رانيا زاده
مصر
شهدت الانتخابات البرلمانية السابقة ظاهرة اشتركت فيها الأحزاب الإسلامية والمدنية على حد سواء وهي ظاهرة دعم بعض الشخصيات العامة من التيارين الديني والمدني لتحالفات حزبية، ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة رعاة الأحزاب.
تتناول هذه الورقة تجربة الدكتور محمد غنيم وتحالف الثورة مستمرة والداعية الشيخ محمد حسان وتجربة حزب النور في محاولة لتقييم التجربة الانتخابية السابقة والوقوف على أهم الأسباب التي دفعت حزب مدني للاعتماد على هذه الوسيلة ومحاولة الخروج بمجموعة من التوصيات للانتخابات المقبلة وللنظام الانتخابي الأمثل.
محمد غنيم والثورة مستمرة:
يعد تحالف الثورة مستمرة تحالفا لأحزاب ومنظمات سياسية وتنظيمات نقابية مصرية، أسس التحالف ليكون جبهة سياسية مدنية تخوض الانتخابات البرلمانية من خلال قائمة موحدة وشعار موحد (رمز الهرم) لتكون معبرة عن روح الثورة، وضم التحالف أحزاب التحالف الشعبي الاشتراكي، الحزب الاشتراكي المصري، حزب التيار المصري، ائتلاف شباب الثورة، حزب التحالف المصري، حزب مصر الحرية، وحزب المساوة والتنمية. فاز تحالف “الثورة مستمرة” بثمانية مقاعد في انتخابات مجلس الشعب المصري، وجاء نجاح التحالف (الثورة مستمرة) فى الحصول على ثلاثة مقاعد في محافظة الدقهلية نتيجة لمجموعة من العوامل أهمها شخص الدكتور غنيم.
اتفق التحالف على الاعتماد على شخص الدكتور غنيم للدعاية للتحالف، فالدكتور غنيم مفكر سياسي بارع ومنسق الجمعية الوطنية للتغيير بالدقهلية، وله آراء قوية فى قضايا التعليم والبحث العلمي، بالإضافة لكونه جراحا ماهرا، فهو واحد من أبرز جراحي العالم في مجال الكلى والمسالك البولية. أسس مركزا للكلى والمسالك البولية بالمنصورة بمنحة هولندية وبالاستعانة بتبرعات الأهالي فى مصر رافضا أن تكون له عيادة خاصة. وقد حظي المركز بمكانة وشهرة عالمية فى هذا المجال، وحصل على عدة جوائز عالمية منها جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الطبية فى العام 1977، وجائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة مبارك فى مجال الطب عام 2001. قضى غنيم حياته في الأقاليم، فبعد تخرجه جاء تكليفه في المنصورة، ومنذ هذا الوقت لم يغادرها، كما أن شخصية الدكتور محمد غنيم معروفة بانحيازها للفقراء. بدأ مركز المنصورة في العمل عام 1982 وكان قائما على العلاج المجاني الذى يعد أهم العناصر، ونجح المركز فى تقديم العلاج لمليون و 800 مريضا تم علاجهم في العيادات الخارجية، وتم إجراء حوالي 2400 عملية زرع كلى. وقد بدأ تمويل المركز بتبرع أهالي المنصورة بجزء من المحاصيل والأراضي.
لجأ الدكتور غنيم إلى الوسائل التقليدية للوصول لجمهور الناخبين ذلك عن طريق التواصل المباشر معهم من خلال حضوره جميع المؤتمرات الأساسية السياسية لتحالف الثورة مستمرة، فلكل دائرة ثلاثة مؤتمرات، ومن أمثلة المؤتمرات التي حضرها غنيم:
- مؤتمر حاشد لقائمة الثورة مستمرة بالنزل والذي تجاوز عدد الحاضرين فيه عشرة آلاف مواطن.
- مؤتمر بمركز شباب ديسط.
- كذلك مؤتمر في مدينة بني عبيد لدعم الأستاذ خالد الجميلي مرشح قائمة الثورة مستمرة رقم 1 عمال.
- مؤتمر بمدينة دكرنس يوم 16/12/2011، لم يحضر غنيم فقط هذه المؤتمرات كضيف ولكن كمتحدث رئيسي، يقوم بشرح برنامج التحالف.
كما تم وضع صور الدكتور غنيم على جميع لافتات الدعاية الانتخابية للتحالف.
