علاقة البرلمانات بالسلطات المحلية.. أزمة كورونا نموذجًا
محمد الحاموش
الأردن ,تونس ,لبنان ,مصر

محمد الحاموش

باحث علوم اجتماعية – منتدى البدائل العربي للدراسات

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [391.19 KB]

السؤال حول اللامركزية ودور المحليّات في الأنظمة الديمقراطية كان من جملة الأسئلة الّتي طرحتها جائحة كوفيد، فالجائحة الّتي شكّلت تحديًا للأنظمة والدّول عالميًّا تطلّبت تغييرات استثنائية وسريعة في طبيعة الحكم وطريقة اتّخاذ القرارات فيها، لا سيّما أن الجائحة تطلّبت تدخّلًا سريعًا من جانب الحكومات لفرض الإجراءات الاحترازيّة، كما تطلبت تلبية الإصابات الكبيرة وضمان إجراءات الحجر الصّحي، ولاحقًا فيما خصّ عمليّات التلقيح وإعادة الحياة إلى طبيعتها، ما أدّى بأغلبيّة دول العالم إلى اتخاذ إجراءات استثنائية على صعيد عملية اتخاذ القرار، تشكّلت هذه الإجراءات على شكل قوانين الطوارئ في بعض دولنا العربيّة. وهكذا تجاوزت الجائحة كونها تهديدًا صحيًّا للمواطنين لتصبح تهديدًا للديمقراطيّة أو على أقل تقدير تحديًا لها.

وفي ظل الحاجة إلى التدخّل السريع يأتي السؤال حول أهمية اللّامركزيّة في الاستجابة للأزمات، في حين تعتبر اللامركزية مبدأً أساسيًّا من مبادئ الديمقراطية، لما تقوم به من توزيع السلطات على العديد من المستويات الإدارية، من الحكومة المركزية إلى المجالس المحليّة. شهدت الأنظمة الّتي تتمتّع بمستوى أعلى من اللّامركزيّة قدرة أكبر على التعامل مع الأزمة على المستوى العملي في حين تطلّبت الأنظمة الأكثر مركزيّةً تغييرات أكبر على صعيد العمل الإداري وآليات اتخاذ وتنفيذ القرار في سبيل الاستجابة للأزمة. كما تطلّبت الأزمة مركزيّة أكبر على صعيد اتخاذ القرار ورسم السياسات العامّة، لا سيّما فيما خص الاستجابة للحاجات والتحديات الاقتصاديّة الّتي فرضتها الجائحة.

تبرز أهمية اللامركزية من خلال الدّور الّذي لعبته المحليّات في التصدّي للجائحة، لا سيّما على صعيد التواصل مع المواطنين وعلى صعيد تسهيل التواصل بين الحكومة المركزية والمجتمعات المحليات. وفي حين احتاجت الأنظمة إلى تجاوز السلطة التشريعيّة من خلال قوانين الطوارئ وإعطاء صلاحيات أكبر للسلطات التنفيذيّة، برزت أهمية التواصل بين البرلمانات والسلطات المحلية في سبيل تفعيل وتعزيز الدّور الرقابي للبرلمانات على أنشطة السلطات التنفيذيّة. ففي بريطانيا على سبيل المثال، قامت السلطات المحلية بإعداد خطة لإدارة تفشي الوباء على صعيد المحليات، لتساعد بعضها بعضًا في توجيه طاقاتها وطاقات المؤسسات الشريكة سواء الرسمية أو الأهلية والمجتمعية، ركزت هذه الخطة في تأمين الصحة والتعليم وأماكن العمل، تأمين الفحوصات الطبية، دعم الفئات الأضعف، وضمان الحوكمة الفعالة والتواصل بين المجالس المحلية والحكومة المركزية[1].

ففي لبنان، يُظهِر استقلال البلديات المالي والإداري وجود قدر من اللامركزيّة، حيث تعمل تحت رقابة السلطة المركزية. يمنح قانون الأمراض المعدية في لبنان الصادر بتاريخ 31/12/1957 البلديات صلاحيات واضحة في مكافحة الأمراض والأوبئة وتنفيذ إجراءات العزل وتحمُّل نفقات التبخير والتطهير والدفن. وتعطي الفقرةُ 12 من المادّة 74 من القانون رئيسَ البلديّة صلاحيّة اتخاذ التدابير بشأن مكافحة الأمراض الوبائية والسارية، كما تعطي الفقرة 18 صلاحية “تأمين توزيع المساعدات الأزمة لإعانة ضحايا الآفات والنكبات كالحريق وطغيان المياه والأمراض الوبائية أو السارية، إلخ”، وبذلك وبحكم قربها وقدرتها على التواصل والوصول إلى المواطنين شكلت البلديات الوسيلة الأمثل لمراقبة الوباء، وتم توجيهها من جانب وزارة الداخلية والبلديات لتشكيل خلايا في كل بلدية او اتحاد بلديات تعنى باتخاذ الإجراءات المناسبة لمكافحة الفيروس.

