عمر سمير خلف
مصر
مقدمة:
قبيل الثورة بعدة سنوات كان الشباب حاضرا في تأسيس بعض الحركات ذات الطابع الشبابي مثل: السادس من أبريل وشباب من أجل العدالة والحرية، أو جزءا من بعض الحركات الفاعلة مثل: حركة كفاية أو الجمعية الوطنية للتغيير، وكان هؤلاء الشباب يحملون على عاتقهم الجزء الأكبر من النشاط وعمليات الكر والفر والقبض العشوائي من قبل النظام والنشاط الاحتجاجي في معظم الفعاليات التي سبقت الخامس والعشرين من يناير ومهدت لها بشكل أو بآخر.
وكان الطابع الأساسي لثورة الخامس والعشرين من يناير وامتداداتها من موجات احتجاجية هو الحضور القوي للشباب سواء في الفعاليات السياسية أو الحراكات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، أو العمليات السياسية الديمقراطية التي تمت منذ الحادي عشر من فبراير وكان الشباب، أو البحث عن الشباب، محورا هاما من محاور البحث عن الشرعية سواء للنظام الحالي أو للنظام في المرحلتين السابقتين، سواء المجلس العسكري أو فترة حكم د. مرسي.
وبين الحين والحين يبرز خطاب يستنكر على الشباب وجود رؤية كلية أو جزئية لإحداث التغيير الذي نشدوه وقاموا بالثورة من أجله مستعينين ببقية فئات الشعب التي تبعت الشرارة الشبابية في الشارع وعبرت عن كم الغضب الهائل من نظام جثم على صدورهم ثلاثين عاما، وتحاول هذه الورقة استقصاء رؤية هذه الحركات لعملية كتابة الدستور في 2013 ونصوصه كإحدى جزئيات العملية السياسية التي استنكرت فئات على الشباب وجود رؤية لها، وذلك من خلال تتبع مواقع وصفحات وأنشطة ومواقف بعض الحركات التي كان للباحث احتكاك مباشر بها واستمع إلى رؤيتها لهذا الدستور وملاحظاتها عليه مباشرة.
والحركات الشبابية المقصودة في هذه الورقة هي، اتحاد شباب ماسبيرو، اتحاد شباب النوبة الديمقراطي، حركة بهية يا مصر، حركة سلمية، مبادرة إيدي على كتفك، حركة تعاون، حركة محليات، وحملة أحياء بالاسم فقط، اللجان الشعبية لحماية الثورة.
وتعرض الورقة لمواد الدستور ورؤية الحركات الشبابية لها في إطار ما تفرضه هذه المواد من تحديات وما تفرزه من فرص للعمل المستقبلي لشباب الحركات.
أولا: مواد الحقوق والحريات المدنية والسياسية
ترى الحركات في المواد 65، 70، 71، 72 ضمانة لحرية الفكر والتعبير ووسائل ممارستهما من صحافة وإعلام مرئي ومسموع، كما ترى في المادة 73 والخاصة بتنظيم التظاهرات والمواكب والاجتماعات العامة والخاصة وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، ضمانة قوية لأحد جوانب الحق في التنظيم، وإن كانت تأخذ على هذه المادة الإحالة للقانون والتي انتهت بوضع قانون كارثي مقيد للتظاهر في فترة انتقالية وفي ظل نظم أتت إلى سدة الحكم كنتيجة للتظاهر.
وتنتقد الحركات فكرة الإخطار التي في المواد 74 الخاصة بتنظيم إنشاء الأحزاب وعملها، والمادة 75 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية، حيث تبدوا فكرة الإخطار مشوهة لدى المشرع بحيث يتطلب الأمر إحالة إلى القانون الذي عادة ما ينشئ جهة منظمة يكون لها حق قبول أو رفض الإخطار دون أن يكون الفيصل بين هذه الجهة والحزب أو الجمعية هو القضاء أو جهة رقابية مستقلة أخرى، وبالتالي ينتفي معنى الإخطار.
وتقدم الحركات رؤية نقدية للحق في التنظيم الوارد في شان النقابات والاتحادات العمالية والمهنية في المادتين 76، 77، حيث تحيل المادتين كفالة الحق للقانون وليس الدستور، وهو ما يعني أن أمر هذه النقابات والاتحادات متروك للقانون الذي يتغير بسهولة ووفقا لأغلبية قد تكون تابعة للنظام ومن ثم ينتقص من استقلالية ونزاهة هذه المؤسسات الاجتماعية الهامة ويحولها لمؤسسات تابعة للنظام.
