منتدى البدائل العربي للدراسات
مقدمة:
لعل العديد من الأنظمة السياسية ترى في احتكار المعرفة والمعلومات أحد آليات السيطرة السياسية، لما له من انعكاسات على القدرة على الفعل والنفاذ في المجتمعات، ولما يمنحه من ميزة توجيه الرأي العام نحو فعل سياسي أو قبول أو رفض فعل وهو ما يتحدد وفق نوعية المعلومات التي يتم بثها في المجتمعات، ولا شك أن حكومات العالم جميعها تدرك تلك الأهمية للمعلومات، حتى أنه في بعض الأزمنة أنشأت بعض الدول ما يسمى بوزارة التوجيه والإرشاد، وهو المسمى الذي وإن كان تم تفسيره من منطلق توعوي بحت، إلا أنه يعبر عن فلسفة تلك الأنظمة في استخدام المعلومات واحتكارها، من أجل ضمان بقائها في السلطة.
ولا يمكن استثناء دول العالم الأول ذات الطابع الديمقراطي عن تلك القاعدة، على الرغم من تحقيقها تقدما كبيرا في قضايا مثل الشفافية والعدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي والحريات الشخصية، وهي القضايا الرئيسية التي يهدف الحق في إتاحة المعلومات إلى تنميتها في الأساس، حيث أن لدى تلك الدول العديد من المعلومات والبيانات التي يتم حجبها، بحجة أهميتها لحفظ الأمن القومي لها، سواء كانت أمنية أو عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، على الرغم من ذلك هناك قوانين تنظم مدة الحجب بعدد معين من السنوات، إلا إذا كان هناك حجج تتطلب إبقاء السرية، وهي الحجج التي ينظمها القانون أيضا[1]، كما هو الحال في الولايات المتحدة على سبيل المثال.
وكما تصنف المعلومات بين سرية وهي تلك التي في حاجة إلى قوانين تنظم عملية حفظها والافصاح عنها ومعايير وشروط عملية الإفصاح تلك، وبين متاحة، وهي التي تفتقد لصفة السرية في طبيعتها أو أثرها، والتي ليست في حاجة إلى الحفظ أو الإخفاء، فإن طبيعة الحال توجب تصنيفا أيضا لنوعية الإفصاح، حيث هناك إفصاحا تفاعليا، وهو الذي ينبني الإفصاح التفاعلي على استجابة الحكومة للمواطن، أي تنتظر الحكومة المبادرة من المواطن لتقوم بتوفير المعلومات لطالب المعلومة، أي تتفاعل الحكومة مع المواطن وتقوم بإتاحة المعلومات التي يريدها، وعلى الرغم من أن هذا النوع من الإتاحة يعتبر خطوة جيدة نحو المزيد من الشفافية إلا أن المجتمع العالمي والاتفاقيات الجديدة أظهرت مصطلح “الإفصاح الاستباقي”.[2]والذي فيه تقوم الدولة بالإفصاح مسبقا عن المعلومات دون وجود طالب للمعلومة، أي تقوم بإتاحة المعلومات بشكل أوتوماتيكي من خلال موقعها الإلكتروني مثلا، وبدأ ظهور هذا المصطلح وتطبيقه عام 2009 في المملكة المتحدة فيما يعرف بقانون “مخطط نموذج النشر”[3].
ويترتب على الإفصاح التفاعلي عدد من الإيجابيات، أهما تفعيل المشاركة للمواطنين، وزيادة المساءلة والحد من الفساد والثقة في الحكومة وتحسين أداءها، في حين يؤدي الإفصاح الاستباقي إلى تحسين إدارة المعلومات، خلق دورة معلوماتية كما أن له ميزة أمنية حيث أنه يساعد على حماية بعض الأفراد التي تطلب نوعا خاصا من المعلومات، خاصة في حالة المجموعات الصغيرة القوية أو أصحاب الأعمال أو المصالح الخاصة فلا تعرض للخطر في حالة تركيزها على نوع معين من المعلومات.[4]
وقد تدرجت المعايير الدولية فيما يتعلق بالحق في إتاحة المعلومات، وهو تدرج من المطلق إلى المقيد، حيث نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948على “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وأذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية”.[5]
وقد تضمن النص الإتاحة المطلقة لتداول المعلومات في أبعادها الثلاث، الممارسة، والتلقي، والنشر، دون أي قيود بنطاق مكاني معين، بل أكد على عدم وضع أي اعتبارات للحدود الجغرافية، فهو أعتبر المعلومة حق إنساني مطلق متجاوز للأبعاد الإقليمية والقومية.
