مشروع قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية 2013..

نموذج لقوانين القمع وإعادة إنتاج النظم السلطوية

محمد العجاتي

مصر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [718.28 KB]

عشية تسلم الرئيس محمد مرسي لمسودة الدستور المصري وفي خطاب الدعوة للاستفتاء عليه حدد الرئيس المصري القادم بعد الثورة، ثلاث ركائز للديمقراطية التي خرجت الثورة المصرية لتحقيقها كأحد أهدافها الرئيسية، وهي القضاء والإعلام والمجتمع المدني. وفي هذا السياق خرجت علينا الحكومة المصرية بمشروع قانون جديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية، أقل ما يمكن وصفة بأنه نموذج للقوانين القمعية والتي تعيد إنتاج السلطوية. يروج له ويتبناه نفس المستشار داخل وزارة التضامن الاجتماعي الذي فشل في تمرير هذا القانون في عهد مبارك، وعاد ليقدمه في ظل سلطة المجلس العسكري بعد تعديلات جعلته اكثر سلطوية فتم رفضه من لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري وبعد ذاك، يعود ويقدمه الآن -نفس الشخص- لمجلس الشورى بعد إجراء تعديلات إضافية عليه تحوله لقانون يعوق عملية التحول الديمقراطي.

يقدم المركز الدولي للقوانين غير الربحيةICNL [1] تصنيفا لأنواع القيود التي تفرض على المجتمع المدني والتي تتمثل في: حظر تأسيس منظمات المجمع المدني، عدم القدرة على التسجيل وتأمين مزايا الشخصية القانونية، عدم القدرة على الحصول على تمويل أجنبي، حق الحل التحكمي، عدم القدرة على الدعوة لموضوعات بعينها، رقابة صارمة وتحكمية من جهة الإدارة، تأسيس جمعيات موازية تعمل في نفس المجال أو نفس المنطقة وتلقى دعما حكوميا، عقوبات جنائية ضد الأفراد المنضمون للمنظمات. بناء على هذه المعايير كان يتم تحديد ملامح أساسية للقانون المصري 84 لسنة 2002 للمجتمع المدني والمعمول به حتى الآن في مصر وتتمثل في[2]: إعطاء جهة الإدارة حقوق شبه مطلقة، تغليظ العقوبات وإفرط القانون في التجريم والعقاب، المصطلحات الغامضة والعبارات المفتوحة تمكن الحكومة من تطبيق القانون في التوقيت الذي ترغبه على المنظمة التي تستهدفها[3]. المشروع المقدم حاليا يتجاوز هذه الملامح بكثير ويمكن تبين ملامح قمعية جديدة فيها تصل إلى تسع ملامح أساسية:

  • قدر كبير من عدم المعرفة او تجاهل لطبيعة ودور المجتمع المدني في مصر او عالميا.
  • إجراءات تؤدي لتقييد العمل المدني بشكل غير مباشر.
  • عبارات ومصطلحات تؤدي لتقييد العمل المدني بشكل مباشر وتخالف مبادئ الديمقراطية والتعددية.
  • هيمنة الجهة الإدارية وسيطرتها على العمل الأهلي.
  • تقنين للتدخل الأمني في العمل الأهلي.
  • عبارات غير منضبطة او محددة تسمح للسلطة بتفسيرها بناء على رغبتها في ملاحقة المنظمات.
  • غياب اليات للشفافية وتداول المعلومات والمشاركة المجتمعية.
  • سيطرة ذهنية مريضة بنظرية المؤامرة والثقافة السلطوية.
  • تغليظ العقوبات وتوسيع صلاحيات جهات غير معنية.

