الاتفاق النووي الإيراني ومستقبل المنطقة
منتدى البدائل العربي للدراسات



مقدمة:

بدأ الاهتمام الكثيف بالطاقة النووية في إيران منذ التسعينيات، ومن وقتها والتعاون مع روسيا يزداد، حيث أكملت الأخيرة بناء مفاعل بوشهر في 1995، إلى أن تم اتهام إيران من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالفشل في تقديم المعلومات اللازمة عن أنشطتها ومنشآتها العاملة في المجال النووي، وطالبت الوكالة بتوسيع التعاون مع معها في هذه المجالات في موعد أقصاه نهاية أكتوبر 2003، وهذا ما كان يعني أنه إذا فشلت إيران في الاستجابة سوف يحال ملفها النووي إلى مجلس الأمن.

وعقب تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفي محاولة للعب دور سياسي دولي تحت مظلة أوروبا الموحدة، قبل وزراء خارجية “الترويكا” ألمانيا، فرنسا وبريطانيا الدعوة لزيارة طهران، واجتمعوا مع حسن روحاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي آنذاك، وانتهت الزيارة بتوقيع اتفاقية طهران في 21 أكتوبر 2003، والتي تعهدت بموجبها إيران بالتعاون الكامل وغير المشروط مع مفتشي الوكالة لمعالجة كل قضايا الضمانات المؤجلة ذات العلاقة بأنشطتها النووية السابقة وحسمها، كما وقعت إيران على البرتوكول الإضافي لمعاهدة منع الانتشار النووي، وقررت طواعية تعليق كافة أنشطة تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود، إلا أنها لم تحدد أمد التعليق ونطاقه.[1]

وكانت الدول الثلاث تبني تفاوضها مع إيران على مبدأ التوقف عن نقل الملف إلى مجلس الأمن ما دامت إيران تتعاون مع الوكالة ومستمرة في تعليق برامجها.[2] إلا أن الوصول لاتفاق نهائي تعطل نتيجة للأزمات التي صاحبت التفاوض، ومماطلة إيران في الرد على استفسارات الهيئة الدولية للطاقة الذرية، فتارة تستجيب لتهديدات الترويكا وتعود للتفاوض وأخرى تهدد بعودتها لأنشطة التخصيب.[3]

ورغم ذلك استمرت مفاوضات الترويكا وإيران إلى أن جاء تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير 2006، الذي قدمته لمجلس الأمن ليؤكد أن إيران لم تتعاون بشكل كاف مع المفتشين الدوليين، وعليه فقد تمت إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن،[4] إلا أنه محاولة تمرير قرار في مجلس الأمن يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي قد يؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية أو توجيه ضربة عسكرية، قد قوبل بمعارضة روسية – صينية[5]، وفي ضوء ذلك توقف التعامل مع الأزمة داخل مجلس الأمن، وعاد من جديد خيار التفاوض، ولكن تم توسيع قاعدة التفاوض لتضم إلى الترويكا كل من الولايات المتحدة، روسيا والصين، فيما يعرف بـ(5+1).

وبدأ التفاوض بين المجموعة وإيران منذ يوليو 2006، الذي شهد جولات عدة تخللها فرض عقوبات دولية وأمريكية وأوروبية على إيران[6]، ومع وصول حسن روحاني المنتمي للتيار الإصلاحي للرئاسة في يونية 2013، تستأنف المفاوضات بين إيران ومجموعة (5+1) مجددا في أكتوبر من نفس العام، في جنيف، ويبدأ كل من الطرفان في التحرك خطوة في اتجاه الأخر، حتى تم التوصل إلى اتفاقية حول تجميد مؤقت لأنشطة إيران النووية، ومدته ستة أشهر، والذي وفر للأطراف زمنا كافيا للوصول إلى اتفاق نهائي، ووفر لإيران فرصة لاستجماع قواها، وتم توقيع الاتفاق في 24 نوفمبر 2013.[7]وفي 24 نوفمبر 2014، تم تمديد الاتفاق المؤقت لسبعة أشهر في أفق التوصل إلى اتفاق نهائي، والأطراف تعلن عن اتفاق الساسة على التوصل إلى اتفاق نهائي في موعد أقصاه 31 مارس 2015، وأن يكون التوقيع على اتفاق نهائي في أول يوليو 2015.

