عمر سمير خلف ,عمرو صلاح ,نوران سيد أحمد
مصر
إعادة تنظيم ملكية وسائل الإعلام الحكومية المرئية كطريق إلى الإصلاح
عمرو صلاح
كاتب صحفي مصري، وشارك في صياغة دستور 2014
بالرغم من تصاعد مطالبات إصلاح الإعلام الحكومي في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وما تلا ذلك من ارتفاع حدة المطالبات بإصلاح هذا القطاع خلال السنوات التالية لثورة الخامس والعشرين من يناير، لا زال الإعلام الحكومي المصري في مأزق حقيقي، ويمكن تشخيص هذا المأزق على ثلاثة مستويات، مستوى الجدوى الاقتصادية، ومستوى الإدارة، ومستوى القيم والأفكار التي ينتجها الإعلام الحكومي في إطار عملية الإصلاح السياسي في البلاد.
فعلى المستوى الاقتصادي، تبدو ملكية الدولة المصرية لعدد ضخم من وسائل الإعلام تتنوع ما بين الإعلام المرئي أو المسموع أو المكتوب أزمة حقيقية تواجه الدولة المصرية، خاصة مع تراكم المديونيات على المؤسسات المنضوية تحتها تلك الوسائط بتنوعها، وتسببها في خسائر اقتصادية ضخمة تتحمل أعبائها الموازنة العامة للدولة المصرية، وعجز وسائط الإعلام تلك في أن تكون منافسا حقيقيا وسط سوقا إعلاميا إقليميا ودوليا سمته التحديث والتكنولوجيا والابتكار والمهنية. أما على مستوى الإدارة فلا يمكن تجاهل أن اتساع حجم البيروقراطية داخل تلك المؤسسات وترهلها، والتي تصل إلى عشرات الآلاف من العاملين تخلف عبئا حقيقيا على الدولة المصرية وقدرتها على الوفاء باحتياجات العاملين، أو إدارة العاملين في القطاعات الإعلامية الحكومية المختلفة وفق نمط حديث يتيح تطوير تلك المؤسسات، أما على صعيد القيم والأفكار، فالإعلام الحكومي تبدو المخرجات الناتجة عنه هي مخرجات بعيدة كل البعد عن المهنية والحرص على التنوع والتعددية والالتزام بالدور الأساسي والذي من المفترض أن يكون مرجعية لوسائل الإعلام ألا وهو تقديم معلومة سليمة بعيدا عن الانحياز والمساواة في المساحة المتاحة لطرح الرؤى المختلفة داخل المجتمع ودعم قيم الحرية والديمقراطية.
إصلاحات متعثرة أم غياب للقرار؟
وبينما اتسم العقد الأخير من حكم الرئيس مبارك بإيمان الدولة المصرية بضرورة اتخاذ خطوات واسعة على صعيد الإصلاح الاقتصادي، وقد تمكنت حكومة السيد أحمد نظيف من تحقيق معدلات نمو اقتربت من الـ7 بالمئة، غير أن عملية الإصلاح الاقتصادي تلك بدت تحمل سمات التحديث المبتسر والبعد عن مسار مواز حقيقي للإصلاح السياسي، وبدا ملف إصلاح الإعلام، الحكومي خاصة، بعيدا كل البعد عن أن يتم التعامل معه في إطار رؤية إصلاح وتحديث شاملة، بالرغم من وجود عدد من المبادرات التي قدمها فاعلون مجتمعيون عدة، واكتفت الحكومة المصرية آنذاك بالسماح بوجود مؤسسات إعلامية خاصة دون المساس بالإعلام الحكومي القائم أو تقديم رؤية حقيقية حول آليات إصلاحه. وفي الأعوام التالية لثورة الخامس والعشرين من يناير تلاقت الفوضى في أطروحات إصلاح العملية السياسية في مصر مع تنوع المبادرات وتشتتها بالإضافة إلى غياب الإرادة أو الرؤية لدى السلطات التالية للثورة، فكانت النتيجة أن ظل وضع الإعلام الحكومي كما هو بمنظور عام، وبدت أية محاولات جزئية لإصلاحه هي بمثابة الحرث في بحر دون وجود نتائج حقيقية تذكر.
ملكية واسعة وأداء متردي
الجزء المرئي والمسموع من الإعلام الحكومي في مصر يشمل اتحاد الإذاعة والتليفزيون 35 إذاعة (يعمل بها 4500 شخص)، ومحطتين تليفزيون قوميتين للبث الأرضي (القناة الأولى والثانية)، بالإضافة إلى ست قنوات محلية توفر تغطية إعلامية لإجمالي محافظات مصر، بواقع 27 محافظة، فضلا عن ثلاث قنوات فضائية (المصرية الفضائية، النيل للأخبار، تليفزيون النيل الدولي). كما يوفر اتحاد الإذاعة والتليفزيون عشرة قنوات فضائية متخصصة عبر شبكة تليفزيون النيل، منها النايل لايف، النيل للرياضة، الأسرة والطفل، الثقافية، النايل سينما، دراما، صوت الشعب، ويقدر عدد العاملين بالتليفزيون المصري بحوالي 45 ألف موظف وإعلامي.
لماذا الإصلاح وكيف؟
والحقيقة أن السنوات السابقة وبقدر ما تكشف عجز الرؤى الجزئية عن تحقيق إصلاحات حقيقة في هذا القطاع وفي كثير من الأحيان غياب للإرادة السياسية يبدو الاحتياج إلى رؤية إصلاحية شاملة لهذا القطاع ضرورية سواء على المستوى الاقتصادي في وقت تحتاج فيه خزينة الدولة وبأمس الحاجة إلى وقف خسائر قطاعاتها الاقتصادية وتنمية مواردها لتعويض القصور القائم في مجالات الرعاية الاجتماعية المختلفة الأولى بالإنفاق أو على صعيد تنبي حزمة من الإصلاحات السياسية في قلبها الإعلام تضمن التعبير عن الأفكار والأصوات والمصالح المختلفة داخل المجتمع يما يخلق حماية حقيقية للمجتمع وتحقيقا للاستقرار بإجراءات جوهرية تحميه من هزات أو توترات مستقبلية متوقعة.
الطريق إلى إصلاح الإعلام يبدأ بالملكية
من خلال مئات الفعاليات واللقاءات والندوات قُدمت الكثير من الأفكار والاورق كمحاولات ومساعي لإيجاد رؤى استراتيجية لإصلاح الإعلام الحكومي المصري، وقد تنوعت الزوايا التي تناول بها المعنيون الأمر بدءا من نمط الإدارة مرورا بالقيم والمواثيق التي يجب أن تكون حاكمة لعمل تلك المؤسسات وآليات تطوير الأداء داخلها، ورفع قدرات ومهارات العاملين بها وتنمية مواردها والتقنيات التي تتعمد عليها وسبل مواجهة أو تقليل عجزها المالي انتهاء بأفكار حول تنظيم ملكية تلك المؤسسات.
أنواع الملكية دوليا
وقبل أن نقدم اقترحا أكثر تحديدا في هذا الشأن ربما نكون في حاجة إلى التعرف على أنماط الملكية المختلفة لوسائل الإعلام دوليا، وهنا فهناك 5 أنماط لملكية وسائل الإعلام في بلدان العالم المختلفة.
أولا: الملكية الحكومية، ويندرج تحت هذا النمط ثلاثة أشكال للملكية فيما يتعلق بتقاطع مساحة الملكية مع الإدارة، فهناك الملكية والإدارة الكاملة من قبل الحكومات، حيث تمتلك الدولة إما كل أو مجموعة من وسائل الإعلام، وتقوم هي بإداراتها بشكل كامل، سواء على الصعيد الإداري أو البيروقراطي أو على الصعيد المهني حيث المحتوى أو السياسات التحريرية، وتكون الإدارة من خلال مسؤول تنفيذي مباشرة (وزير إعلام) أو رئيس جهاز يمثل السلطة التنفيذية. أما الشكل الأخر الذي يحافظ على ملكية الدولة وربما اتجهت إليه عدد من الدول في محاولة لإضفاء طابعا أكثر انفتاحا على إدارتها، حيث يعهد إلى إدارة وسائل الإعلام المملوكة من قبل الدولة إلى إدارة شبه حكومية تتولي هي سلطة الإدارة.[i] اما الشكل الثالث فهو يبقي الوسيلة الإعلامية ملكا للدولة لكنه يتيح لتلك الوسائل مساحة كبيرة من الاستقلالية على المستوى المهني والسياسة التحريرية بعيدا عن تدخلات الدولة قدر المستطاع، وهو النمط الذي ربما نراه في أحد النظم الديمقراطية الراسخة مثل بريطانيا حيث نموذج هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي).