وفيما يلى تفصيل لبنود القانون المعبرة عن هذه الملامح:

أولا:- قدر كبير من عدم المعرفة او تجاهل لطبيعة ودور المجتمع المدني في مصر أو عالميا:

يعكس القانون في أول مواده الخاصة بالتعريفات قدر كبير من عدم فهم لمعنى المجتمع المدني، ففي المادة (1) بند (1) يقصر تعريف العمل الأهلى على الأهداف الإنسانية والتنموية دون الحقوقية والتي تعد أساسا من أسس أهداف العمل الأهلي، بل في مناهج عمل المجتمع المدني الحديث يعد المنهج الذي تنتهجه حتى المؤسسات ذات الأهداف الإنسانية والتنموية إذ ترتكز في عملها على تمكين المواطنين من الوصول للحقوق وليس المنهج الخيري الذى عفى عليه الزمان. وأكدت المادة 11 في أغراض الجمعيات وحقوقها تأكيد على أن “الجمعيات تعمل على تحقيق أغراضها في ميادين التنمية والرعاية الاجتماعية”. وعندما ورد مفهوم الحقوق في المادة (11) “الحقوق القانونية والدستورية والدفاع الاجتماعي وحقوق الإنسان” فإنه يقصرها على التوعية وليس الدفاع.

أما عن فهم طبيعة المجتمع المدني وانفصاله عن الدولة فالمادة (4) التي تسمح “لأي من الجاليات الأجنبية إنشاء جمعية تعنى بشئون أعضائها وفقا لأحكام هذا القانون وبشرط معاملة الجالية المصرية في شأن إنشاء الجمعيات في بلدهم بالمثل” وكأن هذه الجاليات تابعة لهذه الدولة ويتم حرمنها بناء على سلوك حكومتها التي لا علاقة لها بها، بينما تتمكن السفارات الممثلة لهذه الحكومات من تأسيس أندية أو مراكز لها بناء على الاتفاقيات الدولية المنظمة. كما أن العقلية الجامدة لم ترى إمكانية في إبداع اسماء جديدة للجمعيات حيث اشترطت في المادة (5- أ) أن “اسم الجمعية يجب أن يكون دالا على غرضها”.

إلا أن عدم معرفة من صاغوا هذا القانون لا تتوقف عند هذه الحدود بل تمتد لـجهل بالمنظومة التشريعية المصرية حيث في المادة (11( “يحظر أن يكون من بين أغراض الجمعية أن تمارس نشاطا مما يأتى: أي نشاط سياسى تقتصر ممارسته على الأحزاب السياسية وفقا لقانون الأحزاب، وأي نشاط نقابي تقتصر ممارسته على النقابات وفقا لقوانين النقابات” فقانون الأحزاب رقم 12 لعام 2011 لم يتضمن نشاط الأحزاب السياسية أو غرضها والقانون السابق لسنة 1977 الذي عدله القانون المذكور فينص في المادة (3) منه على دور الأحزاب: “تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعي والاشتراكية الديمقراطية والحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين وذلك كله على الوجه المبين بالدستور. وتعمل هذه الأحزاب باعتبارها تنظيمات وطنية وشعبية وديمقراطية على تجميع المواطنين وتمثيلهم سياسيا”. هذا التعريف غير الدقيق والذي يعبر عن وقت إصدار القانون أي قبل نشأة الشكل الحديث للمجتمع المدني وفي زمن الحديث عن الاشتراكية وتحالف القوى العاملة لا يصلح لأن يكون مرجعا، أما قوانين النقابات فهي لم تصدر بعد بناء على الدستور الجديد.

ويؤكد كاتب القانون على جهله بالسياق الخاص بعمل المجتمع المدني في مصر في المادة (16) والذي يقيد التمويل الأجنبي، لا يعرف أن التمويل المحلي ضعيف جدا في هذا المجال ويذهب بسبب الثقافة السائدة للعمل الخيري أو لدعاية شخصية. كما تنص نفس المادة على الحصول على التمويل مدة “(ستين) يوما دون اعتراض اللجنة على طلب التصريح”، وهو ما يتجاهل الطبيعة المؤسسية واستمرارية العمل في هذه المؤسسات، ويصر على الموافقة على التمويل وليس المشروع بما يعوق استمرارية العمل المؤسسي وانتظامه.

ويظهر عدم معرفة بالسياق الدولي للمجتمع المدني في المادة (60) الخاصة بالمنظمات الأجنبية والتي تنص على “لا يجوز التصريح للمنظمة غير الحكومية بممارسة أي نشاط في مصر إذا ثبت أنها تتلقى تمويلا حكوميا مباشرا أو غير مباشر وكان نشاطها يهدف إلى نشر توجهات أو سياسات حزب سياسي في بلدها…” حيث أن هناك دول ملتزمة بقوانينها الداخلية ومبادئ الألفية التنموية من تقديم جزء من ميزانيتها لهذه المؤسسات، كما أن هناك منظمات تابعة لأحزاب مثل الخضر أو الديمقراطي الاجتماعي تنشر توجهات تتعلق بالحفاظ على البيئة أو التنمية المستدامة، كان من الأولى أن تلزمها بالتعامل مع مختلف أطياف المجتمع المصري وعدم قصر تعاملها مع فئات بعينها بدلا من الحظر الكامل لها.

