شيماء الشرقاوي
مصر
مقدمة:
تواجه مصر أزمة عمرانية هائلة لا يمكن اختصارها فقط في أزمة الإسكان مع وجود عدد هائل من مشروعات المدن الجديدة وتحدي العشوائيات المتزايدة منذ السبعينيات، بل تتسع هذه الأزمة لتصل إلى حق المواطنين في الاستغلال العادل لمصادر المدينة التي يعيشون فيها بل والتمتع بها، وفي ظل وجود حوادث إخلاء قسري للسكان تظهر تساؤلات عمن المتحكم في المدينة خاصة في ظل وجود حديث دائم عن مشروعات ضخمة لتطوير العشوائيات على سبيل المثال “مخطط القاهرة 2050”[1]. وعلى هذا فهذه الورقة تهدف للتعرف على مفهوم الحق في المدينة في ضوء ظهور حركات ومبادرات في مصر للمطالبة بهذا الحق والإصلاح العمراني مع الإشارة لتجربة البرازيل في التعامل مع التحديات العمرانية والحق في المدينة.
الأزمة العمرانية في مصر:
بالنسبة للدستور المصري لعام 2014، جاءت المادة (78) لتنص على أن الدولة تكفل للمواطنين الحق في السكن الملائم… بما يحقق العدالة الاجتماعية، والمادة (63) التي حظرت التهجير القسري التعسفي، ونصت المادة (45) على أن حق التمتع بالشواطئ العامة لكل مواطن مكفول.[2] ولكن لم يشر الدستور للمدينة بصفتها كما أشار الدستور في البرازيل والإكوادور على سبيل المثال.
هناك عدد من المشكلات الأساسية تواجه العمران في مصر من الممكن أن نلخصها في: عدم وجود عدالة اجتماعية في السياسات العمرانية، وهنا نجد أن المجتمعات العمرانية الجديدة والتي يتم بها إتاحة جميع المرافق والخدمات تقتصر على طبقة معينة من الشعب في الوقت نفسه نجد ملايين الشقق السكنية غير المأهولة وملايين المساكن العشوائية بلا خدمات ومرافق. فلا يحظى العمران بهيكل إدارى يتناسب ومتطلبات المواطنين الذين يسكنوه. ففي المدن والقرى القائمة توجد الإدارات المحلية المختلفة من مديريات وهيئات وشركات، ولكن تقلصت مسئولياتها العمرانية عبر العقد الماضىي حيث آلت شركات الكهرباء والمياه مثلا إلى الحكومة المركزية. أما غالبية المكونات الأساسية للعمران تذهب لخمسة وزارات قطاعية مسئولة عن توفير الخدمات، وصيانة المرافق من خلال أذرع محلية تابعة لهم مباشرة وبالإشتراك مع الإدارات المحلية. بالإضافة هناك نظام آخر موازٍ يخص المدن الجديدة، والتي تتبع مباشرة وزارة الإسكان، وبدلا من المحليات، يوجد ما يسمى بأجهزة المدن الجديدة والتي تعمل الوزارات القطاعية من خلالها لتأسيس المرافق وتقديم الخدمات ونجد أيضا أنه لا يتم إشراك المواطنين وسكان المدن في اتخاذ القرارات فيما يتعلق بالعمران.[3] عدم الاهتمام بفكرة الحق في التراث (الأماكن الأثرية والتاريخية) وهذا يترتب عليه تعديات هائلة من قبل الدولة والأفراد على المعالم الأثرية وتعرضها لتهديدات عديدة، فمثلا ما حدث في الإسكندرية من تعديات وهدم مباني أثرية بهدف عمل مشروعات استثمارية وهو ما يؤكد على عدم الاعتراف بحق ساكني المدينة فى تراثها.[4]