أهم بنود الاتفاق النووي:

في مقابل رفع العقوبات تدريجيا، والسماح بمواصلة عمليات التخصيب بكميات محدودة لا تسمح بتراكم اليورانيوم المخصب، والسماح باستخدام أجهزة الطرد المركزي لأغراض البحث والتنمية، فيجب على إيران أن تلتزم برفع ثلثي أجهزة الطرد المركزي وخزنها تحت إشراف دولي، والتخلص من 98% من اليورانيوم المخصب لديها، وقبول عودة العقوبات سريعا خلال 65 يوما إذا حدث أي خرق للاتفاق، وإعطاء وكالة الطاقة الذرية الدولية مدخلا بشكل دائم لتفتيش المواقع “أينما وحيثما كان ذلك ضروريا”، كما يستمر الحظر على توريد الأسلحة لإيران لمدة 5 سنوات، واستمرار الحظر على الصواريخ لمدة ثمان سنوات بعد الاتفاق.[8]

إيجابيات الاتفاق وسلبياته بالنسبة لإيران:

من المتوقع أن تلعب الاتفاقية دورا في تحسين وضع الاقتصاد المتعثر نتيجة العقوبات[9]، ففي مجال النفط، الذي يشكل 80% من الصادرات، قد يرتفع حجم الصادرات الإيرانية إلى 4 ملايين برميل يوميا. كما أن المجال سوف يكون مفتوح أمام إيران للعودة إلى النظام المالي العالمي مما يتيح لها التعامل النقدي بالعملات الحرة بدلا من منطق المقايضة الذي كانت اتبعته في ظل العقوبات، فترتفع احتياطاتها من النقد الأجنبي، بالإضافة إلى العودة للاقتصاد الدولي، وحصولها على امتيازات صندوق النقد والبنك الدولي، وكذلك عودة الاستثمارات الأجنبية خاصة في مجالات النفط والتعدين.

أما السلبيات فتتمثل في أنها قد أصبحت بموجب هذه الاتفاقية دولة مقيدة فيما يتعلق بحرية إدارة وتسيير برنامجها النووي السلمي، فالاتفاق من شأنه أن يعلق ما يقرب من ثلثي القدرة التخصيبية الإيرانية لليورانيوم. بالإضافة إلى نقل اليورانيوم المخصب إلى دولة أخرى وهي روسيا لمعالجته، كما أن المواقع النووية وبعض المواقع العسكرية الإيرانية هي عرضة للتفتيش الدولي أي وقت، ويحظر على إيران إنشاء مواقع تخصيب جديدة لمدة 15 عاما، إلى جانب بقاء العقوبات الأمريكية الخاصة بالإرهاب.[10]

ويأتي تأثير هذا الاتفاق على مؤسسات داخل إيران قد تشكل عائقا أمام عملية الإصلاح التي يسعى لها الرئيس روحاني، على غرار الحرس الثوري، الذي ربما يسعي إلى عرقلة جهود روحاني لتنفيذ برنامجه السياسي، نتيجة لما يفرضه الاتفاق النووي من تداعيات سلبية على مصالح الحرس على الصعيد الاقتصادي تحديدا، فأي تسوية شاملة سوف تؤدي إلى حرمان الحرس من المكاسب التي حققها بسبب العقوبات التي قلصت الاستثمارات، ما دفع الشركات التابعة للحرس إلى الحلول مكانها.[11]