ثانيا: نمط الملكية الخاصة، ويعني هذا أن تكون الوسيلة الإعلامية مملوكة لفرد أو لعدة أفراد، وإن كان هذا النمط بالضرورة لا يضمن الفصل بين الملكية والسياسة التحريرية، خاصة داخل البلدان التي لا تتسم بالتعددية السياسية وحرية الرأي.
ثالثا: ملكية العاملين. حيث ملكية المؤسسة الإعلامية من قبل الأفراد العاملين فيها مثل نموذج صحيفة اللوموند الفرنسية، وقد يحمل هذا النمط، أشكالا مختلفة للفصل أو التداخل فيما يتعلق بعلاقة الملكية وسياسات التحرير تتوقف على نسب ملكية العاملين إلى جانب نسب الشركاء الأخرين.
رابعا: الملكية الحزبية، يقصد بهذا أن تكون الوسيلة الإعلامية مملوكة وبشكل مباشر أو غير مباشر لأحد الأحزاب السياسية، ومن ثم فهي معبرة عن توجهاته وأفكاره ومبادئه، بل تسعى لتسويقه وحشد وتعبئة الجماهير لصالحه، في اطار اعتبار -وسيلة الإعلام أو القناة التليفزيونية- إحدى وسائل الحشد والتعبئة السياسية ضمن آليات عدة يملكها الحزب السياسي.
خامسا: الملكية التعاونية،يقوم هذا النمط على امتلاك عدد كبير جدا من المساهمين في هذه الوسيلة أرصدة صغيرة، وينتخبون جمعية عمومية، ومجلس إدارة يعبر عنهم. وهذا النمط من الملكية يحافظ على أداء الوسيلة الإعلامية بمعزل عن التأثر باستراتيجية مالك محدد أو عدد قليل من الملاك، كما أن زيادة عدد المالكين مع ازدياد دور الجمعية العمومية يزيد من مناعة وسائل الإعلام تجاه الضغوط السلطوية.
أيهما أصلح، ولماذا؟
باستثناء نمطي ملكية الدولة بما يتيح للدولة الإدارة ورسم السياسات التحريرية بشكل مباشر أو غير مباشر، لا يمكن الجزم أن هناك نموذجا صالح على إطلاقه أو مثالي في شكله ونتائجه، وكذلك لا يمكن نفي صفة الانحياز عن أي نموذج من تلك النماذج أو الجزم بمساحة الاستقلال الكامل التي يتيحها، وبالطبع يرتبط نجاح كل نموذج بالظروف السياسية المحيطة، والتطور التاريخي والسياسي في دولة بعينها سواء على مستوى تطور الديمقراطية ومؤسسات الدولة والفصل بين سلطاتها، أو الثقافة السياسية السائدة في المجتمع، وما صار راسخا من قيم وأفكار تفرض شكلا معينا وتحدد مساحة تدخلات الدولة؛ وربما تمثل تلك القيم عاملا محفزا أو مشجعا لوجود ورسوخ نمط معين من الملكية على حساب غيره. وبالتالي فإنه يجب الأخذ في الاعتبار أن السعي لإيجاد صيغة يمكن انتهاجها في مصر لن يكون قائما على الصيغة المثالية بقدر ما هو بمنطق الاستبعاد والتفضيل لأحد أنماط الملكية، بمنطق أفضل الخيارات المتاحة سياسيا وأكثرها جدوى على الصعيد الاقتصادي مقارنة بالاختيارات الأخرى.[ii]
منطق الاستبعاد، والتفضيل والجدوى
يمكن القول إن نمط ملكية الدولة قد جري اختباره عبر عقود، والنتائج المباشرة له سواء بالمنطق المهني أو السياسي أو منطق الجدوى الاقتصادية كان شديد السلبية. أما على صعيد ملكية العاملين، فهنا يكون السؤال مطروح على المستويين الاقتصادي والمهني. هل يمكن أن تمنح الدولة الحق لنفسها بمنح الملكية للعاملين في تلك المؤسسات؟ بالطبع لا، فهذا غير جائز أو وارد دستوريا كون تلك المؤسسات هي مال عام، وحتى أن كان هذا جائزا، تبدو الحقيقة المانعة هو أن نقل الدولة الملكية لبيروقراطيتها التي نمت وترعرعت في ظل ظروف أضعفتها على الصعيد المهني والإداري وحولتها إلى وسيلة لتكريس الفشل والضعف ليس الحل.
شراكة أو خصخصة مشروطة
ربما كلمة خصخصة هي كلمة سيئة السمعة، خاصة لدي دول العالم الثالث، التي يرتبط فيها المصطلح بالخالفة للمنطق حتي في ظل وجود تشريعات تحميها، أو كون يشوبها عمليات فساد أو تربح أو رشاوي أو قد تنتج عنها عمليات احتكار أو بيع للأصول بأقل من أثمانها أو مقايضاتها في مقابل ديون الدول كما شاهدنا في تجارب عدة، لكن هذا لا ينفي أيضا أن التدرج في عمليات الخصخصة وتنوع أشكالها وسبلها يفضي إلى نتائج إيجابية في عمليات الإصلاح الاقتصادي والمؤسسي، وأن التخلي عن التسرع يؤدي إلى النجاح في تحقيق الأهداف والفرق يبدوا واضحا وجليا بين استراتيجيات الخصخصة الشفافة والانتقائية والمتدرجة والضرورية، أو عمليات البيع دون حدود أو رقابة في مناخ فاسد، وهكذا لا ينكر دور الخصخصة إذا توافرت شروط نجاحها في إطار من الشفافية بما يتيح في تجاوز العجز المالي الذي تعاني منه المؤسسات وإتاحة الفرصة للمبادرات الفردية والخاصة وتشجيع روح الابتكار والمنافسة السليمة. كذلك تتيح عمليات المشاركة ما بين الحكومة والقطاع الخاص كما هو متبع مثلا في عدد من شركات البترول الخاضعة لإدارة الحكومة المصرية –بملكية 51% من الأسهم في مقابل 49 بالمئة للقطاع الخاص- لضمان الرشد في عملية الإدارة التشاركية (نسبيا) والوقاية من الفساد وتطوير الأداء البيروقراطي وفق الجدوى الاقتصادية والمهنية.
ما بعد البيع.. ميثاق مهني كجزء من العقد
قد يبدو إعطاء الأفضلية للتصور السابق مناسبا من حيث الجدوى الاقتصادية، لكنه ليس ضامنا للسير على خطى مهنية فيما تقدمه وسائل الإعلام تلك بعد خصخصتها سواء ببيعها لمستثمرين أو طرحها للاكتتاب أو فتح باب المشاركة فيها، وإذ يقدم لنا الواقع دليلا واضحا على هذا، وهو أن الملكية الخاصة لعدد من وسائل الإعلام لا ينتج عنها بالضرورة أداءً مهنيا محترفا، تبرز هنا الحاجة إلى ثلاثة إجراءات مكملة لا يمكن الاستغناء عنها، إجراءان قصيرا المدى كجزء من عمليات البيع وهو العمل على صيغة ميثاق كجزء من شروط عقود البيع أو المشاركة؛ أي أن يكون مفروضا على الملاك الجدد أو المشاركين في الملكية انتهاجه، ويفرض على الملاك أو المشاركين عدم قيامهم بعمليات احتكار[iii] والقواعد المهنية التي يجب الالتزام بها في إطار عمل تلك المؤسسات اللاحق، سواء على الصعيد المهني أو الحقوقي والالتزام بالاطار الدستوري، وبالتالي تظل صلاحية عقود البيع أو المشاركة مرتبطة بمدى الالتزام بالقواعد المهنية المحددة سلفا والتي يجب أن تكون مفسرة لنصوص الدستور خاصة تلك المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والتحريض على العنف والكراهية، والخوض في حرمة الحياة الخاصة للمواطنين.
