديرات الحكومة،[17] أما عند الحديث عن النواحي التعليمية فلقد سببت تلك الأزمات حدوث خلل في المنظومة التعليمية اليمنية؛ فعلى سبيل المثال سجلت وزارة التربية والتعليم حالات غش في الامتحانات تصل لحد استخدام السلاح، والتعدي على اللجان والمراقبين وتربص الأهالي بالمعلمين لإنجاح أبنائهم، علاوة على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي للغش وتسريب الامتحانات، وتشكو الوزارة من تخاذل الجهات الأمنية والمجتمعية في الحد من تلك الظاهرة، وتستغل بعض الجماعات والقبائل الغياب الأمني وتحاول لتسهيل لأبنائها لضمان نجاحهم في العملية التعليمية وإلحاقهم بالمنح والجامعات الكبرى باليمن، وعلى الجانب الآخر يرى المجتمع بأن وزارة التربية والتعليم هي المسئول الأول عن تلك النتائج نتيجة غياب القدوة والتنظيم والسيطرة على مجريات الأمور، ولعدم تطبيقها لمعايير العدل والمساواة بين جميع الطلاب.[18]وفي السنتين الأخيرتين بلغ عدد الجرائم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين كصنعاء وعمران والبيضاء والحديدة وإب نحو 32 ألف جريمة تتنوع ما بين السطو المسلح والنهب والسرقة والاعتداء، علاوة على فرض إتاوات على المسافرين وارتفاع نسبة تجارة المخدرات، حيث ارتفعت نسبة الجريمة بمعدل 60%.[19]

3-   الآثار الاقتصادية:

 عانى الاقتصاد اليمني من تردي الأوضاع بعد ثورة 2011، حيث انخفضت معدلات الاستثمار وتسربت رؤوس الأموال للخارج وتدهور النشاط الصناعي والتجاري، كما سيطرت فواعل معينة على القطاع النفطي، فحدثت خسائر في الموازنة العامة تقدر بنحو 7 مليار دولار، وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي بنحو 12.8% بعد انقلاب الحوثيين على السلطة الحاكمة في نهاية عام 2014 نتيجة لتوقف المساعدات الدولية والاستثمارات الأجنبية، وارتفع معدل التضخم ليصل إلى 9% عام 2014، وبسبب التهرب الضريبي خسر الاقتصاد اليمني نحو 4.7 مليار دولار سنويا.[20]

 وعلى جانب آخر؛ واجهت الحكومة معضلة ناتجة عن تردي الأوضاع الاقتصادية حيث يعتمد قرابة ربع السكان اليمنيين على رواتب القطاع العام الذي ظل البنك المركزي قادر على سدادها تحت قيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ولكن بعد انقطاع المفاوضات السياسية للسلام مع الحوثيين وحدوث انكماش في الناتج المحلي حدث عجز في قدرة الحكومة على السداد؛ فأعلن الرئيس هادي أن المملكة العربية السعودية ستقوم ببث 2 مليار دولار كوديعة في البنك المركزي في عدن لسد حاجات الموظفين،[21]وهو ما يظهر دور السعودية في دعم النظام ومحاولة المحافظة على بقائه وهيمنته داخل اليمن.

4-   الآثار السياسية:

 تمثل المكسب السياسي بعد الثورة اليمنية في ظهور التكتلات الشبابية التي أصبحت ذات دور حتى لو كان محدود على الساحة السياسية، ولكن حينما نأتي على ذكر مظاهر الحياة السياسية في اليمن فيمكن ذكر أن القانون والدستور ما زالا يستغلان لتنفيذ مصالح الطبقة الحاكمة في اليمن، كما أن الطابع العشائري يغلب على الحياة السياسية وليس الطابع المؤسسي وبالتالي فإحداث أي تغيير سياسي يواجه عراقيل من عدة جوانب، ففي بداية التظاهرات الشبابية قامت الحكومة اليمنية ببعض التنازلات، ولكن مع استمرار الاحتجاجات تحول الوضع إلى قمع للمتظاهرين مستخدمين كافة الأساليب السياسية والأمنية.[22]

