أسامة دياب ,محمد العجاتي ,محمد جاد ,محمد عبد الحميد
الإمارات العربية المتحدة
الخروج من «لعنة النفط»؟
تتمحور الفكرة الأساسية في الورقة البحثية التي أعددتُها مع الأستاذ محمد جاد حول كيف قدّمت الإمارات نفسها دولةً خرجت من «لعنة النفط» أو عباءة النفط وكيف أنّ اقتصادها لم يعد ريعيًّا بل صار يعتمد على موارد أخرى. لكن على الرغم من أن الإمارات قد خرجت، بشكلٍ ما، من تلك العباءة، إلا أنّ إيرادات النفط ما زالت تشكّل نسبةً كبيرةً في الاقتصاد الإماراتي، فعلى سبيل المثال لو أنّ النفط كان يشكّل خلال السبعينيات حوالي 60% من الناتج القومي، فإنّه قد انخفض عام 2018 إلى 40%، لكنّ قطاع الاستخراج نفسه من النفط والغاز ما زال يشكّل نسبة كبيرة، وهذا يظهر بشكل أوضح خلال السنوات التي تكون فيها أسعار النفط والغاز مرتفعة أو منخفضة.
وقد بدأت الإمارات اعتماد عمليات إعادة التصدير من كافة المنتجات ومن بينها النفط والغاز، إلى دول أخرى، فعلى سبيل المثال، لقد كان حجم قطاع إعادة التصدير خلال عام 2001 يشكّل حوالي 58 مليار درهم، لكن في عام 2018 بلغ حوالي 521 مليار درهم، وهذا رقم ضخم، أي أنّ هناك تطور كبير في عملية إعادة التصدير، خصوصًا أن الإمارات استغلّت موقعها بشدة. وربما كان هذا أبرز قطاع رصدناه وعملنا عليه كي نوضح كيف استغلّت الإمارات هذا الأمر بهدف تنويع مصادر إيراداتها.
ولكن على الرغم من اعتماد الإمارات خطابًا سياسيًّا يتمحور حول استراتيجية تنويع مصادر الدخل ومصادر الطاقة، فلو نظرنا إلى حجم صادراتها غير النفطية نجد أنّ الإمارات أيضًا في حالة تطوّر. خلال عام 2021 بلغت مساهمة صادرات الإمارات غير النفطية في حجم التجارة الخارجية 19% بعد أن كانت تبلغ 12% عام 2012، وهذا رقم يُظهر إلى حدّ ما وجود تطور في صادرات الإمارات. بالطبع، هناك قطاعات بعينها تستهدفها الإمارات، مثل الصناعات التحويلية مثلاً، لكننا في الدراسة لم ندخل في تفاصيلها، وأعتقد أن هذه القطاعات تحتاج إلى دراسة معمّقة تحديدًا قطاع الذهب والماس، خصوصًا أنّ الإمارات لا تمتلك ذهبًا لكنها واحدة من أكبر الدول التي تصدّر الذهب.
وأودّ أيضًا أن أذكر رقمَين في عوائد النفط. خلال عام 2001 كانت عوائد النفط تشكّل حوالي 75% من إجمالي إيرادات الموازنة، لكن في عام 2018 أصبحت 36%، وبالطبع هناك سنوات بين هاتين السنتين كانت عوائد النفط فيها منخفضة للغاية كعام 2016 حيث بلغت العوائد 22%، إلا أنّ سبب ذلك يرجع إلى انخفاض أسعار النفط خلال تلك الفترة. لكن مثلاً في 2008 عندما ارتفعت أسعار النفط، بلغت نسبة إيرادات النفط المالية للإمارات حوالي 70% من الإيرادات العامة للدولة على الرغم من أنها كانت آخذة في التنازل. ويُظهر هذا أيضًا لنا أنّ إيرادات الدولة في الإمارات لم تعد تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز، وقد بدأت التنويع سواءً عن طريق تنمية قطاع إعادة التصدير من خلال قطاع الموانئ، أو اهتمامها بقطاعات معينة بشكل كبير.
وعلى مستوى هيكل التجارة الإماراتي نفسه، لقد ازداد حجم صادرات النفط، أي صادرات المنتجات النفطية والغاز، مثل عمليات تكرير النفط لاستخراج مشتقات البترول من البنزين والسولار وغيرها، والتي بلغت خلال عام 2001 حوالي 9.5 مليار درهم، لكن في عام 2018 بلغت أكثر من 70 مليار درهم، وخلال بعض السنوات تخطّت الـ80 مليار درهم، وهذا رقم كبير. ولكن يبقى هناك تطور في صادرات المنتجات النفطية بخلاف تصدير النفط والغاز في شكلهما الأوّلي.
