الحركات الشبابية والتحول الديمقراطي في مصر
رانيا زاده

مصر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [1.23 MB]

لعب الشباب دور القاطرة في ثورة الخامس والعشرين من يناير2011، وهو ما تجسد في إطلاقهم دعوات التظاهر ضد النظام الحاكم على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك، وهى مجهودات شبابية نجد لها امتدادا في مرحلة ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، في إطار عدد من الحركات الاحتجاجية مثل كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير، والحركات الشبابية.

إلا أنه عقب اندلاع الموجة الثورية الأولى من ثورة يناير لم يتمكن هؤلاء الشباب من تنظيم وتأطير أنفسهم بشكل جيد لتحقيق أهداف الثورة، وما تحقق بالفعل هو ظهور مجموعه من الحركات والائتلافات الشبابية الهشة التي لم تستطع التنسيق فيما بينها.

وبالنظر للمعطيات والحقائق الديمجرافية نجد أن نسبة الشباب في مصر تزيد على نصف عدد السكان وفقا للبيانات الإحصائية الصادرة عام 2006 عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إذ يمثل الشباب نحو 69% من إجمالي عدد السكان، إلا أن هذه الحقيقة لا تجد مردودا ملموسا في الواقع، حيث أن تمثيل هؤلاء الشباب في الحياة العامة والسياسية لا يزال ضعيفا.

في تقرير للجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء صادر عام 2012 فان عدد الشباب ما بين 18 عاما و29 عاما يصل إلى 24,3%.[1] وهذا معناه أن ربع عدد سكان مصر شباب، باستبعاد الأطفال والمراهقين. وهناك تقديرات مختلفة لبداية الشريحة الشبابية ونهايتها، لكن النتيجة الأساسية أن شباب مصر لا يقلون عن نصف سكانها تقريبا. وبالتالي لا يمكن إحداث أي نوع من التنمية بدون دمج الشباب في أطر تنظيمية، هذا الشباب هو المحرك الرئيسي لثورة يناير.

إن تراجع الأنماط التقليدية للمشاركة السياسية في العالم بأسره، قد دفع الشباب للانخراط في أطر غير تقليدية وإحداث قطيعة مع الماضي في محاولة للتأثير على مجريات الحياة السياسية، خاصة مع تطور وسائل التواصل الإلكتروني، ومع جمود الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على تمثيل الناس خاصة من فئة الشباب، يحدث نوع من التغير في السياسية فيما يعرف بالسياسة الجديدة أي أن الاعتماد على المنظمات التقليدية يصبح أقل.[2]

في مايو 2011، حدث شيء مختلف بدأ الناس بإحداث قطيعة مع الأشكال التقليدية للاحتجاج، بما في ذلك تقديم مطالبهم للبرلمان، وبدلا من ذلك بدأوا في تجمع مفتوح ومستمر أمام مبنى البرلمان في ساحة سينتاجما. هذه التظاهرات كان من مصادر إلهامها تظاهرات ميدان التحرير في القاهرة، وبويرتا ديل سول والعديد من المدن الأخرى في إسبانيا، وكان معظم المشاركين مثلهم مثل النماذج التي ألهمتهم لا يمتلكون أية خبرة سياسية وسيطروا على وسط أثينا، حيث أقاموا تجمعات مفتوحة ومستمرة لمناقشة البدائل بطريقة ديمقراطية مباشرة، فضلا عن التغذية ورعاية المشاركين في الميدان.[3]

هل يمكن لمثل هذه الحركات التي أحدثت قطيعة مع الماضي من خلال تنظيمها خارج الأطر السياسية التقليدية (النقابات، الأحزاب) أن تتحول لحركات اجتماعية والتي تعرف بأنها “الجهود المنظمة التي يبذلها مجموعة من المواطنين كممثلين عن قاعدة شعبية تفتقد إلى التمثيل الرسمي بهدف تغيير الأوضاع، أو السياسات، أو الهياكل القائمة لتكون أكثر اقترابا من القيم التي تؤمن بها الحركة”. قد تكون هذه الحركات محلية، أو إقليمية، أو عالمية.[4]

