نوران سيد أحمد
مصر
جاءت انتخابات اتحادات الطلاب المصرية الأخيرة للعام الدراسي 2012/2013 متزامنة مع سياق عام غاية في الصعوبة ممثلا في سلسلة من الأزمات السياسية المتعاقبة أبرزها أزمة السلطة القضائية، والتي أنتجت استقطابا سياسيا حادا بين الفصيل الحاكم من جهة وبقية القوى السياسية من جهة أخرى، ألقى بظلاله على المجال السياسي في الفترة الماضية وهو ما تمثل في موجة من التحريضات اللفظية بين كافة الأطراف، وصولا لمشاهد من العنف والمواجهات في الشارع، والتي أثارت مخاوف من امتدادها لمسار العملية السياسية برمتها وصولا للجامعات المصرية. إلا أنه على غير المتوقع لم تحُل هذه المشاهد دون إقبال قطاع كبير من المواطنين -والطلاب حالة الدراسة كمثال- على الانتخابات، ومضيها بشكل سلمي في صورتها الغالبة. ما سبق يفسر في جانب كبير منه الاهتمام الذي حظيت به الانتخابات الطلابية، والتجاذب حولها بين القوى السياسية، حيث يراها البعض الاستحقاق الأقرب لقياس توجهات الرأي العام بعد تأجيل مثيلتها البرلمانية، ومن ثم يرى فريق أنها دليل ومؤشر على انحسار التأييد لقوى الإخوان المسلمين في الشارع المصري والجامعة مثالا له لصالح القوى السياسية الأخرى، بينما يرى فريق آخر عكس ذلك مشيرا لقصور النظرة لهذه النتائج.
خبرة انتخابات الاتحادات الطلابية:
مثلت فترة السبعينيات مرحلة ازدهار كبرى في تاريخ الاتحادات الطلابية المصرية وانتخاباتها، بما أفرزاه من كوادر مستقلة غذت المجال والعمل السياسيين حتى الآن، مثل الراحل أحمد عبد الله رزة، عبد المنعم أبو الفتوح، وحمدين صباحي. ثم تلى مرحلة الازدهار تلك مرحلة من الركود كانت مقترنة بتنامي القبضة الأمنية في كافة مجالات العمل العام في مصر بما فيها الجامعات، والتي تركت آثارها على تشكيل الاتحادات الطلابية المصرية في تلك الفترة، حيث أن تشكيل هذه الاتحادات كان يتم وفقا لتوجهات الأمن أو على الأقل بما لا يتصادم مع الخط العام حينها، وهو ما كان يتم بدون أي انتخابات حقيقية من جانب الطلاب، وهو الأمر الذي يفسر بدوره تنامي عدد المستقلين في تشكيل هذه الاتحادات، والذي دعمه منع وتحريم العمل الحزبي داخل الجامعات المصرية، وفي وقت لم تتواجد فيه أحزاب سياسية قوية وجادة في المجال السياسي.
ومع انفتاح المجال العام في أعقاب ثورة 25 يناير، شهدت الجامعات المصرية تقلصا لليد الأمنية فيها ومن ثم استعادة آلية الانتخاب المباشر لقدر من قوتها السابقة في تشكيل الاتحادات الطلابية، ومن ثم المرور بثلاث انتخابات لتشكيل 3 اتحادات أولها ما كان في أعقاب الثورة عام 2011، تلاه انتخابات العام الماضي 2011/2012، وهي الانتخابات التي شهدت مقاطعة من جانب كافة طلاب القوى السياسية لها اعتراضا على إجراءها وفقا للائحة الطلابية التي تم اعتمادها في العهد السابق فيما عٌرف بين أوساط الطلبة بـ”لائحة أمن الدولة”، في مقابل قرار قوى الإخوان المسلمين بخوض الانتخابات الطلابية بالتحالف مع الطلاب المستقلين وطلاب النشاط في الجامعة، الأمر الذي كان نتيجته تمكن طلاب الإخوان المسلمين من تصدر الاتحادات الطلابية في مختلف الجامعات مع استثناءات قليلة كجامعة القاهرة، حلوان، بنها، المنوفية وأعقب هذه النتيجة تمرير للائحة طلابية جديدة -قيل أنها تحوي عددا من البنود المحتمل إعاقتها للعمل والنشاط الجامعيين مثل المادة 331 والتي نصت في بندها الثاني على أن إقامة أي نشاط طلابي يتوقف على اتساقه مع الأعراف والتقاليد الجامعية وإلا مُنع، وهو بدوره معيار فضفاض للغاية- دون أي تفاهم أو تنسيق مع طلاب القوى السياسية أو المستقلين (المتحالفين مع طلاب الإخوان المسلمين).