ردا على هذه التحديات ظهرت العديد من المبادرات والحركات التي تطالب بضرورة الإصلاح العمراني والحق في المدينة نذكر منها: شبكة حقوق الأرض والسكن، تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة، مبادرة التضامن العمراني بالقاهرة، مدونة وزارة الإسكان الظل[5]، وأيضا ظهرت حركات احتجاجا على عمليات التعدى على الآثار والتراث مثل (حركة أنقذوا الإسكندرية[6]) التي نشأت ردا على التهديدات الهائلة التي تواجه المباني الأثرية في الإسكندرية. حاولت المبادرات والحركات في مصر الاستفادة من التجارب الدولية في الإصلاح العمراني والحق في المدينة ومنها التجربة البرازيلية فقد قاموا بعمل تحالف نتج عنه وثيقة دستور العمران[7] والتي تضمنت عدد من البنود معنية بالحق في السكن الملائم، والحق في التراث، والحق في الفراغ العام، والحق في المشاركة وإدارة عمليات التخطيط العمراني والتنمية العمرانية العادلة والمستدامة. لم يتم العمل بهذه الوثيقة في الدستور وبالرغم من النص صراحة على بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فيما يتعلق بالحق في الأرض والسكن والعمران ككل، إلا أن صياغة تلك الحقوق والانتقاص من بعض معاييرها يوضح أن هناك الكثير من الجهود التي يجب على المجتمع القيام بها وبذلها في مراقبة ورصد مدى إمكانية تحقيق تلك الحقوق على الأرض. فعلينا جميعا أن نسعى نحو تعديل وتطوير هذه المواد حتى تصبح فعالة وحقيقية، سواء في صورة القوانين أو اللوائح المنظمة للعمران بشكل يضمن تعزيز وحماية تلك الحقوق.[8]
مفهوم الحق في المدينة:
“للجماهير الحق في الاستمتاع الكامل بكل أرجاء المدينة والأماكن العامة فيها على أساس مبادئ الاستدامة، والعدالة الاجتماعية، واحترام كافة الثقافات الحضرية والموازنة بين كافة الثقافات الريفية والثقافات الحضرية. ممارسة الحق في الاستمتاع بالمدينة التي تقوم على أساس الإدارة الديمقراطية للمدينة، وذلك فيما يتعلق بالوظيفة البيئية والاجتماعية للمدينة وللممتلكات وللمدينة نفسها والممارسة الكاملة للمواطنة.” المادة (31) من دستور جمهورية الأكوادور، 2008.[9]
تعود أصول هذا المفهوم إلى كتاب للفيلسوف الفرنسي هنري لوفيفر “الحق في المدينة” والذى صدر عام 1968 في أعقاب الاحتجاجات التي اجتاحت فرنسا وباقي الدول الأوروبية. يرى لوفيفر أن مفهوم الحق في المدينة يعني” مطالبة الفرد بحقه في الحياة الحضرية”[10] ويأتى دايفيد هارفي ليؤكد أن الحق في المدينة ليس فقط حق الفرد من الحياة الحضرية أو حقه من المصادر التي تتمتع بها المدينة ولكن يُعرف هارفي الحق في المدينة بأنه الحق الجمعي في اكتشاف وتغيير أنفسنا عن طريق اكتشاف وتغيير المدن التي نعيش فيها.[11]
الميثاق العالمي للحق في المدينة (2005):
مع مطلع الألفية الجديدة كان نصف سكان العالم يعيشون في المدن، ويتنبأ الخبراء أنه بحلول العام 2050 سوف تصل نسبة سكان المدن في العالم إلى 65 في المائة. وفي إمكان تلك المدن أن تقدم قدرا كبيرا من الثراء والتنوع في المجالات الاقتصادية والبيئية والسياسية والثقافية. كما أن أسلوب الحياة في المدينة يؤثر على الطريقة التي نتعامل فيها مع غيرنا من البشر ومع المساحة التي نقيم بها. بالرغم من هذا، فإن نماذج التنمية التي تم تطبيقها في أغلب الدول الفقيرة تميل إلى تركز الدخل والقوة وتوليد الفقر والاستبعاد لبعض فئات المجتمع، على نحو يؤدي إلى تدهور البيئة ويزيد من عمليات الهجرة واللجوء إلى المدن، كما يفاقم من مشاكل العزل الاجتماعي والمساحي ومن خصخصة الموارد المشتركة والمساحات العامة. كل تلك العمليات تؤدي إلى خلق مساحات عمرانية واسعة تتميز بالفقر وسوء الأحوال المعيشية، كما تزيد من مخاطر التعرض للكوارث الطبيعية.