 ولقد تغيرت الخارطة السياسية بالداخل اليمني نتيجة لحدوث انشقاقات بالجيش والقبائل اليمنية وتغير موازين القوى السياسية التي ضمت أحزاب وجماعات مسلحة تتمثل في: حركة تنظيم القاعدة والحوثيين، وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يعتبر الحزب الحاكم إلى الآن داخل اليمن، وتحالف اللقاء المشترك الذي يضم 6 أحزاب منهم أحزاب ذات إيديولوجية اشتراكية وأخرى تابعة لفكر الإخوان المسلمين إلا أنه ما زال بينهم قدر من التحالف.[23] كما زاد النفوذ الإيراني بعد عام 2011 داخل اليمن، حيث عملت إيران على تقديم الدعم للسياسيين والإعلاميين وشباب الثورة المعارضين، وظهر الحوثيون كفصيل معارض بعد توقيع المبادرة الخليجية في فبراير 2012، بسبب رفضه للمبادرة التي تجاهلت وجوده، علاوة على رفضه للاتفاق السياسي الذي تم بين حزب المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) وأحزاب اللقاء المشترك (أحزاب المعارضة)، ولكن على الرغم من ذلك فقد شارك في مؤتمر الحوار الوطني والذي يعتبر أحد مراحل العملية الانتقالية التي أقرتها المبادرة، وبعد انقضاء الحوار الوطني في يناير 2014، ونتيجة لضعف الخدمات وسوء أداء الرئيس والحكومة والاحتقان الشعبي؛ زاد التواجد الحوثي وتأثيره على الأراضي اليمنية، وانتابت البلاد حالة من الجمود السياسي، وتطورت الأوضاع في يوليو 2014 بعد إسقاط الحوثيين لمحافظة عمران المجاورة لصنعاء العاصمة، ثم ازدادت تأزما بعد محاصرتهم واعتصامهم داخل صنعاء، فبدأت المفاوضات بين الحكومة والمعارضة بوساطة عمانية، وبعد توقيع الحوثيين لاتفاقية السلم والشراكة سقطت صنعاء في أيديهم دون أدنى مقاومة من الجيش، ومع ذلك لم يلتزموا بما نصت عليه الاتفاقية من حيث الانسحاب من المدن بعد تشكيل حكومة شراكة وطنية وعملوا على التوسع في مدن الجنوب، فسقطت الاتفاقية في يناير 2015 نتيجة لمحاصرتهم للقصر الرئاسي.[24] يقينا بعدما تم استعراضه من آثار ناتجة عن الحرب اليمنية، الدور الخارجي والمجتمع الدولي والإقليمي ساهم في وصول الأمور إلى ما هي عليه في السنوات الأخيرة، حتى وإن ساهمت البنية التحتية الضعيفة وضعف مؤسسات الحكم والمجتمع المدني في نشوب الحرب، ولكن الجانب الإنساني ومراعاة حقوق المدنيين في المجتمع اليمني هو أمر مسكوت عنه لدرجة كبيرة.

ثالثا: دور المجتمع الدولي في اليمن

 يشير مفهوم المجتمع الدولي إلى مجموعة الدول التي تقرر العمل معا في إطار تشاركي، أو بمعنى آخر فهي الدول ذات السيادة والاعتراف الدولي التي تشارك في صنع القرار العالمي، وقد يساهم المجتمع الدولي في حدوث نتائج إيجابية أو سلبية على الدول المختلفة،[25] وفي حالة اليمن يمكننا أن نشير إلى ثلاث دول ساهمت بشكل رئيسي في تطور الوضع الداخلي باليمن وهي: السعودية-الولايات المتحدة الأمريكية-إيران، بالإضافة إلى الدول يوجد المنظمات الدولية التي لعبت دورا هاما في الأحداث، وسنأتي على ذكر كلا منها على حدة.

1-   الدول المؤثرة:

ساهمت الدول بأشكال عدة داخل اليمن مثل: التدخل المباشر، وتجارة السلاح، الدعم المادي والمعنوي.