ثانيا:- إجراءات تؤدي لتقييد العمل المدني بشكل غير مباشر:

وهنا تستخدم العوائق المالية بوضوح ففي تعريف المؤسسة في المادة (1) باعتبارها “شخص اعتباري ينشأ بتخصيص شخص أو أكثر من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتبارية أو منهما معا، مالا لا يقل عن مائتين وخمسين ألف جنيه عند التأسيس” ثم يحول هذا المبلغ إلى مال عام في المادة (3) هو حجر على تأسيس مؤسسات خاصة إذ رغبت مجموعة من الفلاحين على سبيل المثال في تأسيس مؤسسة في قريتهم لسبب أو آخر فمن أين لهم مثل هذا المبلغ، وهنا يظهر تمييز واضح على أساس طبقي. كما أنه من المعروف أنه في ظل القانون (84) أن الأمن كان المسئول الرئيسي في التعامل مع المؤسسات خلال فترة التسجيل وكان يضغط لتسجيل المؤسسات كجمعيات وذلك لإمكانية مراقبتها والسيطرة عليها أكثر من المؤسسات ورفضها في حالة إصرارها على التسجيل كمؤسسة (حالة مؤسسة المرأة الجديدة)[4]

كما نرى تلاعب بالمصطلحات لوضع مسحة ديمقراطية على آليات قمعية: ففي المادة (6) يتحدث المشروع عن التأسيس بالإخطار وينص على أنه “تثبت الشخصية الاعتبارية للجمعية بحصول هذا القيد أو بمضي (ستين) يوما من تاريخ الإخطار بتأسيسها، أيهما أقرب” لكنه يعود ويقرر حق امتناع الجهة الإدارية عن القيد، وعلى المؤسسين آنذاك اللجوء للقضاء، أي أنه في الممارسة العملية يحول الإخطار إلى تصريح، وعلى أرض الواقع تكون الإجراءات ذاتها هي التي تتم في ظل القانون الحالي وهي محط اعتراض المنظمات والخبراء في هذا المجال.

ثالثا:- عبارات ومصطلحات تؤدي لتقييد العمل المدني بشكل مباشر وتخالف مبادئ الديمقراطية والتعددية:

هناك مواد واضحة تضع معوقات لعمل المجتمع المدني في مصر فبعد أن ينص في المادة (11) على أنه “ولا يعد اتباع الضوابط التجارية لتحقيق ناتج يسهم في تحقيق أغراض الجمعية نشاطا مخالفا وتحدد اللائحة التنفيذية هذه الضوابط” وهي مادة إيجابية إلا أنه يعود في المادة (17) ليقيدها: “يجوز للجمعية في سبيل تحقيق أغراضها ودعم مواردها المالية جمع التبرعات متى صرحت لها الجهة الإدارية بذلك، وتبين اللائحة التنفيذية لهذا القانون الإجراءات والشروط المتطلبة للتصريح بجمع التبرعات، والشروط اللازمة لكل وسيلة على حدة متى اقتضت المصلحة العامة ذلك”.

كما جاء كذلك في المادة (11): “إجراء بحوث ميدانية أو استطلاعات رأي أو مشروعات في مجال العمل الأهلي دون الحصول على موافقات الجهات المعنية”. مع التأكيد على أهمية هذا العمل للمجتمع المدني فأي عمل كفء للمجتمع المدني يقوم على ما يسمى “تحديد احتياجات المجتمع” التي ستعمل فيه المنظمة وعليه فهذا تقييد واضح لعمل وكفاءة وفاعلية المجتمع المدني. لكنه لم يقتصر على ذلك وإنما أضاف الموافقة على القيام بالمشروعات بالمطلق أي أن هذا القانون يفرض رقابة سابقة ولاحقة مع عمل متابعة -كما سنرى لاحقا- على منظمات المجتمع المدني، أي ببساطة هو يعوق عمل المجتمع المدني بالقانون.