إن من أهم الخصائص التي تتميز بها هذه الحركات هي قدرتها على تحدي القيود الأمنية والقيود التي فرضتها المشاركة التقليدية من خلال تجاوزها للأيدلوجيات والتركيز على الأهداف التي تجمع بين أعضاء هذه الحركات والتركيز على قضايا بعينها يتوافق عليها مجموعة من المواطنين، فضلا عن اعتمادها بالأساس على وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، فهل ستنجح هذه الحركات في ظل الظروف الحالية ومن خلال تضييق المساحة التي تم اكتسابها بعد 25 يناير في الحفاظ على هذا النمط من المشاركة؟ أم ستجبر مثل هذه الحركات على الانخراط في الأطر التقليدية أم العزوف عن المشاركة؟. للإجابة على مثل هذه التساؤلات لا بد من دراسة هذه الحركات من الداخل أولا، هل لديها داخليا ما يجعلها قادرة على الاستمرار، هل هناك لائحة تنظيمية تنظم العمل داخليا وقادرة على حسم الخلافات بطريقة ديمقراطية، هل هذه الحركات تربطها ببعضها البعض أطر تنظيمية، هل هناك عملية تشبيك بين هذه الحركات بحيث تجعها أكثر قدرة على الضغط والتأثير، هل استطاعت هذه الحركات التأثير في عملية التحول الديمقراطية في الفترة السابقة؟.

تطرح الفترة القادمة العديد من الأسئلة على وجود الحركات وحاجتها بعضها لبعض، وهل هناك الشعور بشعار to-do somas أي شعار “كلنا” والذي يعبر عن فكرة التضامن بين الحركات في مختلف المواقف وهو ما يتطلب التنظيم حول قيم الترابط.على غرار الحركات التي ظهرت في أمريكا اللاتينية. هل هذه الحركات في علاقتها بعضها ببعض تعتمد على أساليب وعلاقات تنظيم هشة أم صلبة ومنظمة؟ ذلك لأن الذين يخضعون لعلاقات العمل الهشة غالبا ما يفتقروا لطاقة المشاركة وللديمقراطية.

هل هذه الحركات مرشحة للاستمرار على غرار التجربة الأرجنتينية، في 19 ديسمبر 2001. فبعد عقد من الأزمة المالية المتزايدة، وتزايد الفقر والبطالة وسياسات التكيف الهيكلي، وقيام الحكومة بتجميد جميع الحسابات المصرفية لأجل غير مسمى. بدأت الحركة مع بضع مئات من الأفراد قاموا بالخروج إلى الشارع، يقرعون الأواني والمقالي ثم تحولت المئات إلى الآلاف ثم مئات الآلاف. لم يكن هناك أحزاب سياسية، لافتات، أو شعارات، فالناس اعتمدت على ذاتية التنظيم وزاد الحشد يوما بعد يوم. في غضون أسبوعين، قدمت أربع حكومات استقالتها، وكان وزير الاقتصاد هو الأول الذي أقدم على الفرار في 19 ديسمبر وتلاه رئيس الجمهورية. على الرغم من حالة الحصار التي أعلنت في 19 ديسمبر جاء عدد أكبر من الناس إلى الشوارع كاسرين بذلك حاجز الخوف القديم. بعد مرور عشر سنوات، لا تزال الحركة مستمرة، وكافحت كثيرا مع مسألة كيفية الحفاظ على العلاقات الأفقية والاستقلالية في المناخ السياسي المتغير باستمرار خاصة كيفية الاتصال بالدولة عندما تكون هناك رغبة في البناء خارجها. الحركة الآن بالطبع مختلفة، والعديد من التشكيلات ليست موجودة، ولكن هذا لا يعني توقف الحركة الحالية.

مظاهر أزمة الديمقراطية التمثيلية:

تسببت الأزمات المتعددة التي بدأت في عام 2008 بين قطاعات واسعة من سكان العالم، وعززت شعورهم بأنهم ليس لديهم تأثير على القرارات التي تُتخذ بشأن حياتهم، وأنهم لم يسمعوا أو يأخذوا في الاعتبار بأية طريقة من قبل أولئك متخذي القرار، وأن هؤلاء “النواب أو الممثلين” لا يعملون في مصلحة الشعب.

“فقدت الديمقراطية معناها الأصلي”، تقول فاني من اليونان. “يُقال أن لدينا الآن ديمقراطية في اليونان. وهذه ليست ديمقراطية. ليس لدينا أي سلطة حقيقية. نحن لا نتخذ القرارات. وعلى هذا فمفهوم الديمقراطية تم تدميره إلى درجة أنه إذا كنا على وشك استخدامه مرة أخرى، فيجب علينا إعادة إنتاجه”.

