تقرير ندوة 4 شباط 2024
نظرًا لحساسية الوضع الراهن وأهمية تحليل التحديات التي تواجه سوريا، خاصة في ظل التحولات العميقة التي تمر بها المنطقة ككل، والتداعيات الإقليمية والدولية التي تؤثر على مستقبل سوريا التي تعد دولة من الدول المحورية في المنطقة وأن تحولاتها تؤثر في شكل المنطقة ككل. عقد منتدى البدائل العربي ندوته الشهرية لبرنامجي التحولات السياسية والعدالة الاجتماعية لمناقشة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال مرحلة الانتقال السياسي في سوريا، وذلك يوم 4 شباط/ فبراير 2025.
الجلسة الأولى: التحولات السياسية في سوريا:
تحدث فيها كلا من زينة شهلا (صحفية وكاتبة سورية) ومعتصم السيوفي (مدير منظمة اليوم التالي) و سلام الكواكبي (مدير مكتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) وأدارت الجلسة أسماء نويرة (عضوة المجلس الاستشاري لمنتدى البدائل العربي).
تناولت الجلسة الأولى التحولات السياسية في سوريا، حيث تم التأكيد على أهمية اللحظة التاريخية التي تمر بها البلاد، مع الإشارة إلى أن الانتقال السياسي في سوريا يأتي بعد سنوات طويلة من القمع والتدخلات الإقليمية والدولية. مع الإشارة لأهمية التعلم من التجارب السابقة في المنطقة العربية، خاصة في التعامل مع الحركات السياسية والدينية المختلفة، وإدارة التنوع العرقي والطائفي بشكل يضمن السلم الأهلي ويحول دون تجدد النزاعات. كما تم التشديد على أهمية بناء توافق وطني يضمن مشاركة كافة القوى السياسية والاجتماعية في العملية السياسية، مع التركيز على وضع دستور جديد يعكس تطلعات مختلف فئات الشعب السوري.
وعن مشاعر الشارع السوري في المرحلة الراهنة، فالمشهد السوري يعكس مزيجًا من الأمل والحذر، فرغم تراجع حدة القتال، لا تزال التحديات الأمنية قائمة، حيث تشهد بعض المناطق، مثل درعا وشمال غرب سوريا، اضطرابات متفرقة وتصاعدًا في عمليات الاغتيال والانتهاكات الأمنية. ويواجه السوريون أيضا ظروف اقتصادية صعبة. فوفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2024، فإن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، ما يعكس الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعصف بالبلاد. كما أشار البنك الدولي في تقريره الأخير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا تقلص بنسبة تفوق 60% منذ عام 2011، بينما تراجعت قيمة الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، ما أدى إلى تضخم جامح في أسعار السلع الأساسية. وتشهد الأسواق السورية تقلبات حادة في الأسعار ونقصًا في بعض السلع الأساسية، مثل القمح والوقود، نتيجة للعقوبات التي فرضتها القوى الدولية على نظام الأسد، ولا تزال مستمرة، وكذلك ايضا العوامل الداخلية، بما في ذلك الفساد وانهيار البنية التحتية. يضاف إلى ذلك محدودية فرص العمل، حيث يتجاوز معدل البطالة 50%، مما يفاقم من معاناة السكان، خاصة في ظل غياب الاستثمارات الخارجية وضعف الإنتاج المحلي.
أما فيما يتعلق باللاجئين، فلا يزال أكثر من 5.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في دول الجوار، وخاصة في تركيا ولبنان والأردن. ويواجه هؤلاء أوضاعًا معيشية صعبة، مع تزايد الضغوط الاقتصادية في البلدان المضيفة، وتصاعد الخطاب المعادي للاجئين في بعض الدول. وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 70% من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر المدقع، بينما يعاني العديد منهم من قيود قانونية تحد من فرصهم في العمل والحصول على الخدمات الأساسية.