وسياسيا، يمثل الاتفاق اختبارا صعبا لشرعية النظام في إيران، حيث يشغل المجال السياسي الإيراني تياران أساسيان يتم وصفهما بالإصلاحي والمحافظ، وفي ظل الحكومة الإصلاحية الحالية فإن المحافظين كانوا ينتظرون إخفاق رهان الرئيس روحاني على التوصل إلى اتفاق، يحول دون فتح عدد من الملفات السياسية المهمة، على رأسها توسيع هامش الحريات السياسية، وإجراء مصالحة وطنية بإعادة بعض القوي التي كانت منتمية للتيار الإصلاحي إلى داخل النظام مرة أخرى، وهو ما يقابل برفض حاسم من جانب المحافظين الأصوليين، الذين يتخوفون من أن يؤدي ذلك إلى تكريس الاختلال القائم في توازنات القوى، الذي أنتجه فوز الرئيس روحاني باكتساح ومن الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 14 يونية 2013. وبالتالي تصبح شرعية النظام في إيران قائمة على الاندماج الذي ينادي به الإصلاحيين لا الممانعة التي يتبناها المحافظين كآلية للتعامل مع الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص.

الولايات المتحدة والاتفاق النووي:

من وجهة نظر الإدارة الأمريكية فإن الاتفاق النووي قد يساعد الديمقراطيين على الدخول للانتخابات الرئاسية بمنجز مهم على الصعيد الدولي، فقد أقرت هذه الاتفاقية أحد أهم مبادئ الديمقراطيين في العلاقات الدولية، وهو مبدأ التفاوض من أجل حل المنازعات، فالاتفاق يعد انتصارا للإدارة الأمريكية على المستوى الإجرائي في التعامل المستقبلي مع الملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى إبعاد أمريكا عن الخيار العسكري وأعبائه، كما يحقق هذا الاتفاق انتصارا شخصيا للرئيس أوباما ينهي به دورته الرئاسية بمنجز تاريخي.

إلا أنه في انتظار الإدارة الأمريكية تحدي داخلي كبير، حيث أن الاتفاق يحتاج لتفعيله موافقة الكونجرس ذو الأغلبية الجمهورية، وقد أعلن الكثير من الأعضاء الجمهوريين من اللحظات الأولى لتوقيع الاتفاق بأن كتلة حزبهم سوف تصوت برفض تلك الاتفاقية[12]، حيث يرى الجمهوريون الاتفاق بأنه ربما يمنح إيران الفرصة بتوفير الوقت والإمكانيات لامتلاك سلاح نووي، كما أنه ربما يعزز موقف إيران كقوة لها نفوذ في الشرق الأوسط”، بالإضافة إلى رفضهم للأسلوب الذي اتبعته إدارة أوباما الذي صور أن الاتفاق هو النقيض للحرب.[13]وقد أعلنت إدارة أوباما بأن الرئيس سوف يستخدم حق الفيتو إذا ما صوت الكونجرس ضد الاتفاقية، وهو ما قد يخلق أزمة سياسية في الولايات المتحدة الأمريكية.[14]

وعلى صعيد الشرق الأوسط فإنه مع تراجع الدور الأمريكي إثر الخسائر التي لحقت بها، خاصة في العراق وأفغانستان، والأزمات التي ضربت حلفاءها في منطقة الخليج والتي أدت إلى إيجاد الحاضنة الشعبية والمبررات الاجتماعية والسياسية لظهور تنظيمات أكثر عنفا وتطرفا، ومع الإشكاليات في العلاقة مع النظام المصري، أمام كل تلك المتغيرات أبدت إيران قدرتها على إدارة الأزمات والصراعات في دول الإقليم، وفرضت نفسها على المجتمع الدولي والولايات المتحدة على وجه الخصوص، على أنها جزء من الحل في الصراعات الدائرة، وبالنسبة للولايات المتحدة فإن توقيع هذه الاتفاقية وخروج إيران من تصنيف دول محور الشر، يعد خيارا استراتيجيا للولايات المتحدة ومستقبلها في الشرق الأوسط، وربما تلعب دور شرطي أمريكا في المنطقة.