الخطاب السياسي
تناولت آخر نقطة في الدراسة الخطاب السياسي للإمارات، والتي دائمًا ما تروّج لنفسها على أنها تسعى إلى تنمية مواردها ومصادر إيراداتها وأنها دولة منفتحة ومهتمة بالطاقة النظيفة والمتجددة. وفي هذا الإطار مثلاً، تستضيف الإمارات منذ حوالي العام 2009، «الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة»، وهي كانت قد أطلقت استراتيجية تناقش فيها أهدافها بأنها تتحوّل إلى استخدام طاقة نظيفة وأنها تعتمد بشكل كبير على طاقة جديدة ومتجددة، لكن في الأصل تحتاج استراتيجية الطاقة في الإمارات 2050 إلى الكثير من المراجعة خصوصًا أن الاستراتيجية تذكر أن الإمارات ستعتمد على الغاز بنسبة 38%، بينما ستستخرج طاقة نظيفة بنسبة 44%، وهي نسبة كبيرة خصوصًا أن الإمارات في الأصل لا تملك سوى مورد واحد تسطيع استغلاله وهو الشمس، وهذا المورد ستكون له مشاكل أخرى مثل الرطوبة وتأثير درجة الحرارة الشديدة على الألواح الشمسية وغيرها. وفي اعتقادي، هذه النسبة كبيرة خصوصًا في ظل عدم وجود مصادر أخرى في الإمارات كي تستغلّها.
تتحدث الإمارات كذلك عن 12% من الفحم النظيف و6% من الطاقة النووية. وقد كانت الإمارات بدأت ببناء أربعة مفاعلات نووية، وهذا الأمر كان من ضمن الخطة، أي أن يتمّ تشغيل أربعة مفاعلات نووية، والتي أعتقد أنها لم تعمل حتى اليوم، وذلك بحسب البيانات المتاحة على المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، أي أنّ توليد الكهرباء حتى اللحظة يأتي بشكل كامل من الوقود الأحفوري.
محمد جاد
«لعنة النفط»
أودّ التعليق على التصوّر النظري المتعلّق بما تكلّم عنه محمد عبد الحميد حول «لعنة النفط»، وهذا مصطلح متداول في الأدبيات التي تتكلم عن مسألة الريع، والريع النفطي تحديدًا. إن هذا المصطلح يرجع إلى المقارنة بين الدول النفطية، والتي تتمتع بثروة نفطية كبيرة، والدول غير النفطية، وإلى التساؤل حول سبب وجود مدخول أقلّ في معدلات الإنتاجية وفرص النمو الاقتصادي وفي مسائل مثل الحوكمة وحُسن استغلال الموارد المالية العامة لدى الدول التي تملك ثروة نفطية كبيرة، في مقابل تفوّق الدول غير النفطية في هذه المؤشرات. من هنا أتى مصطلح «لعنة النفطة»، أي أنّ النفط يمكن أن يتحوّل إلى لعنة، وقد تكرر بهذا المعنى في أدبيات عدة.
من هذا المنطلق، تُصنَّف الإمارات عادةً على أنها دولة يمكن أن يكون قد لحق بها قدرٌ من هذه اللعنة. لكنها ليست ملعونة إلى هذه الدرجة، فهي تمكنت من خلق تنويع في مصادر إيراداتها لكن ليس إلى الحد الذي يجعلها قد تحررت تمامًا من هذه «اللعنة». وأعتقد أنّ هذا هو الاستنتاج الذي خرج به محمد عبد الحميد عندما حاول تحليل بيانات الاقتصاد الإماراتي في الفترة الممتدة من بداية الألفينيات حتى اليوم، وهي الفترة التي شهدت الإمارات فيها قدرًا من التفوق في بعض الخدمات اللوجيستية وغيرها، ولكن في الوقت نفسه، ما زال الاقتصاد مرتبطًا بشكل أساسي بتغيّر أسعار النفط صعودًا وهبوطًا. وأعتقد أن هذا المنحى الريعي ينعكس على بقية القطاعات غير النفطية في الإمارات، فدبي على سبيل المثال تقدَّم دائمًا على أنها نموذج الإمارة غير النفطية، لكن في الوقت نفسه تُقدَّم على أنها إمارة ناجحة اقتصاديًّا، إلا أنّ هذه الإمارة أيضًا تعتمد على موارد أبو ظبي في الأساس وعلى مفهوم المضاربة العقارية بشكل أساسي، لذا إنّ روح الريع مسيطرة أيضًا على الأنشطة غير النفطية في الإمارات.
محمد العجاتي:
لقد أردتُ إثارة هذا السؤال تحديدًا؛ فالريعية ليست فقط عملية استخراج النفط أو الاعتماد عليه، إذ أنّ هناك أشكال وأنماط كثيرة للريع.
أسامة دياب
الريع كمفهوم أوسع
سأتوسّع في مفهوم الريع ليشمل أنشطة غير نفطية وغير استخراجية، ذلك أنّه دائمًا في سياق منطقة الشرق الأوسط بالتحديد عندما نتحدث عن الريع نفكّر في البترول وفي دول الخليج تحديدًا. والريع كما ذكرتُم لا ينحصر في النفط، وكما أشار محمد جاد، يعتمد تحوّلُ الإمارات من الاقتصاد النفطي على المضاربة في السوق العقارية، كما أنّ القطاع المالي في الإمارات ضخم جدًّا، وهي تعتمد على كونها شبه ملاذٍ آمنٍ منخفض الضريبة وجاذب للاستثمارات وقليل التنظيم.
