تأثير الأزمات الاقتصادية والمالية في العملية الديمقراطية
ياسين النبالي
تونس

ياسين النابلي: هو صحفي وباحث في الحضارة العربية والإسلامية، مهتم بتاريخ الحركات السياسية في تونس وفي المنطقة
العربية

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [401.75 KB]

لا تعد الديمقراطية سببًا مباشرًا للأزمة الاقتصادية في تونس، بل يمكن اعتبارها سياقًا يشكل جزءًا من التحديات التي تواجه البلاد. يُفهم مفهوم الديمقراطية في تونس من خلال عدة نقاط، حيث يسعى النظام الديمقراطي إلى تحرير الفضاء العام من الرقابة، تحرير المجال السياسي من الاحتكار والحكم الفردي، استعادة حقوق الناس في التعبير والمواجهة، وتحقيق التداول السياسي.

كيف نُقيّم الصيرورة الديمقراطية (المعطلة الآن بسبب الانقلاب) من زاوية بنائها الداخلي، ومن زاوية علاقتها بالمسألة الاقتصادية والاجتماعية؟

تأتي صيرورة الديمقراطية في تونس في سياق إرث سياسي يمتد لخمسين سنة، وخلال العقد الذي اعتمدت فيه الديمقراطية، تجاوبت الحكومة مع أزمات اقتصادية واجتماعية بدليل على استجابتها لهموم الشعب. ومع ذلك، لم يحدث تغيير جوهري في النمط الاقتصادي بعد الديمقراطية، وبقيت بعض التحديات الهيكلية قائمة.

تتسم التجربة التونسية بتلاقي النظام السياسي الديمقراطي مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. يُعزى التراجع في الأوضاع الاقتصادية إلى استمرار الهيمنة الاقتصادية وتطورها بعد الثورة. أيضًا استمرار انحدار الظروف الاقتصادية والاجتماعية، مع انعكاس ذلك على نفسية الناس واستعدادهم للمشاركة السياسية.

ومن هنا نتساءل عن المسؤولية في هذا السياق، يوجد توجه في تونس حيث يرى بعض الأفراد أن النظام السياسي الديمقراطي يتحمل جزءًا من المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية. إلى جانب أن ربط الأزمة بالهيكل الديمقراطي يؤدي للتلويح بظلال الشعبوية كعامل يؤثر سلبًا على الديمقراطية.

من خلال استعراضنا للفترات الزمنية المختلفة، مثل سنة 2011 والفترة من 2015 إلى 2019، لتحليل كيفية تأثير الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على الديمقراطية.  في 2011 مثلا، كان هناك صراع سياسي حول الديمقراطية وتحول إلى مضامين اقتصادية واجتماعية، حتى نخب المعارضة اعتبرت أن الصراع السياسي في تونس لم يتطور، لم تأتِ الديمقراطية في سياق ازدهار اقتصادي مثلما تروج أشباح الماضي. وانتكست أيضًا الديمقراطية وعاد الاستبداد في سياق أزمة صحية ومالية كبيرة.

وهنا يمكن الرؤية ان المُشكلة أو التناقض الكبير الذي حَصل هو استمرار نمط الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية وتطوره بعد الثورة حتى مع ظهور الأشكال الديمقراطية. بمعنى أن ما شعرت به فئات اجتماعية واسعة بأن الديمقراطية تُشبه الاستبداد من زاوية وجهتها الاقتصادية المهيمنة. وكانت هذه المرحلة من ضمن التوافق والهدف منها تهميش الأزمة ومحاولة القضاء على الهشاشة في الطبقة السياسية.

عملت هذه المنظومة بمنطق أن الطبقة السياسية لها ارتباط مباشر بمصالح اقتصادية ومالية وسياسية،  وهذا التداخل الذي خلط بين النقد الديمقراطي وتطوير الديمقراطية وجعل الأمر يأخذ صراع اقتصادي واجتماعي ويؤثر سلبا على المجتمع. لذا فالأزمة هي أزمة ممارسة سياسية ويتحملها من حكموا بعد 2011 وهم من شيطنوا الديمقراطية.

أود أن أشير كذلك إلى أن النظام التونسي الجديد هو نظام بديل للهيمنة، حتى الأحزاب اليسارية أصبحت خطاباتها غير سياسية، بل اقتصادية واجتماعية وأصبح خطاب اليمين وخطاب اليسار مشابهين.

أفرز هذا التوجه نمو شعور عام باستمرار ظاهرة الحقوق المُهدرة. وأنّ الذّهاب إلى صناديق الاقتراع لا يُغيّر الوضع السياسي وهذا هو النفق التي تسربت منه الشعبوية في تونس، وفي هذه الأثناء انتعشت السرديات الاستبدادية التي تقول بأن الديمقراطية هي سبب الأزمة الاقتصادية.

أظهرت ليلة 25 جويلية / 25 يوليو/ تموز (لحظة الانقلاب) قلة التعاطف مع المؤسسات الديمقراطية (حل البرلمان، حل المجلس الأعلى للقضاء، تعطيل الهيئات المستقلة وتعطيل البعض منها، وصولًا إلى المرسوم 54 واستهداف الحقوق والحريات وكل نشاط سياسي معارض للحاكم-الفرد.

أثرت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الديمقراطية في السياق التونسي،  مثلا فالفقر، الأمراض، والتحديات المناخية في هذه الظروف رافقها حراك سوسيولوجي ضعيف،  أدّى إلى انهيار كل القيم الديمقراطية وبرزت نزعات الانتقام والتشفي وأصبحت الشعبوية ظاهرة جديدة. والخطير في هذه الظاهرة هو إعادة إنتاج سلطة الفرد من خارج الصراع الديمقراطي، أعاد إنتاجها باستعمال وسائل الدولة وأجهزتها الأمنية.

كيف يمكننا التغلب على التحديات الحالية، بما في ذلك إعادة إحياء الصيرورة الديمقراطية والنضال من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. يجب علينا التفكير في مشاريع سياسية جديدة تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الحالية، مع التركيز على مواضيع مثل تحسين الخدمات الاجتماعية واستعادة دور الدولة في توفير شروط حياة جيدة.

فبغض النظر عن النقد الموجه إلى تجربة العشر سنوات وهشاشتها فإنها وضعتنا أمام صيرورة ديمقراطية منذ 17 ديسمبر 2010, إلا أنها كانت تسمح للناشطين والصحفيين والفاعلين السياسيين بإمكانية تطوير مضامين الصراع السوسيو-اقتصادي في تونس، ولكن الآن هذه الصيرورة معطلة. لذا يجب ضرورة النضال من أجل إعادة إحياء هذه الصيرورة الديمقراطية.

 

Start typing and press Enter to search