توفيق عبد الصادق
مقدمة
شكلت نتائج الانتخابات الرئاسية في البرازيل المعلن عنها يوم الأحد 28 أكتوبر 2018، الحدث الأبرز عالمياً، وذلك بعد إعلان فوز مرشح أقصى اليمين جايير بولسونارو Jair Bolsonaro، بمنصب الرئيس في أكبر دولة من دول منطقة أمريكا الجنوبية جغرافياً وديمغرافياً (8,515,760 كم²/ حوالي 210 مليون نسمة). فوز القائد العسكري السابق بالرئاسة جاء نتيجة حصوله في الجولة الثانية من الانتخابات على نسبة 55,9% من أصوات الناخبين، مقابل نسبة 44,1% لمنافسه وخصمه اليساري ذو الأصول اللبنانية فردناندو حداد Fernando Haddadمرشح حزب العمال.1
وصول اليمين إلى السلطة في بلد يعتبر القوة الأكبر ببلدان أمريكا الجنوبية، ويحتل المرتبة الثامنة على مستوى الاقتصاد العالمي حسب أرقام سنة 2017،2 والرتبة الرابعة عشرة عالمياً في حجم القوة العسكرية وفق تصنيف سنة 2018،3 يطرح عديد الاسئلة المقلقة حول مستقبل الديمقراطية في المستعمرة البرتغالية السابقة، ومعها دول أمريكا اللاتينية الأخرى، وهي الدول التي عانت لعقود طويلة، تحت حكم الأنظمة الديكتاتوريات العسكرية السابقة، وممارستها ضد حقوق وحريات الإنسان.
ولعل ما يبرر المنحى المتزايد اتجاه تصاعد تهديد حكم الديمقراطية في البرازيل ومكتسبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحققة من قبل رؤساء اليساريين السابقين ، هو النظر لشخصية بولسونارو نفسها وأفكاره المعبر عنها في السابق واُثناء الحملات الانتخابية، ومن أبرزها إشادته بحكم النظام العسكري السابق،4 وتهجمه على السياسة الاجتماعية الداعمة للطبقات الفقيرة، المطبقة من قبل قادة حزب حركة العمال، المتهمين بقضايا فساد وتجري محاكمتهم، خاصة لويس ايناسيو لولا دا سيلفا Louis Inacio Loula Da silva (2003-2011) وخليفته ديلما فانا روسيف Dilma Vana Rosseff (2011-2016).
أولاً: تجربة الانتقال الديمقراطي في البرازيل وبلدان أمريكا الجنوبية
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، شهدت البرازيل تصاعد حركات ثورية واجتماعية قوية، قادتها تيارات وأحزاب يسارية، كان في طليعتها حزب الحركة العمالية بزعامة النقابي والرئيس السابق لولا دا سيلفا، في سياق عام من التحولات السياسية والدولية، تولد عنها ما أسماها الباحث الامريكي صامويل هنتغتون بالموجة الثالثة من الديمقراطية.5 وهي الموجة التي هزت أركان النظم السلطوية العسكرية ببلدان القارة اللاتينية، الموالية للغرب الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، قبل أن تأتي مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات على حكم الاحزاب الشيوعية بأوروبا الشرقية، المرتبطة بالمعسكر السوفياتي والاشتراكي، فيما بات يعرف بالثورات المخملية،1 مع تيموثي جارتون أشTimothy Garthon Ache ، أو “الثورات التفاوضية” نسبة لجورج لاوس Jorge Laïussent، نتيجة وصفهما للحركات الاحتجاجية والاجتماعية بكل من تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولونيا. الأمر الذي يعبر عن مفارقة دالة على عبور السلطوية على جسر مختلف الايديولوجيات والتيارات السياسية.