أما الإجراء الثاني قصير المدى فهو متعلق بتسوية أوضاع قطاعات من العاملين في تلك المؤسسات وفق اختياراتها بما يتماشى مع قوانين العمل المصرية، ويضمن حقوق العاملين وفق المواثيق الدولية.. وبالطبع لا يمكن ضمان أو زيادة فرص نجاح التجربة دون أن تكون إجراءات البيع أو المشاركة مطروحة في إطار عملية إصلاح سياسي أشمل ومستمرة، تضمن حرية الرأي والتعبير ودعم بناء عملية سياسية تعددية حقيقية تتيح التعبير عن الآراء المختلفة والمصالح المتعددة داخل المجتمع وإلا كانت عملية إعادة تنظيم الملكية منقوصة ومدخلا جديدا لانفلات مهني أو اقتصادي ربما.
مدى موائمة ذلك دستوريا
تنص كل من المادة 212 و213 من الدستور المصري الجديد على تأسيس هيئتين وطنيتين إحداهما للصحافة والأخرى للإعلام المرئي وفق الآتي:
المادة 212: “الهيئة الوطنية للصحافة هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها، وحيادها، والتزامها بأداء مهني، وإداري، واقتصادي رشيد. ويحدد القانون شكل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها. ويؤخذ رأي المجلس في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها”.
المادة 213: “الهيئة الوطنية للإعلام هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها، وحيادها، والتزامها بأداء مهني، وإداري، واقتصادي رشيد. ويحدد القانون شكل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها. ويؤخذ رأي المجلس في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها”.
وإن كانت المادتان 212 و213 تنصان على أن تتولي الهيئتان السابقتان إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والاذاعية والرقيمة المملوكة للدولة الا أن المادتان لم تحددا عدد تلك المؤسسات أو ماهيتها بشكل محدد، كما انها لم تفرض قيدا بيعنه ينص على استمرار ملكية الدولة لكافة وسائل الإعلام التي تملكها في اللحظة الراهنة، أو الأعداد التي من المفترض أن تحتفظ بملكيتها الدولة في المستقبل أو على المدي البعيد وبالتالي يتضح من النصين السابقين، أن ملكية الدولة لعدد من وسائل الإعلام قد يكون لوسيلتين أو ثلاثة حتى، وبالتالي فان هذا النص الذي يبدوا عاما في الحديث عن وسائل الإعلام المملوكة للدولة وإن كان يبقي على فكرة ملكية الدولة لـ”وسائل إعلام” فانه لا يحرم المجتمع من حقه في إعادة تنظيم ملكية تلك الوسائل المتعددة، طالما بقي الحد الأدنى من تلك الوسائل مملوك للدولة وهو ما لا تعارضه الورقة بل تحبذه بالضرورة كحق للدولة في امتلاك وسيلتين إعلاميتين رسميتين من الإعلام المكتوب أو المرئي أو المسموع. وبالتالي فإن أي إجراء حال توافق المجتمع عليه طالما استوفى هذا الشرط فهو صالح دستوريا على المدى البعيد ولا يمكن الطعن عليه أو التشكيك في دستوريته.
هل يمكن بناء توافق حول تلك الفكرة؟
بالطبع قد تكون تلك الفكرة عرضة للنقد من جهات عدة خاصة من قبل البيروقراطية التي ارتبط في ذهنها أفكار إعادة تنظيم الملكية بتشريد العاملين وإهدار حقوقهم، وقد تكون الفكرة أيضا عرضة لنقد نخبوي انطلاقا من توجهات أيديولوجية أو ذاكرة لا زال عالقا بها الكثير من التجارب السلبية لعمليات إعادة تنظيم الملكية في عهد مبارك. هذا التحالف الضمني في مواجهة الفكرة قد يمثل العقبة الرئيسية في مواجهتها، لكن في المقابل فإن تهيئة المناخ العام لمناقشة جدوى تلك السياسية نقاشا عمليا وموضوعيا في حال وجود نمط حكم يحظى بشعبية وتوافق واسع قد يكون ضروريا، إذا لا يمكن أن تتم مثل تلك الخطوة دون بناء توافق حولها، علاوة على ضرورة تبني استراتيجية وتشريعات وإجراءات شفافة تضمن تعزيز الثقة في مراحل عملية إعادة تنظيم الملكية تلك. بالإضافة إلى أن الحصول على دعم مؤسسات دولية قد يكون عنصرا مشجعا، خاصة إذا ارتبط بالمزيد من الحوافز الاقتصادية للحكومة المصرية والمساعدات في عملية إعادة تنظيم الملكية تلك، غير أن هذا الدعم الدولي يقتضي بالضرورة أن تتم عملية إعادة تنظيم الملكية تلك في إطار رؤية اشمل للإصلاح السياسي بالتوازي، تضمن وجود تعددية سياسية حقيقية، وفتح المجال العام للنقاش حول مثل تلك الأفكار في إطار موضوعي شامل.
القضاء المصري نحو مزيد من الاستقلالية والنزاهة والشفافية
عمر سمير خلف
باحث بمنتدى البدائل العربي للدراسات
مقدمة:
شهدت مصر ما قبل ثورة 25 يناير حراكا قويا من جانب القضاة أنفسهم لتعديل قوانين السلطة القضائية وتزايد الجدل المجتمعي في الخمس سنوات المنصرمة من عمر الثورة المصرية حول مدي استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية تحديدا ومدى حياديته تجاه النظام السياسي الحاكم وهي تنبع من إشكالية النزاهة والشفافية،لذا وجب على المجتمع والأجهزة القضائية والباحثين المهتمين البحث عن حلول لهذه الإشكاليات المترابطة التي لا تدعي الورقة إمكانية توفير حل لها جميعا بقدر ما ستركز على بعض إصلاحات هيكلية ونوعية قد تساهم في الحد من آثارها من خلال تقديم مجموعة من التوصيات والأليات التي تستعين بالخبرات الدولية والإقليمية في مجال تعزيز الثقة في القضاء وتحقيق مزيد من الاستقلالية والنزاهة، وذلك من خلال التوجه إلي البرلمان القادم الذي سيكون عليه مراجعة قوانين السلطة القضائية وفقا للدستور الجديد والمؤسسات القضائية المعنية التي ينص الدستور على ضرورة استشارتها فيما يتعلق بها من قوانين، ولأن منظومة العدالة لا تخص القضاة وحدهم بل هي قضية مجتمعية لا يمكن التعامل معها من قبل القضاة وحدهم وإنما تتطلب جهودا للبحث في إشكاليتها وطرق التعامل معها مصريا ودوليا فإن هذه الورقة تحاول تلخيص الإشكاليات المتعلقة بإصلاح السلطة القضائية في إشكاليتين رئيسيتين هما:
إشكالية الاستقلال عن السلطة التنفيذية:
رصدت العديد من الدراسات من قبل القضاة أنفسهم إشكالية تدخل السلطة التنفيذية بطرق عدة في عمل السلطة القضائية[iv] من ذلك:
– التدخل الواضح من السلطة التنفيذية في شئون السلطة القضائية ومشاركتها في الكثير من الأمور ذات الشأن القضائي من تعيين ونقل وندب و تفتيش وإعارة وتأديب،[v] إذ تتحكم وزارة العدل في عملية ندب القضاة لأداء أعمال غير قضائية، حيث أجازت المادة 65 من القانون رقم 142 لسنة 2006 إعارة القضاة إلي الحكومات الأجنبية والهيئات الدولية بقرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي الجمعية العمومية للمحكمة التابع لها القاضي أو النائب العام بحسب الأحوال وموافقة مجلس القضاء الأعلى، ولا يجوز أن تزيد مدة الإعارة علي ست سنوات طوال مدة الخدمة أما بالنسبة للندب لغير العمل القضائي طول الوقت فأبقي المشرع عليها مع عدم جواز زيادة مدتها علي ثلاث سنوات[vi] حيث تقوم بعض الجهات القضائية بندب القضاة كخبراء قانونيين للأجهزة الإدارية والهيئات والوزارات المختلفة أو الإعارة لبعض البلدان العربية النفطية في أعمال بعضها قضائي أو استشاري أو إداري الأمر الذي يؤثر علي أدائهم لوظائفهم في المحاكم بعد انتهاء مدة الإعارة بالإضافة إلى هيمنة وزير العدل على تعيين رؤساء المحاكم الابتدائية[vii]،، وفي ظل تكدس القضايا أمام المحاكم وبطء الفصل فيها نتيجة قلة أعداد القضاة حيث لا يتجاوز 13 ألف قاض مقارنة بعدد الدعاوى المنظورة أمام القضاء التي تقترب من 20 مليون قضية[viii]، وهو سبب رئيسي في بطء عملية التقاضي ومن ثم اللجوء في كثير من الأحيان لحلول عرفية خارج أروقة الدولة.