وتعود تلك الأوضاع إلى تجاهل السياسات العامة لقدرات السكان على الإسهام الإيجابي في بناء المدينة وممارسة حقوق المواطنة، وهو الأمر الذى يفاقم من تدهور الأوضاع المعيشية في المدينة. وينتج عن تلك الأوضاع مشاكل متنوعة تشمل حالات الطرد الجماعي من السكن والعزل بين فئات السكان، مما يؤدي إلى الإضرار بفرص التعايش الاجتماعي. تؤدي تلك السياسات أيضا إلى تزايد الصراعات الحضرية وإضعاف القدرة على تحقيق تغيرات نوعية في نموذج التنمية الحالي، برغم أهمية ذلك من الناحية الاجتماعية والسياسية. هناك إذن حاجة ماسة إلى تغيير تلك الأوضاع، وهو ما دعا المنظمات والحركات الحضرية (لم يكن من ضمن هذه المنظمات أي منظمة أو حركة مصرية)، منذ انعقاد “المنتدى الاجتماعي العالمي” الأول في 2001، إلى العمل سويا وفتح باب النقاش حول تلك المسائل. وأخذت تلك المنظمات على عاتقها مهمة بناء نموذج مستدام للمجتمع والحياة الحضرية يستند إلى مبادئ التضامن والحرية والعدالة والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية، ويقوم على احترام مختلف الثقافات الحضرية وعلى تحقيق التوازن بين الحضر والريف. منذ ذلك الحين، بدأت مجموعة متماسكة من الحركات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية والاتحادات المهنية والمنتديات والشبكات القومية والدولية للمجتمعات المدنية، المؤمنة بالنضال الاجتماعي من أجل مدن أكثر عدالة وديمقراطية وأكثر إنسانية واستدامة، في العمل من أجل وضع “ميثاق دولي للحق في المدينة”. ويهدف “الميثاق” إلى تجميع الالتزامات والإجراءات التي يجب أن يقوم بها المجتمع المدني، والحكومات المحلية والقومية، وأعضاء البرلمان، والمنظمات الدولية من أجل تمكين كل البشر من الحياة بكرامة في مدنهم. ويضم هذه الميثاق 21 مادة وينقسم إلى: القسم الأول والذي يحتوي على الأحكام العامة وتعريف الحق في المدينة الذي يشمل جميع المواطنين دون تفرقة، يحتوي أيضا على المبادئ والأسس الاستراتيجية للحق في المدينة وتتضمن الممارسة الكاملة للمواطنة والإدارة الديموقراطية للمدينة، والوظيفة الاجتماعية للمدينة، والملكية الحضرية، وأيضا المساواة وعدم التمييز، الحماية الخاصة للجماعات والأفراد المعرضون للمخاطر. أما عن القسم الثاني فهو معني بالحقوق المتصلة بممارسة المواطنة والمساهمة في عمليات التخطيط والإنتاج والإدارة الخاصة بالمدينة، والحق في المعلومات المتعلقة بالشأن العام والحق في التجمع والتعبير العلني والاستخدام الديمقراطي للمساحة العامة، والحق في الأمان العام، وفي التعايش السلمي والمتعدد الثقافات. واحتوى القسم الثالث على الحق في التنمية الاقتصادية والثقافية والبيئية للمدنة، والحق في المواصلات العامة والحركة داخل المدينة، الحق في السكن الملائم، والحق في بيئة صحية ومستدامة، وتضمن القسم الرابع الأحكام النهائية ومنها مسئولية الدولة تجاه تشجيع وحماية وتنفيذ واجراءات تطبيق والرقابة على الحق في المدينة.[12]
حالة البرازيل:
تكونت “الحركة القومية للإصلاح العمراني” في البرازيل عام 1985 بهدف المشاركة في عملية كتابة الدستور وتغيير اتجاه الرأي العام والتأثير على “الجمعية التأسيسية” التي كانت تقوم بإعداد دستور جديد. واستندت تلك الحركة إلى جهود المنظمات التي تدعو للديمقراطية وتدافع عن مصالح الفقراء وإلى دعم اتحادات العمال والمنظمات المدنية واتحادات السكان. وكان الهدف الأسمى لتلك الحركة هو ترسيخ الديمقراطية من خلال تعميق مشاركة السكان في الحكومة والنمو العمراني وتحقيق التواصل بين السكان ومسؤولي إدارة المدن من أجل الخروج ببرنامج للإصلاح العمراني. حاولت الحركة أن تغير أسس التنمية العمرانية في البرازيل من أجل إقامة مفهوم اجتماعي جديد يجعل من العدالة الاجتماعية محورا لعملية التخطيط العمراني وصنع القرارات.