انتخابات الاتحادات الطلابية الحالية:
استنادا لخبرة العام الماضي والتي أتت على خلفية قرار المقاطعة وما نتج عنه، جاء قرار القوى السياسية الجديدة -والتي انتظمت رسميا على امتداد العام السابق- بخوض انتخابات العام الحالي 2012/2013 بتكتلات وتحالفات واسعة بين بعضها البعض وأبرزها (مصر القوية، الدستور، التيار الشعبي، صناع الحياة، الاشتراكيون الثوريون)، إلى جانب تحالفها مع المستقلين وطلاب النشاط (والذين خسرت قوى الإخوان المسلمين قطاعا كبيرا منهم على خلفية اللائحة الطلابية التي تم تمريرها العام الماضي دون الرجوع إليهم) وعلى امتداد الفترة من فبراير وحتى أبريل 2013 جرت هذه الانتخابات، وهو ما تزامن مع الفصل الدراسي الثاني، على أثر تأجيل هذه الانتخابات من الفصل الدراسي الأول.
وقد جرت هذه الانتخابات على 5 مستويات وهي (لجان الكليات، فأمناء الكليات، فرؤساء اتحادات الكليات ونوابهم، فأمناء الجامعة، وأخيرا رؤساء ونواب رؤساء اتحادات الجامعة) على امتداد 22 جامعة مصرية، وجاءت المستويات الثلاث الأولى (لجان الكليات، أمناء الكليات، رؤساء ونواب اتحادات الكليات) -والتي تتم بناء على انتخاب مباشر من جانب طلاب الكليات- معبرة عن تقدم كبير للقوى السياسية من خارج قوى الاخوان المسلمين، وكذلك المستقلين (سواء كانوا متحالفين مع القوى السياسية أو بمفردهم) في عدد كبير من الكليات والجامعات، ويأتي في مقدمة هذه الجامعات جامعة عين شمس، جامعة القاهرة، جامعة حلوان، جامعة المنيا، جامعة السويس، سوهاج، المنوفية، الزقازيق، وجامعة أسيوط (كان التقدم فيها بالأساس لصالح المستقلين)، في مقابل احتفاظ قوى الإخوان المسلمين بجامعات بأكملها واكتساحهم فيها مثل جامعة الأزهر، بني سويف، جامعة الفيوم، وتمتعهم بالأغلبية في جامعة جنوب الوادي، وجامعة دمنهور، وكذلك احتفاظهم بكليات بعينها داخل الجامعات التي لم يحسموها بالكامل لصالحهم (كمثال كليات العلوم، الحاسبات والمعلومات، والطب بجامعة القاهرة).
إلا أنه في المستويين الرابع والخامس (أمناء الجامعات، رؤساء اتحادات الجامعات ونوابهم) وهي المستويات التصعيدية والتي لا تخضع لانتخابات مباشرة من جانب الطلاب، وإنما تقتضي درجة عالية من التنسيق والتفاهمات بين المتنافسين، يستتبعها دعم لمرشح بعينه دون غيره من جانب مختلف القوى السياسية، نجد أن من ضمن 22 جامعة تمت فيها الانتخابات، جاء المستقلون في المقدمة بواقع 19مقعدا، تلاهم الإخوان المسلمون بـ17 مقعدا، و6 مقاعد لطلاب القوى السياسية (طلاب صناع الحياة حصلوا على 3 مقاعد، ومقعدين لطلاب الدستور، ومقعدين لطلاب سلفيين، ومقعد واحد لطلاب مصر القوية)[1]، إلى جانب رئيس اتحاد الجامعات الخاصة المحسوب على قوى اليسار- دون ممثلي المعاهد العليا.