وفقًا لاستبيان أجراه منتدى البدائل العربي للدراسات[2] جرى التواصل بين البرلمان والمجالس المحلية كالبلديات والمحافظين بغية السعي إلى إيجاد الأماكن التي يمكن استعمالها للحجر الصحي خاصة بالنسبة إلى الوافدين من خارج لبنان، وقد لعبت لجنتا الصحة النيابية والداخلية والبلديات دورًا بارزًا على صعيد مواكبة كل الإجراءات التي تقوم بها وزارة الصحة ووزارة الداخلية والبلديات لمتابعة تنفيذ الإجراءات التي تم التوافق عليها.

أما في تونس، فعلى الرغم من أنّ دستور 27 كانون الثاني 2014، قد نصّ صراحة في الفصل 132 منه على أن “تتمتّع الجماعات المحلية بالشخصية القانونية، وبالاستقلالية الإدارية والمالية، وتدير المصالح المحلية وفقًا لمبدأ التدبير الحر”، فإنّ التكريس التشريعي لهذا التوجّه لم يكن بنفس المستوى من الوضوح، حيث لم يحسم العديد من المسائل المتعلقة بصلاحيات البلديات وعلاقاتها ببقية الإدارات المركزية واللامحورية[3]، ما أدّى إلى تجاذبات بين السلطة المركزية والسلطات المحليّة حيث فرضت السلطة المركزية على السلطات المحلية وجوب مراجعتها بصفة مسبقة في حال احتاجت إلى اتخاذ إجراءات إضافية للقرارات التي تتخذها السلطة المركزية. وفي ظل الخلاف الذي تأجج إلى تنافس وتعارض بين التدابير المتخذة على الصعيد الوطني وتلك المتخذة على صعيد المحليات، لم يلعب البرلمان أي دور يذكر في فض هذه النزاعات والاختلاف حول الاختصاصات بين السلطة المركزية والبلديات.

وفي مصر التي غابت فيها المحليات منذ عام 2011، إضافةً إلى تاريخ طويل من المركزية، فلا نجد فيها دورًا واضحًا للمحليات سوى على مستوى متابعة قرارات المركز، فقد تابعت المحافظات على سبيل المثال التأكد من إغلاق المحال والمقاهي المخالفة لقرارات الحظر إلى جانب متابعة قرارات الإغلاق لمراكز الدروس الخصوصية التي كانت تقدم خدمات تعليمية للطلاب في مراحل التعليم الأساسية، إلى جانب تلقي شكاوى المواطنين وتوصيلها إلى الجهة المعنية وهي وزارة التنمية المحلية، فقط دون دور فعال في التعامل مع الأزمة[4]. وبقيت المحليات في مصر تقوم بدورها في متابعة وتطبيق قرارات الحكومة المركزية. ولم يكن هناك تواصل واضح بين البرلمان والأجهزة المحلية في مصر وإنما كان هناك تواصل على المستوى الفردي للنائبات والنواب مع المؤسسات التنفيذية المحلية لمزيد من التأكيد والمعاونة على تنفيذ قرارات الحكومة المركزية[5].

أما في الأردن، فقد اتبعت الدولة مقاربة أمنية نابعة من قرار سياسي تمثّل في تفعيل قانون الدفاع، وتفعيل دور الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة وتوكيلها مهمة تنفيذ قرارات الحكومة. فانتشرت في الشوارع بين المدنيين، كما لعبت دورًا كبيرًا في إدارة الأزمة حيث تسلم إدارة خلية الأزمة مسؤولٌ في القوات المسلّحة، ما عزّز مركزيّة القرار الحكومي. أدّت هذه المقاربة إلى تعزيز ثقة الشعب بالحكومة بحسب استطلاعات الرأي في بداية المطاف، إلا أن هذا الدعم بدأ في التراجع مع الوقت بسبب انشغال الحكومة بالملف الصحة وإهمالها للجانب الاقتصادي ما أدّى إلى زيادة المعاناة في القطاع الخاص ودفع الحكومة الى التراجع عن بعض الإجراءات والقرارات[6]. وتحسنت كفاءة التواصل الإعلامي الحكومي من خلال المؤتمرات الصحفية الدورية التي تستجيب فيها للاستفسارات العامّة إلى جانب إعلان القرارات المتعلقة بإدارة الأزمة. إلّا أن هذه المركزية في إدارة الأزمة أدّت إلى تهميش دور مؤسسات الدّولة الأخرى مثل البرلمان الّذي لم ينعقد خلال فترة الأزمة، وكذلك في مجالس المحافظات[7].