انطلاقًا من هنا، أودّ التوسّع في مفهوم الريع ليشمل القطاعَ المالي. إن الريع في أبسط تعريفاته هو الربح الناتج عن الملكية الخاصة، والتي يمكن أن تكون عقارًا أو مواردَ طبيعية، ويمكن أيضًا أن تكون مالاً، ويمكن أن تكون قناة، كقناة السويس التي تُعتبر استغلالًا لمورد شبه طبيعي. والمال نفسه يتمّ تأجيره وإقراضه، فهو في الأصل الربح الناتج عن المال الذي يمكن أن نعتبره ريعًا في هذه المسألة.
التعريف الأكثر تعقيدًا سأعتمد فيه على تعريف دايفد هارفي، القريب من مفهوم الريع وهو التراكم عبر الانتزاع. إن معنى التراكم عبر الانتزاع لدى هارفي هو ببساطة التراكمُ الرأسمالي الذي ينتج عن الاستحواذ على الثروة الموجودة بالفعل في مقابل خلق ثروة عن طريق عمليات إنتاجية وعمليات صناعية وزراعية أيضًا. الأرباح المالية مثلاً غالبًا ما تكون ضمن هذا المسار، وتحديدًا في النشاط المالي ذي معدّل ربحي ثابت مثل الاستثمار في أدوات الدين ذات الفائدة الثابتة مقابل الأسهم، فعلى سبيل المثال عندما نتكلم عن إقراض الدولة بمعدل عائد ثابت، فنحن نتحدث عن ثروة موجودة بالفعل يستحوذ عليها المستثمر.
وعندما نفكّر في الريع، نتناوله دائمًا كمورد من موارد الدولة، فعلى سبيل المثال عندما نتناول الاقتصاد النفطي أو الاقتصاد الخليجي فإننا نتحدث عن تأثير كون الريع موردًا كبيرًا ومهمًّا من موارد الدولة على أمور مهمة جدًّا مثل الحوكمة، ذلك أنه هناك الكثير من الأدبيات على تأثير الإيراد الريعي على مسائل مثل الديموقراطية والحوكمة والفساد، وبالطبع على استقرار الاقتصاد ذلك أن الموارد الطبيعية تكون عادةً ذات أسعار متذبذبة جدًّا الأمر الذي يؤثر بشدة على الاستقرار والاستدامة الاقتصادية، وقد رأينا هذا الأمر بشكل واضح جدًّا في فنزويلا مثلاً.
إننا نتحدث دائمًا عن تأثير الريع عندما يكون موردًا من موارد الدولة، لكن نادرًا ما نتطرّق للدولة كدافعٍ للريع. وفي مصر خلال السنوات الأخيرة، تحديدًا منذ عام 2016 مع برنامج الإصلاح الاقتصادي وارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير جدًّا، تحولت مدفوعات الفائدة التي تدفعها الحكومة المصرية للمقرضين– وهو ربح ريعي بشكل واضح تمامًا– 10% من الناتج المحلي الإجمالي أصبح مدفوعات فوائد الديون، وهو رقم ضخم جدًّا، إنه عُشر الاقتصاد يكاد يساوي دخل الاقتصاد المباشر وغير المباشر من السياحة في أفضل حالاتها. وتخطى دخل الاقتصاد من السياحة مع انخفاض النشاط السياحي بعد الثورة وهذا بالتأثير غير المباشر. لذا عندما نتحدّث عن أن مدفوعات الفوائد تبلغ فقط 10% من الناتج المحلي الإجمالي، فإننا نتحدث عن رقم ضخم للغاية. وهذه مدفوعات الفوائد فقط، أي الربح الصافي، وإننا بذلك لا نتطرق إلى أصل الديون والتي يمكن معها أن يتضاعف الرقم. وبالتالي، إن المسألة خطيرة جدًّا.
لكنّ السؤال الأهم في هذه الحالة: من أين توفّر الدولةُ هذه الموارد الضخمة؟ فالـ 10% من الناتج المحلّي الإجمالي هي حوالي 40% من إنفاق الدولة حاليًّا. إذًا، كيف توفّرها الدولة؟ بالطبع، منذ عام 2016 حتى اليوم، وبسبب برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي نتج عنه التعويم وزيادة القيمة المضافة، حصلت تحولات كبيرة جدًّا في الإنفاق الحكومي. بالطبع، هناك الكثير من التفاصيل، لكن أهمّ الخطوط العريضة في هذه التحولات كان خفض فاتورة دعم الطاقة التي كانت تحتل حوالي 6% من الناتج المحلّي الإجمالي، أما اليوم فقد أصبح 0%، أي أنها انتهت تقريبًا، هناك دعم بسيط جدًّا لبعض أنابيب البوتاجاز والسولار لكنها تقريبا أصبحت 0%. وقد أحدث هذا الأمر وفورات كبيرة في هذا البند. وتُعتبر مسألة الأجور من البنود التي حصلت فيها وفورات كبيرة. إنّ الحكومة، وبسبب التضخم الكبير الحاصل، تقول إنّ الأجور ارتفعت بنسبة 5% أو 10% أو 15%، لكنّ القيمة الحقيقية لتلك الأجور تكون في الوقت نفسه قد انخفضت بنسبة كبيرة. وتحتلّ نسبة الأجور اليوم حوالي 12% من الميزانية بعد أن كانت تحتل ربعَها، وهو هبوط كبير للغاية.