كما تنتقد الحركات أن الدستور في مجمله لم يتضمن نصا لتنظيم عمل الحركات والمجموعات والمبادرات الكثيرة التي نشأت حديثا وكان لها دور بارز في الثورة وما بعدها من أحداث وكان ينبغي إيجاد إطار تنظيمي ملائم لطبيعة هذه الحركات والمبادرات بعيدا عن قوانين مباشرة الحقوق السياسية وتنظيم الأحزاب والجمعيات الأهلية إذ تختلف طبيعة تلك الحركات والمجموعات والمبادرات الجديدة عن هذه الهياكل التنظيمية التقليدية، وترى أن المواد المتعلقة بالحق في التنظيم من م73 إلى م77 رغم أهميتها إلا أنها لا تغطي عمل الحركات وطبيعتها ولا تنظمها، ومن ثم سوف تعمل اللجان الشعبية في الفترة القادمة على القوانين والممارسات التي تناقض مواد التنظيم في الدستور الجديد وستحاول الدفع باتجاه تحجيم تلك الانتهاكات والممارسات المناقضة للدستور والدفع باتجاه قانون للجمعيات والمبادرات يتضمن تنظيم عمل اللجان الشعبية والحركات الشعبية الجديدة دون تقييد.
ثانيا: رؤى الحركات لمواد المتعلقة بالمواطنة وحقوق الأقليات النوعية والدينية والعرقية
- ما يتعلق بالمرأة: ترى الحركات أن المادة 6 من الدستور تعتبر تطورا في سبيل المساواة بين المرأة والرجل من حيث حقها في إعطاء الجنسية كحق لأبناء الأم المصرية، ولكن تنتقد الحركات إحالة هذا الحق مسألة تنظيم الجنسية للقانون، حيث في الأغلب سوف تقيد القوانين واللوائح هذا الحق أو ستعقد من إجراءات تنفيذه وهو ما يفرغه من مضمونه.
وترى الحركات في المادة 9 إلزاما للدولة بتكافؤ الفرص لكن دون آليات حقيقية لضمان التزام الدولة بذلك، حيث تلاحظ الحركة أن ثمة تمييز في الواقع بين المرأة والرجل على أساس النوع في بعض الوظائف في القطاعين العام والخاص مثل التدريس في الجامعة وغيره من الوظائف القيادية التي يتم فيها تجاوز القانون بمبررات أن المرأة سوف تحتاج لأجازات وضع ورعاية طفل ومن ثم يفضل القائمون على الاختيار لهذه الوظائف الرجل على المرأة، ويوجهون أسئلة مستفزة من نوعية هل أنت متزوجة؟ وهل لديك أطفال؟ ونفس الأسئلة لا توجه للرجل في معظم الأحوال وهو ما يستبطن تمييزا.
وكذلك ترى الحركات في المادة 11 تطورا نوعيا من حيث الاعتراف بالمساواة كمبدأ، ولكن تتمنى إلزام الحكومة باتخاذ التدابير الكافية للتمثيل المناسب للمرأة في المستويات القيادية العليا دون تحيز للرجال، وحماية المرأة من جميع أشكال العنف، وليس فقط تعمل وتكفل كما في نص المادة وإنما يجب أن تلتزم الدولة بذلك.
كما ترى الحركات أيضا في نص المادة 53 وضوحا وقوة في حماية حق المساواة بين المرأة والرجل والتزام الدولة بالقضاء على كافة أشكال التمييز وإنشاء مفوضية لهذا الغرض وهو تطور جيد تراه هذه الحركات في هذا الدستور، كما تثني على المادة 60 بشأن حرمة الجسد، والمادة 93 بشأن التزام الدولة بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتعتبرها تطورا عن كافة الدساتير السابقة وضمانة إضافية للمساواة وعدم التمييز على أساس النوع الذي تجرمه تلك المواثيق.
وأخيرا ترى الحركات الشبابية تطورا في المادة 180 والتي تنص على ربع عدد مقاعد المجالس الشعبية المحلية للمرأة ولكن ترى فيها التباسا بين النسبة المخصصة للشباب والنسبة المخصصة للمرأة هل هي ربع العدد المخصص للشباب والفئات الأخرى أم ربع العدد المطلق للمقاعد؟ لكن نص المادة واضح فيما يتعلق بذلك فهو ينص على أن “يُخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة،..”