– أن السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العدل تقوم بمهمة التفتيش القضائي وهو ما يعني صلاحيات واسعة لوزارة العدل في توزيع القضايا على القضاةإذ للوزارةصلاحية إنشاء المحاكم الابتدائية والجزئية وتحديد دوائرها والتدخل في تحديد مقار انعقادها أحيانا وفقا لقانون السلطة القضائية، وهنا تتزايد الشكوك حول مدى استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية إذا كانت الأخيرة تراقب مسبقا على القضاء بتوزيع القضايا من خلال اختصاص وزارة العدل بإنشاء دوائر بالمحاكم الابتدائية والجزئية ومحاكم الاستئناف ولاحقا بتنفيذ أو الامتناع عن تنفيذ الأحكام، وكذلك عن طريق القيام بعملية تأمين أو الامتناع عن تأمين المحاكم والقضاة، لقد ألقى كل ذلك بظلاله على نحو بات يهدد ثقة المصريين في نظام العدالة، الذي يراه الكثيرون لا يلبي مطالب الحد الأدنى من إقرار العدالة الناجزة[ix].
– أن عملية تنفيذ الأحكام تقوم بها السلطة التنفيذية ممثلة بالأجهزة الأمنية والتي قامت الثورة ضد ممارساتها السيئة التي كان منها الإسراع في تنفيذ الأحكام على النشطاء والسياسيين مقابل المزيد من الإفلات من العقاب لأصحاب الأموال الفاسدة من ذوي النفوذ، وهو ما يسحب ضعف الثقة في هذه المؤسسات على المؤسسة القضائية، يرتبط هذا بالجدل المتزايد حول أعداد ونسبة القضاة من خلفيات أمنية إذ يقدر البعض القضاة من خلفيات شرطية من الربع للثلث[x]،حيث استخدمت السلطة التنفيذية في عهد مبارك أدوات مباشرة وغير مباشرة من أجل إحباط الحراك القضائي ومن تلك الأدوات توظيف مزيد من خرّيجي أكاديمية الشرطة في السلك القضائي[xi]، ولا شك أن سوء سمعة الجهات الأمنية سواء لأسباب موضوعية أو غير موضوعية تلتصق بالقضاء لهذا السبب في كثير من الأحيان.
إشكالية النزاهة والشفافية:
– يتعلق بعضها بعملية توزيع القضايا على القضاة وعلانية الجلسات وتنظيم سير المحاكمات والفترة بين بدء الدعاوى والحصول على أحكام باتة ونهائية، وهذا يتطلب تعديلات في قوانين الإجراءات الجنائية والمعاملات التجارية وقوانين الأحوال الشخصية بوضع حزمة من الإجراءات الإصلاحية ينتج عن تطبيقها سرعة إصدار الأحكام والفصل في المنازعات في الأمور المالية والأمور المتعلقة بالمواريث مثلا وهذا يعود بمزيد من الثقة في القضاء، كما يمكن استعمال التقنيات الحديثة لعمل دورة زمنية للتقاضي وميكنة العديد من إجراءاته.
– البعض الآخر يتعلق بنزاهة وشفافية إجراءات التعيين، حيث لا قواعد واضحة وموضوعية للقبول في السلك القضائي وبالذات في تعيين وكلاء ومعاوني النيابة ومن ثم عملية اختيار الناجحين تبقى عملية مبهمة وغير واضحة للمجتمع وللمتقدمين، هذه الإشكالية لها مظاهر متعددة إذ تتكرر التظاهرات والاحتجاجات المعترضة على قرارات التعيين في السلك القضائي بشكل شبه دوري مع ظهور نتائج المسابقات المعلن عنها من قبل الهيئات القضائية المختلفة نظرا لاستبعاد متفوقين من التعيين لأسباب أمنية اجتماعية واهية كعدم حصول الأب أو الأم على مؤهل عالي ما يعني استبعاد أبناء الفلاحين والعمال اللذين يتم إطلاق عبارات عنصرية ضدهم من قبل بعض الشخصيات القضائية رفيعة المستوى بعد ثورة نادت بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص[xii] وتخطيهم لصالح من هم دونهم في المستوى التعليمي والكفاءة[xiii]، وتراكم الحديث حول هذه المخالفات التي رصدها بدقة بعض فقهاء القانون وتحوي بعض المخالفات الصارخة في التعيين بالوظائف القضائية خلال عدة سنوات فائتة، بدءا من شروط التقدم للترشح لشغل الوظيفة مرورا بالتدخل الأمني والمقابلة الشخصية واستبعاد مرشحين لفقر الوالد تحت مسمى سوء السمعة، وأخيرا إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية التي يحصل عليها الطاعنون في استبعادهم.[xiv]وهو أمر غاية في الضرر بنزاهة وسمعة وهيبة القضاء نفسه قبل أن يكون يتسبب ضررا بالغا لهؤلاء المستبعدين، خاصة أن معظم قرارات الاستبعاد تأتي بناء على تحريات الأمن الوطني الذي قامت الثورة بالأساس ضد استخدامه من قبل السلطة لتصفية الكفاءات لأسباب سياسية وهو ما يسحب الشكوك حول عدم نزاهة بعض سلوكيات هذا الجهاز على المؤسسة القضائية، وهي تؤدي إلى الإخلال بقواعد العدالة و المساواة و الاعتماد على الكفاءة.
الخبرات والتجارب الدولية في معالجة هذه الإشكاليات:
يمكن الاستفادة من التجربة التونسية في تشكيل مجلس القضاء الأعلى من القضاة المعينين بصفاتهم والمنتخبين من جانب زملائهم وأساتذة القانون ذوي الاختصاص وكذلك اختصاصاته التي تؤكد على الإدارة الذاتية للقضاء ومسئوليته في توفير ضمانات استقلالية القضاء وقد يكون تعاطي المجلس الأعلى للقضاء بوصفه جهة اقتراح تشريعية خلال بداية ولايته مع القوانين الأساسية للقضاء وتصور إصلاح مرفق القضاء عاملا محددا في تجسيد مشروع إصلاح القضاء في تونس حيث يتم تشكيله بآلية واضحة دون الحاجة لتدخل السلطة التنفيذية، والتجربة الفرنسية في تقصير مدد التقاضي عن طريق إلزام المحاكم بالفصل في الدعاوى خلال مدة زمنية محددة وإقرار مبدأ التقاضي على درجتين[xv] وآليات تعيين وإعداد وتأهيل القضاة حيث يخضعون لتدريبات مكثفة أثناء الدراسة بالمدرسة الوطنية للقضاة التي تتولى تنظيم امتحانات السلك القضائي وتهتم بتحسين طرق تدريب القضاة، وعمل امتحانات تنافسية بينهم. والتجربة البولندية في مراجعة علاقة القضاء بالنظام السابق والأجهزة الأمنية من خلال لجنة لمراجعة ملفات القضاة[xvi]، وكذلك التجربة المغربية في إصلاح المنظومة القضائية ضمن إجراءات تحول ديمقراطي في 2011، من خلال ميثاق إصلاح منظومة العدالة والذي يضمن الاستقلال المالي والإداري للمجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلال تخصيص ميزانية سنوية للمجلس مع إخضاعها لرقابة المجلس الأعلى للحسابات.[xvii]
كما يجب الاستناد في ذلك على المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة عام1985، والتي تنص بشكل قاطع على أنه “يتعين أن يكون من يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفرادا من ذوى النزاهة والكفاءة، وحاصلين على تدريب أو مؤهلات مناسبة في القانون ويجب أن تشتمل أي طريقة لاختيار القضاة على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية بدوافع غير سليمة ولا يجوز عند اختيار القضاة، أن يتعرض أي شخص للتمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء، أو المنشأ القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو الميلاد أو المركز”[xviii]
كذلك الاستفادة من الميثاق الأوروبي بشأن استقلال القضاة وبالذات فيما يتعلق بشفافية وموضوعية تعيين القضاة إذ ينص على أنه”لا يجوز أن يستبعد أي مرشح بسبب الجنس، أو الأصل العرقي، أو النشأة الاجتماعية، أو بسبب الآراء الفلسفية، أو السياسية، أو المعتقدات الدينية” وكذلك توصية المجلس الأوروبي في هذا الخصوص بأنه: “يتعين أن تكون القرارات المتعلقة بوظيفة القضاة مبنية على معايير موضوعية، وأن يرتكز اختيار وتوظيف هؤلاء على مؤهلاتهم وقدراتهم ونزاهتهم وتنطبق هذه التوصية على تعيين القضاة والترقيات اللاحقة”[xix]
آليات وتوصيات مقترحة:
تعديلات تتعلق باستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية تحديدا: وفي هذا الإطار يمكن العودة إلى نصوص قانون استقلال السلطة القضائية رقم 66 لسنة 1943 والذي وضع في الحقبة الليبرالية التي يرى القضاة أنفسهم أنها كانت مرحلة توازن للسلطات ومرحلة تأسيس لاستقلال القضاء،[xx] ويمكن أيضا الرجوع إلى مؤتمر العدالة الأول ومشروع تعديل قانون السلطة القضائية الذي وضعته الجمعية العمومية لقضاة مصر منذ عام 1991 والذي يعبر عن مطالب التيار الغالب من القضاة.