الأنظمة العسكرية الحاكمة بدول أمريكا الجنوبية (البرازيل منذ سنة 1964، الارجنتين 1976 والشيلي1973)، في مواجهة تنامي الحركات الاحتجاجية المناهضة لحكمها، وأمام تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وابتعاد جزء كبير من النخب المدنية عن مساندة حكمها.2 أدركت بعدم قدرتها على مواصلة تجاهل مطلب الديمقراطية، لاسيما بعد انتهاء فترة الحرب الباردة، مما حدى بها للدخول في مسلسل للعدالة الانتقالية، بغيت التصالح مع ماضي الانتهاكات والتنكيل بالمعارضين، وقد كان للتجربة الانتقالية البرازيلية السبق، عندما تولى أول رئيس مدني السلطة بعد 21 سنة من حكم العسكر، وذلك في سنة 1985، بتولي تانكريدو نيفيس Tancredo Neves، المنتمي لحزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، منصب الرئاسة، كمقدمات لتنظيم الانتخابات الحرة وارجاع السلطة للمدنيين.3
وهي الانتخابات التي احترمت نتائجها هذه المرة، في كثير من بلدان القارة، وكان من نتائجها، وصول رؤساء وزعماء للسلطة، ينتمون في اغلبهم للحركات الشعبية والعمالية ذات التوجهات اليسارية، كما حصل في البرازيل، بوصول فرناندو هنريك كاردوسوFernando Henrique Cardoso لرئاسة الدولة في فاتح يناير 1995،4 لتتعزز التجربة الديمقراطية، بعد انتصار زعيم حزب الحركة العمالية لولا دا سيلفا في الانتخابات الرئاسية في الأول من يناير 2003.5 وفي فنزويلا وصل هوغو تشافيس زعيم الحركة الشعبية البوليفارية اليسارية للرئاسة عبر صناديق الاقتراع في العام 1999، بعد ذلك استمر وصول زعماء الحركات اليسارية في القارة للرئاسة، عبر الانتخابات بالدول الأخرى، في بوليفيا عبر الرئيس خوان أيفو موراليس Juan Evo Morales متم نهاية 2005، الإكوادور رفاييل فيسينتي كوريا Rafel Vicente Coreea سنة 2006، والأوروغواي مع الرئيس خوزيه ألبرتو موخيكا José Alberto Mujika في العام 2010.6
ثانياً: حكم اليسار في البرازيل: العدالة الاجتماعية الممزوجة بتهم الفساد
تسلم اليسار البرازيل خلال الفترة الأولى من حكم الرئيس لولا دا سيلفا (2003-2007) والبلاد محطمة اقتصادياً وأغلبية سكانها من الطبقات الفقيرة يعانون من غياب لكل صنوف العدالة الاجتماعية، مع انتشار واسع للجريمة وتجارة المخدرات، ليقدم الرئيس وحكومته حزمة من السياسات الاقتصادية، بهدف النهوض باقتصاد البلاد، قامت على زيادة دعم الصناعات وتسريع وتيرة الانشاءات، عبر زيادة الإنفاق الحكومي على القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، خاصة قطاع الطاقة (عائدات بلغت حوالي 140 مليار دولار في سنة 2011) اضافة للاهتمام بشكل أكبر بالصناعات الانتاجية الكبيرة ذات التطور التكنولوجي، (السيارات، الطائرات، الغواصات…). وبالنسبة للسياسة الاجتماعية فحزب العمال قام بإصلاحات لقطاع الزراعة المشغل لحوالي 20 % من القوى العاملة، ودعم مالياً بشكل كبير المنتوجات الاستهلاكية المعيشية، التي تمس شرائح وفئات اجتماعية محدودة الدخل، في إطار سياسة إحلال للواردات من خلال الانتاج الوطني، من أجل الحد من التفاوت الطبقي الصارخ وتوزيع أكثر عدالة لفوائد النمو. وفي هذا السياق تم وضع قوانين جديدة مشجعة على الاستثمار، مع تنويع للشركات الاقتصادية والتجارية في اتجاه شركاء أخرين كالاتحاد الاوروبي، وبلدان أمركا الجنوبية المجاورة، وأخرى أسيوية كالصين واليابان، بعد عقود من الارتباط بالاقتصاد الامريكي.1