- المواد المتعلقة بالأقليات العرقية: يرى الشباب من ممثلي الحركات في ضم اللجنة لأحد أبناء النوبة وهو الأستاذ حجاج أدول تطورا ايجابيا، وتثني الحركات على المواد الخاصة بالمساواة وعدم التمييز مثل المادة 19 التي تجرم التمييز بين المواطنين في التعليم على أي أساس مثل العرق أو اللون أو الدين، وكذلك م53، م67، م71، والتي تعتبر التمييز جريمة تقف قيدا حتى على حرية الرأي والتعبير والإبداع الفني وينظم القانون عقوباتها.
بينما ترى ضعفا في صيغة المادة 236 والخاصة بتنمية بعض المناطق ومنها الصعيد والنوبة وترى أن الأفضل أن تنص المادة على التزام الدولة بذلك نظرا لكون هذه المناطق مهمشة منذ زمن، ويثني الاتحاد على الفقرة الأخيرة من ذات المادة والتي تنص على أن “وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلي مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون”. وإن كانت الحركات تنتقد الصيغة على النحو السابق إيضاحه وكذلك الإحالة للقانون حيث قد تمر الأعوام العشرة دون إقرار القانون الذي ينظم ذلك.
وتشيد بالمواد 62 و63 من الدستور والتي تحرم إجبار أي مواطن على الهجرة أو إبعاده عن إقليمها إلا بحكم قضائي مسبب ولفترة محددة وتحظر التهجير التعسفي للمواطنين وتعتبره جريمة لا تسقط بالتقادم.
- المواد المتعلقة بالأديان والعقائد: قدم بعض شباب الحركات نقدا قيما للدستور وكان طيلة عملية كتابته يقدم نصوص بديلة، فمن ناحية ينتقد هؤلاء الشباب فكرة حماية الدولة للأديان أصلا باعتبارها دولة مدنية يجب أن تقف على الحياد تجاه كافة الأديان، ويرون في كلمة “حكومتها مدنية” الواردة بديباجة الدستور التفافا على مبدأ مدنية الدولة.
وبينما يرحب شباب الحركات بالتأكيدات المتكررة على المواطنة والمساواة وعدم التمييز، سواء في ديباجة الدستور أو في نصوص المواد (1 ،11، 19، 53، 67، 71، 72، 81) من الدستور والتي تؤكد على المواطنة والمساواة وتجريم التمييز، فإنهم ينتقدون المادة 2 والتي تجعل للدولة دينا وتوحي بأفضلية متبعيه على متبعي بقية الأديان، ثم تفصيل الدستور في المادة 3 في التعرض لـ”مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية”. وترى الحركات هنا أن الدستور كما لو كان يناقض ذاته ويخاطب المصريين باعتبارهم طوائف كما تستنكر على النصوص الدستورية عدم الاعتراف بالأديان والعقائد غير السماوية.
ويرحب بعض شباب الحركات بالمادة 235 من الدستور والتي تنص على أن “يصدر مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونا لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية” وإن كان يفضل أن يكون قانونا موحدا لدور العبادة بحيث يستبطن المواطنة كمفهوم وكممارسة ولا يتحدث القانون عن المسيحيين باعتبارهم فئة أو طائفة أو أقلية وإنما مواطنون، كما يستنكرون صيغة “بما يكفل” الواردة في المادة باعتباره ليس إلزاما.
بينما يرون في المادة 244 أنها تحمل معنيين، أولهما التمييز الإيجابي للمسيحيين والمرأة والشباب والمعاقين بتخصيص بعض مقاعد المحليات لهم، وثاني هذين المعنيين هو التعامل مع هذه الفئات كفئات وهو ما يتناقض مع المواطنة والمساواة ومدنية الدولة ويمكن فهمه مرحليا لكن يرفضون استمرار هذا التمييز بشكل دائم لأنهم يرونه فقط وسيلة لتمكين فئات مهمشة لفترة معينة.
