عرض كتاب: “ثورة مصر الطويلة.. الحركات الاحتجاجية والانتفاضات”
شيماء الشرقاوي

مصر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [702.83 KB]

“ثورة مصر الطويلة: الحركات الاحتجاجية والانتفاضات”

مها عبد الرحمن

Egypt’s long revolution: protest movements and uprisings[1]

Maha Abdel-Rahman[2]


[1]Maha Abdelrahman, Egypt’s Long Revolution: Protest Movements and Uprisings. London and New York: Routledge, 2014.

[2]مها عبد الرحمن هي محاضر في دراسات التنمية في جامعة كامبريدج

مقدمة:

يتمحور الهدف الأساسي للكتاب حول تقديم تحليل تشريحي وتفصيلي لحدث ثورة الخامس ‏والعشرين من يناير، عن طريق استعراض لأهم الحراكات التي سبقت هذ الحدث خلال العقد الفائت له، ‏وأيضا التعرض للثلاث سنوات التي تلت قيام الثورة، من حيث الرابط التاريخي، ديناميات التفاعل في ‏كلا من السياق الدولي والإقليمي، وأخيرا من خلال اقتراب الاقتصاد السياسي. ‏

تعتمد الأطروحة الأساسية للكتاب على أن الثورة ليست فعلا عفويا وليد اللحظة، ولكنها عملية طويلة ‏ومستمرة من الاحتجاجات والانتفاضات الاجتماعية والسياسية، ويعطي أيضا أهمية كبيرة للمجموعات ‏والأفراد الذين حملوا على عاتقهم حمل التغيير والثورة، يهدف الكتاب أيضا إلى توفير تحليل رصين ‏لتجربة وخبرات التعبئة، النشاط السياسي، والحركات الاحتجاجية باعتماده على نظريات وأدبيات ‏الثورات والحركات الاجتماعية الجديدة، وبخاصة الأشكال الحديثة من الاحتجاجات والشبكات ‏الاجتماعية، ولأجل هذ اعتمد الكتاب على منهاجية تتكون من إجراء مقابلات مكثفة مع العديد من ‏النشطاء الذين اعتبروا في مقدمة الحركة الاحتجاجية الجديدة في مصر والتي نشأت في أعقاب ‏الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بالإضافة إلى دراسة تقارير المراكز الحقوقية والبحثية وتتبع وسائل ‏الإعلام “المستقلة” التي ظهرت في هذا السياق على سبيل المثال صحيفتي الشروق والمصري اليوم، ‏لبناء تصورا مفصلا عن الحركة الاحتجاجية في العقد ما قبل اندلاع الثورة. في نفس السياق تعتمد ‏أطروحة الكتاب على تأكيد أن البدائل الثورية هي نتاج تلك الكفاحات الطويلة المدى والعملية الثورية ‏المستمرة. ‏

يتكون الكتاب من 6 فصول يبدأها باستعراض السياق العام الذي سبق اللحظة الثورة في 25 يناير ‏‏2011، من مختلف الأبعاد ولكن بشيء من التركيز على البعد الاقتصادي-السياسي، مرورا باستعراض ‏للمجموعات والحركات الاحتجاجية المختلفة على مدار عقد كامل منذ 2000 وحتى 2010، ‏الاحتجاجات العمالية والفلاحية، أزمات التنظيم والتحالفات، وصولا للحظة الثورية وما تلاها. ‏

ومن هنا تحاول السطور القادمة، استعراض أهم الأفكار التي طرحها الكتاب والذي يبني عليها أطروحته حول قضية الثورة كعملية مستمرة من التغيير.

أ‌)        كيف أدى السياق العام إلى اللحظة الثورية في يناير 2011:

يأتي الحديث هنا حول الكيفية التي تم بها بناء النظام الجديد الذي تم تأسيسه منذ ‏وصول حسني مبارك للسلطة وتحديدا منذ بداية التسعينيات، بالتركيز على تحليل الطبقة السياسية التي ‏نمت وتبلورت في هذه الفترة، استراتيجيتها في انتزاع الملكية، المؤسسات التي اعتمدت عليها لبسط ‏سيطرتها، الطرق والمنهاجيات التي وظفتها لتمديد وحماية هيمنتها على المجتمع والاقتصاد، وأيضا استعراض وتوصيف السياق الذي بدأ فيه ملايين من المصريين ‏بالانخراط في مدى واسع من الكفاحات اليومية ضد هيمنة هذه المنظومة والنظام السياسي الذي يمثلها. ‏