«التوفير»
سأركز أيضًا على مسألة دعم الطاقة. إن ما يقال في هذه المسألة هو الكلام المعلن الخاص بصندوق النقد الدولي تحديدًا، ومفاده أنّ إلغاء دعم الطاقة مفيد للفقراء والأُسر الأكثر احتياجًا لأن الوفورات التي ستتحقق سيتمّ استغلالها في برامج أكثر استهدافًا، مثل الدعم النقدي المباشر والتمويل. لقد أعلن صندوق النقد الدولي في برنامج عام 2016: سنزيد الإنفاق على الدعم الغذائي وسنجعله أكثر استهدافًا لكن سنزيد الإنفاق عليه وسنزيد الإنفاق على برنامج «تكافل وكرامة»، أي الدعم النقدي المباشر، لأن دعم الطاقة يستفيد منه الأغنياء الذين يستخدمون سيارات رباعية الدفع ويستهلكون الكثير من الكهرباء بسبب امتلاكهم الكثير من أجهزة التبريد والتدفئة. لكن عندما نعاين الأرقام على أرض الواقع، نجد أنّ ما تمّ توفيره في الناتج المحلي الإجمالي من خفض دعم الطاقة هو حوالي 5%. وعندما نرى معاشات الضمان الاجتماعي ككلّ، والتي تشمل برنامج «تكافل وكرامة» ولا تقتصر عليه، نجد أنّها ارتفعت بنسبة 0.03%، أي أنها لم ترتفع. وبالتالي، إنّ معاشات الضمان الاجتماعي ككل، التي تشمل «تكافل وكرامة» وكذلك المعاشات الأقدم في الضمان الاجتماعي الخاصة بالأرامل مثلاً، لم تشهد أي تغيّر يُذكر منذ عام 2014.
عندما نعاين مسألة الدعم الغذائي– والذي كان من المفترض أن يرتفع بسبب الوفورات التي حصلت في دعم الطاقة من خلال التموين، نجد أن هذا الدعم انخفض من 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.3% من هذا الناتج. وفي الحقيقة، إن خطاب صندوق النقد الدولي حول تخفيض دعم الطاقة بهدف زيادة الإنفاق على معاشات الضمان الاجتماعي وعلى دعم الغذائي هو، وبالأرقام الرسمية، خطابٌ واهٍ تمامًا لأن نسبة معاشات الضمان الاجتماعي من الناتج ثابتة، كما أن نسبة التموين من الناتج قد انخفضت. ولو نظرنا إلى الأفراد لوجدنا أن معاش «تكافل وكرامة» منذ عام 2015، أي منذ ما قبل التعويم، حتى اليوم، لم يرتفع، وقد شهدنا منذ ذلك الحين ثلاث موجات تضخمية كبيرة على الأقلّ. إن المعاش الرئيسي ثابت، وما ارتفع بشكل بسيط هو فقط المعاش الإضافي على كل طفل في المدرسة.
وعندما نعاين التغيرات الكبرى في الإنفاق الحكومي منذ برنامج 2016 حتى اليوم، نجد كأنّ وفورات دعم الطاقة حصلت للإنفاق على الفوائد، والتي هي عبارة عن أرباح قلّة قليلة من المستثمرين والمصارف، المصريين والأجانب. بالطبع، إنّ حوالات جزء كبير من تلك الفئة تذهب إلى الخارج، فأولاً، لقد ارتفعت نسبةُ الدَّين الأجنبي من الدَّين المحلّي، وثانيًا، حتى بالنسبة للدَّين المحلّي لقد أصبح هناك الأموال الساخنة، أو ما يطلق عليه الأموال الساخنة حصتها ارتفعت من الديون المحلية. وبالتالي إنّ جزءًا كبيرًا من الأرباح لا يتوجّه حتى إلى قلّة قليلة ثرية ويعاد تدوير هذه الأموال داخل الاقتصاد، لكنها تتوجه إلى النخب المالية العالمية.
وفي الوقت نفسه، ليس صحيحًا أن دعم الطاقة يفيد الأثرياء أكثر من الفقراء، وفي المقابل تمنح الحكومة المستثمرين اليوم حوالي 10% من الناتج المحلّي الإجمالي.