التأثير الإقليمي للاتفاق النووي الإيراني:

سيتطلب الأمر وقتا حتى يمكن رؤية أبعاد التغيير الإقليمي وطبيعته الجيوسياسية، كما ستلعب موازين القوى على الأرض دورها في رسم مشهد الصراع في المنطقة، وفي المقابل هناك تداعيات جيو اقتصادية للاتفاق تطال المنطقة أيضا، يمكن رؤية ملامحها وهي تتبلور لتكتمل في فترة زمنية أقرب نسبيا.

السعودية التي كانت ولا تزال صاحبة الهاجس الأكبر من المشروع الإيراني، المدعوم بأيدلوجية دينية شيعية، قد رحبت بحذر بالاتفاق النووي الإيراني.[15] فالسعودية لا تعترف بالنوايا الإيرانية كنوايا حسنة، حيث شددت على وجود آلية تفتيش صارمة مع آلية إعادة فرض العقوبات مرة أخرى في حالة أي انتهاك من جانب الإيرانيين.

إلا أنه يبدو أن تواصلا بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية قد حدث قبل الاتفاق النووي وبعده، يحوي إشارات ورسائل تطمينية نسبيا، ضمنت ترتيبات أمنية واستراتيجية على المستوى القريب، لذا من المتوقع أن يكون هناك استقرار عسكري سياسي إيراني خليجي منضبط إلى حد ما في ظل رعاية وضمانة أمريكية، بما يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة.[16]

غير أن وجهة نظر أخرى ترى أنه ليس أمام المملكة والخليج خيارا أخر سوى التهدئة مع إيران، وقبول الاتفاق النووي، نظرا لتراجع أهمية الخليج للغرب، خاصة بعدما فشلت الأنظمة الخليجية في احتواء خطر داعش، ولعب إيران دورا أكثر أهمية في أزمات المنطقة، خاصة في العراق وسوريا.

أما قطر، التي تشترك مع إيران في حيازة أحد أكبر حقول الغاز ويقع في حدودهما البحرية المشتركة، إلا أن العقوبات الاقتصادية حالت دون استخدام إيران للتكنولوجيا المتطورة في استخراجه، لذا فمن المتوقع بعد رفع العقوبات عن إيران وعلاقتها المتحسنة مع الولايات المتحدة، استخدامها للتكنولوجيا المتطورة مما يقلص هامش مناورة التكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها قطر، وعليه فإن العلاقة الجيو اقتصادية بين قطر وإيران سوف تتعدل لصالح إيران.[17]

وبالنسبة للإمارات، فإن العلاقات الإيرانية – الإماراتية تتميز بخصوصية أساسية، فعلى الرغم من وجود خلاف سياسي واضح في الرؤى السياسية، ووجود ثلاث جزر حدودية متنازع عليها بين الدولتين، إلا أن هناك أيضا تعاون اقتصادي وثيق بين إيران وإمارة دبي، ففي ظل العقوبات المفروضة على إيران تضاعف حجم التبادل الاقتصادي بين الدولتين 3 مرات، إلا أن التناغم الاقتصادي بين الدولتين أصبح على المحك، حيث أن رفع العقوبات سيطلق يد إيران في تشكيل علاقتها التجارية، وإيجاد شركاء إضافيين، كما أعلنت إيران عزمها إنشاء ستة مناطق حرة على سواحلها الجنوبية مما يضع دبي في منافسة تجارية غير مسبوقة، بالإضافة إلى أن رفع العقوبات سيفعل خطة تحديث وتوسيع مطاراتها القائمة، وبناء مطارات جديدة، للصعود لمركز العقدة في الطيران التجاري الدولي بين شرق آسيا والشرق الأوسط، مما يهدد مكانة دبي في هذا المجال.[18]

هذه الوضعية قد تؤدي إلى إعادة رسم خريطة العلاقات الإقليمية، حيث تعد سوريا بمثابة منطقة حرب بالوكالة بين طهران والرياض، ومن المتوقع أن يزيد الاتفاق النووي من حدة الصراع، حيث أن رفع العقوبات من شأنه أن يزيد من الدعم الإيراني لنظام بشار، وهو ما سوف تقابله الرياض أيضا بزيادة في دعم وكلاءها في سوريا.