أما المادة (65) و(66) و(67) و(73) فهي مخالفة لمفهوم حرية التنظيم، حيث يوحد الاتحادات ويمنع تعدديتها، ويجبر المنظمات على الانضمام لها بشكل إجباري ويفرض عليها رسوم عضوية محددة.

رابعا:- هيمنة الجهة الإدارية وسيطرتها على العمل الأهلي:

تتنوع هيمنة جهة الإدارة المتمثلة في وزارة الشئون الاجتماعية منذ التأسيس وحتى النشاط مرورا بالهيمنة الإدارية والمالية.

الهيمنة على التسجيل والانتخابات الداخلية للمنظمات وذلك عبر إهدار مفهوم الاخطار في المادة (6) الخاصة بالتأسيس والتي سبق لنا توضيحها. ثم تاتي المادة (35) لتضع قيود على المؤسسين وعلى عملية الانتخابات داخل المنظمات إذ تنص أنه “على مجلس الإدارة عرض قائمة بأسماء المرشحين لعضوية المجلس بمقر الجمعية في اليوم التالي لقفل باب الترشيح، وإخطار الاتحاد الإقليمي والجهة الإدارية بها خلال الثلاثة الأيام التالية لذلك وقبل موعد إجراء الانتخابات بستين يوما على الأقل. وللاتحاد الإقليمي وللجهة الإدارية ولكل ذي شأن إخطار الجمعية خلال السبعة الأيام التالية لعرض القائمة أو الإخطار بها، بحسب الأحوال، بمن ترى استبعاده لعدم توافر شروط الترشيح فيه، فإذا لم يثبت تنازله عن الترشيح خلال سبعة أيام من تاريخ إخطار الجمعية، وجب على الجهة الإدارية أن تصدر قرارا باستبعاده، ويكون للمستبعد وكل ذي شأن أن يرفع الأمر إلى المحكمة المختصة خلال السبعة الأيام التالية لصدور هذا القرار، وتفصل المحكمة فيه قبل الموعد المحدد لإجراء الانتخابات”. فجهة الإدارة تقبل وترفض، تستبعد وتعين وعلى المتضرر أن يتوجه للقضاء لينتظر نتيجة اعتراضه، في منطق مقلوب للأوضاع الواجبة.

أما الهيمنة الإدارية فتبدأ من استخدام مصطلح الرقابة بدلا عن الاشراف في المادة (2) وعلى غرار الهيمنة على الانتخابات تأتي الهيمنة بنفس المنطق والأسلوب على إدارة المنظمات في المادة (24) ” في الأحوال التى تصدر فيها الجمعية قرارا ترى الجهة الإدارية أنه مخالف للقانون أو لنظامها الأساسي يكون على هذه الجهة أن تطلب من الجمعية بكتاب موصى عليه بعلم الوصول سحب هذا القرار خلال عشرة أيام من تاريخ إفادتها به، فإذا انقضت هذه المدة دون سحبه تصدر الجهة الإدارية  -بعد إخطار الاتحاد الإقليمي التابعة له الجمعية- قرارا بإلغائه خلال خمسة عشر يوما، وللجمعية أن تتظلم من هذا القرار خلال خمسة عشر يوما من تاريخ علمها به، وفي حال رفض تظلمها أو انقضاء ثلاثين يوما دون رد جاز لها اللجوء إلى المحكمة المختصة خلال ستين يوما. وتقضي المحكمة في هذه الحالة على وجه الاستعجال”. ولنا عليها نفس الملاحظات الخاصة بالانتخابات ولكن يضاف لها عبارة لا يمكن أن ترد في قانون رشيد “قرارا ترى الجهة الإدارية أنه مخالف للقانون” بدلا من “قرارا مخالفا للقانون” أي أن جهة الإدارة هي التي ترى وليس القانون الذي يحدد. أما في المادة (39) تحاول العقلية السلطوية أن تستكمل حصارها لإدارة منظمات المجتمع المدني إذ تنص على: “مع مراعاة أحكام النظام الأساسي للجمعية، إذا أصبح عدد أعضاء مجلس الإدارة لا يكفي لانعقاده صحيحا، جاز للوزير المختص عند الضرورة، أن يعين مجلسا مؤقتا من بين الأعضاء الباقين أو من غيرهم، تكون له اختصاصات مجلس الإدارة. وعلى مجلس الإدارة المؤقت دعوة الجمعية العمومية للانعقاد خلال سنة من تاريخ التعيين لانتخاب مجلس إدارة جديد. وتنتهي مهمة المجلس المؤقت بانتخاب مجلس الإدارة الجديد”. هنا جعل للجهة الإدارية تدخل واضح في حال وجود مشكلات داخلية بدلا من أن يرجع ذلك للجمعية العمومية للمنظمة.