لم يكن إصلاح إدارة المدن، في نظر الحركة، مجرد أسلوب لتغيير نسيج المدينة، وإنما كان أيضا وسيلة لتحقيق أهداف العدالة الاجتماعية والمساواة. عندما انتهى الحكم العسكري عام 1985، تولت “الجمعية التأسيسية القومية” عملية كتابة دستور جديد، وهي مهمة بدأت في 1986 وانتهت بالتصديق على الدستور في 1988. من بين تلك التعديلات اقتراح قدمته “الحركة القومية للإصلاح العمراني”. كانت “الحركة القومية للإصلاح العمراني”، في المراحل الأولى من نشاطها، تركز على مجموعة محدودة من القضايا العمرانية تتصل أساسا بقضية الإسكان. ثم نضجت الحركة على نحو مكنها من الخروج بأفكار جديدة بشأن حقوق المواطنين في المدينة، والحق في الحياة الاجتماعية ومفهوم “المسكن خارج نطاق المسكن الخاص”، والدور الاجتماعي للخدمات العامة والنقل والبنية التحتية. ورفضت الحركة فكرة أن المدينة هي مجرد مكان تسيطر عليه المصالح الخاصة للنخبة السياسية الرأسمالية ويتم تقسيمه على أساس الطبقة والثروة، كما قامت بتحدي الحقوق المكتسبة لأصحاب الملكيات الخاصة.
ونظرا لتزايد المساحات غير المستخدمة في المدينة نتيجة للمضاربات المستمرة على الأراضي، والتي رافقها نقص في المساكن الرخيصة وتدهور بيئي واضح، طالبت الحركة بالإعتراف بالدور الاجتماعى للملكية وطرحت تساؤلات حول المدى الذى يمكن من خلاله للملاك أن يتمتعوا بملكيتهم بغض النظر عن الآثار السلبية لقراراتهم. قام أعضاء “الحركة القومية” بإعداد مقترحات لتعديل دستوري. وبعد مناقشة تلك المقترحات في “الاتحاد القومي لأراضي المدن” و”اتحاد المديونين ” و”حركة الدفاع عن ساكني فافيلا” وأكثر من أربعين جمعية محلية واقليمية، تم تقديم التعديل المقترح إلى “الجمعية التأسيسية” في 1987 من قبل “اتحاد المهندسين القومي” و”اتحاد المعماريين القومي” و”معهد المعماريين البرازيليين” وعليه أكثر من 130 ألف توقيع. وتضمن التعديل المقترح 23 مادة تدعم المبادئ الستة التالية: استقلال إدارة البلديات، والإدارة الديمقراطية للمدن، والحق الاجتماعي في السكن، والحق في تقنين الأحياء غير الرسمية، والدور الاجتماعي للملكية في المدن، ومكافحة المضاربة على العقارات في المدن. وقد تبنت “الجمعية التأسيسية” بعد مناقشات مستفيضة بعض أجزاء التعديل في الفصل الخاص بالسياسة العمرانية. ومع أن أجزاء أخرى من الدستور تؤكد على استقلال الإدارات البلدية، فإن الفصل الخاص بالسياسة العمرانية لا يضم سوى مادتين. المادة 183 تخص حقوق وضع اليد على الملكيات أقل من 250 متر مربع طالما قام المواطنون باحتلال الأراضي واستخدامها بشكل مستمر لمدة خمس سنوات لأغراض السكن، بشرط عدم امتلاكهم لأى أراض اخرى. والمادة 182 تعترف بالدور الاجتماعي للملكية وتمنح السلطات البلدية الحق في فرض عقوبات على الملاك الذين لا يقومون باستغلال عقاراتهم، بل يحتفظون بها لأغراض المضاربة. كما تربط تلك المادة بين الوظيفة الاجتماعية للملكية وبين المخططات العامة للمدينة. وفرض الدستور على البلديات التي تضم أكثر من 20 ألف نسمة أن تضع خطة رئيسية لمنطقتها. ولأن المخططات العامة تقدم الشكل المتصور للمنطقة في المستقبل، فإن وجود مثل تلك المخططات يسهل قيام البلديات بالدفاع عن الدور الاجتماعي للملكية في المناطق العمرانية.