ومن التعديلات العاجلة المطلوبة: تعديل قانون الإجراءات الجنائية وقانون السلطة القضائية ليضمنا تشكيل الشرطة القضائية بصورة تسمح بحماية المحاكم والقضاة بشكل أفضل وبتفعيل تنفيذ الأحكام القضائية، ونقل تبعية مصلحة السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل.
أن يقتصر دور وزارة العدل على المسائل اللوجستية والإدارية المتعلقة ببناء وتطوير المحاكم والمسائل المتعلقة بالشهر العقاري والتوثيق ومتابعة الشئون المالية والإدارية للقضاة في إطار القانون ووفق أسس واضحة وألا يكون من سلطتها الندب أو الإعارة أو التأديب وأن تذهب هذه المسئوليات لمجلس القضاء الأعلى كما في النظام الفرنسي والمغربي، والذي يجب أن يتم النص على تمتعه باستقلال مالي وإداري عن وزارة العدل مع إخضاعه لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
كما يمكن الاستعانة بتجربة تونس فيما يتعلق بتشكيل واختصاصات مجلس القضاء الأعلى ثلثين قضاة (ثلث بصفاتهم وثلث منتخبين من قبل زملائهم) وثلث من غير القضاة يرشحهم مجلس النواب من الشخصيات العامة ذوي الاختصاص بحيث يكون هناك فرصة للتخلص من ذاتية المؤسسة وتحسين لفكرة رأس المال الاجتماعي للقضاء.
تعديلات إجرائية تتعلق بالنزاهة وضمان الكفاءة والشفافية: وهذه التعديلات ترتبط في جوهرها بعملية التعيين بالسلك القضائي إذ يمكن الاستعانة بلجنة مستقلة تتشكل من كبار أساتذة القانون بالجامعات المصرية بنسبة 50% ومجموعة من رؤساء الهيئات القضائية بنسبة 50%، بحيث تكون عملية الاختبار والاختيار والتعيين شفافة من حيث إجراءاتها بحيث تتضمن إلى جانب الاختبارات التحريرية والشفهية معهدا للتأهيل القضائي على غرار المدرسة الوطنية للقضاء في فرنسا، وفي هذا الشأن يمكن الاستفادة من إمكانيات المركز القومي للدراسات القضائية وبعض هذه التعديلات يتعلق بتعزيز الثقة في القضاء واللجوء إليه وذلك بتنظيم سير المحاكمات بشكل أكثر كفاءة وعلمية وسرعة بحيث يكون هناك نظام إليكتروني لمتابعة سير القضايا والأحكام.
كما يمكن تشكيل لجنة لمراجعة ملفات القضاة لضمان النزاهة وتناسب الثروة مع مصادر الدخل، وتقوم بذلك إدارة التفتيش القضائي بعد إلحاقها بمجلس القضاء الأعلى، بالتعاون مع الجهاز المركزي للمحاسبات
خاتمة وتوصيات:
ينبغي ألا يتم تناول عملية إصلاح الإطار القانوني لمنظومة العدالة باعتباره تغييرا لموازين القوى لصالح فريق مجتمعي على الآخرين، كما حدث في تلويح مجلس الشعب المنحل في 2012 بتعديلات قانون السلطة القضائية بشكل أدى إلى تخندق القضاة أنفسهم ضد عملية الإصلاح، وسوق لهذه العملية التي كان يطالب بها القضاة أنفسهم باعتبارها تصفية حسابات بين قوى سياسية وأفقد الحاجة الموضوعية للتعديل أهميتها.
إذا كانت الصراعات بين مؤسسات الدولة أثناء عملية وضع الدستور قد انطبعت عليه بشكل كبير وبالذات فيما يتعلق بالنصوص المرتبطة بالهيئات القضائية، بحيث إن قوانين السلطة القضائية لا يمكن مناقشتها دون الرجوع إلى هذه الهيئات فإن هذا لا يعني أن هذا شأن قضائي بحت.
هناك حاجة ماسة لإرساء قواعد تضمن نزاهة وشفافية عملية التعيين في القضاء كما في بقية مؤسسات الدولة، وينبغي ألا يفهم هذا باعتباره إصلاحا موجها ضد للقضاة، إذ هو مرتبط بكافة مؤسسات الدولة الأخرى وبالتالي فالمطالبة به موضوعية.
وأخيرا فإن افتقاد المؤسسات القضائية للاستقلال والحياد تجاه النزاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة في مجتمع ما يعد نذيرا للانزلاق إلى مستوى الدول الفاشلة ومن ثم، وهي حالة ينبغي ألا نذهب إليها تاركين خلفنا تراثا ممتدا من استقلال وحيدة القضاء عبر عقود من الزمن، لأن تطوير منظومة العدالة المحايدة ضرورة لبناء الدولة القوية العادلة لتحقيق مبادئ العدل والحرية.
نحو سياسات أكثر عدالة وحيادية لإدارة المساجد في الحالة المصرية
نوران سيد أحمد
باحثة بمنتدى البدائل العربي للدراسات
شهد المجال الديني في مصر قدرا كبيرا من التحولات على امتداد العقود الماضية، وهي التغييرات التي زادت وتيرتها خلال السنوات الخمس الماضية، والتي بدورها دفعت لإعادة طرح إشكاليات وقضايا كان يبدو أنها مستقرة أو على الأقل تحت السطح. وفي القلب من هذه القضايا والإشكاليات تأتي مسألة تنظيم إدارة المساجد في مصر، والتي مثلت واحدة من أبرز مجالات السجال والتنافس بين كافة الفاعلين في المجال الديني، والتي تمثل أولوية في قائمة اهتمام السياسة الدينية لوزارة الأوقاف والدولة المصرية عامة، في ضوء التطورات السياسة المشهودة، والتي لا يبدو أنها تحظى بقدر كبير من الرضا والقبول بين كافة الفاعلين والمهتمين بالمجال الديني والعام في مصر، وهو عدم الرضا الذي يكيل الاتهامات للقواعد التي يتم إدارة المساجد من خلالها حاليا بالضبابية وعدم الوضوح، والأهم المحاباة أو عدم الحيادية من جانب الوزارة في تطبيق ووضع هذه القواعد. وهي الوضعية التي تُنذر بإشكاليات قد يصعب احتواءها في المستقبل، كأن يدفع هذا أما للمناوشات أو البحث عن قنوات ومسارات متوازية للمساجد ذاتها في بعض الأحيان للعمل فيها بحرية والتواصل مع جمهور المؤمنين بفعالية بعيدا عن الرقابة والتضييق، والتي تمثل الرقابة الأمنية جزءا أساسي منها، أو يدفع لخلق نوع من التململ في أوساط القواعد الجماهيرية التابعة لهؤلاء الفاعلين والإحساس بالاضطهاد.[xxi] وهو ما يجعلهم أكثر تفهما وقبولا لفكرة كسر القواعد الموضوعة باعتبار أنها لا تمثلهم ولا تعبر عنهم. وهي الوضعية التي تجد انعكاس لها في وجود قدر من التجاذبات والتوترات بين الأطراف المختلفة العاملة في الحقل الديني، أو التنافسات المكتومة كما هو الحال في حالة التيارين السلفي والصوفي، كجزء من رغبة في التواجد والاستمرار، وهو واقع ومجال ديني متنوع ومختلف يتطلب معالجة مختلفة.