وبصدور العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية في 1966، تم انتفاء صفة المطلق عن الحق في المعلومات، وذلك حيث وضع العهد الدولة شروطا للحق الإنساني في المعلومات، وهما احترام حقوق الأخرين أو سمعتهم، وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة[6]، وبذلك مكن العهد الدولي حكومات الدول من تصنيف المعلومات بحسب أهميتها وفق المعطيات الجديدة الشرطية للحق في المعلومات، من دون أن يتضمن أي تعريفات أو أبعاد محددة للمفاهيم الموضوعة كشرط لممارسة الحق في المعلومات، سواء في العهد نفسه أو في ملحق منفصل.
الجدل بين فكرتي الحق في المعلومات والأمن القومي (قضية كليف بونتينج نموذجا):
منذ استقلال الأرجنتين عن إسبانيا عام 1816، كانت جزر فوكلاند محل نزاع بينها وبين بريطانيا، وهو ما دفع الأخيرة للسيطرة على الجزر عسكريا عام 1833، وفي عام 1940 عادت الأرجنتين للمطالبة بحقوقها في فوكلاند، ومع زيادة الالحاح في المطلب عرضت بريطانيا اللجوء إلى محكمة العدل الدولية عام 1947، وهو ما رفضته الأرجنتين، وبدأت سلسلة من المفاوضات بين الجانبين، لعل أهم محطاتها هي مفاوضات نوفمبر 1980 بين وزراء خارجية الدولتين والتي أقرت فيها بريطانيا بسيادة الأرجنتين على الجزر مقابل تخلي الأرجنتين عنها مدة 90 عاما، واستفتاء سكان الجزر، وهو الحل الذي قبلت به الأرجنتين ورفضه السكان، حيث تمسكوا بالسيادة البريطانية على الجزر.
في خضم التدهور الاقتصادي والسياسي في ظل حكم العسكري لأرجنتين، (الخونتا) التي تولت مقاليد البلاد إثر انقلاب عسكري تم عام 1976، كانت الحرب أداة مقبولة لصرف أنظار الشعب الأرجنتيني وتخفيف العبء الداخلي عليها، فاندلعت حرب فوكلاند (أبريل 1982: يونية 1982) بغزو القوات الأرجنتينية للجزيرة والسيطرة عليها، فتحركت القوات البريطانية لاستعادة الجزر.
فرضت القوات البريطانية منطقة حول الجزر نصف قطرها 200 ميل بحري، أعلنت أن أي سفينة سوف تبحر في تلك المسافة سوف يتم استهدافها مباشرة، وفي تلك الأثناء وتحديدا في 2 مايو 1982، قامت البحرية الملكية البريطانية بإغراق السفينة الحربية الأرجنتينية “بلغرانو”، وهي العملية التي راح ضحيتها 323 جندي وضابط أرجنتيني. كان إغراق “بلغرانو” حادث جلل في أحداث الحرب، وأعلنت الأرجنتين أن السفينة تم إغراقها خارج منطقة الحظر البحري التي فرضتها بريطانيا، وهو ما دفع مجلس العموم البريطاني على تقديم استجواب للحكومة حول ملابسات إغراقها، وهو ما قابلته الحكومة بعدم الرد.[7]
استمرت مطالبات مجلس العموم للحكومة ووزارة الدفاع بالإعلان عن ملابسات وحقائق العملية، وقاد تلك المطالب النائب عن حزب العمال تام داليل، وهو ما قابلته وزارة الدفاع بسلسلة من الاجتماعات لكبار موظفيها في الفترة ما بين مارس ويوليو 1984، وتوصلت فيه إلى قرار مفاده أنه لا معلومات حول بلغرانو سوف يتم نشرها.[8]
كان “كليف بونتينج” أحد هؤلاء الموظفين الذين حضروا تلك الاجتماعات، وقام بنشر وثيقتين أحداهما موجهة إلى البرلمان، وتتضمن جميع الحقائق والتفاصيل، والأخرى إلى العامة وتشمل الخطوط العريضة لحادث إغراق بلغرانو، وهو السلوك الذي فسره بأنه مدفوع بشعوره بوجود حالة من التضليل للبرلمان والمجتمع بإخفاء تلك المعلومات، وهو ما دفعه إلى الاستقالة من منصبه، والإفصاح عن حقائق إغراق السفينة بلغرانو إلى مجلس العموم، ومن ثم أحالت الحكومة البريطانية كليف بونتينج إلى المحاكمة