بدأت هذه المنظومة الجديدة في التبلور مع التركيز على الأوضاع الاقتصادية وبداية الموجة الجديدة ‏من النيوليبرالية والتي اعتمدت على اتباع سياسات اقتصادية مثل الخصخصة، والتي كانت تعتبر أحد ‏أهم الأسس الإيديولوجية التي على أساسها تم تثبيت نظام جديد يختلف تماما عن سابقه والذي بدأ منذ ‏عام 1952 واعتمد بشكل أساسي على إعادة توزيع الثروات على المواطنين (قوانين الإصلاح الزراعي)، ‏نمو القطاع العام المملوك للدولة والذي يعتبر الطرف الأساسي في العملية الاقتصادية. في المقابل يعتمد ‏النظام الجديد على المنطق النيوليبرالي والذي يبرر الحاجة للخصخصة والاعتماد على الاستثمارات ‏الأجنبية المباشرة بحجة فشل وعدم كفاءة الإدارة في القطاع العام وعدم إمكانية الدولة في إدارة ‏المشروعات التي من شأنها أن تدر الأرباح.

بالإضافة إلى ذلك وحتى يتم تثبيت النظام الجديد، عمد النظام بأجنحته المختلفة إلى ‏السيطرة على جميع الصناعات والأسواق (وهنا نذكر على سبيل المثال الحديد والصلب، مواد البناء، التعدين ‏والمواد البترولية، الإسكان والعقارات، السيارات، إلخ..) وحيث أن النظام الجديد مثلما يحتاج لطبقة ‏سياسية جديدة فهو يحتاج لتبني إيديولوجية للدفاع والتبرير عن مبادئه المؤسسة، نجد لجوء عدد من رجال ‏الأعمال بالتعاون مع هيئة المعونة الأميركية في مطلع التسعينيات إلى تمويل وإنشاء “المركز المصري ‏للدراسات الاقتصادية” والذي يمثل مساحة لتثبيت وترجمة مفاهيم النيوليبرالية لسياسات عامة، وتحويل ‏طموحات القطاع الخاص ورجال الأعمال إلى أجندة سياسية.

نجد أيضا أنه من أهم مظاهر تثبيت هذه المنظومة ‏الاقتصادية أيضا هو سيطرة رجال الأعمال على المؤسسات السياسية وبعض الحقائب الوزارية، وهذا ما ‏ساعد في خلق نخبة سياسية واقتصادية جديدة. ‏

وفي نفس السياق، يجدر الإشارة لدور المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي في دعم ‏هذا النظام الناشئ مشيدة بمعدلات النمو المرتفعة التي يسجله الاقتصاد المصري وهو ما يتناقض مع ‏تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2008) الذي أعلن بأن نحو 44% من المصريين يعيشون ‏تحت خط الفقر، وهذه التقديرات أشارت بشكل كبير إلى أن الدولة لم تعد تقوم بدورها المتعارف عليه ‏في العقد الاجتماعي، عن طريق اتباعها لسياسات الإفقار وإزالة جميع تدابير حماية الصناعات المحلية ‏الأساسية، وأنها بذلك لم تعد توفر أي نوع من الأمان والضمان الاجتماعي للعديد من المجموعات ‏الاجتماعية. ‏

 يأتي هنا أيضا الحديث حول دور المؤسسات الأمنية في تثبيت هذه المنظومة ‏الجديدة، حيث أن دور الجهاز الأمني ضمن هذه المنظومة لم يعد معني فقط بمكافحة الجرائم وضمان ‏تطبيق القانون وإنما من خلال فرض تدابير أمنية تتعارض مع حقوق وحريات المواطنين مثل (الحق ‏في التجمع والحق في التظاهر والإضراب، تقديم المواطنين المدنيين لمحاكمات عسكرية، المراقبة على ‏المنشورات والصحف، إلخ) وكل هذا تحت يأتي غطاء قانون الطوارئ، ونجد أيضا أن دور الجهاز الأمني أصبح متمحورا حول إعادة إنتاج علاقات القوة ‏وأيضا سحق توقعات الطبقات العاملة فيما يتعلق بالأجور والأمان الوظيفي. ‏

