آية جراد
قدمت هذه المداخلة الدكتورة آية جراد، باحثة وأستاذة مساعدة للدراسات الأمنية والعدالة الجنائية في الجامعات التونسية.
تحمل الدكتوراه في قانون العلاقات الدولية، مع تخصص فرعي في الدراسات الأمنية، من كلية العلوم القانونية والسياسية
والاجتماعية بجامعة قرطاج. تركز اهتماماتها البحثية على مواضيع الحوكمة وسيادة القانون، وإصلاح قطاعي الأمن
والعدالة، وحدود الدولة، والعنف والمرونة المجتمعية في شمال أفريقيا، مع تركيز خاص على الوضع في تونس. فيما يلي
ملخص لما قدمته خلال مداخلتها، إلى جانب المداخلات التي قدمها الحضور.
تعريف العنف:
يتم الحديث حول العنف في جميع أشكاله المتنوعة التي تواجهنا في مختلف جوانب الحياة، وليس الاقتصار على العنف السياسي بشكل خاص. يمكن تعريف العنف بأنه استخدام أو التلويح بالقوة المادية ضد فرد أو مجموعة من الأفراد بهدف تحويل قراراتهم.
في تونس، على سبيل المثال، تثير قضية العنف الإجرامي تحديات، حيث يصعب العثور على إحصائيات دقيقة نظرًا لتوقف وزارة الداخلية عن إصدار تقارير حول هذا النوع من العنف منذ عام 2015. تظهر أشكال أخرى من العنف في تونس، مثل العنف المستهدف ضد فئات معينة مثل الأطفال المعرضين للتهديد أو الأطفال المتورطين في نزاعات مع القانون. يمكن العثور على إحصائيات متعددة تتعلق بهذا الموضوع من خلال تقارير مندوبي حماية الطفولة في تونس.
يمكن العثور على أنماط أخرى من العنف في تقارير متنوعة، مثل حالات الانتحار ومحاولاته (التي تُصنف كأنواع من العنف الذاتي)، وتُعتبر وسيلة للتعبير عن الاحتجاج ضد الذات والآخرين، وهي منتشرة إلى حد ما حتى أصبحت مقبولة بشكل جزئي.
العنف والديمقراطية:
يتعارض العنف، بكافة أشكاله وأنواعه، تمامًا مع مفهوم الديمقراطية، التي تسعى إلى تقديم وسائل بديلة لحل النزاعات، مثل إجراء الانتخابات. وعلى الرغم من ذلك تشير بعض الأمثلة إلى الادعاءات المرتبطة بأن تحقيق الديمقراطية قد يرتبط أحيانًا بظواهر العنف، كما حدث في العراق وأفغانستان في عامي 2001 و2003.
تُفرض الديمقراطية ضرورة وجود آليات للمساءلة عند حدوث العنف واعتداءات العنف، سواء كان ذلك عبر تصرفات الشرطة تجاه المواطنين أو بوسائل أخرى. الديمقراطية تحد من العنف وتحدد وسائل التعامل معه من خلال مفاهيم مثل المساءلة والشفافية.
عند الحديث عن الديمقراطية، يشمل ذلك الديمقراطيات الراسخة والدول في طور التحول الديمقراطي، حيث تسعى هذه الدول لاكتساب مكونات الدولة الديمقراطية. ومع ذلك، يُلاحظ أن الدولة ذاتها قد تمارس أشكالًا من العنف، ويجدر بالإشارة إلى أن العنف يمكن أن يولِّد المزيد من العنف.
على سبيل المثال، في تونس، يُستخدم العنف من قِبل الدولة من خلال إجراءات إدارية مثل الإجراء الحدودي 17 S، الذي يمثل الأمن القومي. ومع أن هناك حكمًا صادرًا من المحكمة الإدارية يُلغي هذه الإجراءات باعتبارها تعسفية، إلا أن وجودها يشير إلى وجود تحديات في التعامل مع العنف وضبطه في إطار الديمقراطية.
يُظهر العنف في تونس أيضًا من خلال تعذيب المعتقلين في السجون وحالات اعتقال تُعتبر تجاوزًا للحقوق الشخصية. هذا النوع من العنف يمكن أن يُفجر ردود فعل سلبية، وربما يؤدي إلى انضمام الأفراد إلى جماعات متطرفة أو تنفيذ أفعال عنيفة تجاه الذات أو الآخرين، كما حدث في بعض حالات الانتحار. بشكل عام، يظهر أن تقوية مفاهيم الديمقراطية وضمان مساءلة الدولة يمكن أن يحد من حدوث العنف وتداوله في المجتمع.
عن المقاتلين العائدين من مناطق النزاع:
يُلاحظ أن هناك قلة من الدراسات في تونس حول المقاتلين العائدين من مناطق النزاع. في عام 2018، أجرى المعهد الوطني للدراسة الاستراتيجية، وهو مؤسسة حكومية تعمل تحت رئاسة الجمهورية، دراسة مع 82 مسجونًا من المقاتلين العائدين من مناطق النزاع. كشفت الدراسة عن تعرض المساجين جميعًا للعنف بكافة أشكاله خلال مسيرتهم الحياتية قبل انضمامهم إلى مجموعات عنيفة، وكان بعضهم قد اختار توجيه العنف إلى أنفسهم.
