الموقف الأمريكي من الموجة الثورية في 30 يونيه
منتدى البدائل العربي للدراسات

مصر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [133.83 KB]

مثلت الموجة الثالثة من الثورة، بدءا من 30 يونيه 2013، مفاجأة استراتيجية للإدارة الأمريكية، سواء من زاوية حجم الحراك الشعبي ونطاقه الواسع في كل أنحاء مصر، أو من زاوية قدرته على تحقيق أول أهدافه (إسقاط محمد مرسي) بعد ثلاثة أيام فقط. والحاصل أن الحساب الأمريكي تجاه الثورة المصرية منذ ما قبل وصول د. محمد مرسي للسلطة في يونيه 2012، لم يتغير، وقد قام على المعطيات التالية:

  1. أن الإخوان ربحوا كل الاستحقاقات الانتخابية (منذ استفتاء مارس 2011)، وهم قادرون على ربح أي استحقاقات قادمة، فهم اللاعب الوحيد على الساحة (بالتعبير الأمريكي الدارج The only game in town).
  2. أن المعارضة المصرية -سواء الأحزاب التي انضوت لاحقا تحت اسم جبهة الإنقاذ، أو الائتلافات والحركات الثورية- لم ولن تمثل تهديدا حقيقيا في الأمد المنظور لحكم الإخوان الذي وجد ليبقى لسنوات وربما عقود قادمة.
  3. وبما أن الإخوان وجدوا ليستمروا في الحكم، فأمام الولايات المتحدة خياران: إما أن تعاديهم فتنتج “إيران جديدة” في المنطقة، وإما أن توثق العلاقة معهم، على أساس المعادلة التالية: التوافق بحسم على قضايا السياسة الخارجية وأولويات المصالح الأمريكية في المنطقة (تأمين قناة السويس، استمرار معاهدة السلام مع إسرائيل، التهدئة في غزة… الخ)، مقابل غض الطرف عن أي ممارسات غير ديمقراطية في الداخل (وهو ما تفعله الإدارة الأمريكية مع حلفاء لها في المنطقة كالسعودية أو باكستان مثلا[1]).

ارتبك هذا الحساب بدءا من أزمة الدستور، غير أن نجاح الإخوان في تمرير الدستور بدون خسائر عزز منطق الإدارة الذي طبقته بحذافيره السفيرة/ أن باترسون. ومن الخطأ هنا أن تتحمل هي شخصيا تبعات هذا الموقف الذي عكس سياسة للإدارة الأمريكية وليس رأيا شخصيا لها. مع مرور الوقت واحتدام الأزمات بدأت الإدارة تستشعر عزلة سفيرتها في القاهرة (حيث قاطعها قطاع كبير من المعارضة)، ومن ثم بدأ التفكير في تغيير السفيرة[2] لتوسيع دائرة اتصالاتهم في القاهرة، دون أن يعني ذلك إعادة نظر في منطقهم للتعامل مع نظام الإخوان. لكن ما حدث في 30 يونيه فاجأهم تماما، لأنه ببساطة أسقط أركان معادلة التعامل الأمريكي مع مصر على مدار العام الماضي، والموضحة في البند السابق.

تحت وقع المفاجأة الكاملة، لم يكن لدى الإدارة خطة تحرك متماسكة، لذا اكتفت في الأيام الأولى (يومي 30 يونيه وأول يوليو) بتحركات عاجلة للسفيرة لمحاولة التفاهم مع الإخوان بتقديم التنازلات الضرورية لبقائهم في الحكم (وهو ما يبدو أن السيد/ خيرت الشاطر وجناح الصقور في الجماعة رفضه رفضا باتا)، بالتوازي مع تصريحات عامة تصدر عن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تحتمل التأويل لصالح الفريقين (مثال: تصريحات حول “أخطاء” إدارة محمد مرسي، مع الاستمرار في اعتباره رئيسا شرعيا، ودعوته “للتجاوب مع مطالب المتظاهرين، وهو نفس جوهر تحرك السفيرة باترسون في لقاءاتها مع الشاطر على وقع الحراك الجماهيري الكبير) انتظارا لما سيسفر عنه الصراع. وهذا في الواقع كان استنساخا لاستراتيجية نفس الإدارة مع نظام حسني مبارك في يناير وفبراير 2011.