إلى جانب هذا، يأتي دور ووضعية المؤسسة العسكرية المميزة ضمن النظام بالإضافة ‏إلى قوتها الاقتصادية المتنامية منذ عام 1952، والمتمثلة في الاستقلال المالي التام تحت مزاعم حماية ‏الأمن القومي، إما من حيث الميزانية التي لا تتم مراقبتها ومن حيث الامبراطورية الاقتصادية التي ‏تمتلكها، عوائد المشروعات القائمة عليها، أرباحها من الصادرات، أسهمها في الشركات، وأخيرا حصتها ‏من الموازنة العامة للدولة، وهو ما أعطى المؤسسة العسكرية وضعية مميزة ضمن هذه المنظومة. ‏

ب‌)     الحركات الاحتجاجية وميلاد الحراك المناصر للديمقراطية: ‏

في محاولة لفهم اللحظة الثورية في يناير 2011، من الممكن البدء بمحاولة استعراض تاريخ التعبئة السياسية خلال العقد السابق لقيام ثورة ‏الخامس والعشرين من يناير عن طريق القول إنه بجانب ميلاد الحركات الديمقراطية الجديدة، كان ‏أيضا العمال، الفلاحين، فقراء الحضر والمهمشين وتقريبا كل المواطنين في القلب من العملية الثورية، ويمكن ‏تصنيف هذا الحراك إما من حيث المطالب اقتصادية أو سياسية، أو تصنيفه من حيث الهياكل، ‏أماكن العمل، الأحياء، والمؤسسات. ‏

ويرجع السبب للنظام النيوليبرالي القائم، على اعتباره هو الذي جمع القوة في عهد مبارك، وهو الذي ولد هذه الموجات المكثفة ‏من التعبئة التي امتدت لعشر سنوات، وبلغت ذروتها في 25 يناير2011.

وبسبب قدر قوة وتشابك ‏المنظومة النيوليبرالية من رجال الأعمال والسياسة والمؤسسات الأمنية والعسكرية، كانت الإطاحة بهذا ‏النظام أكثر صعوبة مما كان يبدو واضحا عليه. ‏

من الممكن البدء بالحديث حول أهم الاحتجاجات والحركات الجديدة التي نشأت منذ اندلاع ‏الانتفاضة الثانية عام ‏‏2000 والتي على أثرها اندلعت تظاهرات عارمة في القاهرة، وحتى عام 2010، وهذه الحركات لعبت ‏دورا محوريا في تغيير خريطة المعارضة السياسية في مصر بالإضافة إلى أنها مهدت الطريق لما يمكن ‏أن يطلق عليه “اعتيادية الاحتجاجات”، بداية بحركات مثل الحملة الشعبية لدعم الانتفاضة ‏الفلسطينية، المجموعة المصرية لمناهضة العولمة، وبالطبع من أبرز الحركات التي يجدر التعرض لها هي “حركة كفاية” والتي ظلت أحد معالم المعارضة المصرية منذ عام 2004، وحتى عام 2006 ‏ورفعها لسقف المعارضة من خلال مناهضة التمديد لمبارك أو التوريث لابنه، أيضا الحركات التي ‏خرجت من رحم حركة كفاية مثل أطباء من أجل التغيير، طلاب من أجل التغيير، مجموعة 9 مارس ‏للدفاع عن الحريات الأكاديمية، وما إلى ذلك، مرورا بانتفاضة القضاة عام 2005 المطالبة بإصلاح ‏القضاء واستقلاله، وصولا لظهور محمد البرادعي وانشائه للجمعية الوطنية للتغيير في مطلع عام 2010، ‏وأحداث مقتل الشاب خالد سعيد في يونيو 2010، وما تلاها من تظاهرات بالإضافة لكونها مثالا ‏على تطور أشكال الاحتجاج عن طريق الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي متمثلة في “صفحة ‏كلنا خالد سعيد”. ‏