  1. التدخل المباشر:

 فقد شنت المملكة العربية السعودية الحملة الحربية على اليمن من أجل إعادة تثبيت قواعد حكم عبد ربه منصور هادي، وعلى الرغم من أن ذلك هو الهدف الظاهري لكن السيطرة على اليمن الجار الجنوبي للمملكة هو الهدف الفعلي، فعلى مدار عقود ومنذ الحرب الأهلية التي اندلعت في اليمن بين الشمال والجنوب والسعودية تحرص على دعم الجزء الجنوبي على الشمالي على الرغم من تركيبه الزيدي الشيعي، كما عارضت الانتخابات الديمقراطية باليمن وعارضت الوحدة بين شقي اليمن الشمالي والجنوبي،[26] ولقد حظيت السعودية بدعم لوجيستي ومخابراتي من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية أناء قيادتها لعمليات عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل، كما شنت السعودية هجمات جوية على الحوثيين وأغلقت المجال الجوي فعرقلت تقديم المساعدات داخل اليمن، وساهمت في حدوث تضخم حيث ارتفعت أسعار الغذاء والوقود بشكل كبير مما تسبب في تأزم الأوضاع الداخلية.[27]

 ويمكن ذكر الولايات المتحدة ذات السياسات المتناقضة؛ فعلى الرغم من استمراراها في تقديم الدعم لبعثة سلام الأمم المتحدة والتي ترمي إلى الإصلاح بين الفصائل المتنازعة باليمن، إلا أنها قامت بشن هجمات جوية في إطار حملات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فتسببت في قتل ما يقرب من 400 فرد مدني حتى يناير 2017، غير عابئة بالسياسات الاستراتيجية التي قد تحد من الإرهاب والعنف دون التدخل العسكري.[28]وفي 29 يناير 2017؛ قام ترامب بشن ضربات جوية أثارت الجدل حول النفاق الأمريكي؛ بسبب انتقاد الولايات المتحدة لنظام بشار الأسد في استهدافه للمدنيين في حين تحذو حذوه في اليمن، وفي الوقت ذاته صدر قرار بحظر دخول مسلمي اليمن إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي يدعم من موقف الجماعات الإرهابية لجذب مزيدا من المقاتلين ويدحض من السياسات الأمريكية ويشكك في نيتها في القضاء على الإرهاب بالمنطقة.[29] والتدخل المباشر في اليمن كان من أكبر العوامل المساهمة على تصعيب الأمور ووضع الجميع أمام معضلة، بداية من عدم مراعاته للمدنيين وصولا لعدم اهتمامه بسرعة البت في حل الصراعات المختلفة.

  1. تجارة السلاح:

 بدون دعم السعودية من فاعلين آخرين لم تكن لتتمكن من الاستمرار في العمليات العسكرية داخل اليمن، ومن أهم تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم مما تعانيه اليمن من أحداث عنف وإرهاب وانتشار للأوبئة والمجاعات، لم تلفت اليمن انتباه المجتمع الدولي لدرجة تذكر، فحكومة الولايات المتحدة لم تعمل على وقف الدعم اللوجيستي والأسلحة التي يتم ضخها للفصائل المتنازعة، وتجاهلت رصد الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان، ولم تحاول التوسط في تسوية سياسية بين الفصائل المتنازعة، حيث تمت صفقات أسلحة بين الولايات المتحدة والسعودية تقدر بنحو 115 مليار دولار منذ إدارة باراك أوباما عام 2009، وهي أكبر صفقات تمت خلال المراحل الرئاسية المختلفة، وساهمت بريطانيا أيضا عن طريق بيعها أسلحة للسعودية تقدر بنحو 3 مليار دولار منذ مارس 2015، وفي أكتوبر 2016 تم انتخاب السعودية لعضويتها في منظمة حقوق الإنسان لمدة ثلاث سنوات بدعم من 79% من الأعضاء وعلى الرغم من أن الاقتراع يكون سريا لكن الولايات المتحدة وبريطانيا لم يعترضا على انتخاب السعودية، ومع استمرار ضغوط منظمات حقوق الإنسان؛ تم تخفيض نسبة الأسلحة المقدمة من حكومة أوباما للسعودية في ديسمبر 2016، ويؤكد خبراء عدة على أن إيقاف مد السلاح من بريطانيا وأمريكا كفيل بإيقاف الحملة التي تقودها السعودية داخل اليمن.[30]