وتظهر الهيمنة على العمل والنشاط في المادة (68- أ) من خلال الاتحاد الإقليمي والمادة )76( ينشأ بوزارة الشئون الاجتماعية صندوق لتوفير الدعم المالي لاستمرارية الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات والمؤسسات الأهلية والاتحادات المنشأة وفقا لأحكام هذا القانون، دون أن يحدد القانون آليات العمل الاساسية لهذا الصندوق إذ كان يجب أن ينص القانون على أن توفير الدعم يكون عن طريق مشروعات مفتوحة ولجان خبراء للتقييم، إلا أن هذا المشروع، ورغم أن فكرة تأسيس هذا الصندوق فكرة ايجابية، بتركه دون ضوابط في يد السلطة التنفيذية يجعله آداة للهيمنة على المجتمع المدني، خاصة وأن المادة (77) يجعله برئاسة الوزير المختص.

هذا الصندوق يوصلنا لفكرة الهيمنة المالية عبر تأسيس اللجنة التنسيقية في المادة (11) “للبت في كل ما يتعلق بعمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية في مصر والتمويل الأجنبي”. وكذلك المادة (16) الخاصة بالتمويل الأجنبي الذي ما زال يستخدم التصريح بديلا عن الاخطار ككل دول العالم المتحضر والديمقراطي.

خامسا:- تقنين للتدخل الأمني في العمل الأهلي :

المادة (57) الخاصة بـ”إنشاء لجنة تنسيقية للبت في كل ما يتعلق بنشاط المنظمات الأجنبية غير الحكومية في مصر والتمويل الأجنبي، وتشكل بقرار من رئيس مجلس الوزراء برئاسة الوزير المختص وعضوية ممثلين للوزارات والجهات الآتية يختارهم الوزراء المعنيون: ممثل لوزارة الخارجية، ممثل لوزارة العدل، نائب لرئيس مجلس الدولة يختاره رئيس المجلس، وزارة الداخلية، ممثل لوزارة التعاون الدولي، ممثل لوزارة الشئون الاجتماعية، ممثل لهيئة الأمن القومي، ممثل للبنك المركزي”. وهذه اللجنة تقحم جهات أمنية واستخباراتية في الرقابة والتحكم في المجتمع المدني، وهو ما يدخل الحكومة كطرف في السيطرة على المنظمات لتتحول كافة المنظمات غير الحكومية المصرية NGO إلى منظمات حكومية غير حكومية GNGO. وإمعانا في السلطوية تتشكال هذه اللجنة دون أي مشاركة من المجتمع المدني حتى عبر الاتحادات غير الحرة التي نص عليها هذا القانون، وهذا مخالف لمفهوم المجتمع المدني الذي يطلق عليه القطاع الثالث بمعنى استقلاليته وانفصاله عن القطاع العام والقطاع الخاص.

سادسا:- عبارات غير منضبطة أو محددة تسمح للسلطة بتفسيرها بناء على رغبتها في ملاحقة المنظمات:

يتضمن القانون في داخله العديد من المصطلحات غير المحددة مثل: المادة (4) مقرا ملائما،- م. (27). وتوجه الدعوة للجمعية العمومية من الجهة الإدارية إذا رأت ضرورة لذلك. المادة (56) “أن يكون نشاط المنظمة المصرح لها به متفقـا واحتياجـات المجتمع المصري وفقا لأولويات خطط التنمية ومراعيا النظام العام…” و”الإخلال بالسيادة الوطنية” ومفهوم السيادة دون ضبطه لا يمكن تفسيره بشكل واضح فالنظام السوري يقدم له تعريفا مختلف تمام عن الفرنسي على سبيل المثال.