اعتمد غنيم على مجموعة من العناصر:
اختيار الخطاب المناسب: الخطاب الموجه للمكان: تقديم برنامج سياسي واضح المعالم مع استخدام لغة سهلة وطرح قضايا تهم المنطقة، مثل المشكلة الصحية في الدقهلية، حيث ربط مشكلة الصحة بمشكلة الفشل الكلوي (تسجل الدقهلية النسبة الأعلى في المصابين بمرض الفشل الكلوي)، وفيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية فقد اقترح آليات محددة مثل تقييد تحويلات مدخرات المصريين للخارج. كذلك اهتم بطرح قضايا تهم المنطقة دون الاكتفاء بإطلاق الشعارات حيث أنه على دراية حقيقية بمشاكل المكان. كما قام بالتصدي لمشكلة مفهوم الثورة مستمرة: حاول شرح طريقة العمل وان الثورة لا تعني فقط التواجد في الشارع والمظاهرات ولكن عليها أيضا الانتقال للوسائل الديمقراطية للتعبير عن المطالب.
طريقة العمل:
جاء اختيار الدكتور محمد غنيم لرؤوس القوائم في الدقهلية بعد وضع مجموعة من المعايير مثل نزاهة الشخص، وبحيث يكون شخصية عامة معروفة في الدقهلية، وله باع في النضال السياسي مثل د. مصطفي الجندي ومحب مكاوي (مؤسس لجنة الحريات في نقابة المحامين، والذي تبني الدفاع عن قضايا الفلاحين)، محمد شبانة مؤسس أسر حقوق الإنسان في جامعة المنصورة وقائد الحركة الطلابية الاحتجاجية ضد العدوان الأمريكي على العراق في1991.
أنشأ الدكتور محمد غنيم غرفة عمليات خاصة لدعم قائمة الثورة مستمرة والتي تضم مجموعة من شباب الثورة على رأسهم المحامي الحقوقي محمد شبانه.
استضافة شخصيات لها ثقل مثل جورج إسحاق، د. محمد أبو الغار، زياد العليمي، عبد الحليم قنديل، عبد الحكيم جمال عبد الناصر للتذكير بفترة الخمسينيات والستينيات خاصه في المناطق الريفية التي شهدت الإصلاح الزراعي.
لجأ التحالف أيضا لمجوعة من الوسائل التقليدية:
- الاعتماد على الجهد البشري عن طريق الالتقاء مع الناس في الشوارع، طرق الأبواب، إقامة مخيمات في الشارع لتعريف الناخبين بهم ودعوتهم للاقتراع، تعريف الناخب بكيفية الانتخاب، المرور عبر القرى والمراكز للدعاية الانتخابية، عقد مؤتمرات، تعليق اللافتات، استغلال المقاهي الشعبية فى الدعاية واللقاء بالمواطنين، عقد مؤتمرات انتخابية غير مكلفة.
- إنشاء صندوق بالدقهلية (لم يتلق أموالا من المراكز)، حيث كان قائما على تبرعات الاهالي.
- عرض أفلام دعائية قصيرة على جهاز عرض ضوئي video projector.
الشيخ حسان وحزب النور:
حلّ التحالف السلفي -الذي تزعمه حزب النور وضم حزب الأصالة وحزب البناء والتنمية المنبثق عن الجماعة الإسلامية– ثانيا بنسبة 24% من عدد المقاعد في أكبر مفاجأة شهدتها الانتخابات البرلمانية.
وظهر تفوق التحالف في مقاعد القائمة التي حصد منها 96 مقعدا، في حين تراجع أداؤه كثيرا أمام الحرية والعدالة في مقاعد الفردي، فحصد 25 مقعدا فقط من إجمالي 121 مقعدا. وصّوت لتحالف النور سبعة ملايين و534 ألفا و266 ناخبا.
فالحزب الذي أُنشئ بعد الثورة المصرية بعد أن كان أصحابه يبتعدون أو بالأحرى يُحرّمون المشاركة في العملية السياسية، اعتمد على الشعبية الكبيرة لعدد من رموز الدعوة السلفية في الشارع المصري، فضلا عن قربه من الطبقة الفقيرة في مصر. ومن هذه الشخصيات، الشيخ محمد حسان.
سبب اختيار الحزب للشيخ محمد حسان:
● تردد اسم الشيخ حسان بعد الثورة حتى اطلق عليه البعض راعي الدولة المصرية، فقد تم إرساله من جانب الحكومة المصرية للتوسط في حل بعض النزاعات مثل أحداث قنا. والشيخ حسان متفرغ للدعوة والتدريس منذ عشر سنوات تقريبا وهو أستاذ مادة العقيدة بمعهد إعداد الدعاة بجماعة أنصار السنة بالمنصورة ورئيس مجلس إدارة مجمع أهل السنة.
طريقة العمل:
قام الشيخ حسان بتأييد الحزب سواء عن طريق حضور مؤتمراته الانتخابية أو عن طريق استخدام الحزب لصور لحسان في الدعاية الانتخابية. أو عن طريق تصريحاته قي القنوات التليفزيونية والتي طالب فيها المواطنين بالتصويت لحزب النور للالتزام بالمنهج السلفي.
من أمثلة استخدام الحزب لصور حسان:
- قام المرشحون بوضع صورة حسان فى مؤتمر لمرشحي حزب النور بالدائرة الأولى بمدينة الزقازيق وذلك لحث المواطنين على تأييد مرشحى الحزب ذو المرجعية السلفية.