تبلور الموقف الأمريكي من سقوط نظام الإخوان ووضعه الحالي

مثل تطور الوضع في مصر يوم 3 يوليو معضلة للإدارة الأمريكية من ثلاث زوايا:

  1. هناك من ناحية حراك شعبي جارف ولا يمكن التشكيك فيه وهذا يستوجب التعامل الإيجابي معه.
  2. إلا أن هناك من ناحية أخرى، تدخل عسكري تم بالفعل، تضامنا مع الحراك الجماهيري، ولكنه من الناحية الشكلية والقانونية على الأقل، أسقط رئيسا منتخبا (بعكس التدخل العسكري وقت مبارك، الرئيس غير المنتخب)، وهذا يستدعي الإدانة من وجهة النظر الأمريكية.
  3. أخيرا وقبل كل شيء، أدركت الإدارة أن المصالح الأمريكية في مصر (سواء المصالح الاستراتيجية التي أشرنا إليها في البند 3 أعلاه، أو المصالح الاقتصادية كالاستثمارات الأمريكية في مصر مثلا) ليست مهددة ولا يوجد سبب لتوقع أن يصل لمصر نظام يعادي الولايات المتحدة ويهدد مصالحها. وأدى هذا الإدراك إلى حسم القرار في النهاية بتقبل الوضع الجديد.

بناء على ذلك، جاءت الإشارات الإيجابية من كل أركان الإدارة الأمريكية، وذلك على النحو التالي:

  • رئاسة الجمهورية: تصريح الرئيس الأمريكي يوم 4 يوليو، ومضمونه أنه “قلق من التطورات في مصر، ويدرس مسألة تأثيرها على المعونة، مع المطالبة بسرعة نقل السلطة إلى جهة مدنية منتخبة”. يبدو التصريح في الظاهر أنه سلبي، ولكن أهم ما في التصريح هو في حقيقة الأمر كلمة لم ترد فيه!! وهي كلمة “انقلاب”. لو ذكر الرئيس الأمريكي كلمة انقلاب، لأصبحت الإدارة والكونجرس ملزمين بموجب قانون صدر عام 1961، بقطع كل أشكال المعونات لمصر على الفور وبشكل أوتوماتيكي. إذن القرار الأمريكي، راعى من حيث الشكل عدم تأييد تطور يحمل شبهة الانقلاب العسكري، ولكنه من حيث المضمون أبدى اعترافا ضمنيا بأن الوضع قد تغير، وبدأ يتفاعل إيجابا مع الوضع الجديد (بالمطالبة بإجراءات لنقل السلطة لجهة منتخبة، وليس بإعادة د. محمد مرسي للحكم).
  • رئاسة أركان الجيش الأمريكي: وهي الطرف الأكثر فهما للوضع في مصر، بحكم حجم المصالح وعلاقات المعونة العسكرية… الخ. صرح رئيس أركان الجيش الأمريكي مارتن دمبسي يوم 5 يوليو بأنه “من الخطأ اعتبار ما جرى في مصر انقلابا”. أي أنه بينما قال أوباما أنه سيدرس ما حدث (إن كان انقلاب أم لا) وتأثيره على المعونة، حسم العسكريون الأمريكيون رأيهم بأنه ما حدث ليس انقلابا، وبالتالي لا يجب أن يؤثر سلبا على المعونة.
  • الكونجرس: صدر يوم 5 يوليو بيانان في منتهى الأهمية، الأول من لجنة الاعتمادات بمجلس النواب (المعنية مباشرة بمسألة المعونة)، والثاني من لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب (المعنية بقضايا السياسة الخارجية). مضمون التصريحين يعتبر أن ما حدث في مصر هو تطور إيجابي، يصحح أخطاء حكم الإخوان ويطالب (في حالة بيان لجنة الاعتمادات) الحكومة الجديدة بإيلاء الاهتمام لمطالب عموم الناس، التي تجاهلتها حكومة د. محمد مرسي (حسب نص البيان). قيمة هذه التصريحات تتمثل فيما يلي:

(1) أن التصريحين صدرا في صورة بيان يعكس وجهة نظر الحزبين الجمهوري والديمقراطي معا، ولم يعكسا موقفا لحزب واحد فقط.

(2) أن مجلس النواب يسيطر عليه الحزب الجمهوري، وبالتالي فإن موقفه هو الأخطر، لأن مجلس الشيوخ لن يخرج موقفه عن موقف الإدارة الديمقراطية التي تملك الأكثرية فيه (وهي كما قلنا لا تريد إشكالا مع مصر).