عبارات متروكة لتقدير السلطة، عرضنا من قبل أن الجهة الإدارية هي التي ترى المخالفة للقانون، وكذلك هي التي تحدد تحقيق الجمعية لأهدافها من عدمه أضف على ذلك المادة (78) و التي يختص مجلس إدارة صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية يضع فيها “(ز) اتخاذ ما يلزم لتنمية موارد الصندوق.” وفي موارد الصندوق المادة (79) “(ط) أي موارد أخرى يقرها مجلس إدارة الصندوق”. وللجهة الإدارية في المادة (42) حق اللجوء للقضاء لحل الجمعية في عدة حالات منها “عجز الجمعية عن تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها”. وهذه الوضعية تخلق حالة من الغموض تمكن الحكومة من تطبيق القانون في التوقيت الذي ترغبه على المنظمة التي تستهدفها. على أن تترك المنظمات التي لا تسبب إزعاج للحكومة في العمل دون أي تدخل، رغم إنها في بعض الأحيان قد تكون ترتكب مخالفات، تتغاضى عنها الجهات الإدارية أو الأمنية لتكون هذه المخالفات سلاحا في يدها عند الحاجة.

سابعا:- غياب آليات للشفافية وتداول المعلومات والمشاركة المجتمعية:

رغم كل القيود الواردة في هذا القانون فإن فلسفة الافصاح في هذا القانون ليس بغية الشفافية أو الرقابة المجتمعية أو المحاسبية، إلا أنه طبقا للمواد المرتبطة بذلك والتي حللناها في الجزء الخاص بهيمنة الجهة الإدارية فهو يحصرها على الجهات الرقابية إذ أن هدفه من الافصاح التدخل والسيطرة على المجتمع المدني وليس حرية تبادل المعلومات وزيادة المشاركة المجتمعية. كما يحظر في المادة (11) “إجراء بحوث ميدانية أو استطلاعات رأي أو مشروعات في مجال العمل الأهلي دون الحصول على موافقات الجهات المعنية”. بدلا من الإلزام بنشر نتائجها وتحديد مجالاتها. إضافة إلى ذلك فكثرة وتعقد الإجراءات الإدارية والجهات التي وردت في هذا القانون التي تتعامل معها المنظمات تفتح بابا واسعا للفساد. ويبرز غياب الرقابة المجتمعية في المادة (66) “يجب على كل جمعية أو مؤسسة أهلية أن تقدم سنويا تقرير إنجاز إلى الاتحاد الإقليمي المنضمة إليه تبين فيه نوع وحجم الأنشطة التي مارستها خلال العام، وما حققته من خدمات للمواطنين أو من برامج التنمية التي تضعها الدولة”. وكان الأولى أن يكون نشرها للمجتمع عبر الصحف أو موقع الجمعية على الانترنت، ولكنه بالتأكيد زيادة المشاركة المجتمعية عبر تفعيل الرقابة الشعبية كأحد دعائم الديمقراطية ليس هدفا من أهداف المشرع القمعي.

ثامنا:- سيطرة ذهنية مريضة بنظرية المؤامرة والثقافة السلطوية:

تبرز هذه الذهنية بوضوح في مواد مختلفة من القانون كلما تعلق الأمر بالمنظمات الأجنبية أو أي شكل من أشكال التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني في مصر والمجتمع المدني العالمي. فـأي تعاون بين المجتمع المدني مع أجنبي هو عمالة في هذه الذهنية المريضة:

المادة (14) مثال على ذلك إذ تنص “يجوز للجمعية أن تتعاون أو تنضم أو تنتسب أو تشترك في ممارسة نشاط لا يتنافى مع أغراضها مع جمعية أو هيئة أو منظمة أجنبية بشرط إخطار الاتحاد الإقليمي والجهة الإدارية بذلك ومضى ستين يوما من تاريخ الإخطار دون اعتراض كتابي من الجهة الإدارية. وتحدد اللائحة التنفيذية ضوابط التعاون والانضمام والانتساب والاشتراك مع الجهة الأجنبية وما يجب أن يتضمنه الإخطار من بيانات ومعلومات” أو المادة (16) الخاصة بالتمويل الأجنبي والتي سبق لنا الحديث عنها.