 ونأتي على ذكر إيران التي لعبت دورا رئيسيا أيضا، ففي يناير 2013 تم ضبط سفينة محملة بالأسلحة متجهة من إيران إلى السواحل اليمنية، كما اعترضت القوات الإسرائيلية في مارس 2014 سفينة إيرانية أخرى محملة بالأسلحة ومتجهة لليمن في عرض البحر الأحمر قبالة السواحل الإريترية، وتقوم إيران بتدريب بعض أفراد الحوثيين داخل معسكرات في إريتريا، كما تعتمد إيران في طريقة عملها على الشبكات الاستخباراتية؛ ففي يوليو 2012 تم ضبط شبكة تجسس إيرانية، وفي سبتمبر 2012 أعلنت الداخلية اليمنية عن ضبط 6 شبكات تجسس إيرانية، وتعمل إيران على دعم إعلاميين وسياسيين معارضين لإجهاض المبادرة الخليجية، ولقد نجحت إيران في تقوية مركز الحوثيين داخل اليمن وفرض قوات جديدة على أرض الواقع، وفي السيطرة على مناطق مخلفة بالداخل اليمني مثل عدن وتعز وإب.[31]

  1. الدعم المادي والفكري:

 على جانب آخر لعب الإخوان المسلمين بالتعاون مع السعودية دورا في مسار الأحداث باليمن، ففي ظل الحملات المكثفة التي تقودها السعودية بالداخل اليمني باتت جميع الأطراف مهددة بالخطر ومن ضمنهم حزب الإصلاح اليمني الذي يمثل الإخوان المسلمين، لذا فتقديم فروض الولاء والطاعة للملكة العربية السعودية باتت أمرا ملحا عليه لاستكمال مسيرته وإلا سيتم القضاء عليه عن طريق وضعه في مصاف تنظيم القاعدة أو داعش وبالتالي تصنفيه على أنه جماعة إرهابية يجب استهدافها من العمليات الأمريكية والخليجية وخاصة في منطقتي وسط وجنوب اليمن، كما سيتم وضع أعضاء حكومة أحمد بن دغر التابعة للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي للاختبار التام لقياس مدى ولائهم للسعودية، ولقد دعمت السعودية وقطر ماليا وسياسيا وعسكريا لمدة طويلة حزب الإصلاح باليمن، ويعتبر الدعم مبررا من جانب قطر بسبب تبنيها ودعمها لمنظومة الإخوان المسلمين حول العالم، بينما عندما نأتي على ذكر السعودية فالأمر كان مرتبطا بعدم وجود بديل لهم مما اضطرها لدعمهم طويلا، الأمر الذي يجعل العلاقات السعودية الإمارتية في مهب الريح وعرضة للتخبطات على الدوام، نتيجة للعداء الذي تضمره الإمارات تجاه فصيل الإخوان، والعلاقة بين السعودية وحزب الإصلاح في الوقت الحالي تميل إلى ترجيح الجوانب الدبلوماسية لإدراكهم أن أي تصادم بين الجانبين سيكلفهم الكثير.[32]

 أما عن إيران فبعض الدراسات تميل لتحجيم العلاقة بين الحوثيين وإيران، بينما أخرى تتبنى العكس، ويعود أصحاب المذهب الأول إلى أن الحوثيين في اليمن ينتمون للطائفة الشيعة الزيدية بينما في إيران فالسائد هو الطائفة الإثنى عشرية الشيعية ويوجد اختلافات ما بين فكر الطائفتين،[33] بينما يرى أصحاب المذهب الثاني إلى أن إيران تسعى إلى تصدير فكرة الثورة الإيرانية باليمن، إلى جانب طمعها في موقع اليمن الجيوسياسي حيث مضيق باب المندب معبر التجارة العالمية، ولقد استغل حسين الحوثي أحد قادة الحوثيين فكرة تصدير الثورة الإيرانية والدعم المادي والعسكري الذي تقدمه وعقد صداقات مع النظام الإيراني، كما استغلت إيران التقارب النظري بين الزيديين في اليمن والشيعة في إيران لتستميل الحوثيين، فإيران تسعى للتغلغل داخل المنطقة عن طريق إثارة الضغائن الطائفية، لذا تحرص الجمعيات الخيرية الشيعية على تقديم الدعم المادي والفكري للحوثيين والذي بدأ منذ عام 1994.[34] إذن تنوع طرق التدخل الخارجي في الشأن اليمني توضح أحد أسباب استمرار الحرب في اليمن بين مختلف الفصائل.