أما اليمن حيث لم تكتف السعودية بالدعم اللوجيستي لحلفائها هناك، بل تدخلت عسكريا بشكل مباشر نظرا لما قد يشكله سيطرة الحوثيين على اليمن من تهديد لمصالح المملكة على حدودها الجنوبية، ومن المتوقع أن يصل تأثير الاتفاق النووي إلى اليمن في شكل ارتفاع في الدعم العسكري الإيراني للحوثيين، وهو ما سوف تقابله السعودية بزيادة دعمها للرئيس عبد ربه منصور هادي، وحزب تجمع الإصلاح المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي فمن المتوقع أن يؤدي الاتفاق النووي إلى زيادة نسبة الانقسام داخل اليمن، وحدة الصراع بين الأطراف المتصارعة.

وفي الشهور الأخيرة، وتحديدا منذ تولي سلمان بن عبد العزيز سدة حكم المملكة، بدا في الأفق محاولات لخلق تحالفا إقليميا سنيا لضرب المصالح الإيرانية في المنطقة، وقد تجلى ذلك في تطييف الأزمة اليمينة وتحويلها لصراع سني شيعي، إلا أن الرؤية السعودية لم تقابل بحماس كافي لدى المصريين والإماراتيين. فظهرت بوادر تشير إلى إمكانية تشكيل تحالف سعودي قطري تركي، على الرغم من الخلافات بين السعودية والدولتين بشأن دور الجماعات الإسلامية في المنطقة، وبالرغم من هذه الخلافات، فإن الدول الثلاث تتغاضى عنها أمام عدوهم المشترك المتمثل في النظام السوري. فلا تزال كتلة (السعودية، قطر، تركيا) في مرحلة التشكيل، إلا أن الاتفاق النووي من شأنه أن يزيد من سرعة التحول الاستراتيجي هذا، حيث ستحاول الرياض مواجهة الزخم الذي سوف تحدثه إيران لتثبت أن لها دورا إقليميا كبيرا وإثبات أنها قوة لا يستهان بها.[19]

وفي لبنان، والتي تعتبر إحدى ساحات التماس السعودية الإيرانية، من المنطقي أن يصل صدى الاتفاق النووي إليها، خاصة وأن البلد الذي يعاني فراغا رئاسيا اقترب من عامه الثاني، ووجود مرشحين مدعومين من أطراف خارجية، تحديدا من إيران والسعودية، حيث أن لبنان أيضا هي منطقة تنافس سياسي بالوكالة بين طهران والسعودية، ويخشى المحسوبين على تيار 14 آذار من استغلال إيران لما قد يحققه لها البرنامج النووي من قدرات مادية وسياسية تمكنها من حسم صراعات حلفائها في دول الشرق الأوسط لصالحهم، ومن أزمة الشغور الرئاسي في لبنان.[20]

أما فلسطين، فإن فصائل المقاومة كلها أو بعضها يستمد التمويل والتسليح اللازم من إيران، مما أوجد حالة من القلق أن يكون الاتفاق النووي يحمل بين طياته تسوية تشملهم، وقد جاءت كلمات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران لطمأنة حلفاء إيران في المنطقة ومنهم فصائل المقاومة، حيث قال “سواء تم التصديق على هذا النص (الاتفاق النووي) أم لا، فإننا لن نتخلى عن دعم أصدقائنا في المنطقة، وسيحظون بدعمنا على الدوام.”[21] مما يشير إلى تبني إيران لاستراتيجية قائمة على دعاية ممانعة وسلوك اندماجي، كما أن علنية الدعم الإيراني أو ازدياده بدرجة كبيرة لفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة هو أمر مستبعد، حيث أن إسرائيل التي تعد أحد أقوى الرافضين للاتفاق النووي، قد تجده المبرر لإثارة الغرب ضد إيران مجددا.