وعلى هذا ليس من قبيل المصادفة أن شعار “إنهم لا يمثلوننا” برز بوصفه شعارا قويا للحشد في جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال في الولايات المتحدة وايطاليا واسبانيا واليونان والبرازيل وتركيا وسلوفينيا، وحتى روسيا، حيث لا يعني فقط “أنتم لا تمثلوننا” ولكن أيضا “لا يمكنكم حتى تخيلنا”.

لم يتم صياغة هذه الشعارات للتعبير عن رفض عدد محدد من الممثلين السياسيين، ولكن بوصفها تعبيرا عن الرفض العام لمنطق التمثيل. فهم يرون أن “تمثيل المصالح” لا يجدي. عادة ما ينظر إليه باعتباره غير ديمقراطي؛ فالحشود التي خرجت لا تشعر بأنها ممثلة وأنهم لم يعودوا مؤمنين بأن “تمثيل” من هم في السلطة ممكنا.

جذور الحركات الجديدة:

قامت الشبكات والجماعات التي كانت موجودة قبل عام 2005 بالتوسع والتعميق من شبكاتها. فهم الآن يتبعون تقنيات كاحتلال المباني وإنشاء مراكز اجتماعية وقواعد أخرى من الدعم والدفاع عن الحركة. وكان لتنامي النضالات الطلابية والمهنية منذ عام 2006 دورا في ممارسة جمعيات محددة سلفا شاملة وغير منحازة سياسيا، متميزة عن الجمعيات التي نظمتها أحزاب اليسار أو المنظمات الطلابية الخاصة بهم.

بعد ذلك بوقت قصير خارج أثينا، بدأ سكان بلدة كيراتيا العمل معا في المجالس لمناقشة كيفية منع بناء موقع مكب للنفايات في بلدتهم الصغيرة. نظموا احتجاجات وغيرها من الأحداث، بدءا من تقديم العرائض، حتى اضطروا في نهاية المطاف إلى احتلال أجزاء من مدينتهم لمنع بناء الموقع. ونظمت هذه الحواجز والإجراءات بتسهيل من المجالس المحلية، وكلا من أشكال التنظيم وأشكال العمل بدأت تأخذ مساحة على نطاق واسع. كان المثال الأحدث على هذا حملة، “لا يمكن أن تدفع، لن تدفع”، حيث قام الناس برفض دفع رسوم على الطرق الرئيسية. بدأ هذا في عام 2008، وليس كحملة وطنية ولكن بوصفها مبادرة محلية استجابة لزيادة الرسوم.

ظهرت العديد من هذه الجماعات والشبكات في حي اكسارتشيا بأثينا، حيث تقع جامعة البولي تكنيك إلى جانب العديد من المقاهي والحدائق الصغيرة. وهو نقطة تجمع وعلى حد سواء “مساحة آمنة” من الشرطة، حيث أن نسبة مرتفعة من الفوضويين ((Anarchists المنظمين يضمنوا وجودهم في الشوارع العادية.

استقلالية الحركات مع مرور الوقت:

أحد الأمور التي تحدث في هذه اللحظات من القطيعة مع الماضي هو أن أشكال السلطة المؤسسية، لأسباب مختلفة، لا تصبح في المقدمة. تتواصل الحركات مع بعضها البعض لفترة دون تدخل فوري من الدولة، أو غيرها من أشكال الهيمنة أو السلطة الهرمية. ففي هذه اللحظات تواجه الحركات والمجتمعات الحرة تحديات هائلة، حيث أن أحد أدوار الدولة المتأصلة هو عدم قدرتها للسماح للناس بالتنظيم خارجها تماما كما أنه لا يمكن للشركات أن تسمح للناس بتشغيل اقتصاديات موازية، وبالنسبة للأحزاب السياسية، اليسار أو اليمين فمع مرور الوقت يتم تجاوزها عندما يتكون للناس تنظيم مستقل. تحاول الدولة والمؤسسات جاهدة لتدمير هذه الحركات إما عن طريق القمع المباشر، الاستقطاب، أو مزيج من الاثنين ولا تزال المؤسسات تحاول هذا في الأرجنتين ولكن لحسن الحظ، هناك مقاومة متزايدة له ومواصلة للنهج البديل للانتشار.

يعتبر النضال من أجل الاستقلالية سمة مشتركة بين جميع الحركات منذ عام 2009، ومع ذلك، فقد بدأت معظم الحركات حتى الأكثر استقلالية في تحويل مواقفها، وقرروا الارتباط بالدولة ولو على شروطهم.