بعد التصديق على الدستور البرازيلى الجديد في 1988، تشكل “المنتدى القومي للإصلاح العمراني” مستهدفا الضغط على الحكومة لكى تتخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ النصوص الدستورية المتعلقة بالسياسة العمرانية. وضم “المنتدى” في صفوفه عدة شبكات وحركات في البرازيل تهتم بعدد كبير من الموضوعات ابتداءً من المياه والصرف الصحي ومرورا بالمشاركة الشعبية في الحكومة المحلية.
ويمارس “المنتدى” نشاطه في السياق الأوسع لعمل المنظمات الحقوقية في الدعوة للحق في العمل والصحة العامة والانتقال وإتاحة الخدمات العامة، وذلك من أجل توسيع نطاق الدعوة وزيادة تأثيرها. وقام أعضاء “المنتدى” باستخدام المحافل الدولية من أجل حث الحكومة على اقرار حقوق معينة والامتثال بالمعايير الدولية. على سبيل المثال، شارك ممثلو “المنتدى” في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في عام 1992 وفي مؤتمر “هابيتات 2” الذى عقد في إسطنبول والذى أقرت الحكومة البرازيلية خلاله الحق في السكن. وكان من جراء تلك الجهود قيام “الجمعية التأسيسية” البرازيلية بتعديل الدستور على نحو يقر الحق الاجتماعى في السكن في 2000. كما تم إقرار “قانون المدينة” في 2001، عملا بالنصوص الدستورية الخاصة بالإصلاح العمراني. وقامت الحكومة بإنشاء “وزارة المدن”، المتخصصة في أمور التخطيط والإصلاح العمراني على المستوى القومي. كما قامت الحكومة بتنظيم “مؤتمر المدن القومية” وأنشأت “مجلس المدن” الذى ينشط في رسم سياسة التنمية العمرانية القومية في البرازيل.
ويعد قانون المدينة أكبر إنجاز حققه “المنتدى” والحركة الاجتماعية المصاحبة له بصدد تحقيق الإصلاح العمراني، حيث يوضح القانون سبل تحقيق الأهداف المتضمنة في المادتين 182 و183 من الدستور الفيدرالي لعام 1988، والتي تتضمن عدة مبادئ أهمها: الحكومة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في المدن والاستدامة البيئية. وبفضل ذلك القانون أصبح في وسع الحكومة على مختلف مستوياتها والمجتمع المدني القيام بضبط إيقاع “عمليات استخدام المساحات العمرانية والإقامة بها والتقسيم وبيع الأراضي”. ويتعامل القانون مع نطاق واسع من القضايا العمرانية. كما يقوم بتحديد الشروط الخاصة بعمليات “التخطيط العمراني والخطط وادارة المدن والإجراءات الحكومية والمالية والقانونية (بالذات التي تتعامل مع ملكية الأراضي والعقارات). كما يقوم بتنظيم الملكية في المناطق غير الرسمية وتشجيع المشاركة الشعبية في وضع الخطط والميزانيات والقوانين المكملة وإدارة المدن (بالإضافة إلى الشراكات بين القطاع الخاص والعام) وغيرها.
هناك الكثير من الجهد الجماهيرى في البرازيل والذى يستهدف جعل السلطات البلدية مسؤولة عن وضع مخطط عام من خلال عملية تشاركية وشفافة امتثالا للقانون. واستلهاما لتجربة المشاركة في وضع الميزانية والتي تمت في أوائل التسعينيات في “بورتو أليجري” وغيرها من المدن في البرازيل، فإن وضع ميزانية رئيسية تشاركية هو أسلوب يؤدي إلى تعميق الديمقراطية وإعطاء المواطنين الفرصة للتأثير على عملية صنع القرارات في مدينتهم.