تتضح أهمية اللامركزية والتفاعل الفعّال بين البرلمانات والسلطات المحلية في مواجهة الأزمات، خاصّة في ظل التّحديات الكبيرة التي فرضتها جائحة كوفيد على الأنظمة الديمقراطية. إن اللامركزية تعزّز قدرة المحلّيّات على التّكيّف مع الظّروف المحليّة المتغيّرة وتعزيز التواصل المباشر مع المجتمع، ما يسهم في تحسين استجابة الحكومة لاحتياجات المواطنين.

في مواجهة الأزمات، يتعين على البرلمانات أن تلعب دورًا فعّالًا في متابعة ومراقبة قرارات السّلطات المحلية وتعزيز التّواصل معها. يمكن للنّواب أن يسهموا في تعزيز الشفافية والمساءلة، وضمان أن تكون الإجراءات المتخذة تحقق توازنًا بين متطلبات السلامة العامة وحقوق المواطنين.

وفي ظل السؤال حول دور السلطوية وأثر مركزية القرار في انتشار فيروس كورونا، يمكننا استخلاص أهميّة اللّامركزيّة في جهوزية الدّولة لمواجهة التّحدّيات المفاجئة من قبيل أزمة كوفيد-19. في الأنظمة الّتي تتمتع بقدر من اللّامركزية تكون أكثر مرونة وأكثر قدرة على التّكيّف في مواجهة الأزمات في حين تحافظ فيها كلّ أجهزة الدّولة على أدوارها الحيويّة دون الحاجة إلى إعادة توزيع الموارد والطاقات بما يضمن التزام السلطات بأدوارها، على عكس الأنظمة المركزية الّتي تحتاج إلى إعادة هيكلة أجهزتها البيروقراطية كحال الأردن، فيصبح التّصدّي للتحديات أكثر صعوبة على الرّغم من قدرتها على التّحكّم في الموارد وتخصيصها بشكل أكبر. كما يمكن أن يؤدّي إلى تضارب في الرؤى والمصالح بين الإدارة المركزية والإدارات المحليّة في ظلّ غياب التقسيم الواضح للمهام والمسؤوليات كما رأينا في حال تونس.

______________________________

[1] Gore, T., Bimpson, E., Dobson, J., & Parkes, S. (2021). Local Government Responses to the COVID-19 Pandemic in the UK: A Thematic Review. Working Paper #3 – International Geographical Union Commission on Geography of Governance Project: “Local Government Response Towards Covid-19 Pandemic: A Worldwide Survey and Comparison”. Sheffield Hallam University. https://doi.org/10.7190/cresr.2021.6172521344

[2] محمد العجاتي، دور البرلمانات العربية في الاستجابة للأزمة المتعلقة بكوفيد-19، دراسة مقارنة (مصر، تونس، لبنان، المغرب، العراق، والإمارات)، الإسكوا، دراسة غير منشورة.

[3] السلطة المحلية على محك الأزمات… اللامركزية في زمن الكورونا، المفكرة القانونية 23 يونيو 2020،https://bit.ly/3b948J5

[4] الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء المصري على موقع فيس بوك، 7 نيسان/إبريل 2020،https://cutt.ly/utJnbYf

[5] محمد العجاتي، دور البرلمانات العربية في الاستجابة للأزمة المتعلقة بكوفيد-19، دراسة مقارنة (مصر، تونس، لبنان، المغرب، العراق، والإمارات)، الإسكوا، دراسة غير منشورة.

[6] إبراهيم سيف وليث العجلوني، الأردن وفيروس كورونا المستجد: إعادة تعريف دور الدولة والأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 26 أغسطس 2020. https://is.gd/JdFbNb

[7] إبراهيم سيف وليث العجلوني، الأردن وفيروس كورونا المستجد: إعادة تعريف دور الدولة والأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 26 أغسطس 2020. https://is.gd/JdFbNb

Start typing and press Enter to search