في ظل هذه الأوضاع، تتزايد الضغوط لإعادة اللاجئين، رغم المخاوف المرتبطة بالوضع الأمني في سوريا ، مما يجعل قرار العودة معقدًا ومشحونًا بالمخاطر.
أن المرحلة الانتقالية تتطلب توافقًا وطنيًا واسعًا يضمن إشراك كافة القوى السياسية والاجتماعية، بما في ذلك المعارضة والمجتمع المدني، لضمان انتقال مستقر وديمقراطي. وإحدى أبرز المشكلات الحالية هي غياب رؤية واضحة لخارطة الطريق نحو الديمقراطية، حيث لم يتم التوصل إلى اتفاق على آليات تنفيذية للإصلاح السياسي، رغم محاولات الأمم المتحدة الدفع بالعملية السياسية من خلال مسار اللجنة الدستورية. كما أن السلطة الحالية تفتقر إلى مؤسسات فعالة قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية بطريقة تضمن الاستقرار، ما يعزز حالة الجمود السياسي وعدم اليقين بشأن مستقبل البلاد.
كما تم التنبيه إلى خطورة تغييب مفهوم العدالة الانتقالية، وتمت الإشارة الى تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش لعام 2023، والذي حذر من أن عدم محاسبة مرتكبي الانتهاكات السابقة قد يعيق أي جهود للمصالحة الوطنية. فقد وثقت المنظمة استمرار الانتهاكات من قبل مختلف الأطراف، ما يعزز مشاعر الغبن ويهدد أي إمكانية لتحقيق عدالة حقيقية تؤسس لمستقبل مستقر. فاستقرار سوريا لا يمكن أن يتم بدون إصلاح سياسي شامل يعالج جذور الأزمة، من خلال آليات تضمن الحريات السياسية، وتحقيق الفصل بين السلطات، وإرساء سيادة القانون. وتم التأكيد على أهمية دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني في بناء مستقبل ديمقراطي، مستشهدين في ذلك بتوصيات تقرير صادر عن المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA)، الذي شدد على ضرورة تعزيز دور الفاعلين المحليين في أي عملية انتقالية ناجحة.
أما عن الأبعاد الإقليمية والدولية للأزمة السورية، فهناك قوى إقليمية ودولية تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة في سوريا، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي. فالتدخلات الخارجية، سواء من قبل الولايات المتحدة وروسيا أو من قبل دول إقليمية مثل تركيا وإيران، تعكس تنافسًا جيوسياسيًا يعطل أي جهود حقيقية لتحقيق حل سياسي مستدام. فبعض الدول لا تزال ترى في سوريا ساحة لتصفية الحسابات السياسية، حيث تواصل بعض القوى الدولية والإقليمية استخدام البلاد كأداة لتعزيز نفوذها أو تقويض نفوذ خصومها.. وتم التشديد على ضرورة التعامل بحذر مع محاولات بعض القوى الإقليمية فرض أجنداتها، مشيرين إلى أن التحدي الأكبر يكمن في كيفية تحقيق التوازن بين المتطلبات الداخلية والضغوط الخارجية. في هذا السياق، أكدت تقارير صادرة عن مجموعة الأزمات الدولية أن أحد العوامل الأساسية لتعقيد المشهد السوري هو تعدد اللاعبين الدوليين والإقليميين وتضارب مصالحهم، ما يؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار.
وتم طرح أهمية الدبلوماسية النشطة والانفتاح على جميع الأطراف كوسيلة ضرورية للتعامل مع الضغوط الخارجية وتخفيف التدخلات. ووفقًا لدراسة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط، فإن التدخلات الإقليمية في سوريا قد أدت إلى تعقيد عملية المصالحة الوطنية وزيادة الانقسامات الداخلية، حيث خلقت هذه التدخلات شبكات ولاء متضاربة بين الفصائل المسلحة والسياسية، ما يجعل من الصعب التوصل إلى توافق وطني حول مستقبل البلاد.