وفي مصر، وعلى الرغم من وجود دوافع لدى الدولتين لاستعادة العلاقات الطبيعية بينهما، خاصة وأن هناك رؤية متقاربة لبعض لأزمات في الشرق الأوسط خاصة في سوريا،[22] إلا أنه هناك أيضا معوقات تحول دون إتمام التقارب المتوقع بعد الاتفاق النووي، وأهم تلك المعوقات هو أمن الخليج، واستمرار النظرة الأمنية الاستخباراتية المتبادلة بين البلدين، والتي تسيطر على نظرة بعض المسئولين في الجانبين[23].

الخاتمة:

في ضوء متغيرات دولية وإقليمية تعاقبت على مفاوضات البرنامج النووي الإيراني بين دول مجموعة (5+1) وإيران، وأمام متغيرات داخلية خاصة في الولايات المتحدة من جهة وفي إيران من الجهة الأخرى، مثلت تلك الظروف جميعا بيئة فارضة لإيجاد إطار من التفاهم بين الغرب وإيران حول برنامجها النووي، وتعتبر المتغيرات الإقليمية هي الراعي الحقيقي للوصول لذلك الاتفاق، وكذلك الضامن له، فالتجربة وخاصة في العراق أثبت أنه حتى الولايات المتحدة لا تستطيع أن تفرض واقعا مغايرا في الشرق الأوسط من دون تكاليف كبيرة ربما لم يعد متاح لها أن تدفعها الأن، إلا أنها تستطيع أن تحقق ما تربو له مصالحها في ظل تعاون إيراني مقيد بالعقوبات الدولية الاقتصادية والعسكرية، كما أن إيران قد نجحت في فرض شخصيتها على النزاعات في اليمن وسوريا، وقد نجحت في تحقيق أهدافها بشكل صريح في سوريا والتي تتمثل في استمرار نظام بشار الأسد، وبشكل أخر أقل صراحة في اليمن التي أصبحت ساحة تعبر فيها السعودية عن غضبها إزاء التدخل الإيراني في المنطقة العربية، لذلك وأمام تلك المتغيرات الجوهرية التي تشهدها المنطقة بصعود دور إيراني غير مقيد بعقوبات، وعالم عربي يبدو متوجسا من ذلك الدور، إلا أنه يبدو أن العرب أنفسهم قد ساهموا في تعزيز الدور الإيراني في المنطقة تاريخيا بالتخلي عن القضايا العربية الكبرى، وتحويلها لقضايا خاصة بكل دولة بعد الثورات العربية، فتطييف الصراع الذي دفعت نحوه بقوة المملكة العربية السعودية، جعل من حجة حماية الشيعة في الخليج والشام أمرا أكثر قبولا دوليا، ومحليا بين السكان الشيعة، والذين تتراوح نسبتهم في تلك المناطق ما بين 10: 70% في بعض المناطق[24]، لذا فإن الأثر الاقتصادي الكبير والانفتاح الدولي والخبرات الدبلوماسية التي اكتسبتها إيران في ظل المقاطعة، قد يعظم الدور الإقليمي لإيران في المنطقة العربية ووسط أسيا، إذا لم يتم التوقف عن تطييف الصراع مع إيران واعتباره صراعا سنيا شيعيا من شأنه أن يعيد للعرب دورا أكثر فاعلية في ملفات المنطقة، كما أن تعطيل إنشاء قوة عربية مشتركة لتتولى مسئولة الحرب على الإرهاب بديلا عن القوات الغربية أو الإيرانية سيجعل من ذلك التدخل لا مفر منه، خاصة في ظل ازدياد نفوذ التنظيمات الإرهابية مثل داعش والوضع المأساوي الذي يضغط على الغرب في شكل موجات اللاجئين مما يدفع الغرب للتدخل العاجل لإنهاء الأزمة ومن دون شك سيكون بتعاون إيراني، نظرا لأن المانع من تكوين القوة العربية المشتركة في الأساس هو خلاف عربي- عربي حول تحديد الأولويات والأعداء.