في 9 نوفمبر 1984، بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، بموجب المادة الثانية من قانون الأسرار الرسمية، وقد دفع بونتينج في المحاكمة بإقدامه على ذلك الفعل من أجل المصلحة العامة وحق الشعب في المعرفة، وهو الدفع الذي رفضته المحكمة في توصياتها إلى لجنة المحلفين، وأعلن القاضي ماككوان في 10 فبراير 1985، أن بونتينج مذنب بموجب قانون مصالح الدولة، وأن دفاعه غير مقبول، في حين قبلت هيئة المحلفين في 11 فبراير 1985، دفوع بونتينج وتمت تبرئته من تهمة إفشاء أسرار عسكرية.[9]
فرضت قضية كليف بونتينج عدد من الأسئلة حول ما هو حق لدى المواطنين في معرفته، وما هو حق لدى الدولة في الاحتفاظ به كأحد الأسرار، ونظرا لعدم وجود معايير واضحة تصنف على أساسها المعلومات بين سرية ومتاحة، وكذلك درجة السرية ودرجة الإتاحة، وهو ما عالجته بريطانيا فيما بعد بعدد من القوانين أهمها قانون الأسرار الرسمية الصادر عام 1989، الذي نظم تصنيف المعلومات بعدما كانت تحفظ بشكل روتيني كأسرار للدولة، ثم صدور قانون حرية المعلومات عام 2000، والذي نظم الإفصاح عن المعلومات ما لم تكن سرية، في حين أقر الإفصاح على المعلومات بعد مضي 30 عاما فيما يعرف بقاعدة الثلاثين عاما.
تجارب دولية في التعامل مع ثنائية الحق في المعلومات وحفظ الأمن القومي (المكسيك نموذجا):
لا شك وأن العالم اليوم أصبح أمام حاجة ملحة لوضع تعريفات لعدد من القضايا التي أصبحت ذات طابع عالمي، مثل الإرهاب والأقليات والأمن القومي، وذلك ليتسنى للمشرعين في دول العالم وضع التشريعات الخاصة بكل دولة دون أن تحيد عن الفلسفة الأممية في التعامل مع تلك القضايا أو ما يتبعها من ظواهر، دون حدوث تضارب ناتج عن تفسير وتعريف ورؤية كل دولة المستقل عن الدول الأخرى.
ولعل غياب الأطر التعريفية لتلك المفاهيم وما يترتب عليه من انتهاكات باسم حمايتها في العديد من الدول، أو ما يصاحب ذلك من تعليق كلي أو جزئي للحقوق الأساسية لمواطني تلك الدول، يخلق الحاجة القصوى لضرورة وضع تعريفا شاملا ملزما لجميع الدول، أو على أقل تقدير وضع مبادئ وأطر تعريفية يتمحور حولها الالتزام بمبادئ المفهوم وأبعاده.
وبالتطبيق على الأمن القومي وعلاقته بالحق في إتاحة المعلومات، فيمكننا تعريف المعلومات بأنها، أي وثيقة أصلية أو نسخة منها، بغض النظر عن خصائصها الفيزيائية، سواء ملموسة أو غير ملموسة، أو أيا كان شكلها، وهي تشمل وليس على سبيل الحصر، الحقائق في السجلات والمراسلات، الرأي والمشورة والمذكرات والبيانات والإحصاءات والكتب والرسومات والخطط والخرائط، الرسوم البيانية، والصور، والصوتيات والمرئيات، والسجلات والوثائق والرسائل الإلكترونية، والعينات، النماذج، والبيانات المحفوظة في أي شكل إلكتروني.[10]
أما فيما يتعلق بتعريف الأمن القومي، وعلى الرغم من أنه من الممكن أن تختلف أبعاد الأمن القومي بين دولة وأخرى بحسب العديد من المعطيات الأمنية والسياسية والجغرافية وغير ذلك، إلا أنه من الوارد أن تكون هناك عدد من المعايير الأساسية أو الخطوط العريضة التي تكون بمثابة الدليل لتعريفات وقوانين الأمن القومي في كل دولة، مثل مبدأ الحفاظ على وحدة الدولة وحماية تماسكها الاجتماعي والسكاني والحفاظ على معدلات من الاستقرار الاقتصادي وغير ذلك، أو عدد من المعايير التي يجب أن لا تنتهكها الدول تحت ذريعة الأمن القومي والحفاظ عليه، مثل حرية التنقل أو الحق في إتاحة المعلومات.