في 2003، قامت الحكومة البرازيلية بإنشاء وزارة المدن، وهى الهيئة التي تقوم بتنسيق عمليات التنمية العمرانية على المستوى القومي، بما في ذلك التنمية العمرانية والإسكان والمرافق الصحية وخدمات النقل العام. وأحد الأسباب الرئيسية لإنشاء تلك الوزارة كان التوصل إلى بيئة سياسية وقانونية يمكن فيها للشعب والولايات والبلديات أن تتعاون مع المجتمع بأسره من أجل تفعيل المبادئ الواردة في قانون المدينة. وتهدف الوزارة إلى: تنفيذ قانون المدينة لسنة 2001، وتنسيق صياغة السياسات القومية بشأن التنمية العمرانية، وتدريب البلديات على التقنيات اللازمة لصياغة المخططات العامة التي ألزمها الدستور بإعدادها، وتقديم التدريب والدعم الفني للبلديات في الأمور المتعلقة بعدالة تقديم الخدمات، ووضع أولويات لاحتياجات المدن والولايات ولتخصيص الموارد القومية، والتنسيق وحل الصراعات بين المدن والولايات.[13]
خاتمة:
تعرضت هذه الورقة لمفهوم الحق في المدينة والإصلاح العمراني في مصر والذي يبدو للوهلة الأولى أنها قضايا نظرية ولكن بالنظر إلى المعنى الحقيقي للحق في المدينة والإصلاح العمراني نجد أنهما مرتبطان بشكل كبير بعدد من المشاكل التى تواجهها مدن مصر.
أولا: المحليات
“فساد المحليات وصل للركب” مقولة أدلى بها زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية المخلوع حسني مبارك في مجلس الشعب واصفا حالة قطاع المحليات في مصر. تُعد المجالس المحلية بؤرة من بؤر الفساد في مصر وهذا بسبب انعدام الشفافية في انتخابات المجالس المحلية، فوجود الفساد في المحليات لا يقارن بحجم الفساد على المستوى المركزي، نظرا لضعف دور المجالس الشعبية المحلية في مساءلة القيادات التنفيذية، كما أن المواطن ليس له دور حقيقي في اختيار أعضاء هذه المجالس بسبب طبيعة النظام الانتخابي الذي لا يشجع المواطن على المشاركة فيه. وتتسم المجالس المحلية بضعف دورها نظرا لعدم امتلاكها الأدوات الفعالة في محاسبة القيادات التنفيذية، وعدم قدرة المواطن علي محاسبة القيادات التنفيذية، أو تقديم طلب إحاطة أو استجواب لإقالة المحافظ أو رئيس الوحدة المحلية[14]. وبالتالى تفتقد المدن للإدارة الديمقراطية التشاركية وآليات المراقبة الشعبية، ويترتب على هذا حالات من فساد البناء، وانتشار الرشاوى والتعديات على الأراضي وفي حالات (كالقاهرة الإسلامية) حيث حدث تعديات على بعض الأبنية الأثرية.
ثانيا: ترييف المدينة
عملية تحدث بسبب زيادة عدد المهاجرين الجدد من الريف إلى المدن، وتأخذ أجزاء من المدينة -خاصة أطرافها- طابعا ريفيا شكلا ومضمونا. ويظهر السلوك الريفي في الجوانب الاجتماعية والثقافية وسلوكيات المجتمع مُظهرا نمطا ريفيا في المدينة، الأمر الذي يصبغ المجتمع بالنمط الريفي.[15] تواجه مدن مصر هذه المشكلة بصورة كبيرة وتحديدا القاهرة، ولا تؤثر هذه الظاهرة فقط على شكل المدينة أو نمطها ولكن لها تأثيرات واضحة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث أنها تزيد نسبة البطالة داخل المدينة، وتؤدي لعدم وجود مساواة في الدخول أو في مخصصات العمران (السكن- المرافق-النقل العام وغيرها).