بعد الشهور الأولى من مجالس الأحياء والتنظيم الذاتي، رأى عدد من الأحزاب السياسية فرصة للتجنيد والسيطرة المحتملة. فقد دخلوا في نشاط المجالس في محاولة للسيطرة عليها. وعندما فشلوا في محاولات الهيمنة اتجهوا لحملات التعطيل عن طريق اختراق المجالس ومحاولات لفرض أجنداتهم، وهو ما تسبب بأن العديد من المشاركين قاموا بترك المجالس بعد الإحباط.

تواجه هذه الحركات مواقف حرجة في كل وقت، وذلك هو التحدي الحقيقي لاستخدام الديمقراطية المباشرة في ظل ظروف تحتم عليك الاستجابة بسرعة. يمكن لعدم وجود الوقت الكافي لاتخاذ قرارات أن يزيد من تعقيد العملية الديمقراطية. يبدو الأمر كما لو أن العدو قادر على فرض أجندته والتي لا تسمح لك بالحد الأدنى لتنفيذ أهدافك وأعمالك. يمكن أن تتشابه الديمقراطية المباشرة بهذه الطريقة مع التوتر الذي ينشأ نتيجة للديمقراطية التمثيلية. فمن الصعب حقا الحفاظ على كل هذا في الممارسة العملية، إذا كان الانتشار الأفقي أو الديمقراطية المباشرة أو الاستقلال الذاتي، فهذه كلها أفكار وطرق لإعادة تنظيم المجتمع وكثيرا ما تكون ضد المنطق المتجذر في المجتمع فنحن لا نعيش في مجتمع أفقي.

تعاني الحركات الشبابية مجموعة من الصعوبات على مستويات ثلاثة:
  • المستوى الداخلي:

تعاني أغلب الحركات الشبابية من عدم وجود لائحة داخلية تحكم عملها، وعلى الرغم من وجود نوع من أشكال التنظيم كوجود مسميات مثل وجود منسق عام، مساعد، لجان فرعية.. الخ. إلا أن عدم وجود لائحة داخلية يعوق عملية سير العملية التنظيمية، إذ أن اللائحة هي التي تعمل على وضع معايير محددة لعملية اختيار الأعضاء، وقد أجمعت الحركات الشبابية على فكرة رغبة العضو في الانضمام للحركة من عدمه إذ أنها حركات تطوعية.

عدم وجود لائحة تنظيمية ينعكس سلبا على أداء الحركة الشبابية وقد يكون العامل الأساسي في تفجير الحركة من الداخل، فلا يمكن فقط الاعتماد على معيار رغبة العضو في الانضمام حتى لو هناك ثمة اتفاق على الهدف الأساسي، إلا أن الاختلاف في الرؤى والآليات التي تعمل على تنفيذ الأهداف كفيل بتفجير هذه الحركات داخليا. خاصة مع عدم وجود آليات واضحة لعملية حسم الصراع والتي أغلبها يتم حسمه عن طريق حوارات داخلية قد لا تنجح في بعض الأحيان، ومن ثم هناك تخوفات في حالة انسداد أي طريق لحسم الخلاف بالحوار. ما هي الأساليب التي تعتمد عليها الحركات في حسم خلافها مع غياب لائحة داخلية؟ خاصة وأن بعض هذه الحركات اضطرت لإيقاف نشاطها حتى يتم حسم الخلاف، وحتى مع آلية التصويت التي تتبعها بعض الحركات، فلا يوجد نصاب قانوني مثلا لعملية التصويت، فبعض الحركات تعتمد على الحاضرين وقت التصويت، أو على مؤسسي الحركة الرئيسيين، وهو ما لا يعبر بحق عن عملية اتخاذ القرار بشكل ديمقراطي، كيف سيلتزم الأعضاء بما هو مطروح أو في حالة التوصل لأليه ما إذا كانت هذه الآليات غير متفق عليها من البداية، هل تفرض على الأعضاء، ومن قبل من؟ وهو ما يثير تساؤلات حول الديمقراطية الداخلية بين الحركات وسيطرة من عليها، أو عملية اتخاذ القرار داخليا.