2-   دور المنظمات الدولية:

 يشير أحد المحللين السياسيين إلى أن أغلب المنظمات الدولية قد تشكلت هويتها السياسية عقب الحرب الباردة وبالتالي فهي تحاول توظيف تلك الهوية في علاقتها مع المجتمع الدولي، كما باتت الآن بمثابة لوبي يحاول الضغط على كافة الدول وفقا لأجنداته الخاصة ومصالحه التي يرغب في تمريرها، فالمنظمات الدولية التي تعمل حاليا في اليمن وفقا لآراء بعض الباحثين هي أداة في يد الدول الكبرى الفاعلة التي ترغب في لعب دور على الساحة الدولية،[35] وتعتبر المنظمات الغير حكومية من ضمن الجهات الفاعلة داخل المجتمعات، ففي تقرير لمركز ميدل إيست بريفينج بواشنطن؛ نشر أن الولايات المتحدة من خلال برنامج الشراكة الشرق أوسطية والتي تقوم فيها بدعم منظمات المجتمع المدني والمنظمات الغير حكومية تسعى للتماشي مع أهداف الأمن الداخلي الأمريكي وتعد اليمن من ضمن البلاد المستهدفة في التقرير.[36]

 ويشير أحد العاملين بمنظمات الأمم المتحدة إلى أنه في عام 2016 فالمنظمات الدولية والمحلية لم تتلق سوى 39% فقط من حجم المساعدات التي تحتاجها خاصة مع وجود الأزمة السورية وتصاعد حدتها، وزيادة الاهتمام الدولي بها في مقابل إغفال الأزمة اليمنية.[37] وفي إبريل 2017 أعلن أنطونيو غوتريش الأمين العام للأمم المتحدة أن مؤتمر المانحين حول اليمن والذي عقد في جنيف استطاع أن يجمع نحو 1.1 مليار دولار من مختلف الدول المشاركة من أجل مساعدة المحتاجين والمنكوبين جراء الأزمة اليمنية، حيث أن أكثر من ثلثي سكان البلاد والبالغ تعدادهم حوالي 19 مليون نسمة في حاجة للمساعدات كما أن 7 مليون على حافة المجاعة،[38] وفي يناير 2016 أصدر الفريق المعني بالشأن اليمني داخل الأمم المتحدة تقريره عن حجم الانتهاكات التي مورست بحق المدنيين، حيث وضح التقرير أن جميع أطراف النزاع قد انتهكت القانون الدولي لحقوق الإنسان ووجهت ضربات للمدنيين، ولكن في يونية من نفس العام سحب الأمين العام للأمم المتحدة أسم التحالف الدولي الذي تقوده السعودية بعد تهديدات من جانب الأخيرة بسحب التمويلات والدعم الذي تقدمه لمنظمة الأمم المتحدة.[39]

 وعلى الرغم من زيادة الحاجة للمساعدات الإنسانية والإغاثية التي تقدمها المنظمات الدولية داخل اليمن، إلا أنه قد زاد التضييق عليها مؤخرا وقابلت تعثرات في سبيل وصول المنح والمساعدات لليمن، وعلى سبيل المثال فقد منع الحوثيون بعض المنظمات الدولية من تقديم المنح والمساعدات في مديرتي الزهرة وعبس، كما حاولت الضغط على المنظمات للحصول على معلومات عن الموجودين بمخيمات اللاجئين خاصة الذين ينتمون لأحزاب معارضة لسياسات الحوثيين، وتعمل نقاط التفتيش على احتجاز موظفي المنظمات ثم الإفراج عنهم بعد عدة أيام من أجل التضييق عليهم وعلى أعمالهم، وحتى في المناطق الجنوبية والتي حررت من سيطرة الحوثيين؛ فما زال عمل المنظمات الإغاثية محدودا في ظل ما تعانيه من تضييقات من جانب داعش وتنظيم القاعدة الإسلامية.[40]

 “بموجب القانون الإنساني الدولي، يجوز لأطراف النزاع المسلح فرض حصار بحري لمنع وصول الأسلحة والعتاد إلى قوات العدو. كما يمكن تفتيش السلع مثل الأغذية والوقود والأدوية المتوجهة إلى المدنيين، ولكن لا يمكن تأخيرها بشكل مفرط. على قوة الحصار نشر قائمة بالمواد المحظورة، ولكن التحالف لم يفعل ذلك“.[41]

