مافي ماهر

مصر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [673.04 KB]

مقدمة

أحدثت الثورة المصرية قفزة فى تطلعات المصريين على جميع المستويات, مما ترتب عليه أهمية أن يكون القائمين على كل مجال قادرين على مواكبة المتطلبات الجديدة للثورة, فيما يتعلق بالإعلام لم يعد المصرى قابلا بإعلام مزيف أو مضلل. تبحث هذه الورقة سبل تحرير الإعلام وتمكينه من لعب دوره المنوط به فى لحظة شديدة الخصوصية من تاريخ مصر كاللحظة الراهنة.

الواقع أن عدم الاستقرار بشكل عام انعكس على الأداء الإعلامي المصري وقد بدا ذلك واضحا فى التخبط وعدم الاستقرار خاصة فى التليفزيون الرسمي.عدم تدريب الإعلاميين على مواكبة التطور الإعلامي سواء على المستوى التقني أو على مستوى المهارات. عدم استقلالية الإعلام سواء كان ملكا للدولة أو لأفراد. البيئة القانونية التي صاغها النظام السابق كانت مكبلة للإعلام ومكرسة لمشروع النظام. مساهمة الإعلام أحيانا فى تضخيم بعض المشكلات المجتمعية أو تكريس أنماط معينة وصور ذهنية تساهم أحيانا فى مزيد من الاحتقان أو إحداث اضطرابات. تحرير الإعلام يحتاج الى بيئة سياسية صالحة ديمقراطية. غياب الجهات المنظمة للعمل الإعلامي. غياب ضمانات استقلالية الإعلام سواء الذي تملكه الدولة أو يملكه الأفراد. تأثير عوامل الربح على الأداء المهني. ضرورة إدماج وسائل الإعلام الإلكترونية الجديدة مع الوسائل القديمة. تعد هذه التحديات من أبرز ما يواجه الإعلام المصري في مسيرته نحو التحرر.

هناك العديد من الخبرات الدولية التي يمكن إلقاء الضوء عليها فى هذا الصدد.

تعد فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة من أهم الدول التي يمكن الاستفادة من تجاربها فى مجال تحرير الإعلام.

على سبيل المثال القناة الأولى في التلفزيون الألماني تتكون من اتحاد قنوات محلية تمثل معظم الولايات الألمانية وتتمتع باستقلال ذاتي عن القناة الأم. التمويل يكون من خلال المتلقي مباشرة من خلال الضرائب المفروضة على خدمة الراديو والتلفزيون مما يضمن استقلالها عن الحكومة.

فى فرنسا هناك “المجلس الأعلى للسمعي والبصري بفرنسا” يختص بتنظيم المجال السمعي والبصري ويتدخل لضمان استقلالية وسائل الإعلام والمنافسة الحرة وجودة البرامج وتنوعها وحماية الثقافة واللغة ولا يمكن للحكومة أن تتخذ أي قرار في شأن الإعلام دون الرجوع إليه، ويضم هذا المجلس تسعة أعضاء يتم اختيارهم بواسطة رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ لمدة 6 سنوات.

في بريطانيا هناك جهاز يدعي (اوفكام) “المكتب الفيدرالي للاتصالات” يتكون من خمس مكاتب تختص بتنظيم معايير البث الإعلامي وإعطاء التراخيص وتنظيم الإذاعات والتلفزيونات التجارية وهو يعد الجهة المنسقة للإعلام والضامنة للتنافس بين مقدمي الخدمة.

لا يقتصر الأمر على تجارب الدول التي قطعت شوطا طويلا فيما يخص إرساء قواعد الديمقراطية وبالتالي تحرير الإعلام وإنما هناك دول أخرى تحولت حديثا ـــ نسبيا ـــ نحو الديمقراطية فيما يعرف بالموجة الثالثة للتحول الديمقراطي ولعب الإعلام دور هام جدا فى تجارب هذه الدول.