فيما يتعلق بخطة العمل الداخلية، تعمل معظم الحركات التي تمت المقابلة معها على تقييم عملها ووضع خطة لها ولكن ثمة مجموعة من الملاحظات في هذا الصدد:

  • أن عملية وضع تصور أو خطة عمل لهذه الحركات يتم بشكل عشوائي، أي لا توجد مدة زمنية محددة تلتزم بها الحركات لا في وضع الخطة ولا في عملية التقييم.
  • لم تسفر هذه المراجعات عن توفير آليات جديدة لحسم الصراع أو لفكرة مراجعة طريقة العمل.
  • تتم وضع الرؤية بشكل فوقي أي لا يوجد تفاعل بين هذه الحركات وبين المواطنين. ففي اليونان على سبيل المثال رأت الحركات أنها لكي تنجح وتصبح فاعلة على الأرض لا بد لها أن تكون واقعية، لا بد لها أن تتقاطع مع الحياة اليومية للمواطنين وإشراكهم في وضع الأجندة وليس فقط وضع تصور ومحاولة تطبيقه بعيدا عن تصورات الناس في المناطق التي يعملون بها، أي لا بد للحركات الشبابية أن تعمل بمنطق الديمقراطية التشاركية مع المواطنين كي تفرضها على السلطة. ويمكن للحركات تبني فكرة الجمعيات العمومية والتي تعتبر مكانا للنقاش العام والتفكير واتخاذ القرارات وهو ما يعرف بعملية الانتشار الأفقي، حيث يتم السماح للجميع بتبادل الآراء وتعمل هذه الآليه على الترويج لقيم مثل الاحترام والتسامح.[5]

وعلى صعيد انتشار هذه الحركات، يمكن ملاحظة انطلاق معظم الحركات التي جرت معها المقابلات من القاهرة، أي الاعتماد على المركز كنقطة انطلاق للحركة، وعلى الرغم من وجود بعض الفروع للحركات إلا إنها لا تتعدى محافظتين أو ثلاثة على الأكثر، ومن ثم لا يمكن الحكم على علاقة الحركة بالأفرع ومع غياب وجود لائحة داخلية، يصعب عمل وتطوير العلاقة بين الحركة في المركز وفي المحافظات.

  • التواصل بين الحركات:

للأسف معظم الحركات الشبابية لم تبن علاقات بين بعضها البعض، وفي الحالات التي شهدت نوعا من التنسيق بين الحركات كانت مع اللجان الشعبية، ويمكن فهم ذلك بأن اللجنة الشعبية مثلت اللبنة الأولى للحركات التي انطلقت بعد الثورة. والتي انتشرت في معظم الأحياء المصرية. أيضا يمكن تحليل عدم التشبيك بالنظر إلى الإطار الذي تعمل من خلاله هذه الحركات، بمعنى أن هذه الحركات لا تعمل في إطار الإصلاح الكلي ولكن تعمل في إطار جزئي أي النظر لكل قضية على حده، ولنأخذ مثال اتحاد شباب ماسبيرو، فالبعض يرى أنه يدافع عن قضية الأقباط فقط والبعض يرى أنه يدافع عن الحقوق من منطلق المواطنة، وبالتالي نعود مرة أخرى لقضية تحديد الأعضاء والمعايير التي يتم اختيار الأعضاء وفقا لها. فلا توجد آليه تحكم عملية التشبيك، ولأنه لا توجد لائحة داخلية للحركة فلا توجد أيضا أية معايير تحكم الخلاف في حالة التعاون بين الحركات.

  • دور الحركات الشبابية في عملية التحول الديمقراطي:

معظم الحركات الشبابية اعتمدت على آلية الحشد للضغط على المسئولين، وحتى فكرة التواصل مع لجنة الخمسين مثلا لم تسفر عن النتائج المرجو تحقيقها في ذلك الوقت، ويمكن فهم عدم تطوير آليات التواصل والضغط لعدم وجود عملية مراجعة دورية للعمل، ولكن على هذه الحركات أن تجد وسائل أخرى خاصة بعد وضع قيود أمنية وتشريعية على عمل هذه الحركات مثل قاون التظاهر، قانون الجمعيات الأهلية.