استنادا لما سبق ننتهي إلى أنه لا يمكن الركون لنتائج انتخابات اتحادات الطلاب كمؤشر قاطع على تغير توجهات الشارع السياسي في مصر، ومن ثم الاندفاع في بناء رؤى متكاملة لأي انتخابات برلمانية أو رئاسية مقبلة، حيث أن القراءة الدقيقة للنتائج تقودنا إلى أنه ليس من الصحيح القطع بفوز فصيل أو تيار بعينه بهذه الانتخابات دون التيارات الأخرى، حيث لم تتمكن أيا من القوى السياسية أو حتى القوى الناشطة في الجامعة من حسم الانتخابات بشكل كامل لصالحها، بل القول الأقرب أن هذه النتائج جاءت مناصفة بين تحالف القوى السياسية والمستقلين من ناحية في المستويات الأولى (المستويات الخاضعة للانتخاب المباشر من الطلاب)، وقوى الإخوان المسلمين -والتي تحالفت في بعض الكليات أو الجامعات مع المستقلين- من ناحية أخرى، والتي تمكنت بخبرتها الانتخابية من إحراز تقدم في المستويات التصعيدية، وهى النتيجة الإجمالية التي يمكن تفسيرها في جانب منها بعامل تواجد قوى سياسية أو بدائل منافسة لقوى الإخوان المسلمين من عدمه داخل الكليات أو الجامعات على عكس العام الدراسي المنصرم، وفي الجانب الآخر يمكن إرجاعه إلي الخطة الانتخابية التي انتهجتها هذه القوى من تحالف مع المستقلين وطلاب النشاط (ذوي الشعبية في الأوساط الطلابية، والأقرب لميزاج قطاع كبير من الطلاب بما يقدمونه من خدمات وأنشطة) وتشكيل قوائم موحدة بينهم لخوض الانتخابات، ما ساعد في أن تأتي هذه النتيجة بهذا الشكل.
وحتى بالنظر لتقدم المستقلين في المستويات التصعيدية، فهو أمر يقتضي التعامل معه بحذر، لاعتبارين أساسيين أولهما حظر خوض الانتخابات بشكل رسمي تحت أي توصيف حزبي، والاعتبار الثاني أن هذه المستويات التصعيدية لا تتم بانتخابات مباشرة من الطلاب، وإنما تخضع لاعتبارات درجة القبول العالية التي يحوزها هؤلاء المرشحين “المستقلين” بشكل يجعلهم أوفر حظا في هذه المرحلة للفوز، ومن ثم الدفع بهم في مرحلة التصعيد تلك أكثر من طلاب القوى السياسية، وهو ما يضع تحفظات حول دقة توصيف “المستقل”، لأن الدعم أو التفضيل لمستقل بعينه من جانب القوى السياسية والمستقلين إنما هو أمر يرجع أما لقرب هذا المرشح أو قابلية التفاهم معه من قبل تيار سياسي بعينه حول أهم القضايا، وربما يكون ما جرى انتخابات اتحاد طلاب مصر هو المثال الأقرب لهذا التحليل.
إجمالي المصوتين | محمود بدران (مستقل) | مصطفي منير (إخوان) |
46 صوت | 24 صوت | 22 صوت |
[1] “مجلس اتحاد طلاب مصر: 19 مستقلين و17 إخواني، و8 للقوى السياسية و6 مقاعد للجامعات غير الحكومية والمعاهد”، 19 مارس 2013، متاح علي الرابط الالكتروني: http://marsd.afteegypt.org/breaking_news/2013/03/19/2739 HYPERLINK “http://marsd.afteegypt.org/breaking_news/2013/03/19/2739”