في سنة 2011 وبعد ثمانية سنوات من حكم حزب العمال اليساري مع الرئيس دا سيلفا في ولايتين رئاسيتين، وحسب معطيات البنك الدولي قفز حجم الدخل الوطني الاجمالي للبرازيل من (558،32 مليار دولار) إلى نحو )616،2 بليون دولار (، وهو ما يعني أن حجم دخل الاقتصاد تضاعف أكثر من أربعة مرات، ليرتفع معه حجم الدخل الفردي السنوي للمواطن من 2940 دولار سنة 2003، حتى حدود 12730 دولار متم سنة 2013، مرتفعاً هو الأخر بأكثر من اربعة أضعاف.2 هذه المعطيات الدالة على حجم الطفرة الاقتصادية التي عرفتها البرازيل وهي تحت حكم اليسار، سواء خلال الفترة الرئاسية لدا سيلفا (2003-2011) أو الرئيسة ديلما روسيف (2011-2016)، كانت نتائجها على المستوى الاجتماعي بارزة من خلال تقلص نسبة خط الفقر حتى حدود 8,7% سنة 2016، بعد أن كانت تبلغ 24,7% سنة 2000 ودائماً وفقاً لأرقام البنك الدولي.3
تجربة حكم اليسار في البرازيل والتي أثارت الكثير من الاعجاب، واعتبرت نموذجاً واقعياً على قدرة الأحزاب الاشتراكية في التجديد والتكيف وسط مناخات العولمة، لم تكن لتمر بدون أن يمسها وحل السلطة وإغراءاتها أو يخطئها عامل الصراع السياسي وألغامه. فبحلول تاريخ 12 ماي 2016، تكون البرازيل قد طوت صفحة 13 سنة من حكم اليسار ممثلاً في حزب العمال (2003-2016)، وذلك عندما صوت مجلس الشيوخ في جلسة مشهودة بغالبية 55 عضواً من أصل 81، على محاكمة الرئيسة ديلما روسيف وسلك مسطرة عزلها، بتهمة التلاعب بالحسابات العامة، في قضية فساد مالي طالت شركة “بتروبراس Petrobras” الحكومية للنفط، ليتولى نائبها اللبناني الأصل ميشال تامر Michel Temer السلطة مؤقتا،4 حتى تاريخ تسليم السلطة للرئيس الجديد المنتخب.
قضايا الفساد التي طالت حزب العمال وقادته وعلى رأسهم الرئيس السابق وايقونة اليسار في البرازيل لولا دا سيلفا، المحكوم عليه حالياً بعقوبة 12 سنة سجناً وشهر واحد، بعد أن كان الحكم ابتدائياً 9 سنوات و6 أشهر، جراء اتهامات بفساد مالي وتلقي رشى فيما بات يطلق عليها ” بقضية غسيل السيارات”،5 خلال فترة حكمه، وهي التهم التي يتم نفيه من قبل الرئيس ذوا الشعبية الكبيرة وأعضاء حزبه وكل مناصريه.1 تأتي في إطار حدة الصراع السياسي والاجتماعي التي تشهده البرازيل منذ نهاية الحقبة العسكرية، بين الاحزاب والحركات اليسارية الداعمة لسياسات اجتماعية أكثر عدالة في توزيع فوائد النمو، بالرغم من توجهاتها الليبرالية في محطات وقضايا معينة، وما بين أحزاب محافظة ويمينية، تقف من خلفها مراكز اقتصادية وشركات تجارية، تضررت مصالحها نتيجة للسياسة الاقتصادية للرؤساء اليساريين، تدعوا وتدعم بقوة عودة البرازيل لنهج سياسة اقتصادية نيو ليبرالية، عبر التخلي عن دعم القطاعات الاجتماعية (التعليم والصحة، برامج مساعدة الطبقات الفقيرة…) المسببة لعجز الميزانية العامة.