- المواد المتعلقة بالثقافة والإبداع والتنوع: رحبت المبادرات والحركات ببعض نصوص الدستور التي تنص على حماية تراث مصر الثقافي والأدبي والفني والتأكيدات المتكررة على تنوع تراث مصر الثقافي والحضاري سواء في الديباجة أو المادة 50 من الدستور، وفكرة التزام الدولة بالحفاظ على التنوع والثراء الأدبي والثقافي في المادة 47، وقد عرض الشباب لشيء من مقارنة النص بالواقع من حيث تدني الإنفاق الثقافي والفني والأدبي للدولة ومن ثم ضعف قدرتها على دعم أنشطة أدبية وفنية قيمة مع اقتحام القطاع الخاص لمجالات السينما والمسرح والدراما التليفزيونية ومقدرته على زرع قيم متناقضة مع ضعف قدرة الدولة على مقاومة ذلك بأعمال أدبية وفنية قوية ومن ثم لجوئها في بعض الأحيان للمنع والحجب الذي يتنافى ومواد حرية الرأي والتعبير.
وتشيد الحركات بالمادة 48 والتي اعتبرت “الثقافة حق لكل مواطن تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي أو غير ذلك. وتولي اهتماما خاصا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجا. وتشجع الدولة حركة الترجمة من العربية وإليها.”، وهنا تعرضت لتجارب مقارنة من أمريكا اللاتينية وبعض الدول في تجربة دعم الثقافة بشكل مباشر أو إنشاء وسائل ثقافية موازية ومنافسة للقطاع الخاص وما ينشره من قيم تخدم بالضرورة مصالحه، كما قدمت الحركات نقدا لفكرة الدولة المنتجة للثقافة والمحددة للفئات التي تستهلكها وركزت على ضرورة قيام الدولة بدور مقبول في هذا دون أن تؤمم المجال الثقافي لأن هذا لا يضمن أن يأتي نظام سياسي مختلف فيطبع الثقافة بطبعته ورؤيته الذاتية وهو ما ترى الحركة ضرورة تلافيه في القوانين المنظمة للحق في الثقافة مستقبلا.
- مواد المحليات ورؤية الحركات أفق جديد للعمل: طرحت شباب الحركات رؤية مقارنة للمحليات في الدساتير المصرية منذ 1971 حيث أنه وبرغم اشتمال دستور 1971 على ثلاث مواد للمحليات إلا أنه بناء عليه صدر قانون المحليات الذي أعطاها حق إصدار توصيات وطلب إحاطة وإن لم يعطها حق الاستجواب للمسئولين المحليين، فإن هناك تطورا في دستوري 2012، 2014، حيث نص الأخير في مادته 180 على تخصيص نسبة الربع من مقاعد المجالس الشعبية المحلية للشباب ما بين 21 و35 عاما كما نص لأول مرة على تمثيل الشباب والنساء وذوي الإعاقة.
لكن يأخذ الشباب على الدستور الجديد أنه وبرغم نصه في المادة 175 على التقسيم الإداري للدولة دون تحديد المرافق التابعة للمحليات أو الحكومة، وكذلك الإحالة للقانون فيما يتعلق باللامركزية المالية والإدارية في المادة 176 دون تفصيل، وقد اعتاد المشرع المصري على المركزية بشكل كبير.
كما تعيب الحركات على المادة 179 تركها لعملية اختيار المحافظين ورؤساء الأحياء والوحدات المحلية مفتوحة وخاضعة لتقدير السلطة التنفيذية في الاختيار ما بين التعيين أو الانتخاب، بينما تحاول معظم الدول الديمقراطية تخفيف العبء عن السلطات المركزية بتقوية المحليات وإعطائها مزيدا من الصلاحيات.
وترى الحركات فرصة جيدة للعمل في إطار المادة 180 من الدستور والتي تنظم بعض صلاحيات المجالس المحلية، وتعطيها وفق نص المادة “أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها، وفى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية،..” وتنتقد الحركة الإحالة للقانون مرتين في نفس المادة بحيث يخشى أن يحد القانون من هذه الصلاحيات كما قد يحد من ضمانات استقلال أعضاء هذه المجالس، كما يلاحظ في مواد المحليات كلها أنها تتحدث عن المجالس المحلية وليس المجالس الشعبية المحلية وهو خلط واضح بين الاثنين.
وهناك تخوف من المادة 181 من الدستور والتي تنص على أن “قرارات المجلس المحلى الصادرة في حدود اختصاصه نهائية، ولا يجوز تدخّل السلطة التنفيذية فيها، إلا لمنع تجاوز المجلس لهذه الحدود، أو الإضرار بالمصلحة العامة،…” حيث كلمات “تجاوز الحدود” أو “الإضرار بالمصلحة العامة” هي عبارات عامة ومبهمة وتفتح مجالات تدخل واسع للسلطة التنفيذية في عمل وحدود صلاحيات المجالس المحلية الغير محددة دستورا والتي كان يجب أن تحدد وبدقة في الدستور.