خلال مرحلة التحول الديمقراطي فى بولندا لعب الإعلام دور حيوي فى إنجاز هذه المرحلة حيث أدرك القائمون على هذه العملية حتمية الحصول على تأييد شعبي لإنجاز أهدافهم. كانت كل الأطراف تتخلى تدريجيا عن رغبتها في الاستحواذ تحت ضغط التغطية الإعلامية اليومية لجلسات القائمين على هذه المهمة. كانت الجماهير في انتظار نجاح مهمتهم وغير قابلة لتلق خبر الفشل مما كان له أثر مباشر فى النجاح فقد فهم السياسيون أن فشل هذه العملية يعنى فشلهم هم شخصيا أمام الرأي العام وبالتالي انتحارهم سياسيا فلم يغامروا بذلك. كذلك كانت مرحلة التحول الديمقراطي تقتضي خلق مناخ يستطيع ان يتعامل مع تحديات المرحلة وبالطبع كان الإعلام هو الأجدر على خلق هذا المناخ. كان لابد فى هذا الإطار من استيعاب الإعلاميين المحسوبين على النظام السابق وإعطائهم الثقة انطلاقا من قناعة مفادها أن الخطأ كان في النظام وليس الأشخاص.

في التجربة المجرية كان للإعلام دور محوري في خلق المناخ الداعم للحرية لأن سنوات القمع خلقت نوع من الرقابة الذاتية والكبت الداخلي وقتلت فترة الروح الحرة. حيث كان الإعلام بوق للنظام الشيوعي واخذ يتحرر تدريجيا موكبا حركة التحرر والتحول نحو الديمقراطية.