- رفعت قائمة الحزب بمحافظة الجيزة صورة الشيخ محمد حسان بمفرده وكأنه مرشح على رأس القائمة.
- وفي البحيرة قام حزب النور بتوزيع دعاية للحزب تحمل دعم الشيخ محمد حسان للحزب والمرشحين على قائمته.
المؤتمرات التي حضرها حسان:
- مؤتمر حزب النور فى منطقة الطالبية بمحافظة الجيزة.
- المؤتمرات التي عقدت في الإسكندرية والجيزة.
- وفي سوهاج عقد الشيخ محمد حسان مؤتمرا جماهيريا، بإستاد سوهاج الرياضي، الأمر الذي كان له وقع كبير في حصول الحزب على المركز الثاني في سوهاج، وحصوله على نصف المقاعد الفردية (4 من 8).
لماذا رعاه الأحزاب؟
تشترك الأحزاب المدنية مع الأحزاب الاسلامية في الاعتماد على شخصيات عامة، تلقى قبول قاعدة عريضة من الجماهير، يمكن إرجاع إعتماد الأحزاب المدنية على هذه الوسيلة، لضعف القاعدة الشعبية، وبالتالي تكونت هذة الاحزاب بطريقه رأسية بدلا من بناء قاعدة شعبية حقيقية. أما بالنسبة للأحزاب السلفية، فهي أحزاب لم تختبر سياسيا من قبل، وأعضائها غير معروفين علي المستوى الشعبي، فلنأخذ ما حدث مع النائب السلفى علي ونيس والنائب البلكيمي، اعتذر حزب النور عما حدث منهما من أخطاء واعتذر عن عدم تحققه من المرشحين على قوائمه!! وفي مقابلة مع النائب نزار غراب السلفي، أكد أن طريقة الإختيار كانت تعتمد فقط على اتباع الشخص للمنهج السلفي دون معرفه مسبقه به.
كما أن كثرة الأحزاب التي نشأت بعد الثورة لم تمكن المواطن العادي من التعرف على برامجها والمفاضلة بين الأحزاب المختلفة التي تشترك بعضها في نفس البرامج، وبالتالي اعتمدت هذه الأحزاب على شخصيات لديها ثقل في الشارع تمكنها من جذب قطاع مهم من المواطنين.
يرجع لجوء تحالف الثورة مستمرة إلى استخدام نفس أساليب حزب سلفي في الاعتماد على شخصيات معروفة للدعاية للحزب إلى مجموعة من العوامل:
عامل الوقت:
لم يكن تحالف الثورة مستمرة مستعدا بشكل كاف لخوض الانتخابات في المرحلتين الأولى والثانية وذلك لضيق الوقت، بالإضافة للأحداث التي سبقت الانتخابات مثل أحداث العنف بشارع محمد محمود، ولم يكن من المؤكد إذا ما كانت الانتخابات ستعقد أم لا، كما أن الاختلافات بين التيارات المدنية المختلفة لم تمكن تحالف الثورة مستمرة من إعداد قوائمه النهائية، فضلا عن أن التحالف كان آخر من قام بتقديم قوائمه. أما في المرحلة الثالثة فكان هناك ما يقرب من شهر بين المرحلة الثانية والثالثة؛ لذلك لجأ التحالف لهذه الوسيلة لكي يتمكن من تعويض خسارته في المرحلتين السابقتين.
وهنا يطرح تساؤل، في ظل تشابه الفترة الحالية مع الفترة التي سبقت التحضير للانتخابات السابقة من ضيق الوقت وعدم جاهزية الأحزاب المدنية لخوض الانتخابات بسبب حالة الاستقطاب الحادة وحالة الاحتقان السياسي وعدم حسم الجميع موقفه من المشاركة أو مقاطعة الانتخابات، هل ستعتمد الأحزاب المدنية على هذه الوسيلة حال ما إذا قررت خوض الانتخابات؟
ضعف الإمكانيات المادية:
اعتمد تحالف الثورة مستمرة على الوسائل التقليدية وغير المكلفة، فلم يتمكن مثلا من استخدام الإعلانات في الصحف أو في القنوات التليفزيونية على عكس الأحزاب المدنية الأخرى مثل المصريين الأحرار والديمقراطي الاجتماعي، وعلى عكس حزب النور الذي استخدم قنوات دينية ذات توجه سلفي مثل قناة الناس والحافظ وغيرها، ومن ثم يثار تساؤل حول أفضل طريقة لخوض الانتخابات البرلمانية، هل يتم التحالف مع أحزاب مدنية أخرى مختلفة من حيث البرنامج ولكن لديها موارد مادية كافية، أم تستمر الأحزاب ذات الإمكانيات المحدودة في اتباع نفس الأساليب؟.