- مواد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ورؤية الحركات لها: ترى الحركات الشبابية أنه بالرغم من اعتراف دستوري 2012، 2014 بالحق في السكن إلا أن المادة 78 المنظمة لهذا الحق في دستور 2014 مثلا تنص على كفالة الدولة لهذا الحق وليس التزامها به، كما أنها تتنازل عن دورها في ضمان هذا الحق فتكتفي بالالتزام بوضع خطة وطنية للإسكان وفقا لنص المادة “تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية. وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعى الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضى الدولة ومدها بالمرافق الأساسية فى إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى وإستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين ويحفظ حقوق الأجيال القادمة. كما تلتزم الدولة بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق، وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة، كما تكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية محددة”.
وتنتقد هذه الحركات فكرة الحديث عن العشوائيات بمنطق المواجهة وكأنها تؤكد على نهج نفس سياسات الإبعاد والتهجير تحت مسمى الإسكان البديل في مناطق هي بعيدة عن أماكن العمل والمصالح الحكومية كما تعزل المواطنين عن البيئة التي نشأوا فيها والأولى تطوير نفس الأماكن مع إبقاء أهلها فيها.
كما ترى في المواد 78، 79 تطورا من حيث الحديث على بيئة صحية وغذاء صحي والتزام الدولة بهما وكذلك الحديث عن الاستدامة وحقوق الأجيال القادمة، وكذلك تناول المادة 81 لحقوق ذوي الإعاقة والأقزام الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وأيضا المادة 83 التي تتحدث عن التزام الدولة بضمان حقوق المسنين صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لكن تنتقد الإحالة للقانون في كل ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وتنتقد الحركات فكرة اعتبار العمل حق وواجب في آن واحد كما في نص المادة 12، فإذا كان العمل واجبا فهل تعاقب الدولة المعطلين عن العمل وهم كثيرون؟. وترى المبادرة أن المادة 13 جيدة جدا فيما يتعلق بالتزام الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، والعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية، وتكفل سبل التفاوض الجماعى، وتعمل على حماية العمال من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، ويحظر فصلهم تعسفيا، بينما هناك شكوك كثيرة حول انتهاكات النظام المتكررة لهذه المواد منذ الثورة وحتى الآن.
وترى هذه الحركات تطورا إيجابيا فيما يتعلق بالنسبة المخصصة للصحة 3% من الإنفاق الحكومي وفقا لنص المادة 18، 4% للتعليم كما في المادة 19، وكذلك 2% للتعليم الجامعي مع التدرج للوصول للمعدلات العالمية، وبرغم رؤية المبادرة انخفاض هذه النسب مقارنة ببعض الدول الإفريقية حتى إلا أنها تتمنى ألا تذهب النسبة الكبرى من هذه النسب للنفقات الإدارية والأجور بينما تظل الخدمات التي تقدم للمواطنين على حالها أو تسوء.
كما ترى هذه الحركات في نص المادة 63 من الدستور تجريما للتهجير التعسفي واعتباره جريمة لا تسقط بالتقادم كما أوضحت سلفا، إلا أنها تشكك في الممارسات على الأرض فمعظم المناطق الشعبية التي تعمل بها هذه الحركات والمبادرات تم تهجير سكان بعض مناطقها بعد الثورة مثل سكان جزيرة القرصاية ومثلث ماسبيرو ورملة بولاق، وبينما ترى النص قويا تري أن ليس هناك آليات تنفيذ لهذا النص على أرض الواقع فيتساءل شباب هذه الحركات هل ستعيد الحكومة سكان المناطق التي هجروا منها أو ستكتفي بالتعويض أو تسكينهم في مناطق نائية؟.
ومن منطلق أهمية القطاع التعاوني وكبر عدد المستفيدين منه وإمكانية الاعتماد عليه في تطوير نموذج تنمية ذاتية قوي فإن الحركات والأحزاب التي تتناول التعاونيات في عملها وخطابها ترى أن الدستور الجديد لم يتناول التعاونيات على أهميتها إلا في مادة واحدة هي المادة 37، والتي تنص على أن “الملكية التعاونية مصونة، وترعى الدولة التعاونيات، ويكفل القانون حمايتها، ودعمها، ويضمن استقلالها. ولا يجوز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي”. وترى في مسألة حلها بحكم قضائي مدخلا يمكن استغلاله سياسيا لحل التعاونيات حال قيامها وقوتها في معارضة سياسة ما للنظام السياسي حيث يسهل رفع دعاوى حلها والحصول على أحكام قضائية بذلك، وترى الحركات العيب الأكبر في القانون الحالي والذي يلزم بوجود اتحاد إقليمي واتحاد عام للتعاونيات وتعتبرهما مدخلا من مداخل سيطرة الدولة على هذه التعاونيات، ومن ثم ستعمل بعض هذه الحركات على صياغة قانون بديل للتعاونيات في الفترة المقبلة مستعينة بخبرات سياسية وقانونية قدر الإمكان.