تشير الدراسة أيضًا إلى استخدام العنف داخل الأسرة والمجتمع كجزء من تجارب المساجين، حيث بدأ العنف يُنظر إليه بشكل عادي. يظهر العنف البوليسي الذي يستخدمه أجهزة الدولة كمصدر آخر للعنف، حيث تتسبب الاشتباكات بين أجهزة الدولة والمواطنين في تصعيد الاحتجاجات من الطابع السلمي إلى الطابع غير السلمي.
عندما يُسأل الأفراد حول انطباعاتهم حول استخدام العنف، يتضح أن الرد يتجه نحو اعتبار العنف كرد فعل مشروع ووسيلة مشروعة لمواجهة العنف الذي يُمارسه الدولة بأشكال مختلفة. يعزو الكثيرون هذا الاتجاه نحو العنف في تونس إلى رغبة الشباب في الرد على الظروف الصعبة التي واجهوها على مدار سنوات، ويعتبرون هذه الاحتجاجات العنيفة كرد فعل طبيعي في غياب الدولة ونقص البدائل.
يتحدث البعض حول أن الانتهاء من العنف يحتاج تغييرا، ومراحل التغيير الناجح، يمكنني تلخيصها في ثلاث مراحل رئيسية:
- الهيكل السلوكي:
في هذه المرحلة، يتم تغيير السلوك العنيف في المجتمع أو المجموعة بأكملها. يتطلب ذلك نبذ العنف وتبني سلوكيات سلمية واحترام حقوق الأفراد. يتم توجيه الجهود نحو تحفيز تغيير في السلوكيات والممارسات اليومية للأفراد والمجموعة.
- الهيكل الأيديولوجي:
في هذه المرحلة، يتم تحويل الأفكار والمعتقدات الخاصة بالعنف وتشجيع تبني قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. يتعلق هذا بتغيير الرؤى والتصورات الأيديولوجية لأفراد المجتمع أو المجموعة. يتم تشجيعهم تدريجياً على القبول والمشاركة في العمل الديمقراطي وفهم أهميته.
- الهيكل التنظيمي:
في هذه المرحلة، يتم فك تنظيم المجموعة/ات السابقة التي اعتمدت العنف، ويتم إعادة بناؤها بطريقة تدعم العمل السياسي السلمي. يتضمن ذلك إنشاء هياكل تنظيمية تدعم التعاون وتبادل الآراء بشكل بناء، مع التركيز على الحوار والتفاهم بدلاً من الصدام.
تتيح هذه المراحل الثلاث للمجتمع التحول تدريجيًا من بنية عنفية إلى بنية تسعى إلى التعايش والتعاون بشكل سلمي، وتمثل مسارًا نحو تحقيق الديمقراطية وتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع.
في النهاية، يشكل تحول المجموعات المسلحة إلى الدمقراطية تحديًا هامًا ومعقدًا في العالم العربي. يمكن الاستفادة من بعض الأمثلة الناجحة في العالم، مثل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا، حيث نجحوا في تحويل أنفسهم من كيان مسلح إلى قوة سياسية ديمقراطية. ويعزى نجاحهم إلى عدة عوامل، منها تقييد العمل المسلح، والقيادة الكاريزماتية لنيلسون مانديلا، والتحول السلمي نحو مشهد سياسي.
ومع ذلك، يظهر العالم العربي تحديات أكبر في هذا السياق، حيث كانت الأمثلة غير ناجحة بشكل كبير، مثل الجماعة الإسلامية في مصر وحركة الجهاد الإسلامي في تونس. وتكمن المسألة الرئيسية في إلى أي مدى يمكن للمجموعات السابقة المسلحة أن تتأقلم مع قواعد اللعبة الديمقراطية وتتناسب مع المفاهيم الأساسية للحوكمة وحقوق الإنسان. يتطلب هذا تجاوز التاريخ الملون بالعنف والتعاون في إعادة بناء المؤسسات الديمقراطية.
لكن يبدو أن المراحل الثلاث لتحقيق التغيير قد تبدو بعيدة المنال في السياق الحالي، حيث يحتاج التحول إلى مزيد من الجهود والتفاهم والتوافق. تحتمل هذه العملية العديد من التحديات الثقافية والاجتماعية التي يجب التغلب عليها لتحقيق تحول حقيقي نحو المشاركة الديمقراطية.
المراجع والمصادر:
- (1) المرصد الوطني للعدالة يشير إلى أن هناك 100,000 شخص مستهدفين بالإجراء S17، لكن تقارير أخرى صدرت عام 2018 تقول إن هناك 30,000 شخص مستهدفين بالإجراءS17.
- (2) المعهد الوطني للدراسة الإستراتيجية.