 ووفقا لهيومن رايتس وواتش فقد قامت قوات التحالف بقيادة السعودية بعرقلة وصول العديد من الموارد وتعطيل السفن المحمل بالوقود وتغيير خط سيرها، ومنع وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مما ساهم في اشتداد المعاناة بالنسبة للمواطنين المدنيين، وعلى سبيل المثال فقد قامت قوات التحالف باحتجاز سفينة وقود لأكثر من خمسة أشهر في ميناء سعودي وطالبتها بتفريغ شحنتها على الأراضي السعودية دون أي تعويض، علاوة على ذلك فلقد رفضت مغادرة الفريق السفينة على الرغم من حاجاته للكشف الطبي.[42]

 وقد يكون للمنظمات الدولية دورا سلبيا في اليمن ولكنها حاولت المساهمة في تغيير الأوضاع للأفضل؛ ففي 25 أغسطس 2017 أعلنت نافذة التصدي للأزمات التابعة للمؤسسة الدولية للتنمية والتي تعد ذراع البنك الدولي لمساعدة الدول الأشد فقرا على مستوى العالم عن منحة مالية عاجلة بقيمة 200 مليون دولار لدعم النظام العلاجي ونظام الصرف الصحي في البلاد، وهي تعد محاولة من جانبه لدحض وباء الكوليرا المتفشي في البلاد وللمساعدة في تدريب العاملين داخل الدولة على مواجهة مثل تلك الأزمات.[43] إذن مواقف المنظمات الدولية وردود أفعالها تبنى على توجهات دول أيضا، وكارثة بحجم ما مرت بها اليمن لم تكن كفيلة بالسماح لتلك المنظمات من ممارسة أنشطتها الإنسانية ومساعدة المواطنين.

خاتمة:

 وأخيرا لو عقدنا المقارنة بين دور المجتمع الدولي في اليمن ودوره في سوريا سنجد فرق هائل، فعلى الرغم من الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمؤسسي الذي تشهده اليمن حاليا، إلا أن التحرك الدولي لإيقاف الحرب ليس كافيا، ولعل من الأسباب الكامنة وراء ذلك هو تورط المملكة العربية السعودية في الأحداث بالداخل اليمني، ولهذا تخشى الدول من المطالبة بعمل تحقيقات فورية لإيقاف الأزمة داخل اليمن، خشية من تهديد مصالحها المشتركة مع السعودية.[44] وفي ظل التطورات التي تمر بها اليمن، نلاحظ أن التركيز الإعلامي ينصب على أحداث أخرى أكثر أهمية بالنسبة له كإعصار هارفي الذي ضرب الولايات المتحدة، ويعود ذلك إلى اهتمام المشاهد الأمريكي بالمدينة في أمريكا أكثر منها في أي دولة حول العالم، فالمآسي ليست بالأمر المعتاد داخل الولايات المتحدة ولكنه بات أمر واقعي بالدول النامية مثل اليمن وسوريا على سبيل المثال،[45] وبناء على كل ما جاء في الورقة، فالمجتمع الدولي المتمثل في المنظمات والدول لعب دورا كبيرا في الأحداث الداخلية باليمن، والتي لا يمكن إجمالها في الأحداث الحالية فقط ولكنه كان له بعد تاريخي، ومصالح مشتركة ومحددة دفعته للتعاون مع أطراف بعينها دون الأخرى، فالمصالح السياسية والاقتصادية والجيوسياسية كانت الدافع الرئيسي وراء المواقف الدولية المختلفة، ولعل المدنيين لم يكونوا مستهدفين في الأساس ولكن محال أن تقوم حرب لا يكون الضحايا الأوائل لها من المدنيين، وفي ظل انتشار وباء الكوليرا وصمت المجتمع الدولي على ما يحدث داخل اليمن، فالأمور لا تبشر خيرا على الإطلاق، فالأمر سيتجاوز فكرة انتشار الأمراض ليصاحبه العنف الذي يتولد من ضغط الأحداث، فمؤخرا انتشر فيديو لطفل لم يتجاوز الثلاث سنوات يحمل سكينا ويقوم بقطع رأس لعبته بينما من ورائه شعار أحد الجماعات المسلحة والعلم الخاص بهم،[46] مما يوضح حجم الكارثة التي قد تلحق بالمنطقة وبالعالم إذا لم يتم الوصول لتسوية سلمية داخل اليمن. كما يمكننا أن نلاحظ حجم الضغوط الدولية من مختلف الجهات التي تمارسها الدول على المنظمات الدولية والإغاثية لفرض سياستها وسيطرتها، فالمصالح هي المتحدث الأول على الساحة الدولية، ولعل ما فعلته الأمم المتحدة من شطب اسم التحالف الذي تقوده السعودية من قائمة منتهكي حقوق الإنسان خير مثال على ذلك.