خسارة اليسار لأبرز معاقله في أمريكا الجنوبية وتصويت 57 797 847 مواطن لليمين ممثلاً بالرئيس بولسونارو في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة البرازيلية، مقابل حصول مرشح اليسار الخاسر على 47 040 906 صوت، يؤكد على جملة من المحددات:
شعبية اليمين واتساع قواعده الانتخابية، مستغلاً بذلك تورط مسؤولي حزب العمال في الفساد، بعد أن قامت وسائل الاعلام الداخلي والخارجي، خاصة بالولايات المتحدة الامريكية، بتغذية هذا التوجه المعادي لكل الحكومات اليسارية بالمنطقة.
قدرة المجتمع البرازيلي في ضبط صراعاته واختلاف قواه وتياراته السياسية عبر صناديق الاقتراع، باعتبارها أداة من أدوات بناء الديمقراطية وترسيخها.
تراجع وهج اليسار وتأكل مفعول خطاباته أحياناً، نتيجة لما تفرضه تعقيدات السلطة ومطباتها من تقديم للتنازلات وترتيب لمصالح الجماعات الضاغطة والمنافسة.
ضرورة مواصلة اليسار بأمريكا الجنوبية لاجتهاداته الفكرية وتكتيكاته العملية، والتي كان لها الأثر الكبير في قدرته على الاستمرار وايجاد البيئة الحاضنة، بالرغم من انهيار المنظومة الاشتراكية في العالم وسقوط معاقلها. مع ما خلفه هذا الانهيار من تحديات على مستوى بناء الاستراتيجيات في السياسة والاقتصاد، في ظل عالم سمته الكاسحة هيمنة قانون رأس المال وتغول مصالح الشركات الكبرى.
ثالثاً: صعود اليمين في البرازيل وسقوط أحجار الدومينو
يطلق عديد من المتتبعين للشأن السياسي في البرازيل والعالم على الرئيس الجديد جايير بولسونرو الذي سيتسلم مهامه رسمياُ في فاتح يناير 2019، لقب “ترامب البرازيل”، كتشبيه معبر للرئيس الامريكي دونالد ترامب Donald Trump، ليس على مستوى الشكل وقصة الشعر وفقط، بل على مستوى مواقفه وتصريحاته، المثيرة للجدال والمشبعة بنفحة دينية وعنصرية أحياناً، بخصوص النساء واصحاب البشرة السوداء وأفراد الطبقات الفقيرة.2
جايير بولسونارو النائب في مجلس النواب البرازيلي منذ سنة 1991 ممثلاً عن ولاية ريو دي جانيرو، والعضو في الحزب الاجتماعي الليبرالي، المنتمي لكتلة الاتحاد الديمقراطي المعروفة “Ruralista” ،3 يعتبر من أشد السياسيين المنتقدين والمعارضين للسياسة الاقتصادية والاجتماعي
التي انتهجها حزب العمال اليساري، حيث لم يتوانى في السابق وأثناء حملته الانتخابية، بإرجاع تفشي الفساد الاقتصادي الذي تعرفه المؤسسات الحكومية، إلى العقلية الاشتراكية والشيوعية التي حكمت البلاد خلال فترة الرئيس والرئيسة السابقين، فقد قال في خطاب جماهيري (لا يمكننا الاستمرار في مغازلة الاشتراكية والشيوعية والشعبوية وتطرف اليسار).1 واعداً أنصاره وداعميه بأن سياسته الاقتصادية الجديدة ستقوم على الخصخصة ودعم للشركات وأصحاب رؤوس الأموال وملاك الاراضي الكبار، مع السعي نحو تخفيض النفقات الاجتماعية المخصصة للطبقات الفقيرة، التي أثقلت المالية العامة للدولة.