وكمثال لعمل هذه الحركات واعتمادها على أليه الضغط “اللجنة الشعبية للدفاع عن الثورة بميت عقبة” والتي بدأت عملها في 17 فبراير 2011 عقب انسحاب الشرطة من القيام بمهامها ومع بدايات أزمة أسطوانات الغاز وارتفاع أسعارها إلى 40 و50 جنيها، والواقع أن منطقة كميت عقبة تحتاج يوميا لحوالي 640 اسطوانة غاز، فبدأ عمل اللجنة في التواجد مع الأهالي وتوعيتهم بدورهم، والتواصل مع بعض ممثلين اللجنة مع حي العجوزة ومحافظة الجيزة ولكن لم تسفر هذه اللقاءات عن أية نتائج، وتم العمل في الخطوة الثانية وهي تنظيم وقفات احتجاجية أمام المحافظة بحشد الأهالي للمساندة والضغط في الوقفات، وبالفعل تم الإنصات إلى هذه الوقفات وبدأ الأمر بالاتفاق على تنظيم اجتماع نصف شهري لعرض ومتابعة طلبات الأهالي وتم حل المشكلة مؤقتا، ومن هنا بدأت اللجنة التفكير في استخدام أليه الضغط للتعامل مع المشكلات الأخرى.

أما بالنسبة للحركات التي استطاعت تحقيق انجاز في عملية التحول الديمقراطي فتمثلت في “حركة بهية يا مصر” التي استطاعت الضغط على لجنة الخمسين لتغيير المواد المتعلقة بالمرأة. ونشأت الحركة في فبراير 2012 للدفاع عن حقوق المرأة وبعد ذلك تحولت إلى حركة للدفاع عن المواطنة، وكانت من أهم أدوارها بعد الثورة المساعدة في كتابه الدستور عن طريق الضغط لتبني مواد خاصة بالمرأة والمساواة بين الجنسين وما يكفل حرية المرأة بالعمل والتمكين السياسي للمرأة، وأيضا في قضية تشكيل الجمعية التأسيسية ضغطت الحركة عن طريق تدشين حملة “حق المرأة 50% في لجنة الدستور” وكان الهدف منها أن تكون حصة المرأة مساوية للرجال في الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وقامت الحركة أيضا بإعداد قائمة من 100 شخصية لتكون ضمن أعضاء الجمعية التأسيسية، وأيضا تفاعلت الحركة بقوة مع الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنين على السواء وكان من هذه الحملات “بنات مصر خط أحمر، ضد التحرش، الوزير المتحرش، امسك متحرش، رجالات مصر متتسحلش”، وكانت هذه الحملات ذات صدى قوى في المجتمع على المستويات المختلفة. استطاعت الحركة أيضا أن تستخدم الفن للتعبير عن حقوق المواطنة ولتوصيل الأفكار سريعا للمجتمع مثل الجرافيتي، وكان من أشهرها جرافيتي “ست الحيطة” وأيضا استخدموا عرض الأفلام في مقر الحركة لرفع الوعي بقضايا المرأة والمواطنة.

الخاتمة

في ظل الظروف السياسية الراهنة، لم تعد آليه الحشد وسيلة فعالة لتحقيق المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى الحركات الشبابية أن تبحث عن وسائل أخرى فعالة، ولن تستطع القيام بذلك دون بناء تنظيمي قوى قادر على صياغة إستراتيجية واضحة للتعامل مع القضايا محل الاهتمام، كما يساعد هذا البناء التنظيمي على مراجعة الفترة السابقة والوقوف على أسباب النجاح والفشل وصياغة رؤية أكثر وضوحا للعمل في الفترة القادمة، ولن يتأتى ذلك بدون التفاعل مع المطالب اليومية للمواطنين ومع فهم أعمق للتحولات السياسية خاصة بعد 30 يونيه 2014. كما لن تستطع هذه الحركات المساهمة في عملية التحول الديمقراطي وهي تفتقد للديمقراطية الداخلية، ومن أسباب استمرار هذه الحركات هو التفاعل بينها بمعنى نقل الخبرات والتشبيك فيما بينها.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ملخص التقرير منشور بجريدة المصري اليوم الإنجليزية 12 أغسطس 2012http://is.gd/JaTHaB HYPERLINK “http://is.gd/JaTHaB”

 مريم مخيمر، عوائق وتحديات المشاركة السياسية التقليدية في مصر، في “الأنماط غير التقليدية للمشاركة السياسية للشباب في مصر”، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2012، روافد للنشر والتوزيع، ص123.

[3] ديمقراطيات في خطر، تحرير الفرد ستيبان، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 2014

[4] الحركات الاحتجاجية في المنطقة العربية بين السياسي والاجتماعي، تحرير د.عمرو الشوبكي، مركز دراسات الوحدة العربية، 2011.

[5]) Marina Sitrin, Dario Azzellini, They Can’t Represent Us! Reinventing Democracy From Greece To Occupy, Verso, 2014.

Start typing and press Enter to search