ثالثا: العشوائيات
هي الإسكان غير الرسمي الذى لم يتم تخطيطه عمرانيا، وهي من أكبر المشاكل التى تواجهها مصر. انتشرت الظاهرة مع تعمق أزمة الإسكان ومع تزايد معدلات الهجرة من الريف إلى المدينة، وتشترك المناطق العشوائية فى معاناتها من مشكلات أساسية كالافتقار إلى المرافق والخدمات الأساسية وتدني مستوى المعيشة، وانتشار الفقر والأمية، وتعد القاهرة من أكثر المحافظات التى تنتشر بها العشوائيات إذ يوجد بها 18 منطقة عشوائية يقطنها حوالى 8 ملايين فرد (هذه التقديرات تقريبية لصعوبة الحصر)، ويتعرض الأفراد في هذه المناطق لمخاطر متعددة ولا يتوافر لهم أساسيات المسكن الملائم وفي الكثير من الأحيان تُعد هذه المناطق غير آمنة بيئيا (الدويقة مثالا).[16]
رابعا: أزمة أسوان وفكرة التكامل
طرحت الأزمة الأخيرة في أسوان عدة تساؤلات حول فكرة التكامل والتعايش بين الثقافات المتعددة، فالحق في المدينة يشمل ضرورة التعايش بين الثقافات المتعددة على أسس المواطنة وعدم التمييز، وما حدث في أسوان من صراع عنيف بين الدابودية والهلايلة[17]، والذى تزامن معه خطاب عنصري من قبل النوبيين والهلايلة يؤكد على وجود أزمة تكامل اجتماعي حقيقية مع غياب وجود الدولة التي من شأنها أن تفرض أسسا للمواطنة وعدم التمييز.[18]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) مخطط القاهرة 2050: http://www.almasryalyoum.com/news/details/76155
[2] ) دستور مصر 2014: http://dostour.eg/2013/topic/basic-components/#economic HYPERLINK “http://dostour.eg/2013/topic/basic-components/%23economic”
) يحيى شوكت، العدالة الاجتماعية والعمران.. خريطة مصر، منشور برخصة المشاع الإبداعي: النِّسبة-غير التجاري-بذات الرُّخصة 3، موقع وزارة الإسكان الظل:
[3] http://blog.shadowministryofhousing.org/p/blog-page_2887.html
[4] ) المبانى التراثية.. قنبلة موقوتة تنفجر فى الإسكندرية: http://is.gd/BZ09I0
[5] ) تعاون بين منظمات المجتمع المدني حول قضايا العمران والحق في المسكن الملائم في مصر: http://www.tadamun.info/?post_type=voice&p=4157 HYPERLINK “http://www.tadamun.info/?post_type=voice&p=4157”
) “انقذوا الاسكندرية”: https://www.facebook.com/savealexeg HYPERLINK “https://www.facebook.com/savealexeg”
) وثيقة دستور العمران: http://www.tadamun.info/2013/11/01/urban-constitution/#.U2DYyVdltfQ
[8]) بيان المجموعات الداعمة لوثيقة دستور العمران: http://urbanconstitution.wordpress.com/2014/01/13/uc-pressrelease/
[9] ) Constitution of Ecuador: http://pdba.georgetown.edu/Constitutions/Ecuador/english08.html
[10] ) Henri Lefebvre, Writings on Cities, Willey Black-Well, 1995, p. 158.
[11] ) David Harvey, “The Right to the city”: http://www.actionaid.org.br/Portals/0/Docs/righttothecity.pdf
[12]) World Charter on Right to the city: http://www.urbanreinventors.net/3/wsf.pdf
[13] ) اخراج المدن من دائرة السلطوية: إصلاح الإدارة العمرانية في البرازيل في إطار التحول الديمقراطي: http://is.gd/37cTgP HYPERLINK “http://is.gd/37cTgP”
) فساد المحليات في ميزان اللامركزية: http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=442809&eid=1476
[15] ) ترييف المدينة: http://is.gd/eXq5iC
[16] ) تطور ظاهرة العشوائيات فى مصر: http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=743032&eid=2819
[17] ) أزمة أسوان: http://is.gd/owe4EI
[18] ) نوران أحمد وعمر سمير، فتنة أسوان وأزمة التكامل القومي، منتدى البدائل العربي، مايو 2014.