كما أن هناك مواد تعبر عن الذهنية السلطوية التي تقوم على مفهوم “ان الحكومة تعرف مصلحتك أكثر منك وعليها أن تخبرك ما يجب عليه فعله لتحقيق مصلحتك”! مثل المادة (68) والتي يجعل للاتحاد الإقليمي تنفيذ السياسات العامة التي يضعها مجلس إدارة الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية” وفي المادة (74- ه) والتي يري فيها ان التجارب الناجحة تقتصر على “الترويج للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تساعد على مكافحة الفقر وحل مشكلة البطالة”. كما أنه يمكنها حل المنظمة التي لا تتمكن من تحقيق مصلحتها بناء على تقدير الجهة الإدارية، إذ يحدد هو طبقا للمادة (42) بند 2 “عجز الجمعية عن تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها”.

تاسعا:- تغليظ العقوبات وتوسيع صلاحيات جهات غير معنية:

رغم اطلاعي على قانون الجمعيات في عدة دول في إطار الدراسات المقارنة فإن هذا القانون يتميز بـتوسيع صلاحيات مبالغ فيها وإعطاءها لجهات ليست ذات طبيعة ملائمة مثل حق الضبطية القضائية لموظفين بيروقراطيين كما في المادة (20)لممثلي الجهة الإدارية الذين يصدر بتحديدهم قرار من الوزير المختص دخول مقر أي من الجمعيات والمؤسسات والاتحادات والمنظمات الخاضعة لأحكام هذا القانون أو فروعها لمتابعة أنشطتها والاطلاع على سجلاتها وفحص أعمالها من الناحية الإدارية والمالية والفنية للتحقق من مطابقتها لأحكام هذا القانون. ويكون لممثلي الجهة الإدارية صفة الضبطية القضائية، ويجوز لهم الاستعانة بأي من أجهزة الدولة المعنية”. كما نرى في عبارات وتوصيف دخول وتفتيش المقرات هي أشبه بعملية اقتحام أو مداهمة، ويبدو أن من صاغ هذه العبارة هو ضابط أمن وليس مشرع قانوني.

ثم يتم توسيع نطاق القانون ذاته عبر الرقابة التعسفية ليشمل كيانات غير مندرجة تحت هذا القانون ففي ذات المادة الخاصة بالمداهمات يضيف المشرع السلطوي “كما تخضع لأحكام هذا القانون ورقابة الجهة الإدارية أي أنشطة تمارسها أشخاص اعتبارية أخرى تدخل ضمن أغراض وميادين عمل الجمعيات أيا كان شكلها القانوني ولو لم تتخذ إجراءات تأسيس جمعية أو مؤسسة أهلية غرضها القيام بهذا النشاط”. بالتأكيد مثل هذه المادة تخالف أبسط الأعراف القانونية، والمقصود بها بوضوح منظمات حقوق الانسان التي يمكن أن تسجل كشركات قانون تعمل بالمحاماه.

تغليظ عقوبات والذي يبرز بوضوح في مسألة حل الجمعيات فرغم وجود عبارات مطاطة في المادة (41) إلا أن العقوبة الواردة فيها ملائمة لطبيعة عمل المجتمع المدني إذ تنص “وفي جميع الأحوال، لا يجوز لمن تثبت مسئوليته الشخصية من أعضاء مجلس إدارة الجمعية عن وقوع المخالفات التي أدت إلى عزل المجلس أو حل الجمعية ترشيح نفسه لعضوية مجلس إدارة أي جمعية أهلية لمدة أربع سنوات من تاريخ صدور الحكم بالعزل أو الحل”. إلا أنهم لا يتأخرون في المادة (42) والتي تنص على حل الجمعيات وليس فقط مجلس إداراتها وهو مخالف لقواعد حرية التنظيم حتى لو كان بحكم قضائي فالحل يكون لمجالس الإدارات وليس للكيانات ذاتها، كما يضع أسباب تقديرية للجهة الإدارية للجوء إلى القضاء ليست من شأنها أو سلطتها تقديره، ويترك لبيروقراطية الدولة تقديرات فنية ليست ضمن تخصصها مثل “عجز الجمعية عن تحقيق أغراضها”.