وفيما يتعلق بقضية “كليف بونتينج”، فقد شرعت المملكة المتحدة قانونها لحرية تداول المعلومات عام 2000، أي أنه لم يكن يوجد قانون لتداول المعلومات آنذاك، وهو ما يمكننا اعتباره أساس حالة الجدل بين المحكمة وهيئة المحلفين، حيث نظرت الأولى إلى تسريب المعلومات باعتباره انتهاكا للقانون الإداري، بينما اعتبرت الثانية أن ذلك التسريب يأتي في حق الشعب في المعرفة، وبالتالي لا توجد جريمة.
ونظرا لارتباط الحق في تداول المعلومات في شكله التشريعي بعمليات التحول الديمقراطي حول العالم، فإن الدول التي شهدت موجات من التحول إلى الديمقراطية تعد الأكثر ميلا نحو سن التشريعات المتعلقة بحقوق مواطنيها في تداول المعلومات، ومن خلال التجارب الدولية الرائدة في تشريعات حرية تداول المعلومات، التجربة المكسيكية، حيث وضعت المكسيك تعريفا محددا لأمنها القومي، حيث أورد قانون الشفافية الفيدرالية ولتداول المعلومات الحكومية تعريف مصطلح الأمن القومي أنه “كل الإجراءات الرامية إلى حماية سلامة واستقرار وبقاء الدولة المكسيكية، وتستهدف استقرار الحكم الديمقراطي، والدفاع الخارجي والأمن الداخلي للاتحاد، وإلى تعزيز الرفاهية العامة للمجتمع وتعزيز أهداف الدولة الدستورية”.[11]
وعليه فقد وضع القانون تصنيفا للمعلومات بين سرية ومحجوبة، ومنحت سلطة التصنيف للجهة الإدارية التي تصدر عنها الوثيقة، كما حددت مدة الحجب بـ12 عاما قابلة للتجديد بشرط موافقة الهيئة الفيدرالية لتداول المعلومات، والمعلومات سرية تشمل، تهديد الأمن القومي، الأمن العام أو الدفاع الوطني، إضعاف المفاوضات الجارية أو العلاقات الدولية، بما في ذلك المعلومات السرية المقدمة من الدول الأخرى أو الكيانات الدولية، إلى الدولة المكسيكية، الإضرار بالمصالح المالية للبلاد، والاستقرار الاقتصادي أو النقدي، تعريض حياة أو أمن أو صحة أي شخص للخطر، الإخلال بإجراءات التحقق من تنفيذ القانون، منع أو تنفيذ الأحكام، أو إضفاء العدل، أو جمع الضرائب، وعمليات مراقبة الهجرة، أو استراتيجيات الإجرائية في العمليات القضائية أو الإدارية الجارية.
أما المعلومات المحجوبة فتشمل، كل المعلومات التي نص عليها القانون أنها سرية أو خاصة أو تجارية سرية أو حكومية سرية، المعلومات التجارية والصناعية والضريبة، والبنكية، والأسرار الائتمانية، التحقيقات الأولية، ملفات قضائية أو الإجراءات الإدارية التي اتخذت شكل محاكمة دون إصدار حكم، إجراءات المسئولية ضد الموظفين العموميين، في حالة مالم يتم إصدار حكم إداري أو حكم نهائي في القضايا المقدمة.
بينما نصت المادة الثامنة عشر على المعلومات التي تصنف بكونها “خاصة” والتي تشمل: المعلومات الشخصية التي يتطلب موافقة الفرد قبل أن يتم الكشف عنها أو توزيعها أو تسويقها كما هو منصوص عليه في هذا القانون، غير ان المعلومات التي تحتوي عليها السجلات العامة أو التي سيمسح للجمهور بالاطلاع عليها لا تعتبر معلومات خاصة.[12]
الخاتمة:
بقيام الموظف العام بوزارة الدفاع البريطانية “كليف بونتينج” بتسريب معلومات حول استهداف وإغراق السفينة الحربية الأرجنتينية “بلغرانو”، بدأت حالة من الجدل حول الحق في إتاحة المعلومات للشعوب، ومسئولية حفظ وصيانة الأمن القومي للحكومات، وهو الجدل الذي انتقل إلى محاكمة “بونتينج” والذي عبر عنه القاضي برؤيته أنه مذنب ويستوجب الحكم لانتهاكه للقانون وتسريبه لمعلومات عسكرية سرية، في حين قامت هيئة المحلفين بتبرئته باعتبار ما قام به هو حق من حقوق الشعب في المعرفة.