ما بين «لعنة النفط» و«لعنة التمويل»
في ما يتعلق بلعنة النفط، هناك كتاب لنيكولاس شاكسون بعنوان «لعنة التمويل» Finance Curse، يتحدث عن تشابهات ما بين تأثير النفط على الاقتصاد وتأثير زيادة النشاط التمويلي، أي كلّ التاثيرات السلبية التي ذكرناها سابقًا. ويظهر لنا أنّ الخليج في الحقيقة ليس النموذج الأمثل عليها. الخليج ربما من النماذج الأفضل قليلاً من حيث أن التأثيرات السلبية للنفط على مؤشرات التنمية لم تتجلَّ هناك بشكل كامل، لكن عندما ننظر إلى اقتصاديات مثل نيجيريا وغينيا الاستوائية وفنزويلا نلمس مسألة «لعنة النفط» بوضوح. وتكمن الفكرة الرئيسية لـ«لعنة النفط» في الحوكمة، أي في امتلاك الدولة موارد غير مرتبطة إطلاقًا بشعبها ومستوى صحته وتعليمه، وبالتالي يكون الحافز لتحسين جودة التعليم والصحة وغيرهما أقلّ في الدول الريعية، لكن أيضًا أن قطاع النفط يسحب الاستثمارات في هذا البلد بعيدًا من الأنشطة الإنتاجية التي يمكن أن توفر فرص عمل وتخلق ثروةً وتقيم اقتصادًا مستدامًا.
إن «لعنة التمويل» تملك التأثير نفسه إلى حدّ ما، بمعنى أنّ رأس المال المتاح للاستثمار، سواءً العالمي أو المحلّي، يذهب كله باتجاه إقراض الحكومة مقابل معدل فائدة ثابت. ولقد كان لدى مصر على سبيل المثال بين عامَي 2018 و2019 أعلى معدل فائدة حقيقي على مستوى العالم، الأمر الذي كان مجزيًا بشدة للمستثمرين والمصارف. إن المصارف في مصر تفضّل أن تقرض الحكومةَ على أن تقدّم مشاريع صغيرة ومتوسطة لتشغيل الناس. وبالتالي، كما توجد «لعنةُ نفط» هناك أيضًا دينامية شبيهة جدًّا في مسألة الأموال والتي يمكن أن نطلق عليها تسمية «لعنة المال» أو «لعنة التمويل».
وائل جمال
الريع الخاصّ
في البداية، أدعو الصديقَين محمد جاد ومحمد عبد الحميد إلى مراجعة الأعمال السابقة التي أصدرها «منتدى البدائل العربي للدراسات» حول الريعية لأنها مفيدة تحديدًا في الحالة الإماراتية. إنّ الريع ليس فقط نفطًا. كما أنّ الإمارات، والخليج تحديدًا، مثالٌ على تحوّلٍ حصل منذ حوالي 25 عامًا في تموقع يتعلّق بالريع، من الريع النفطي إلى أنماط أخرى من الريوع. والريع لا ينحصر فقط في إطار تقديم الخدمات، لكن نجد مثلًا أنّ أكبر صندوقَين سياديَّين في العالم موجودان في أبو ظبي والسعودية. وعلى سبيل المثال، إن التعريف الذي طرحه أسامة– والذي يشير إلى أنّ الريع هو أرباح مضمونة متأتّية عن ملكية أصول من دون أيّ نشاط اقتصادي إضافي، أي أنني بمجرّد امتلاكي مثلاً نسبة 20% من أسهم شركة «سامسونغ» بينما لا علاقة لي على الإطلاق بنشاط الشركة، أحصل على الأرباح الخاصة بي– إنّ هذا التعريف يشير إلى جزء أساسي من أشكال الريوع المالية. وقد حصل تحوّل عميق في اتجاه هذا النوع من الريوع، وصار هذا النوع موازيًا لريوع النفط وتكثيف السوق المالية العالمية له في صورة سوق النفط. وأوافق أسامة تمامًا بأن الريع لا يقتصر على الدولة. في العالم العربي وفي أدبيات التنمية يتم الحديث أكثر عن «الدولة الريعية» كمداخيل للدولة، وقد أضاف أسامة الدولةَ كدافع للريع، لكن هناك أيضًا ريع مرتبط بالنشاط الخاصّ. ويمكننا تقديم شركة «أوبر» كمثال عن أكبر أشكال الريوع الخاصة الموجودة في العالم العربي، حيث يحصل الشخص على مكسب فقط عن طريق امتلاكه للمنصة بينما يقدّم ملايين السائقين على امتداد العالم العربي خدمةَ التوصيل للزبائن.