[1]EU, Iran underline commitment to Tehran agreement, global security, http://goo.gl/vFgBem

[2]د. جاري سامور، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، محاضرة، 18 ديسمبر 2004، http://goo.gl/0xAwBW

[3]طهران تتراجع عن تهديدها باستئناف تخصيب اليورانيوم، الجزيرة نت، 19 يونية 2004، http://goo.gl/gwDMFP

[4] البرنامج النووي الإيراني، الجزيرة نت، 18 يونية 2015، http://goo.gl/azr2TF

[5]خلاف روسي – ألماني حول البرنامج النووي الإيراني، الأهرام، 28 أبريل 2006، http://goo.gl/AfW3ex

[6]التسلسل الزمني لمفاوضات الملف النووي الإيراني، الجزيرة نت، 4 يونية 2015، http://goo.gl/QcrMje

[7]المرجع السابق.

[8] الإعلان الرسمي عن اتفاق “تاريخي” بشأن برنامج إيران النووي، بي بي سي عربي، 14 يوليو 2015، http://goo.gl/hxoBxU

[9]مكاسب للاقتصاد الإيراني في حال التوصل لاتفاق نووي، مجلة شؤون خليجية، 8 مارس 2015، http://goo.gl/D47nbq

[10] اتفاق إيران النووي وردود الفعل الأولية، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، 14 يوليو 2015، http://goo.gl/yANlsS

[11]محمد عباس ناجي، الاتفاق النووي الإيراني وتداعياته الاستراتيجية، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، http://goo.gl/jrOcMn

[12]الجمهوريون بالكونجرس يستعدون للتصويت ضد الاتفاق النووي الإيراني، جريدة الشعب الجديدة، 3 أغسطس 2015، http://goo.gl/eQfpN9

[13] عضوان ديموقراطيان في الكونغرس سيصوتان ضد الاتفاق النووي الإيراني، راديو ساوا، 7 أغسطس2015، http://goo.gl/oRU6W3

[14] أوباما: استخدم حق النقض إذا رفض الكونغرس الاتفاق مع إيران، بي بي سي عربي، 14 يوليو 2015، http://goo.gl/k13Mr1

[15]ترحيب عربي حذر باتفاق إيران النووي، سكاي نيوز، 15 يوليو 2015، http://goo.gl/wpx7Bj

[16]د. على بشار بكر أغوان، المركز الديمقراطي العربي، الانعكاسات الجيوسياسية الإقليمية للاتفاق النووي الإيراني، يوليو 2015.

[17]مصطفى اللباد، الاتفاق النووي وتداعياته الجيو اقتصادية على قطر والإمارات، السفير، 15 يوليو 2015، http://goo.gl/B9Kqre

[18]المرجع السابق.

[19]Hassan Hassan, Could the Iran Deal Lead to a Syria Deal? Foreign policy, 15 July 2015, http://goo.gl/t4BbRP

[20] دنيز عطا لله، «النووي» بعيون «14 آذار»: ارتباك وهواجس.. وآمال، السفير، 15 يوليو 2015، http://goo.gl/FwUxw3

[21]خامنئي: الاتفاق النووي لن يؤثر على دعم إيران لـ”أصدقائها” في المنطقة، بي بي سي عربي، 28 يوليو 2015، http://goo.gl/OvS4RF

[22]Hassan Hassan, Op.Cit

[23] رانيا مكرم، كيف تفكر طهران؟ الرؤية الإيرانية للعلاقات مع مصر، السياسة الدولية، http://goo.gl/Bg340L

[24] الشيعة في الخليج الانتشار والنفوذ، مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث الاستراتيجية، http://goo.gl/MX45z0

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [533.58 KB]

Start typing and press Enter to search