ولم تنتهي حالة الجدل حول علاقة الحق في إتاحة المعلومات وحرية تداولها بالأمن القومي وأبعاده، إلا أن استخدام العديد من الأنظمة في العالم الأول أو الثالث على السواء لمبرر الحفاظ على الأمن القومي، وممارستها في حجب المعلومات، مع اختلاف مبررات ودوافع كل منها، فالأولى تخفي المعلومات التي تخشى منها المساس بشرعيتها أو شعبيتها، بينما الثانية تستمد من حجم المعلومات القوة والبقاء وذلك بتوجيهها المعلومات التي تبثها إلى المجتمع لضمان بقاءها وسلطانها.
وعلى الرغم من أسبقية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشموله الحق المطلق وغير المقيد للحق في تداول المعلومات إنتاجا ونشرا واستقبالا بصورته الأممية المتجاوزة للحدود والأعراق، إلا أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قيد هذا الإطلاق بوضعه معايير يجوز معها تقييد الحق في تداول المعلومات، وهي معايير عدم المساس بالحياة الشخصية، والأمن القومي.
وبالنظر إلى تلك المعايير نجد أنه لضمان ألا يتم الالتفاف حولها وممارسة التقييد بها كمنطلق، يجب أن يتم وضع تعريفات ومفسرات عالمية لها، فالحياة الشخصية والبعد الأخلاقي لها هو نسبي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتفق في ظل التنوع الثقافي والحضاري والديني بين دول العالم، كما أن مفهوم الأمن القومي هو مفهوم واسع، يحتاج إلى خطوط عريضة ملزمة للدول، مع إعطاء كل دولة المساحة الكافية من الحرية لوضع التعريف الخاص بها وفقا لما يتناسب معها.
وبملاحظة الدول التي شهدت تحولا ديمقراطيا في العقود الأخيرة، ولم تكن من الدولة الراسخة في الديمقراطية، فإن قضية الحق في إتاحة وتداول المعلومات عادة ما تكون أحد القضايا الرئيسية المطروحة في طور التحول، كما في مصر وتونس على سبيل المثال، كما أن دولا مثل المكسيك التي شهدت تحولا مع بدايات الألفية اعتمد على التقوية التدريجية للمؤسسات الديمقراطية بالدولة، والتشديد على الشرعية الانتخابية، والتي منحت للنظام قوة ملحوظة وإعطاء مساحات أوسع للأحزاب المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، متأثرة بمناخ العولمة، جعل هناك حاجة لقانون إتاحة وتداول المعلومات ضمانا للشفافية في الديمقراطية الناشئة، وأنتجت المكسيك أحد القوانين التي تغطي كافة جوانب إشكالية إتاحة المعلومات، بداية من تعريفها للأمن القومي وصولا لاشتراطات ومعايير وتصنيف حجب المعلومات، ومدته والجهات المنوطة به.
[1] ينظم الأمر التنفيذي 13526 الصادر في ديسمبر 2010 سرية المعلومات، حيث ترفع السرية عن المعلومات تلقائيا بمرور 25 عاما، مع وجود تسعة استثناءات لبقائها سرية، وبمرور 50 عاما يصبح هناك استثناءات فقط، أما المعلومات التي يتطلب بقاءها سرية لأكثر من 75 عاما فتتطلب تصريحا خاصا، لمزيد من الاطلاع https://goo.gl/HJ9wDF
[2] الشفافية.. المعايير الدولية والحالة المصرية، جلوبال بارتنرز ومنتدى البدائل العربي للدراسات، ديسمبر 2011، ص 26.
[3] حالة المعلومات في مصر، نحو تفعيل الحق الدستوري، المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة)، نوفمبر 2015، https://goo.gl/3Vuw21
[4] حالة المعلومات في مصر، نحو تفعيل الحق الدستوري، المرجع السابق.
[5]المادة 19، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة، 10 ديسمبر 1948، https://goo.gl/ObZvBr
[6]المادة 19، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، 16 ديسمبر 1966، https://goo.gl/PheQPu
[7] Britain WAS right to sink the Belgrano: Newly released intelligence proves the Argentine ship had been ordered to attack our Task Force, Daily Mail, 30 Dec 2011, https://goo.gl/3THZv
[8]The Clive Ponting case, Taylor& Francis online, 24 Oct 2007, https://goo.gl/L6OnHT
[9]The Clive Ponting case, Ibid.
[10]the global principles on national security and the right to information, open society foundation, 12 June 2013, p11, https://goo.gl/L8Wx0S
[11]المعايير الدولية لحجب المعلومات على أساس حماية مصالح الأمن القومي، مركز دعم لتنقية المعلومات، 11 ديسمبر 2013، https://goo.gl/NN7ZQq
[12]المعايير الدولية لحجب المعلومات، المرجع السابق.