عند الحديث حول بعض من خصائص عملية التعبئة، والمجموعات المختلفة المشاركة فيها، ‏نجد أنه بشكل عام تبنت المجموعات والحركات الناشطة تكتيكات واستراتيجيات مماثلة للحركات الاجتماعية ‏والشبكات الاحتجاجية الأخرى في جميع أنحاء العالم، من حيث كونها عابرة للأيديولوجيات، تتكون من ‏هياكل غير رسمية، وتنظيمات فضفاضة، رافضة للتنظيمات الهرمية والقيادة المركزية. وتناول الكتاب ‏هذه المميزات، وكيف أنها بمثابة أدوات تكتيكية، مكنت النشطاء والحركات من البقاء على الرغم من ‏وحشية نظام مبارك، واستطاعت أن تخلق فضاءات للتعبئة لم تكن تستطع خلقها إذا تم الاعتماد على ‏الأساليب والاستراتيجيات التقليدية. ‏

واستكمالا لتحليل الحراك ما قبل 25 يناير، يأتي استعراض الحراك العمالي ‏والفلاحي في أعقاب كرد فعل على السياسات النيوليبرالية والتي أثرت بشكل كبير وسلبي على ‏أوضاعهم وحقوقهم كفئات بعينها واعتمادهم على استراتيجيات مثل الإضراب، الاعتصام بأماكن العمل ‏وغيرها، وهنا نذكر على سبيل المثال إضراب عمال المحلة عام 2008، إضراب موظفي الضرائب ‏العقارية، إضراب عمال مصانع كفر الدوار للغزل والنسيج، احتجاجات الفلاحين أمام بنك بني سويف ‏الزراعي‎ ‎‏ عام 1997. بالإضافة إلى ذلك نجد تظاهرات واحتجاجات المواطنين بشكل عام والتي كانت ‏في المجمل تركز على تردي أوضاع الخدمات العامة والمرافق في مصر، وهنا نذكر على سبيل ‏المثال، مظاهرة مرضى فيروس (سي) أمام مستشفى القصر العيني عام 2008 احتجاجا على التأخير ‏المستمر في حصولهم على العلاج الأسبوعي، أيضا نذكر تظاهرة مواطني حي البساتين لرفضهم ‏الإخلاء القسري التعسفي من منازلهم عام 2007، وأخيرا تظاهرة أهالي حي فيصل أمام مقر الحي احتجاجا ‏على تراكم النفايات.

كل هذه الاحتجاجات أدت لما يمكن أن يطلق عليه “اعتيادية الاحتجاجات ‏Normalization ‎of protests‏” وما جعل من هذه العملية سهلة بعض الشيء هو ظهور بعض وسائل الإعلام المستقلة ‏في مطلع الألفية كجزء من السياسات النيوليبرالية، حيث قام عددا من رجال الأعمال من أمثال أحمد بهجت، ‏نجيب ساويرس، صلاح دياب بإنشاء صحف وقنوات خاصة وتمتعت هذه القنوات والصحف بدرجة ما ‏من الاستقلالية في نقلها وتغطيتها للاحتجاجات وهذه التغطيات للاعتصامات والاضرابات قد خلقت ‏نوعا من الجدل العام والحوار بين المواطنين وهو ما ساهم في النهاية في عملية التسييس. ‏

ت‌)    أزمة التنظيم وبناء الائتلافات:

في ظل محاولات دراسة الحركات الاحتجاجية المختلفة، يظهر دائما التساؤل حول التنظيم، ومدى اتصاله بفكرة تطوير مشروع ‏ثوري، حيث أنه كما يذكرنا أنطونيو جرامشي، لا يمكن اعتبار أي حدث اجتماعي أو سياسي بأنه عفويا بالكامل، ‏وبأن هذه الأفعال دائما ما تقع تحت نطاق تأثير الواقع حتى ولو بشكل ضمني، كأن يتواجد مجموعة من الافكار، ‏قائد، أو تنظيم، وعلى هذا فإن فهمنا لمفهوم التنظيم هو أمر مركزي لفهم العملية الثورية في مصر. ‏