وفي الإطار، لقد وضع الاقتصادي الإيراني حسين مهدوي، بين أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، ثمّ حازم ببلاوي ولوتشياني، في دراسةٍ تُعتبر الأهمّ في هذه المسألة، معاييرَ لمتى يمكن وصف الدولة، بالمعنى الكلاسيكي، والاقتصاد بأنهما ريعيّان. وفقًا لهؤلاء الاقتصاديين، يتحقّق هذا عندما تزيد حصيلة الدولة من النفط والتحويلات الخارجية عن 40% من الناتج المحلي. بالنسبة للإمارات، وفقًا لآخر رقم اطّلعتُ عليه عام 2022، بلغ النفط والغاز 30% من الناتج المحلي، وهذا الرقم أقلّ حتى من الحدّ الأدنى الذي وضعه الاقتصاديون كمعيارٍ للدولة الريعية. لذا، أدعوكم إلى إلقاء نظرة على التحولات التي حصلت في الاقتصاد الإماراتي لناحية الأشكال الأخرى من الريوع، وعلى رأسها الريع المالي. وقد أشرتم طبعًا إلى العقارات كواحدة من الأنماط، لكنّ الاقتصاد المالي أيضًا مسألة مهمة للغاية، وكذلك الاقتصاد الخاص بالمنصات، سواءً كانت في خدماتٍ مثل «أوبر» أو الاقتصاد التشاركي أو حتى في تقديم خدمات الاتصالات القائمة كلّها على ملكية الموجات والكابلات التي يتم تأجيرها لشركات، والتي تُصنَّف هي الأخرى على أنها ريع.
«التقاط الكربون أولاً»
في ما يتعلق بمسألة الطاقة، ما أعرفه أنّ الإمارات واحدة من القوى الأساسية العالمية التي تضغط في مفاوضات الـCOP ضد الطاقة المتجددة والتخلّي عن الوقود الأحفوري. وهذا أمر منطقي لأنها من أهم المنتجين وتملك احتياطيات وقود أحفوري ضخمة. أما الاستراتيجية البديلة التي تطرحها الدول المنتجة للنفط في المفاوضات فهي التقاط الكربون، معتبرةً أنه يمكن للعالم استهلاك طاقة أحفورية كما يشاء لكنّ الإنفاق والتطوير والاستثمار يجب أن تكون في التكنولوجيا الخاصة بالتقاط الكربون بعد أن يتمّ استخدام الوقود الأحفوري، وهكذا تقلّل التكنولوجيا من آثار هذا الوقود على البيئة. وليس من قبيل الصدفة أن الإمارات اختارت رئيس شركة وقود أحفوري كي يكون منسقًا لمؤتمر COP المقبل، وأنها، في التوقيت نفسه، أطلقت واحدًا من أكبر مشاريع التقاط الكربون في المنطقة. لذا إن الدول المنتجة للنفط في الخليج ليست مهتمّة بمسألة الطاقة المتجددة، بل على العكس من ذلك، تضغط عالميًّا من أجل استمرار استهلاك الوقود الأحفوري. وأعتقد أن هذه الدول كانت أحد أسباب عدم إشارة بيان الـCOP السابع والعشرين أو إبدائه أيّ التزام مهمّ يتعلق بالوقود الأحفوري على عكس التوقعات. وبالطبع، لقد عدّل صندوق المخاطر والأضرار قليلاً في الصورة، لكن التوقعات المهمّة المتعلقة بالوقود الأحفوري لم تتحقّق، ويعزي كثيرون ذلك إلى الضغوط الإماراتية والسعودية تحديدًا، والأميركية بالطبع.
الاقتراض بهدف دعم القطاع الخاصّ
أما في ما يتعلق بموضوع التقشف، هناك بالطبع تناقض شكلي واضح بين الفئات الرأسمالية التي تُقرض الدولة، من ناحية، والتي، هي نفسها، موجودة داخل عالم البزنس من ناحية أخرى. بمعنى أن مشروع تلك الفئات السياسي والاقتصادي يضغط دائمًا على تخفيض الإنفاق الحكومي ولكن في الوقت نفسه هم أهمّ مقرضين للدولة، فتخفيض الإنفاق الحكومي قد يتسبب، من الناحية الأخرى، بتقليل حاجة الدولة إلى الاقتراض. لكن في الحقيقة هناك سعي لدينا، وفي أماكن أخرى، أن يستمرّ الاقتراض وأن يتراجع الإنفاق العام في ما يتعلق بأشكال الخدمات العامة وتوفير الحماية الاجتماعية وغيرها من الأمور المماثلة، لكن الإنفاق العام يظل قويًّا والإنفاق على تمويل الدين العام يظل قويًّا من أجل تمويل أنواع أخرى من الإنفاق مفيدة للبزنس، كدعم الصادرات أو تقليل فوائد القروض المصرفية للشركات الكبرى. على سبيل المثال، في الحزمة الخاصة بوباء كورونا في مصر– والتي شملت زيادة في الإنفاق العامّ بمئة مليار جنيه على سنتين متتاليتين– لم يتخطَّ الجزء الخاص بالصحة والحماية الاجتماعية 30 أو 40% من إجمالي الحزمة التي كان الأساس فيها دعمُ التصدير والسياحة والشركات والقطاع المالي والمقترضين من الشركات الضخمة. لذا، عندما تقترض الدولة إنما تفعل ذلك بهدف دعم القطاع الخاص الكبير أكثر من اقتراضها بهدف الإنفاق الاجتماعي مثلًا. بحسب منطق النخب المالية والاقتصادية القديمة والذي يمكن أن يظهر على أنه تناقض ما بين أنها تضغط من أجل التقشف وفي الوقت نفسه تستفيد من توسع الدين العام، فهذه النخب المستفيد الأكبر من جانبَي الاقتراض والإنفاق. إن الدولة في الحقيقة تضغط من أجل نوع معيّن من التقشف يأتي على حساب أغلب الناس ويدعم الفكرة الثانية التي أشار إليها أسامة بأنّ هذا النوع من الريوع الذي تدفعه الدولة هو تحويل للقيمة من جيوب دافعي الضرائب إلى جيوب المقرضين الكبار الذين يُقرضون الدولة.