خاتمة وتوصيات لأفق عمل مستقبلي: من خلال العرض السابق لرؤى الحركات الشبابية للدستور يتضح جليا أن معظم هذه الحركات كانت لديها رؤى وبرامج ولو جزئية للتفاعل مع أحد عناصر العملية السياسية المعقدة وهو عملية كتابة الدستور، وهو ما يدحض القول بأن القوى الشبابية تفتقد لرؤى لقيادة الوطن في مرحلة صعبة من تاريخه، ويتضح أيضا أن هذه الحركات والمبادرات إذا ما أتيح لها التفاعل الحر في مناخ ديمقراطي وصحي فإن تفاعلها هذا سوف ينتج رؤى أكثر نضوجا وتوافقا مع القيم الأساسية للمجتمع بل سيقود هذه القيم للتغيير للأفضل دائما.
وإذا كانت هذه الحركات قد قدمت نقدا للتحديات التي تفرضها مواد الدستور وفرص العمل المستقبلي الذي يتوجب على شباب هذه الحركات العمل فيه واستغلاله لتحسين المجال العام، فإن الباحث يمكنه تلخيص هذه الفرص في الوعي بمشروعات القوانين التي ينبغى على البرلمان القادم وربما بعد القادم عملها، وإدارة هذه الحركات لنقاشات موسعة بشأن ما يمكنها طرحه من مسودات مشروعات قوانين بنصوص واضحة وقوية وتستحضر روح الثورة ومطالبها واعتبارها أجندة عمل تستعد بها هذه الحركات للبرلمان القادم، لأن الدستور الجديد يتطلب مراجعة شاملة للوائح والقوانين القديمة التي هي أساس المعركة بين الدولة والثورة إذ أن لا إصلاح لأجهزة هذه الدولة سوى بمراجعة القوانين واللوائح التي تنظم عملها، ولا نجاح لأي نظام ما لم يتبن عملية إعادة النظر في اللوائح والتشريعات ومدونات السلوك المنظمة لعمل هذه الأجهزة كأولوية أولى.
كذلك على الحركات تتبع مدى التزام أي نظام بهذا الدستور والمواد الجيدة فيه والضغط باتجاه تعديل المواد التي تحتاج لتعديل جذري وذلك يمكن أن يتم من خلال حملات شبابية ابتكاريه من على غرار “مرسي ميتر” وغيرها من حملات مثل “عالجونا” أو “خريطة التحرش” أو “شفت تحرش”، أو حتى توسيع لمجال عمل حملات مثل “شايفينكم” من الرقابة على الانتخابات إلى الرقابة على السياسات، كل هذه الأمور قد تطور أفكارا أكثر ديناميكية للرقابة الشعبية على كافة مؤسسات الدولة ورغم أنها قد تبدوا جزئية إلا أنها قد تحدث تغييرات عميقة بمرور الوقت وبتطور الأدوات.
تبقى ملاحظة ختامية وهي أن على هذه الحركات والمبادرات أن تظل تعمل وتنتزع لنفسها مساحات حركة مهما حدث تضييق على المجال العام من قبل أي نظام سياسي فإن هذه الحركات وشبابها وبناتها لديهم القدرة على الإبداع والابتكار وتقديم نقد بناء وقراءات مختلفة للنصوص والوصول لرؤى إنسانية تتجاوز الاستقطابات الأيديولوجية التقليدية نحو رؤى تتعلق بالسياسات والسياقات التي تتزايد فيها مساحة المشترك بين الجميع، وعلى هذه الحركات متابعة تطوير مشروعات قوانين بل ولوائح بديلة بحيث تستطيع مناقشة كافة القضايا التي تتصل بمجال عملها حال تعرضت لمناقشة أو حال تم استنكار وجود بديل لديها كما اعتادت في الفترة السابقة.