تعد من أهم الأفكار التي طرحها الكتاب أيضا، إشكالية تنظيم القوى الثورية في مرحلة ما بعد خلع ‏مبارك، وبأن المجموعات والنخب التي تمتعت بأشكال تنظيمية (الإخوان المسلمين، الجيش) ‏استطاعت أن تسيطر بشكل أوسع على مسار المرحلة الانتقالية، إلا أنه في نفس الوقت هذا ليس كافيا كما تخبرنا ‏حالة الاخوان المسلمين لأن في بعض الأحيان طبيعة التنظيم وقوته تؤثر بشكل عكسي على بناء ‏وتحقيق مشروع سياسي ثوري، ولكنه من الممكن أن يتم وصفه بالمشروع الإصلاحي والذي عادة ما ‏يحقق نتائجا محدودة على العكس من الاحتجاجات والانتفاضات والتي من الممكن أن يولد من رحمها ‏مشروع ثوري. ‏

 وعند الحديث حول إشكاليات وتحديات خلق ائتلافات واسعة في كلا المرحلتين ما ‏قبل مبارك وما بعد خلعه، من الممكن البدء بمحاولة قراءة تاريخ بناء التحالفات والائتلافات في الحركة المعارضة ‏المصرية، والذي بقدر ما يمكن أن نجد به أمثلة للتعاون والتحالف والجهود المبذولة من قبل بعض ‏المجموعات للتوصل لمبادئ مشتركة، إلا أنه يعتبر ملئ بالانقسامات والتنافر بين المجموعات ‏السياسية المختلفة والذي ترجع جذوره بشكل كبير للخلافات الإيديولوجية العميقة.

 ولعل حدة هذه ‏الانقسامات بين المجموعات السياسية المختلفة ضمن صفوف المعارضة كانت أقوى بعض الشيء من ‏العداء بين المعارضة والنظام السياسي وهو ما أعطى الحجة للنظام للتلاعب والتقليل من أي تهديد ‏سياسي جدي لحكمه، وهنا نذكر على سبيل المثال التنافر بين التيار اليساري على اختلاف فروعه ‏وبين الاخوان المسلمين. يستعرض أيضا الكتاب بأنه في بعض الحالات من الممكن ‏أن يتعاون الأقطاب المتنافرة وأن هذا في نظريات الحركات الاجتماعية يوضح أن التعاون العابر ‏للإيديولوجيات يأتي كاستجابة لوجود تهديدات أو فرص لإحداث نوعا من التغيير. ‏

وهنا على سبيل المثال، نذكر موقف كلا من الإخوان المسلمين، والتيار اليساري فيما يتعلق بانضمامهم ‏لتحالفات سياسية مع بعضهم أو مع المجموعات المختلفة عنهم إيديولوجيا مثل الناصريين والليبراليين، ‏والتركيز على هاتين المجموعتين جاء من أهمية إنتاجهما الفكري المتعلق بالتعاون العابر ‏للإيديولوجيات، الحداثة، الراديكالية، والتفكير الاستراتيجي ما قبل وخلال التعاون بينهم. ‏

وفي سياق تحليل المجموعتين، جاء الحديث حول موجة التعاون التي بدأت منذ عام 2000، والتي كانت ‏تتصف بوعي براجماتي من قبل المجموعات المختلفة بطبيعة واستراتيجية تعاونهم الذي يركز على ‏أهداف قصيرة المدى.

وعند الحديث عن أهم مبادئ التعاون ما بين الوصول للاتفاق والحفاظ على ‏الاستقلالية. وفي استكمال استعراض مواقع كلا من الإخوان المسلمين والتيار اليساري، في مرحلة ما ‏بعد مبارك يأتي التحالف الذي قام به الإخوان مع التيار السلفي منذ سقوط مبارك وحتى كتابة دستور ‏‏2012 على الرغم من التاريخ العدائي بينهم. ومن أهم الأمثلة عن محاولات التحالفات في مرحلة ما ‏بعد خلع مبارك، تأتي “جبهة الإنقاذ الوطني” والتي تم تأسيسها لمواجهة سيطرة الإخوان على الحياة ‏السياسية في أعقاب اصدار محمد مرسي للإعلان الدستوري المكمل عام 2012، وحتى بداية تجذر ‏الانقسامات بها ومناخ الاستقطاب منذ عزل مرسي في 2013. ‏

ث‌)     الثورة بين الاقتصادي والسياسي:

من أهم الأفكار التي يطرحها الكتاب أيضا هي التحدي أمام تطوير المشروع الثوري والذي يأتي بعد تحدي التنظيم وبناء ‏الائتلافات، وهو التغلب على التوتر الدائم بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي وهو غير معني ‏باستراتيجيات الحركات الاجتماعية الجديدة ولكنه بشكل أساسي يعتبر أثرا هيكليا وبنيويا للدول ‏الرأسمالية، وأحد الآليات التي توظفها للبقاء على هيمنتها، وهنا يمكن الإشارة إلى الحيلة التي دائما ما ‏يتم اللجوء إليها وهي الفصل بين الاحتجاجات العمالية وبين العملية السياسية والتغيير السياسي، وهذا ‏يعتبر سوء تقدير تحليلي، لأنه في واقع الأمر لا يمكن الفصل بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي.

‏حيث أن قطع الطرق، احتلال المصانع أو الهيئات الحكومية لطلب زيادة الاجور أو لطلب تحسين ‏أوضاع الخدمات العامة والمرافق هي أفعال سياسية بامتياز وتستند بشكل أساسي على مطالب ‏سياسية. وهنا يشير التحليل إلى أن حركة كفاية اعتمدت بشكل أساسي على الحشد والتعبئة في النقابات ‏المهنية والاتحادات العمالية والطلابية وهذا للتأكيد على استحالة الفصل بين المجالين الاقتصادي ‏والسياسي.

وفي سياق آخر، يمكن الإشارة إلى أحد التحديات أمام خلق واستمرارية المشروع الثوري وهو ‏الانقسام بين الريف والحضر، وعدم انخراط الحركات والمجموعات الحضرية، على سبيل المثال نذكر حركة كفاية وعدم اشتباكها مع قضايا مثل ‏المياه وحيازة الأراضي الزراعية.

وعلى الرغم من هيمنة التيار المركزي داخل الحراك الديمقراطي، ‏إلا أنه كان هناك العديد من الأصوات النقدية والتي شكلت نواة لظهور مبادرات مثل تضامن، 6 أبريل، ‏وشباب من أجل العدالة والحرية، كانت تهدف لخلق أجندة قائمة على سد الفجوات بين الاقتصادي ‏والسياسي وبين المركز والهامش. في الوقت نفسه نجد أن النظام النيوليبرالي الذي أسس له مبارك لم ‏يتم المساس به حتى بعد خلعه، فالمؤسسة العسكرية والاخوان المسلمين الذين بشكل ما فرضوا ‏سيطرتهم على المرحلة الانتقالية لم تكن لديهم أي نية لترك المساحة أي تغيير جذري حقيقي للنمط ‏الاقتصادي القائم، (على سبيل المثال الاستمرار في تجريم الاضرابات العمالية والمهنية، التعاون مع ‏رجال أعمال نظام مبارك، إلخ.). ‏

خاتمة:

من خلال محاولة التعرض للسياق الذي سبق قيام ثورة يناير في 2011، والسنوات التي تلت 25 يناير 2011، مرورا بعزل مرسي ووصولا لمحاولات إعادة إنتاج نظام مبارك ‏بشكل ما، يبقى التساؤل حول إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا المشروع النيوليبرالي المعتمد بشكل ‏كبير على السياسات الأمنية والتي بدورها يؤدي استمرارها لإعادة إنتاج نفس السياق الذي أدى للزخم الثوري في يناير 2011.

 هذا التساؤل يستند بشكل أساسي على أطروحة الكتاب بأن الثورة ليست وليدة اللحظة وإنما هي عملية ممتدة ومستمرة ‏من تراكم الكفاحات والنضالات، وهنا تجدر أهمية الإشارة إلى ما قاله جرامشي بأن النظام الاجتماعي ‏القديم سوف يتم تدميره فقط في حالة كان الحراك الثوري قادرا على بناء وتعزيز نظام اجتماعي جديد.

ولكن تبقى هناك عدة تساؤلات مطروحة حول الكيفية التي يمكن بها وضع أسس بناء النظام الاجتماعي الجديد عبر تغيير الهياكل والبنى الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى ضمان تفكيك علاقات القوة والأطروحات القائم عليها النظام القديم.

Start typing and press Enter to search