استراتيجيات وآليات التعامل مع القضية:
  • التحقق من مصادر تمويل الأجهزة الإعلامية وإعلان ذلك للمتلقي حتى يتسنى له معرفة طبيعة أهداف وهوية من يقدم له المعلومات وذلك يقتضي ان تضطلع الحكومة بالإشراف على هذه المهمة على أن يكون ذلك محكوما بإطار تشريعي يضمن فصل الإدارة عن رأس المال والإفصاح الدوري عن مصادر الدخل, كذلك كسر احتكار شركات الإعلان لحصيلة الإعلانات في الفضائيات.
  • مواجهة الاحتكار الإعلامي في مصر عن طريق قيام أشكال تملك تعاونية للأجهزة الإعلامية بمساهمات شعبية أو تملكها من قبل العاملين فيها وإعادة هيكلة جهاز الإذاعة والتلفزيون تحديدا ليكون ملكا للشعب.
  • الفرز والتقييم المستمر للأداء الإعلامي من خلال القيام بدراسات دورية لتحليل المضمون الإعلامي ونشرها للمواطنين وإصدار ميثاق شرف إعلامي ينظم أداء الإعلام المصري وفى هذا الإطار يمكن إنشاء جمعيات أهلية للمشاهدين هدفها الرقابة ونشر مخالفات وسائل الإعلام.
  • التأكد من احترام الإعلاميين للمواثيق الدولية من خلال إنشاء جهاز لتنظيم الإعلام المرئي والمسموع والمقروء.
  • إنشاء مجلس وطني للإعلام بوسائله وأنواعه المختلفة ويتفرع من هذا المجلس عدة لجان متخصصة لتضع ضوابط منظمة للأجهزة الإعلامية المختلفة مثل تحديد أشكال الدعم والتمويل الإعلامي, خفض السقف المسموح به في الملكية للحد من الاحتكار الإعلامي.
  • إنشاء جهاز قومي للبث المسموع والمرئي يختص بتحقيق العدالة فى ضمان وصول البث لجميع مناطق الجمهورية.
  • لابد من أخذ رأى الإعلاميين فى التشريعات التي تخصهم.
  • لابد من حصول قيادات المؤسسات الإعلامية والعاملين بها على تدريب تقني ونوعي يسمح لهم بمواكبة العصر. لابد أن يكون لهذا التدريب إستراتيجية واضحة يمكن أن تقوم على مسح الاحتياجات التدريبية وتصميم برامج تدريبية وفق الاحتياجات التدريبية وتكوين فريق من المدربين.
  • إحداث طفرة في مناهج وطرق التعليم فى كليات الإعلام من خلال عمل مؤتمر لتطوير التعليم يحضره خبراء التعليم في مصر وفى الخارج من البلاد التى حققت تقدم ملحوظ فى مجال التعليم.
  • دراسة الخبرات الإعلامية الدولية والإلمام بتفاصيلها حتى يتسنى لنا أخذ ما يناسبنا منها.
  • ضرورة وضع رؤية إعلامية واضحة لكل مؤسسة إعلامية وتحديد آليات تنفيذ هذه الرؤية في إطار توجهات المؤسسة.
  • حماية الإعلاميين من مخاطر التوقيف أو المصادرة وذلك بتشريع قوانين لحماية حرية الإعلاميين على أن تفعل هذه القوانين على أرض الواقع.
  • ضرورة دراسة العوامل السيكولوجية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في الجماهير في إطار ممارسة العمل الإعلامي مما يتطلب إعداد بحوث ميدانية وإيجاد آليات تواصل مستمرة ودورية لكل الشرائح المختلفة من الجماهير.
  • وهناك ما يعرف بالتنظيم الذاتي للصحافة والإعلام وهى إستراتيجية تهدف إلى وضع معايير تحريرية تطوعية والالتزام بها من خلال عملية تواصلية مع الجمهور.
أدوار الفاعلين في قضية تحرير الإعلام:
  • يقع على عاتق البرلمان دور مهم فى تحرير الإعلام لأنه المنوط بتشريع قوانين هي المنظمة والمحددة لمسار العمل الإعلامي وللعلاقة بين مكوناته. فالبرلمان هو الذي عليه إصدار تشريعات تكفل حماية حرية التعبير وحرية تداول المعلومات. هناك موضوع أخر شديد الحساسية على البرلمان وهو إصدار تشريعات تضمن عدم انتقال سلطة تحكم الدولة فى الإعلام الى تحكم رأس المال عن طريق الاحتكار، كذلك إصدار التشريع الذي بمقتضاه يمكن إنشاء الجهاز القومي للإعلام والذي سبق توضيح دوره.
  • على الدولة أن توفر في كليات ومعاهد الإعلام مناهج قادرة على تخريج إعلاميين مواكبين لتكنولوجيا العصر وقادرين على الإبداع وواعين بأهمية الإعلام في مواجهة قضايا المجتمع وتحقيق نهضته. كما انه على الدولة تحرير المؤسسات القومية الإعلامية من الفساد وقبضة سلطة الدولة والاستفادة من خبرات الدول التي نجحت فى تحرير الإعلام في هذا الصدد.
  • كما تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورا هاما فى الرقابة على وسائل الإعلام والمشاركة التفاعلية معها فعليها ألا تكتفي بالتلقي بل تساهم في تقيم محتوى ما تقدمه وسائل الإعلام، وتساعد الفرد على تقييم هذا المحتوى وتطويره إلى ما يمكن ان يحقق مزيد من التقدم في المجتمع.
  • تقع على المؤسسات الإعلامية مسئولية الالتزام بمعايير الشفافية والضوابط المهنية وجودة المستوى التقني وتوفير كل ما يلزم لتحقيق ذلك، وتدريب العاملين وأتباع أحدث التقنيات وجذب الجمهور لمتابعة الرسالة والمحتوى وتنمية روح الابتكار والوقوف على نفس المسافة من جميع التيارات وفئات المجتمع.

أن تحقيق الأهداف القومية لا يمكن ان يتم بمعزل عن دور قوي يلعبه الإعلام ليكون جسر التواصل بين القائمين على وضع خطط النهضة فى المجتمع وبين جموع المواطنين الذى لا يمكن للنهضة أن تتحقق دون مشاركتهم الفعالة الإيجابية, من هنا توجب على كل الأطراف: الدولة، والمؤسسات الإعلامية، والأفراد، أن يقوم كل منها بدوره وألا يكتفي الفرد بعد الثورة بالتلقي بل عليه ان يشارك بفاعلية فى تطوير وتقييم ما يتلقاه.

Start typing and press Enter to search