سلمى حسين
الصناديق السيادية
نحن في الحقيقة مقصّرون في فهم الريع بشكل كافٍ، وتحديدًا فهم كيف أصبح الريع في دول الخليج. وبالتالي، أدعو محمد جاد ومحمد عبد الحميد إلى الاطلاع على تقرير صناديق الثروة السيادية العالمية لمتابعة الريوع الخليجية من صناديقها السيادية https://globalswf.com/ وهي دراسة مهمة. وأعتقد أنّ التقرير يتابع حجم الصناديق ويصنّف مدى شفافيتها. وفي هذا الإطار تجدون مثلاً في عام 2022 أنّ أهمّ صندوق لديهم كان صندوق «مبادلة» وهو صندوق إماراتي. ويذكر التقرير كذلك معلومات مهمة عن أهمّ الصفقات التي حصلت عن طريق الصناديق السيادية.
محمد عبد الحميد
دور الصناديق السيادية الإماراتية
كنت قد عملت سابقًا على قصتين حول الصناديق السيادية. وبينما كنت أعمل على الدراسة التي عرضتُها في هذه الندوة، لفت انتباهي موضوع الصناديق، خصوصًا في الإمارات التي تملك حوالي سبعة صناديق من بينها صندوق تكاد قيمته تقترب من 800 مليار دولار، وهو رقم ضخم جدًّا. بالطبع، هو أصغر من الصندوق النرويجي، لكن في النهاية نحن نتحدث عن سبعة صناديق لكلّ منها حجم وموازنه خاصة.
في اعتقادي، لا تستخدم الإمارات الصناديق فقط في عملية الاستثمار أو الاحتفاظ بالأموال من أجل الأجيال القادمة، كما يشير الموقع الالكتروني التابع للصندوق السيادي التابع لإمارة أبو ظبي، لكنّها تستخدم هذه الصناديق من أجل التحكم في سياسات دول أخرى أو بشكل ما توجيه الرأي العام أو السياسة في دولة ما لمصالحها الخاصة. وتتحدث الدراسة عن حجم الصناديق وحجم تأثيرها في دول مثل مصر مثلاً حيث للصناديق السيادية الإماراتية دور، كما هو الحال مع «مبادلة» الإماراتية والتي هي شريكة في «حقل ظهر» ولها عدة استثمارات أخرى في قطاع الغاز، و«مبادلة» عبارة عن صندوق سيادي إماراتي كما يظهر عبر موقعه الإلكتروني. وكذلك «صندوق أبو ظبي» الذي دخل مصر والذي أعتقد أنّ له أيضًا استثمارات أخرى. وفكرة الصناديق السيادية مهمّة جدًّا للبحث خصوصًا أن حجم الشفافية في الصناديق الخليجية قليل للغاية مقارنةً بالصندوق النرويجي مثلاً.
محمد جاد
«مأساوية المعاشات»
لقد أعجبتني المقارنة التي عقدها أسامة بين معدل النكماش في الإنفاق على الدعم وبين معدلات النمو في الإنفاق الاجتماعي، وتحديدًا مسألة معاش الضمان. ومعاش الضمان، أو «تكافل وكرامة»، قصة مأساوية للغاية لأننا نتكلم عن شكل من أشكال الإنفاق لم يخضع لأيّ نوع تقريبًا من النقاش البرلماني، وهو يتحرك منذ البداية ما بين دعم البنك الدولي وتصوراته وبين قرارات حكومية ووزارية. وعلى الرغم من أنه يتخذ شكل المعاش، هو يفتقر إلى قانون ينظمه مثل قانون التأمينات الاجتماعية، كي يفرض أيّ نوع من أنواع النموّ المرتبط بالتضخم، ففي قانون التأمينات هناك شرط أن يزيد المعاش على الأقل 10% تضخم. وحتى منذ ما قبل قانون التأمينات الجديد كانت القرارات التنفيذية تصدر بزيادة المعاشات بشكل يتوازى مع معدلات التضخم. وعلى الرغم من أن هذا كان «تقليدًا» في مصر، إلا أنني لا أعتقد أنّ زيادةً قد حصلت في معاشات «تكافل وكرامة» الذي ما زال يبلغ 450 جنيهًا وهو رقم زهيد للغاية مقارنةً بالواقع المصري الحالي. ولا توجد أي محاولة لدراسة أثر المعاشات كي نعرف هي تغطّي ماذا تحديدًا. والأهم من هذا كله أن معاشات الضمان الاجتماعي و«تكافل وكرامة» موجودة في مصر منذ الخمسينيات، وبالتالي هي ليست مسألة جديدة، لكنها لم تكن في أي وقت من الأوقات تحت الضوء لأن الدور الرئيسي في الحماية كان للدعم السلعي، من الدعم التمويني أو دعم الطاقة. التحول الذي حصل كان في تقليص الإنفاق على الدعم السلعي والطاقة بشكل كبير للغاية، ما أعطى التحولات النقدية دورًا كبيرًا للغاية. ولعى الرغم من أنّ دورها أصبح أكبر في أولويات الحماية الاجتماعية، إلا أنّ دورها عمليا أصبح أقل بكثير من قبل من حيث حتى ربطها بالتضخم أو الالتزام بتقديم أي نوع من الخطاب يبرّر قيمتها النقدية في الوقت الحالي.