وتستهدف هذه الورقة بالأساس محاولة طرح تصور للدفع بسياسة إدارة المساجد نحو قدر أكبر من العدالة والحيادية بما يمكن أن يوفره ذلك من استقرار وانضباط في المجال الديني، بدلا من وجود حالة من الفوضى والاشتباك بين كافة الأطراف، وهي المهمة التي تقع بشكل أساسي على كاهل وزارة الأوقاف باعتبارها الفاعل القائم بمهمة التنظيم تلك.
نبذة عن عملية تنظيم المساجد:
دائما ما كانت مسألة تنظيم المساجد مطروحة ضمن أولويات السياسة الدينية في مصر، وهي المسألة التي شهدت قدرا كبيرا من التدخل والمعالجة القانونية من جانب الدولة ووزارة الأوقاف منذ وقت مبكر، وهو الذي كانت أحد مظاهره تعدد الأطر القانونية المنظمة لهذه المسألة وتداخلها في كثير من الأحيان على نحوها يجعلها تركة قانونية ضخمة، وهي القواعد التي تشهد قدر كبير من التنوع بداية من القوانين المنظمة لهذه المسألة (على سبيل المثال قانون رقم 272 لسنة 1959، قانون رقم 157 لسنة 1960، قانون رقم 238 لسنة 1996، قانون رقم 51 لسنة 2014) وبين القرارات الوزارية الصادرة في هذا الشأن (على سبيل المثال القرار الوزاري رقم 97 لسنة 1962، والقرار الوزاري رقم 152 لسنة 1973، وقرار وزاري رقم 20 لسنة 1982، قانون رقم 238 لسنة 1996، قرار وزاري رقم 11 (1) لسنة 1997)[xxii] وكذلك أحكام القضاء في القضايا التي كانت تعرض عليه للفصل فيها فيما يتعلق بإدارة المساجد بين الدولة ومختلف العاملين والفاعلين في المجال الديني. ويمكن ملاحظة أن هناك خيط ناظم في مسار هذه الفئات الثلاث من القواعد، وهو تأكيد سيطرة وزارة الأوقاف ويدها العليا في إدارة كافة المساجد، بداية من تعيين الأئمة والخطباء، والتدخل في المحتوى الديني المقدم في المساجد، والحق في تفعيل الإجراءات العقابية للمخالفين لهذه القواعد من الأئمة كالحبس، والغرامة المالية.
وأخيرا البروتوكولات الموقعة بين وزارة الأوقاف وبعض الفاعلين الدينين، والتي تعكس ضمنا المساحات التي تمكن هؤلاء الفاعلين من كسبها في المجال الديني، والذي تسعى الوزارة لمعالجة هذا المد وتلجيمه من خلال الوصول لتفاهمات في هذا الصدد، على سبيل المثال البروتوكول الموقع بين الجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية، وجماعة دعوة الحق الإسلامية، والذي تم توقيعه في أول مارس 2013 في عهد الإخوان، والذي أوجد صيغة للتعاون التنسيق بين الجمعيات وبين الوزارة، والذي نص على أن المساجد التي لن تتبع الوزارة أو الجمعيات سيتم ضمها فورا للوزارة، تبعه البروتوكول الموقع بين وزارة الأوقاف المصرية والجمعية الشرعية الرئيسية والذي أكد على التزام الأطراف الأخرى بالسياسة الدعوية لوزارة الأوقاف، والتي أكدت على إشراف الوزارة بشكل كامل على العمل الدعوي والديني في هذه المساجد سواء من حيث المحتوى المقدم أو اختيار الوزارة للقائمين على هذا المحتوى من الدعاة والأئمة.[xxiii]
وهي البروتوكولات التي تأثرت باللحظة والسياق السياسي عند توقيعهم، إلا إنها اشتركت في كونها تعبير عن قدر من الانتقائية والإقصاء، باختيار أطراف بعينها للوصول لتفاهمات معها، وتجاهل أطراف أخرى موجودة في المجال الديني لا تجد الفرصة للتعبير عن ذاتها، ورفع مطالبها، كما هو الحال في الطرق الصوفية.
هل من دروس تخبرنا بها سياقات مختلفة؟
لا يمكن إنكار أن لكل سياق ولحظة تاريخية قدر من الخصوصية والتميز في معطياتها، إلا أنه بشكل عام هناك قدر من السمات والمحددات العامة التي يمكن الاسترشاد بها دائما، أو تجبنها. وفي إطار مسألة إدارة وتنظيم المساجد يمكن الرجوع إلى أحد التجارب المحلية في هذا الصدد والتي تجسدت في خبرة الجمعية الشرعية في مصر، والتي اتسمت خلال فترة إدارتها للمساجد التابعة لها بقدر من المرونة ومنح الحرية للمساجد التابعة لها في المناطق والأحياء المختلفة، وهو الأمر الذي مكن الجمعية من كسب شرعية وقبول جماهيري للانضواء المساجد في هذه المناطق للجمعية بدلا من الانضواء في الأطر الرسمية، وفي النهاية هو ما يُفسر كبر عدد المساجد المنتمية للجمعية على أثر ذلك وكسبها لقدر كبير من الثقل السياسي والاجتماعي في هذا الصدد.[xxiv]
على جانب آخر نجد التجربة التركية في مسألة تنظيم المساجد تعطي لمحة فيما يتعلق بأهمية الحوار والانفتاح على الفاعلين في المجال الديني خاصة في السنوات العشر الماضية، كما هو الحال في خبرة الحوار وعقد اللقاءات الدورية بين وزارة الشئون الدينية التركية والجماعة العلوية وممثليها، وكذلك الانفتاح على منظمات المجتمع المدني، وممثلي هذه الجماعة من المدنيين والمثقفين، من أجل التعرف على المشكلات والمطالب الدينية للجماعة عن قرب، والوصول لصيغ متفاهم عليها حول الوجود والتنظيم في المجال الديني بعد سنوات من التجاهل وغياب أطر رسمية للحوار والتفاهم بين الطرفين.[xxv] وهو الأمر الذي نجده في التجربة المغربية وإن كان على مستوى مختلف، حيث عمدت وزارة الأوقاف والشئون الدينية في المغرب في إطار هيكلتها للسياسة الدينية، للتأكيد على ضرورة عقد لقاءات واجتماعات دورية بين العلماء المتخصصين وبين الأئمة والخطباء للتباحث في شأن الخطابة والقضايا الدينية، والكيفية التي يمكن توصيل بها الرسالة الدينية. إلى جانب أن عملية إعادة الهيكلة تلك كان حاضر فيها بقوة العناية بالجانب المادي للأئمة من خلال توفير الدعم المالي والمادي لهم للارتقاء بوضعهم المالي والاجتماعي،[xxvi] كجزء من التعامل مع هذه المسألة باعتبارها سياسة متكاملة، يمثل فيه الأئمة مكون رئيسي لنجاح هذه السياسة.