للاستماع للجلسة:
الجلسة الثانية: التحديات الاقتصادية والاجتماعية في سوريا
تحدث فيها كلا من ربيع نصر (باحث اقتصادي ومؤسس المركز السوري بحوث السياسات) وجوزيف ضاهر (أستاذ بجامعة لوزان) وأدارت الجلسة سلمى حسين (صحفية وباحثة الاقتصادية من مصر).
افتتح النقاش بتوضيح أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية لا تقل أهمية عن التحديات السياسية، بل إنها تشكل في كثير من الأحيان أساس الاستقرار أو عدمه. وتم تناول الوضع الاقتصادي الراهن في سوريا، حيث الأزمة الاقتصادية في البلاد ليست فقط نتيجة للحرب، بل تعود أيضًا إلى سنوات من الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية، مما أدى إلى انهيار القطاعات الإنتاجية والخدمية وتفاقم الأوضاع المعيشية للسكان. وعليه إعادة بناء الاقتصاد تحتاج إلى خطط تنموية طويلة المدى تستند إلى سياسات واضحة وإدارة رشيدة، بالإضافة إلى دعم دولي فعّال يساعد في تخفيف الأعباء الاقتصادية عن المواطنين. في هذا السياق، حذّر تقرير صادر عن البنك الدولي من أن غياب الإصلاحات الاقتصادية سيؤدي إلى مزيد من التدهور في القطاعات الإنتاجية والخدمية، مما يعمّق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
كما أن البلاد تعاني من انهيار شامل للبنية التحتية الاقتصادية، حيث تضررت القطاعات الإنتاجية بشكل كبير بسبب الحرب، والعقوبات الدولية، وانخفاض الاستثمار. وأوضح تقرير البنك الدولي لعام 2024 أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا انخفض بنسبة 60% مقارنة بعام 2010، مما يعكس حجم الأزمة الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، تدهورت قيمة الليرة السورية بشكل حاد، مما أدى إلى ارتفاع التضخم وصعوبة حصول المواطنين على السلع الأساسية.
وعلى صعيد سوق العمل، ارتفعت معدلات البطالة إلى أكثر من 50%، بينما تجاوزت نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر 90%، وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة. ونتيجة لهذا التدهور، فإن إعادة الإعمار تحتاج إلى استثمارات ضخمة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، وهو أمر يتطلب بيئة مستقرة وآمنة، وهو ما لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا بسبب استمرار عدم الاستقرار السياسي والأمني.
أما عن تأثير الأزمة الاقتصادية على المجتمع السوري، فقد أدى تدني مستوى المعيشة إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية، حيث ازدادت معدلات الهجرة الداخلية والخارجية بشكل كبير، لا سيما بين الشباب الباحثين عن فرص عمل في الخارج. وتشير بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن سوريا لا تزال واحدة من أكثر الدول المصدّرة للاجئين، حيث يواصل الآلاف مغادرة البلاد سنويًا بحثًا عن حياة أفضل. هذه الهجرة الناتجة عن تدهور الظروف الاقتصادية ساهمت في زيادة الضغط على البلدان المجاورة، لا سيما لبنان وتركيا، حيث تشير بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن أكثر من 5.5 مليون سوري يعيشون في دول الجوار، مما يفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تلك البلدان أيضًا.
كما ارتفعت نسب الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، مع 90% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2024. هذا التدهور في مستويات المعيشة خلق تحديات كبيرة أمام قدرة الدولة والمجتمع على إعادة البناء، حيث لا تزال القدرة على توفير السلع الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية محدودة للغاية، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي ويفاقم من حالة الإحباط بين المواطنين.