أسامة دياب
الاستبعاد
لقد ذكرني جاد بعدد من النقاط التي أوافق عليها. إن المعاشات بالفعل لم ترتفع، ما ارتفع هو فقط الملحقات للأطفال الذين يحصلون على نسب صغيرة للغاية.
النقطة الأخرى التي أودّ تناولها هي مسائل الاستبعاد. لقد كان هناك تقرير حول مراجعة الإنفاق العام صادر عن البنك الدولي بالتعاون مع الحكومة المصرية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2022. يشير التقرير إلى أن نسب الاستبعاد من معاش «تكافل وكرامة» حوالي 50%، أي بمعدل النصف تقريبًا، وهذه أرقام رسمية مصدرها الحكومة والبنك الدولي وهما أكبر المروّجين لهذا البرنامج. إن خطر استبعاد نسبة الـ50% يعني أن نصف المستحقين لا يحصلون على المعاش. من ناحية أخرى، إن قيمة المعاش تتآكل مع التضخم.
وفي الحقيقة إن المدّ الأفقي والرأسي لبرنامج التحولات النقدية ضعيف جدًّا، والمدّ الرأسي هو قيمة المعاش والتي تتآكل مع الوقت بسبب التضخم، أما المدّ الأفقي فهو معدلات التغطية أي تقليل أخطاء الاستبعاد في مقابل هذا الأمر نجد أن دعم الطاقة هو دعم شامل يغطي الجميع بالتعريف ، لأنه دعم سلعي، ويتم التحدث هنا عن أخطاء الاشتمال لا الاستبعاد، أي أنه يوجد هناك أشخاص لا يستحقون الدعم لكن يحصلون عليه. لكن في الحقيقة هو ما زال النمط الأفضل في الدول التي تملك معدلات عالية من الفقر والتهديد بالفقر. في مصر مثلاً هناك حاليًّا أكثر من 30% فقراء، بحسب الإحصاءات الرسمية، ومثل هذه النسبة من المهددين بالفقر، أي أن هناك حوالي 75%، على الأقل، من السكان يستحقون مختلف أنواع الدعم. هذا بالإضافة إلى أن البيروقراطية المصرية تعاني من قلة الموارد، فدائمًا ما يقال إن هذا الاستهداف يتطلب بيرواقراطية كفوءة للغاية وتمتلك قاعدة بيانات جيدة جدًّا، في المقابل، في مرحلة التقشف يتمّ تقليل الأجور وعامل تجميد على التوظيف، وهذا في الحقيقة تحول خطير.
وفي هذا الإطار يجب أن نسأل: لماذا سعر الفائدة مرتفع في مصر؟ بحسب الخطاب الرسمي، سواءً الخاص بصندوق النقد أو الحكومة، سعر الفائدة مرتفع بهدف السيطرة على التضخم. لكن الفكرة الأساسية أنّ جزءًا كبيرًا للغاية من التضخم حصل بسبب إلغاء الدعم على الطاقة وزيادة ضريبة القيمة المضافة. الحكومة وصندوق النقد يحدثان تضخمًا –عن طريق إلغاء دعم الطاقة– بهدف تقليل الإنفاق الحكومي، وفي الوقت نفسه يواجه أزمة تضخم برفع سعر الفائدة فيرفع الإنفاق على مدفوعات الفائدة على الرغم من أن معدل الدين مستقر إلى حدّ ما، لذلك، برأيي إن مؤشر الدين من الناتج المحلي الإجمالي من أفشل المؤشرات للحديث عن استدامة الدين، فيمكن أن يكون هناك دين ثابت كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن بسبب ارتفاع سعر الفائدة يبتلع جزءًا كبيرًا جدًّا من الإنفاق الحكومي.
في ما يتعلق بمسألة التمويل والخليج، أرشّح كتاب آدم هنية Money Markets and Monarchies والذي يتحدث بالتفصيل عن ثلاثة أنماط من الاستثمار المتزايد والمتوسع في دول الخليج، وهي العقارات والقطاع المالي والذي يتحدث بالتفصيل عن خريطة المصارف وكيفية ارتباطها بالقطاع العقاري، والنمط الثالث هو قطاع التجزئة كقطاع من القطاعات النامية جدًّا في الخليج، وحتى في مصر الهايبر ماركتس والأمور المتعلقة بالتجزئة أصبحت مملوكة خليجيًّا.