كيف يمكن الدفع بسياسة إدارة المساجد لقدر أكبر من العدالة والحيادية؟
على الرغم من أن عملية إدارة المساجد يمكن أن تتقاطع فيها اهتمامات ومصالح دوائر متعددة من الفاعلين في المجال الديني والعام، والذين يمكن أن يسهموا جميعا في الدفع بها نحو قواعد أكثر حيادية، إلا أنه في اللحظة الراهنة قد تكون أحد مسارات تحسين هذا الوضع يتطلب قدرا أكبر من المرونة في الإدارة والمعالجة، وربما خارج الأطر التشريعية التقليدية والتي ستتطلب بالطبع وقت أكبر في الحسم والطرح لهذه المسألة المجتمعية في حال كان هناك نية جادة بإقرار سياسة محايدة وعادلة لإدارة المساجد. وهنا يمكن أن تلعب وزارة الأوقاف دور كبير في طرح مسار يغلب عليه الطابع الإجرائي والعملي –لا يُتوقع أن يكون متكامل حاليا- قادر على استيعاب الخلافات والتنافسات الموجودة في مسألة إدارة المساجد، وقادر على تمهيد وتوفير أرضية مستقبلية للوصول لتصورات أكثر تكاملا حول سياسة إدارة المساجد في إطار استراتيجية أكبر لإدارة المجال الديني في مصر.
في هذا الصدد فإن أي سياسة عملية وإجرائية من جانب الوزارة يتوقع أن تقوم على اللامركزية، الحوار/ الانفتاح، الحيادية في الإدارة، وهي الملامح التي تنبغي أن تجد ترجمتها وتطبيقها على النحو التالي:
- الانفتاح كركيزة أساسية في استراتيجية فاعلة للوزارة، والذي يعني أن تقوم الوزارة بفتح قنوات اتصال وتواصل مع كافة الفاعلين الموجودين بالمجال الديني، وهو التواصل الذي يجب أن يتم من خلال دعوة الوزارة لعقد لقاءات واجتماعات دورية مع كافة الفاعلين المالكين لمساجد أو المشاركين في إدارتها، كوسيلة لفهم متطلباتهم من جهة، والتطورات التي يشهدونها من جهة أخرى على الأرض، والإشكاليات الناتجة عن ذلك. إلا أن جدوى الحوار، تتطلب أن يكون محدد وواقعي في المحاور التي يعالجها صراحة، بداية من متطلبات كل طرف في مسألة إدارة المساجد، والإشكاليات التي تجابهه في هذا الصدد، والهدف الذي تسعى الوزارة لتحقيقه من خلال ضبط إدارة المساجد، وما يمكن أن تقدمه الوزارة في الوضع الحالي لهؤلاء الفاعلين في حدود إمكاناتها. إلا أن هذا الحوار لابد أن يسير في مسارات متوازية أحدها يكون قائما على الاستماع والحوار المنفرد مع كل فاعل من الفاعلين، على نحو يضمن أن كل طرف لديه المساحة الكافية لطرح ما يراه، وفي الوقت ذاته يفيد في تمرير رسالة لهذا الطرف بعناية الوزارة وجديتها في التواصل معه. وهناك مسار آخر للحوار يُفترض أنه يجعل منه جامعيا لكافة الفاعلين في هذه المسألة بتنوعاتهم، كنوع من تقريب الوجهات بينهم وخاصة ما كان منهم على خلاف واضح وقاطع، وفي مرحلة لاحقة المواجهة بين كافة هذه الأطراف في المخاوف المتبادلة. مع التأكيد على أن يأخذ الحوار صفة الاستمرار والدورية.
- اللامركزية: والمقصود في هذا الصدد أن تبدى الوزارة مرونة وحرية أكبر لصالح الفاعلين والقائمين على إدارة المساجد، بالسماح لهم بتقرير ما يرونه في الوعظ والخطب الدينية، طالما التزمت بخطوط عامة مثل تجنب الحض على الكراهية، العنف،… إلخ، وطالما كانت الموضوعات محل حوار مسبق بين القائمين على هذه المساجد -بتعدد توجهاتهم الدينية والجغرافية- وممثلي الوزارة، وهو ضمنا ما يتطلب قدر أكبر من الحركة وصلاحية الفعل كذلك لمستويات الوزارة المختلفة للنقاش حول المسموح به في هذا الصدد في ضوء الانتشار الجغرافي للمساجد. وهنا يمكن أن تكون خطبة الجمعة التي تقررها الوزارة استرشادية فقط للأئمة، دون إلزام، للتوافق مع الموضوعات التي تعني بها المناطق والمحافظات والأحياء المختلفة، على نحو يكفل جاذبية للمحتوى المقدم، وعدم نفور الجمهور وبحثهم عن محتوى بديل. اتصالا بمسألة اللامركزية والتي ينبغي أن تكون كذلك على مستوى الحوار والتواصل مع الفاعلين المختلفين، كأن يُدعي للحوار أطراف من المناطق والجهات المختلفة، وأن يطرحوا بدورهم ما يرونه مناسبا، وما يريدونه على مستوى مناطقهم.
- الإدارة بتكاليف سياسية مخفضة: في ضوء جدلية التنظيم التشريعي والقانوني للمجال المساجد، وما قد يتطلبه ذلك من وقت طويل للحسم، فإن الإسهام الحقيقي الذي يمكن أن تقدمه الوزارة هو الإجراءات والخطوات التي يمكن أن تضمن بها تسيير المساجد على نحو يضمن حد أدنى من الرضا لكافة الأطراف -والتي ينبغي أن تكون أبرز المحاور في الحوار بين الوزارة والفاعلين- كأن يكون هناك اهتمام بالإجراءات على نحو أكبر وخاصة في أمور متعلقة بالإدارة اليومية والتفصيلية للمساجد والتي من شأنها أن تحقق نوع من الإلزام الجماعي الضمني من كافة الفاعلين، خاصة أن عدد بارز منهم لا يرغب في الصدام مع الدولة، ويرغب في الوصول لصيغ من التسوية والتفاهم تكفل له بقاءه وتواجده. بداية من مسألة تعيين الأئمة وضرورة الاتفاق على شخص العاملين بالمسجد بين الطرفين، أن تكون فرصة العمل والتواجد، والنشاط بداخل المساجد متساوية لكل الأطراف كما هو الحال في توقيتات العمل في المساجد والإلزام بإغلاق بعضها في بعض الأوقات دون مساجد أطراف أخرى، وأن يحدث تقنين للمساجد التي يتواجد بها كل فاعل مع التأكيد على عدم التهاون في خرق هذه المساحة بين الطرفين (المساجد).
- مأسسة وحيادية منظومة العمل: كذلك لا بد من إعادة النظر في مسألة البروتوكولات والتي كانت الوزارة قد توسعت فيها إلى حد كبير خاصة في علاقتها بالتيار السلفي بتنويعاته (الجمعية الشرعية، جمعية أنصار السنة المحمدية، الدعوة السلفية)، وهو يمكن تفسيره برغبة الوزارة في محاصرة التوسع من جانب هذه الجمعيات في إدارة المساجد، إلا أنه على جانب آخر يعكس قناعة لدى الوزارة بأن فاعلين أخريين مثل الطرق الصوفية لا توجد لديها مطالب خاصة، وأنها قابلة بالوضع القائم، لذلك لم تتوافر ضرورة لعقد تفاهمات معهم أو إيجاد صيغة قانونية ورسمية للتفاهم، وهو أمر غير صحيح. إلا أن استمرار مثل هذه التفاهمات من شأنه ترسيخ لفكرة كسر القواعد، وتدعيم فكرة الوصول لتفاهمات خارج النظام القانوني، وخلق حالة من عدم الرضا عن الوضع القائم، ويشجعهم ضمنا وغيرهم على البحث عن طرق لفرض أنفسهم على المشهد الديني، وللتواجد على طاولة التفاوض والمساومة مع الوزارة. أحد الاقتراحات في هذا الصدد، أن يكون هناك تمديد لهذه البروتوكولات ونزع السمة الثنائية عنها، ودعوة الفاعلين الآخرين للانضمام لهذه البروتوكولات مع إعادة النظر في بعض المواد أو الفقرات التي طرحت في الصيغة القديمة الثنائية، كنوع من الاستيعاب لهؤلاء الفاعلين. شريطة أن يتم ذلك في إطار حوار مسبق مع هذه الأطراف وتوافقها أو قبولها بهذه الصيغة، وهو ما ينبغي أن يكون خطوة مرحلية أو انتقالية نحو التفكير في بديل لهذه البروتوكولات يكون في صورة قواعد وصيغ قانونية مجردة.