ثم تتطور العقوبات في المادة (م. 80) لنصل إلى عقوبات سالبة للحرية لا تتناسب مع طبيعة العمل التطوعي، إذ تنص “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها فى قانون العقوبات أو في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين…”. ويخرج بنطاق الحبس عن المدرجين تحت هذا القانون ليشمل طبقا للبند (6) من ذات المادة “أنشأ كيانا تحت أي مسمى وبأي شكل غير شكل الجمعيات والمؤسسات الأهلية المنشأة وفقا لأحكام هذا القانون يقوم بنشاط من أنشطة هذه الجمعيات والمؤسسات دون اتباع الأحكام المقررة فيه. وتقضي المحكمة بغلق المقر ومصادرة الأموال الخاصة به وأيلولتها إلى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية”.

خاتمة:

إن حرية المجتمع المدني أصبحت جزءا أساسيا من مؤشرات قياس مستوى الديمقراطية في أي دولة، كما كان المجتمع المدني في تجارب التحول الديمقراطي الحديث هو أحد دعائم هذا التحول. وإذا كان لنا أن نصل إلى قوانين تساهم فى تحول ديمقراطى لا العودة إلى نظام سلطوى شمولي فلابد الخروج من هذه الذهنية السلطوية والابتعاد عن رموزها عند صياغة قوانين مصر الثورة[5]. وفى حال قانون المجتمع المدني هناك مجموعة من المبادئ التى يجب الالتزام بها فى صياغة القانون للتوافق مع المعايير الديمقراطية في هذا المجال، أولها أن تكون الحرية مفهوما حاكما فى هذا القانون (والحظر أو المنع يكون الاستثناء)، وذلك من خلال إحلال الإخطار بدل من الموافقة فى التسجيل والتمويل، وحرية تعديل الأنظمة الداخلية، وعدم جواز تدخل جهات الإدارة فى عملية تسيير الجمعية لاجتماعاتها أو انتخاباتها أو نشاطاتها. ثانيا وضع عقوبات تتناسب مع حجم المسئوليات وطبيعة العمل التطوعي، واللجوء للقانون العام في حالة أي مخالفة. ثالثا، تحديد واضح للمفاهيم والمصطلحات والإجراءات دون ترك عبارات مبهمة. كما يجب أن يكون القانون داعما لمفهوم الشفافية بمنطق إتاحة المعلومات لتبادل المنفعة والتمكين من المحاسبية بدل من كونها مصدرا للرقابة والتضييق. أهمية وضع القضاء بهيئاته الطبيعية وسيط بين السلطة التنفيذية والمجتمع المدني، إذ لا يجوز لأي طرف اتخاذ إجراءات قانونية ضد الآخر إلا من خلال اللجوء للسلطة القضائية. إدخال المجتمع كطرف رئيسي في معادلة المجتمع المدني من خلال مواد تمكن المجتمع من التعرف على المجتمع المدنى ومتابعته وإمكانية الاستفادة منه، أو حتى التدخل فى حالة عدم الرضاء (مثال: إلزام مؤسسات المجتمع المدنى بنشر ميزانياتها على المواقع الخاص بها وفى الجريدة الرسمية). إضافة إلى توحيد جهة الرقابة على مؤسسات المجتمع المدني في جهة واحدة محددة ومعلنة الصلاحيات. وأخيرا يجب التخلي عن فكرة الاتحادات السلطوية وترك أمرها للجمعيات لتشكل بنفسها كيانات تمثيلية ديمقراطية منتخبة بديلا عن الاتحاد العام للجمعيات والمؤمم من قبل نظام ما قبل 25 يناير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ICNL, Constraints on the civil society, Washington, 15/1/06, p.2

[2] Mohamed Elagati, Undermining Standards of Good Governance, http://www.icnl.org/research/journal/vol9iss2/special_4.htm HYPERLINK “http://www.icnl.org/research/journal/vol9iss2/special_4.htm”

 تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان،2003.

[4] لمزيد من المعلومات راجع: وقائع اغتيال مؤسسة المرأة الجديدة، مركز هشام مبارك للقانون، 2004.

[5] محمد العجاتي، مصر فى مرحلة التحول إلى سلطوية جديدة.. قانون الجمعيات الجديد نموذجًا،

http://shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=21012012&id=b00bd09b-0e99-4238-b3d1-3074868327cd

Start typing and press Enter to search