الخلاصة

الموقف الأمريكي الفعلي (موقف الإدارة والكونجرس والجيش، مراكز الأعصاب في النظام السياسي الأمريكي)، وبصرف النظر عما ينشر من آراء فردية لصحفيين وباحثين يقدم كل منهم رؤيته الشخصية لما يحدث، يقوم على ما يلي:

  • 1- الاعتراف -ضمنيا أو صراحة- بأن د. محمد مرسي صار جزءا من الماضي ليس ممكنا ولا مطلوبا استعادته.
  • 2- أن معيار الحكم والتفاعل مع الثورة، ومن ثم مصير المعونات العسكرية والاقتصادية، سيكون مرهونا ليس بمطلب مثل مطلب عودة محمد مرسي (الذي انتهى في رأي الإدارة الأمريكية كما قلنا)، وإنما بمطالب من قبيل:
  • سرعة تسليم السلطة لمدنيين (كلما قصرت الفترة الانتقالية، وعقدت انتخابات مبكرة أسرع كلما كان ذلك أفضل، وانعكس إيجابا على العلاقات بين البلدين).
  • إبراز الطابع المدني للحكم في مصر، والتأكيد على أن الجيش لا يحكم.
  • عدم وجود ملاحقات كيدية للإخوان والإسلاميين بشكل عام، والسماح لهم بأن يكونوا جزءا من النظام المستقبلي في مصر.
  • ألا تتخذ الإدارة الانتقالية في مصر إجراءات معادية للمصالح الأمريكية في مصر والمنطقة.

حجم التأثير الأمريكي في المعادلة المصرية وإمكانات التحرك المصري في اللحظة الحالية

لا تملك الولايات المتحدة قدرة استثنائية على فرض رؤيتها على مجريات الأحداث في مصر، أو حتى التنبؤ بها بشكل حاسم قبل وقوعها. هذه مسألة تظهرها بحسم تجربة الثورة في موجاتها المتتابعة.

لا يعني ذلك أن الولايات المتحدة بلا تأثير في مصر بطبيعة الحال، ولكن تأثيرها “مرجح وليس صانعا” لأي وضع في مصر. يعني ذلك ببساطة أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تصنع وضعا معينا في مصر، أو تمنع تطورا تاريخيا كبيرا (كالثورة بموجاتها المتتالية وآخرها حتى الآن في 30 يونيه الماضي)، ولكنها تمتلك تأثيرا حاسما على مجريات الأمور في حالة محددة، وهي وجود انقسام بين كفتين متكافئتين تقريبا بشكل يتيح للولايات المتحدة أن تلعب دور الحكم والمرجح بينهما.

بما أن توازن القوى في مصر محسوم شعبيا وسياسيا لصالح الثورة، فإن الولايات المتحدة ستتجه نحو التعامل الإيجابي مع الوضع في مصر، تحت سقف المصالح والمعايير المحددة أعلاه. بناء على كل ما سبق، فإن المطلوب مصريا الآن، لضمان موقف إيجابي من الإدارة الأمريكية تجاه التطورات الجارية في الوطن، وتجنب أي اشتباك غير مبرر معها، هو ما يلي:

  • طرح خريطة طريق ذات وجه مدني، وتتضمن انتخابات رئاسية و/أو برلمانية في أسرع وقت ممكن. إطالة عمر المرحلة الانتقالية ستفتح باب اشتباك مع الولايات المتحدة، ومدخلا للتأثير الأمريكي على ما يحدث في مصر.
  • فك الإجراءات الاحتياطية التي اتخذت تجاه قنوات الإسلاميين، وحسم مصير المعتقلين من قادتهم في أسرع وقت ممكن.
  • التأكيد على الوجه المدني للإدارة الانتقالية في مصر، وعلى قصر الفترة الانتقالية، وعلى أن الانتخابات المبكرة التي ستجرى في أسرع وقت ممكن ستكون مفتوحة أمام الجميع.

وفي الاتصالات الثنائية مع الجانب الأمريكي، يجب التركيز مع الإدارة الأمريكية على أن الثوار ليس لديهم معركة مع المصالح الأمريكية في مصر أو المنطقة (وهو أمر صحيح، على الأقل على المديين القصير والمتوسط)، وأن ما يحدث ليس اشتباكا مع قيم الديمقراطية، وإنما تثبيتا لها ومنعا لإساءة استخدام الصندوق لبناء استبداد بوجه انتخابي.

[1] ملحوظة: السفيرة الأمريكية الحالية في مصر نقلت للقاهرة من باكستان، وهي لديها تجربة مباشرة في باكستان (حيث اختبرت المعادلة التي نقلت من باكستان لتمثل أساس التعامل مع إدارة محمد مرسي)، وكانت تراقب أيضا إيران من واحدة من أهم نقاط التماس الأمريكي معها. ومن هنا كانت مهيأة بتجربتها تماما لتبني المعادلة الموصوفة أعلاه.

[2] يتوقع أن يتم ذلك قبل نهاية الصيف حسب المعلومات المتوافرة، وأبرز المرشحين ليحل محلها هو السفير الأمريكي الحالي في عمان ستيوارت جونز، والذي كان نائبا للسفير الأمريكي في القاهرة بين عامي 2005 و2008.

Start typing and press Enter to search