الهوامش:
[i] هيئة منتخبة مثل مجلس الشورى المصري (قبل الغاءه في دستور2013) الذي كان يتولى الإشراف على الصحف القومية. وفي هذه الحالة تتدخل الحكومة بشكل غير مباشر في تحديد السياسات التحريرية، فهي التي تحدد تعيينات الإدارة العليا، وإن كان ذلك غير معلن، وفي هذه الحالة تكون للوسيلة ميزانيتها وكينونتها الخاصة وشخصيتها الاعتبارية القانونية المستقلة.
[ii] إن تنمية وسائل الإعلام قضية معقدة للغاية والدليل على ذلك هو أن مؤشرات تنمية وسائل الإعلام تتضمن 50 مؤشرا و100 مؤشر فرعي وفقا لمؤشرات اليونسكو لتنمية الإعلام.
[iii] القانون الفرنسي فيما يخص مسألة الملكية وإرساء مبدأ التعددية بشأن وسائل الإعلام وضمان التعددية يقوم على ثلاث قواعد متكاملة، أولها، يعرف بقاعدة “الاثنين على الأربعة” فالقانون يحدد أربع وسائل للإعلام (التلفزيون الأرضي، الإذاعة الأرضية، الراديو والتلفزيون الهوائي، وأخيرا الصحف اليومية) ويحظر القانون امتلاك اثنتين من أصل أربع منها. أما القاعدة الثانية فتخص المشاركة في أكثر من قناة تلفزيونية، إذ لا يمكن امتلاك أكثر من 15% من الأسهم في حالة المشاركة في قناتين، ولا أكثر من 5% في حالة المساهمة في ثلاث قنوات. وأخيرا، فإن القانون يحدد معدلا تراكميا للمشاهدين والمستمعين لا يمكن تخطيه، حُدد بـ 150 مليون مستمع محتمل للراديو، و6 مليون مشاهد للتلفزيون المحلي وتغطية وطنية واحدة للتلفزيون الأرضي.
[iv] رصد هذه التدخلات بتفصيل شديد المستشار يحي الرفاعي والذي لقب بشيخ القضاة وكان من ضحايا مذبحة القضاة في 1969، لمزيد من التفصيل أنظر، يحي الرفاعي، حالة القضاء المصري، الجزيرة نت، 23 مايو 2005، http://is.gd/FHpavm
[v]وفقا لنص المادة رقم 24 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972، والمعدلة بالقانون رقم 34 لسنة 1984، يشارك وزير العدل في إقرار لائحة التفتيش على أعضاء محكمة النقض، وكذلك ندب كل من مدير وأعضاء محكمة النقض لمدة سنة قابلة للتجديد بقرار من وزير العدل بعد اخذ رأى رئيس محكمة النقض وموافقة مجلس القضاء الاعلى، أيضا نصوص المواد 5، 6، 9 من ذات القانون تعطي وزير العدل سلطة ندب رئيس وأعضاء محكمة النقض بعد أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى، وسلطته في تأليف دوائر استئناف بعد أخذ رأي الجمعية العامة لمحكمة الاستئناف، وكذلك ندب رؤساء المحاكم الابتدائية بعد أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى دون أي إشارة في هذه المواد لإلزامية الرأي، ويضع لائحة للتفتيش القضائي بموافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية، انظر نص قانون السلطة القضائية رقم 45 لسنة 1972 على بوابة الحكومة المصرية، http://is.gd/SAhEyI
[vi] زكريا شلش، التشريع المصري خطوات نحو استقلال السلطة القضائية، موقع مجلة الديمقراطية، http://is.gd/CXeITE
[vii] نبيل عبد الفتاح، القضاة والسلطة: السعي إلي الاستقلال، موقع مجلة الديمقراطية، http://is.gd/zlRLol
[viii] يوسف عوف، إصلاح المؤسسات: السلطة القضائية المصرية الأسس النظرية والتحديات الممتدة، ورقة تحت النشر مقدمة لمؤتمر إصلاح المؤسسات في المنطقة العربية، تونس أغسطس 2014.
[ix]محمود قنديل، السلطة القضائية في مصر: طلبا للإصلاح ودعما للإصلاح، مبادرة الإصلاح العربي، يوليو 2012، http://is.gd/EjmHL0
[x] تصريح د. عبد الخالق فاروق لبرنامج بلا حدود حلقة التقارير الدولية والرسمية عن الفساد في مصر، عل موقع الجزيرة نت 9 أبريل 2010، http://is.gd/N34EMK
[xi] سحر عزيز، القضاء المصري تحت السيطرة، مركز كارنيجي للشرق الأوسط، بتاريخ 20 أغسطس 2014، http://is.gd/typvHU
[xii] طارق صبري، المستبعدون من تعيينات النيابة لـ«القضاء الأعلى»: شرط حصول الأب على مؤهل عالٍ إهانة للعمال والفلاحين، جريدة الوطن بتاريخ 12/4/2014، http://is.gd/qFJT64
[xiii]انظر شيماء رشيد وإبراهيم محمود، وقفة احتجاجية للمستبعدين من تعيينات النيابة أمام دار القضاء، جريدة الشروق بتاريخ 3 ديسمبر 2013،
[xiv] أحمد البهنساوى، «مخالفات صارخة» في تعيينات القضاء، عرض لكتاب الدكتور فتحي فكرى، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، عضو لجنة العشرة لوضع الدستور، بعنوان اتجاهات المحكمة الإدارية العليا في التعيين بالوظائف القضائية، موقع جريدة الوطن، 27 أبريل 2014، http://is.gd/kVAOWO
[xv] قرر مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 19 نوفمبر 1975، بأن تأخر المحكمة الإدارية في الفصل في الدعوى في خلال مدة الشهرين التي حددتها اللائحة يخرج الدعوى من حوزة هذه المحكمة لتدخل في اختصاص مجلس الدولة ليفصل فيها ابتدائيا.
[xvi]نوران سيد أحمد، تجربة الإصلاح المؤسسي البولندية، السلطة القضائية نموذجا، القاهرة: منتدى البدائل العربي للدراسات، 2014.
[xvii] إصلاح منظومة العدالة في العالم العربي: تجربة المغرب وتونس ومصر، ورشة عمل بمركز كارنيجي للشرق الأوسط، مارس 2015، http://is.gd/i7B6kP، للاطلاع على نصوص ميثاق إصلاح منظومة العدالة في المغرب، انظر http://is.gd/6ZV1y2
[xviii] للاطلاع على نصوص هذه المبادئ يمكن مراجعة موقع مكتبة حقوق الإنسان بجامعة مينسوتا، http://is.gd/igz0gK
[xix]اللجنة الدولية للحقوقيين، المبادئ الدولية المتعلقة باستقلال ومسؤولية القضاة، والمحامين، وممثلي النيابة العامة، دليل الممارسين رقم 1، جنيف، 2007، صــ34، http://is.gd/251syB
[xx]طارق البشري، القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2006.
[xxi]جورج فهمي، نوران أحمد، “وزارة الأوقاف والمجال الديني في مصر”، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2015.
[xxii]عمرو عزت، “لمن المنابر اليوم؟: تحليل سياسة الدولة في إدارة المساجد”، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أغسطس 2014، ص 91-179
[xxiii]بروتوكول بين الأوقاف والجمعية الشرعية يتيح للأوقاف الإشراف على مساجد الجمعية الشرعية، صوت الدعاة، ديسمبر 2013، http://is.gd/wC1XGj
[xxiv]ندوة الجمعيات الدعوية بين سلطة الدولة ونفوذ التيارات الإسلامية، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، 13 أبريل 2014، http://is.gd/ktVsIw
[xxv]طالب كوجوكشان، “خبرة تركيا مع العلمانية والقانون والدين”، مجلة شرق نامه، العدد السابع، يناير 2011، http://is.gd/jCYrgn
[xxvi]وزارة الأوقاف والشئون الدينية، “تأهيل الأئمة بالمملكة المغربية”، 27 مارس 2015، http://goo.gl/eGIjdj