[1] – BBC عربي، “الأزمة في اليمن: من يحارب من؟”، 16 أكتوبر 2016، https://goo.gl/zVa2zX

[2] – المرجع السابق.

[3]– اللجنة الدولية للصليب الأحمر، “اليمن: الحرب في زمن الكوليرا”، 29 مايو 2017، https://goo.gl/s7chLj

[4] – علي إبراهيم، “اليمن.. جذور الأزمة”، الشرق الأوسط، 11 نوفمبر 2014، رقم العدد: 13132، https://goo.gl/wMGt5L

[5] – نادية السقاف، “تسييس ثورة الشباب في اليمن”، صدى، 27 أبريل 2011، https://goo.gl/P9cMy6

[6] – عرفات مدابش، “اليمن: 2011 عام الثورة والتغيير والحرب والسلم”، الشرق الأوسط، 31 ديسمبر 2011،العدد: 12086، https://goo.gl/9Dn2cN

[7] – جيني هيل وآخرون، “الملخص التنفيذي والتوصيات: اليمن: الفساد وهروب رأس المال الأسباب العالمية للصراع”، تقرير صادر عن تشاتم هاوس، 2013، ص 2، https://goo.gl/SGfWoS

[8] – العربية، “لماذا انطلقت عاصفة الحزم منذ سنتين في مثل هذا اليوم؟”، 26 مارس 2017، https://goo.gl/Ct6hP1

[9] – عبد الله زغيب، “اليمن: حدود بلاد مشرعة وآفاق مفتوحة”، التقرير الاستراتيجي العربي 2017: التهديدات والفرص صادر عن معهد الدراسات المستقبلية، الطبعة الأولى، 2016، ص 116،118.

[10] – محمد أحمد عبد المعطي، “مارشال خليجي”: كيف يتم “إعادة الأمل” لليمن اقتصادياً؟”، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 27 مايو 2015، https://goo.gl/ZNQX9T

[11] – الجزيرة، “جماعة الحوثيين في اليمن”، 12 أغسطس 2009، https://goo.gl/Bxor5e

[12] – بو علام غبشي، “من هم الحوثيون وما هي مطالبهم؟”، فرانس 24، 2 سبتمبر 2014، https://goo.gl/GbLKMc

[13] – طلعت موسى، “صراع الحوثيين ضد قوات علي صالح باليمن”، الأهرام، 10 سبتمبر 2017، https://goo.gl/gGoCr4

[14] – RT عربي، “الجوع قد يحصد أرواح الملايين في اليمن عام 2017″، 31 مارس 2017، https://goo.gl/MLUChw

[15] – اليونيسف، “ممثلة اليونيسف في اليمن تدعو كافة أطراف النزاع إلى وقف الهجمات على المدارس ومرافق التعليم”، 11 يناير 2017، https://goo.gl/hihoon

[16] – Jeremy M. Sharp, “Yemen: Civil War and Regional Intervention”, Congressional Research Service, 21 March,2017, p.10, https://goo.gl/P4wYoX

[17]– BBC News, “Yemen conflict: How bad is the humanitarian crisis?”, 28 March 2017, https://goo.gl/LgpgqJ

[18] – هاف بوست عربي، “اليمن: الغش في الامتحانات بقوة السلاح.. ووزارة التعليم متورطة في تنامي الظاهرة”،  6 يوليو 2017، https://goo.gl/ugKV7m

[19] – العربية، “ارتفاع معدل الجريمة في صنعاء بنحو 60% في ظل الانقلاب”، 17 فبراير 2017، https://goo.gl/aUQKfq

[20] – محمد أحمد عبد المعطي، مرجع سبق ذكره.

[21]– Jeremy M. Sharp, op.cit.