وصول رئيس يميني إلى السلطة في أكبر وأهم معاقل اليسار بأمريكا الجنوبية، يأتي في ظل مناخ سياسي يهيمن على دول العالم منذ سنوات، سمته الأبرز صعود زعماء وقيادات تنتمي وفق خطابها ومواقفها، لمنظومة فكرية قومية ومحافظة، تتغذى على تصورات دينية وعنصرية، ليتعزز هذا التوجه بشكل كبير ويأخذ منحى الموجة العاتية، مع تقلد دونالد ترامب منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الامريكية سنة 2016، مع ما يشكله هذا النجاح في أقوى دولة وأكثرها وزنا وتأثيراً على التوجهات الدولية، وعلى بناء التوازنات السياسية الداخلية في عديد البلدان، لاسيما ونحن نتحدث على أمريكا الجنوبية المجاورة، وهي المنطقة التي كانت لعقود بمثابة الحديقة الخلفية لحكام واشنطن وأدوارهم في تنصيب رؤسائها وحكامها.2
من المؤكد أن شعبية الخطاب اليميني لن تقتصر على البرازيل، فقد عادت بقوة لتتمدد وسط بلدان أخرى بالقارة الامريكية الجنوبية، تحكمها أو حكمتها في السابق أحزاب يسارية، وتعتبر حليفة لحزب العمال اليساري في البرازيل، لا سيما الارجنتين وفنزويلا، بعد أن دخلت في نفق من الازمات الاقتصادية والاجتماعية، تسببت بسقوط الرئيسة الارجنتينية السابقة كريستينا فرناناديز دو كيرشنير Cristina Fernadéz de Kirchner (2007-2015)، ومتابعتها بقضايا فساد مالي، بينما حكم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو Nicolas Maduro (2013/…) هو الأخر، لازال يترنح على وقع الاحتجاجات الشعبية، وتربص أحزاب المعارضة اليمينية، نتيجة للركود الاقتصادي الذي يضرب البلاد منذ انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية أواخر سنة 2014.3
خاتمة
حاول الرئيس الجديد جايير بولسونارو بعد الاعلان عن فوزه التخفيف من حدة خطاباته ومواقفه اتجاه خصومه السياسيين والمناهضين له، عندما أعلن حرصه على احترام النظام الديمقراطي متعهداً بالدفاع عن أحكام الدستور ومتطلبات الحرية، لكن اتجاه الرئيس وحزبه لاختيار وزراء لحكومته المقبلة من العسكريين السابقين، يطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل الوضع في البلاد.4 المؤكد أن هناك تداعيات محتملة لصعود اليمين المتطرف إلى السلطة في البرازيل، على مستوى السياسة الداخلية المرتبطة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب التغيير الذي سيكون على مستوى السياسة الخارجية وتوجهات البرازيل وتحالفاتها. وبالنسبة لمألات الاتجاه العام بعد هذا الصعود فيما يخص خيارات الحكم الديمقراطي، على الارجح ستبقى المخاوف والتداعيات في حدود ما يسمح به تمرين التداول السياسي للسلطة، خاصة إذا علمنا أن التجربة الديمقراطية في البرازيل ممتدة لأزيد من ثلاثة عقود، منذ أول انتخابات ديمقراطية سنة 1985 بعد انتهاء حقبة الحكم العسكري.
في الأخير وأمام التطورات السياسية الجارية سواء في البرازيل أو باقي بلدان ومناطق العالم، وتعقيدات تحليلها الدقيق، نظراً للضبابية الكثيفة التي أصبحت تعرفها اليوم الكثير من المفاهيم السياسية والطروحات النظرية والإيديولوجية، (يمين/ يسار، ديماغوجية/ عقلانية…حقوق الانسان/ السلطوية…النمو الاقتصادي/ العدالة الاجتماعية)، نرى بأن الديمقراطية وتجربة صعود البرازيل وما تشهده من تحولات سياسية جارية غداة وصول اليمين المتطرف للسلطة، والتي قد ترخي بظلالها على باقي بلدان المنطقة في المستقبل القريب والمتوسط، فيما يشبه عدوى تساقط أحجار الدومينو،1 تطرح موضوعاً خصباً وغني بالخبرات للدارسين والباحثين، المهتمين بقضايا الانتقال الديمقراطي والدراسات التنموية المقارنة. لا سيما وأن منطقتنا العربية عاشت ولازالت على وقع تحولات سياسية واجتماعية، في ضوء ما بات يعرف بالربيع العربي قبل سنوات.