وتطرق الحوار إلى دور المجتمع المدني والقطاع الخاص في إعادة الإعمار، حيث أشار إلى ضرورة وضع سياسات اقتصادية تضمن العدالة الاجتماعية وتخفيف الفجوات الطبقية. فالمجتمع المدني، الذي يشمل المنظمات غير الحكومية ونقابات وروابط أهلية متعددة، يواجه صعوبات في تأدية دوره بسبب القيود القانونية والضغوط الاقتصادية. فالوضع الاقتصادي الراهن، تعاني فيه البلاد من انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية، حيث تضررت القطاعات الإنتاجية بشكل كبير، سواء في مجال الصناعة أو الزراعة. ووفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2024، فإن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا انخفض بنسبة 60% مقارنة بعام 2010، مما يعكس حجم الكارثة الاقتصادية التي تواجهها البلاد. وهو ما كان قد بدأ قبل 2010 في توجه النظام السابق للنيوليبرالية بقيادة أوليجاركية ناشئة. وبدون بيئة مستقرة، من الصعب جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية الضرورية لإعادة بناء الاقتصاد وتحفيز النمو الاقتصادي في البلاد.
في هذا السياق، أظهرت العديد من الدراسات أن هناك حاجة ملحة لتطبيق هذه الإصلاحات من أجل معالجة التحديات الاقتصادية، التي ستستمر في تأثيرها على المجتمع السوري إذا لم يتم العمل بشكل جاد على تبني سياسات تنموية شاملة.
للاستماع للجلسة:
التوصيات الختامية:
خرجت الندوة بعدة توصيات هامة، تمحورت حول ضرورة تبني سياسات اقتصادية واجتماعية تراعي احتياجات المواطنين السوريين، وتحسين مستوى المعيشة من خلال مشاريع تنموية تركز على القطاعات الأكثر تضررًا مثل التعليم، الصحة، والإسكان.
كما أوصى المشاركون بضرورة وضع خارطة طريق سياسية واضحة تضمن مشاركة جميع الأطراف السورية في رسم مستقبل البلاد، مع التأكيد على أن أي حل سياسي يجب أن يكون شاملاً، يشرك كافة القوى السياسية، بما في ذلك المعارضة والمجتمع المدني، لضمان أن يكون الحل مستدامًا ومقبولًا من جميع الأطراف.
كما شددت التوصيات على أهمية تعزيز دور المجتمع المدني في بناء السلام والاستقرار، حيث يعتبر المجتمع المدني شريكًا أساسيًا في تعزيز الشفافية والمحاسبة، وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار المحلية التي تلبي احتياجات المواطنين المباشرة.
وتم التأكيد على أهمية دعم الجهود الدولية لإعادة الإعمار، مع التركيز على بناء مؤسسات اقتصادية شفافة وقوية، من خلال توفير بيئة مواتية لجذب المشروعات المحلية والدولية. كما تم الإشارة إلى ضرورة تطبيق إصلاحات اقتصادية وإدارية تضمن تحقيق تنمية مستدامة، بالإضافة إلى تحسين الشفافية الحكومية، وضمان أن الموارد المستخدمة في إعادة الإعمار تكون موجهة بشكل فعّال لخدمة كافة فئات الشعب السوري، لا سيما الفئات الأكثر ضعفًا.
مراجع حول موضوع الندوة:
-
تقرير الأزمة الإنسانية للاجئين السوريين في لبنان، مفوضية اللاجئين، 2024.
https://www.unhcr.org/countries/lebanon -
تقرير الأمم المتحدة حول الفقر والبطالة في سوريا، 2024.
الجزيرة، 28/10/2021، غريفيث لمجلس الأمن: 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر
-
تقرير البنك الدولي حول الاقتصاد السوري، 2024. مجموعة البنك الدولي، بيان صحفي، 05/24/2024، سوريا: تفاقم الانكماش في معدلات النمو وتدهور رفاه الأسر السورية.
-
تقرير المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA) حول التحولات الديمقراطية في الدول ما بعد النزاع، 2023. الادارة الانتخابية بالفترة الانتقالية: التحديات والفرص.
-
تقرير معهد كارنيغي للشرق الأوسط عن مستقبل الانتقال السياسي في سوريا، 2023.
https://carnegieendowment.org/middle-east/syria-in-a-new-era?lang=en
-
تقرير المركز الدولي للعدالة الانتقالية عن العدالة الانتقالية في سوريا، 2023.