[22] – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، “اليمن ما بعد علي عبد الله صالح”، معهد الدوحة، يونية 2011، ص 1-5، https://goo.gl/iYZR8y

[23] – منتدى البدائل العربي للدراسات، “الأزمة اليمنية.. ثورة لم تنجز”، 16 أبريل 2015، https://goo.gl/dfhDth

[24] – ميساء شجاع الدين، “الحوثيين وإيران: تحالفات السياسة وتوترات المذهب”، Open Democracy، 18 مايو 2017، https://goo.gl/XDwHzd

[25] – مايكل روكارد، “ما هو المجتمع الدولي؟”، Project Syndicate، 30 مايو 2013، https://goo.gl/BiQ6Ah

[26] – شيلا كارابيكو، “الوضع الحالي وتطورات الحرب في اليمن”، أسامة إسبر (ترجمة)، جدلية، 26 ديسمبر 2016، https://goo.gl/pWB7C4

[27]– Alexandre Faite, “The human toll of Yemen’s unending war”, Foreign policy, 20 July 2017, https://goo.gl/TMqWka

[28]– The Yemen Peace Project, “America’s role in Yemen 2017 and beyond”, a report published by The Yemen Peace Project, Washington, 2017, pp.1-2, https://goo.gl/D1fLhs

[29] – ليسلي فنجاموري، “رأي: تهور ترامب بالغارة الفاشلة في اليمن سيجعل ورطة أمريكا بالمنطقة أكبر”، CNN بالعربية، 13 فبراير 2017، https://goo.gl/ydHVBd

[30]– Dokhi Fassihian, Theo Wilson, “End Yemen’s Brutal War in 2017”, Freedom House, 12 January 2017, https://goo.gl/ASzCkr

[31] – العرب، “التدخل الإيراني المتصاعد في اليمن يهدد استقراره الهش”، 28 أبريل 2014، العدد: 9542، ص 6، https://goo.gl/Lhbf2v

[32] – لقمان عبد الله، “«الأزمة» في الميزان اليمني: السعودية لا تزال بحاجة «الإخوان»”، الأخبار، 6 يونية 2017، https://goo.gl/8RNNTa

[33] – ميساء شجاع الدين، مرجع سبق ذكره.

[34] – العرب، “التدخل الإيراني المتصاعد في اليمن يهدد استقراره الهش”، مرجع سبق ذكره.

[35] – بدر القحطاني، “انتقادات وتساؤلات حول دور المنظمات الدولية الإنسانية في اليمن: محللون وصفوا نتائج المشاريع بـ«الباهتة»”، الشرق الأوسط، 10 سبتمبر 2017، العدد: 14166، https://goo.gl/qqbLe5

[36] – سميرة رجب، “التهديدات الناشئة ودور الجهات الفاعلة من غير الدول في الشرق الأوسط”، العرب، 19 فبراير 2017، العدد: 10548، ص 6، https://goo.gl/Qu3wo1

[37] – العربي الجديد، “عرقلة أعمال منظمات الإغاثة في اليمن”، مرجع سبق ذكره.

[38] – ياسين بوتيتي، رفعت سليمان، “مؤتمر المانحين لليمن يجمع 1.1 مليار دولار من أصل مليارين تحتاجهما البلاد”، RT Arabic، 25 أبريل 2017، https://goo.gl/ZrJo4H

[39] – منظمة العفو الدولية، “تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2016/17″، الطبعة الأولى، 2017، ص350، https://goo.gl/MraxT3

[40] – العربي الجديد، “عرقلة أعمال منظمات الإغاثة في اليمن”، 20 سبتمبر 2016، https://goo.gl/bxEGiw

[41] – هيومن رايتس ووتش، “منع التحالف للمساعدات والوقود يهدد المدنيين في اليمن”، 27 سبتمبر 2017، https://goo.gl/TNHv2v

[42] – المرجع السابق.

[43] – البنك الدولي، “200 مليون دولار لمكافحة الكوليرا في اليمن”، 28/08/2017، https://goo.gl/vM639r

[44] – BBC عربي، “الأمم المتحدة: تردد المجتمع الدولي في التحقيق بحرب اليمن “مخجل”، 5 سبتمبر 2017، https://goo.gl/8TtvXq

[45] – BBC عربي، “الغارديان: اليمن كارثة أسوأ من تكساس ولا أحد يتحدث عنها”، 2 سبتمبر 2017، https://goo.gl/kW7yrw

[46]– تلفزيون الآن، تاريخ نشر الفيديو: 25/08/2015، https://goo.gl/rAZa1o

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [1.04 MB]

Start typing and press Enter to search