تحديات بناء دولة المواطنة في إطار الأنظمة السياسية السلطوية
جورج ثروت فهمي

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [519.11 KB]

ثمة جدل مستمر حول علاقة مبادئ المواطنة بعملية التحول الديمقراطي، وعما إذا كان إسقاط النظم السلطوية وبدء عملية تحول ديمقراطي هو الخطوة الأولى في سبيل بناء دولة المواطنة، أم أن المواطنة هي أحد شروط البدء بعملية تحول ديمقراطي؟ يرى أصحاب الرأي الأول أن النظم السلطوية مهما ادعت من انفتاح وإصلاح سياسي، إلا أن علاقاتها مع أفراد مجتمعها لا تقوم على مبدأ المواطنة، ولكن كونهم رعايادون حقوق سياسية مدنية. وتستمد تلك الأنظمة شرعيتها من خلال إبقاء المجتمع مقسم إلى جماعات دينية وعرقية، وتدير الدولة علاقاتها مع تلك الجماعات من خلال قياداتها التقليدية كالمؤسسات الدينية أو شيوخ القبائل والعائلات الكبيرة. ولذلك يرى أصحاب هذا الرأي أن الطريق نحو بناء دولة المواطنة يمر أولا من خلال إسقاط تلك الأنظمة السلطوية بهدف تغيير علاقة شكل علاقة السلطة بالمجتمع ومن ثم العمل على إرساء أسس ديمقراطية جديدة لتلك العلاقة. في المقابل يرى أصحاب الرأي الأخر أن المواطنة هي شرط لازم لبدء عملية تحول ديمقراطي، فلا بد للمجتمع أن يتخلى عن انتماءاته الأولية حتى يستطيع أن ينظم نفسه في إطار حركات وأحزاب ليطالب بحقوقه السياسية والمدنية، ودون ذلك فإنه حتى مع إسقاط النظام السلطوي سيكون من الصعب بناء نظام ديمقراطي كما هو الحال في دول مثل اليمن والعراق، حيث تشكل الانتماءات الدينية والعرقية عائقا أمام عملية تحول ديمقراطي حقيقة.

لم تكن منطقة الشرق الأوسط بعيدة عن هذا الجدل حول علاقة المواطنة بالتحول الديمقراطي، وخاصة مع موجة الربيع العربي التي بدأت في تونس في ديسمبر2010 قبل أن تنتقل إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا خلال شهور قليلة. فعلى الرغم من نجاح الثورات الشعبية في إسقاط الأنظمة السلطوية في أغلب تلك الدول باستثناء سوريا، بل وبدأت بعضا منها بالفعل في تغيير الإطار الدستوري والقانوني الحاكم لعلاقة الدولة بالمجتمع كما هو الحال في تونس ومصر واليمن، إلا أن أوضاع الأقليات الدينية والعرقية لم تتحسن بالضرورة، بل تدهورت في بعض الحالات كما هو الحال مع المسيحيين في مصر. في المقابل فإن دول أخرى لم ينجح الحراك الشعبي فيها في إسقاط النظام السياسي كما هو الحال في العراق والمغرب، إلا أنها لا تزال تشهد نضالا من أجل إقرار دولة المواطنة حتى وإن ظل هذا الحراك في إطار المساحات التي تسمح بها الأنظمة السياسية في تلك الدول.

تسعى هذه الورقة إلى الإجابة عن سؤال رئيسي حول إمكانية بناء دولة المواطنة من خلال إصلاح داخلي وفي ظل نظام غير ديمقراطي، وكذلك تحليل اهم التحديات التي تواجه الحراك المطالب بالمواطنة في إطار نظم التعددية السياسية المقيدة، بالإضافة إلى توصيات لكيفية التعامل مع تلك التحديات.

أولا: أهمية القضية محل الدراسة

تنبع أهمية دراسة قضية المواطنة في الدول التي لم تشهد حراكا ثوريا في أنها باتت تشكل بديلا للمسار الثوري الذي انتهى في العديد من دول المنطقة إلى الاقتتال الداخلي، كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن. فقد دفع المسار الذي آل إليه الربيع العربي في تلك الدول الأقليات الدينية والإثنية إلى إبداء تخوفها من المسار الثوري للتغيير، وبات الكثير منهن يتحدث عن الإصلاح من الداخل كطريق بديل للحصول على المواطنة المبتغاة. ولكن بينما يتشكك بعضهن في المسار الثوري، فان العمل من خلال نظم التعددية السياسية المقيدة، أو حتى الديمقراطية الانتخابية electoral democracy لا تشكل في ذاتها ضمانة من أجل تحقيق المواطنة، ولعل المثال التركي واضحا في هذا الشأن. وبرغم تميز المسار السياسي التركي بقدر من الانفتاح السياسي القائم على انتخابات دورية حرة ونزيهة (باستثناء فترات الانقلابات العسكرية القصيرة) وتداول السلطة بشكل دوري، فإن الأكراد في تركيا عانوا لسنوات من التمييز ضدهم. وعلى الرغم من انتقال تركيا إلى الديمقراطية الانتخابية منذ عام 1946 رسميا وفعليا منذ عام 1950، الا أن حقوق الجماعات العرقية والدينية كالأكراد لا تزال إلى أن محل صراع بينهم وبين الدولة التركية. أيضا على الرغم من أن الانتخابات التركية تتميز بالشفافية والنزاهة فقد وضعت عتبة انتخابية تقدر بـ10% من الأصوات يجب على الحزب السياسي تخطيها حتى يتم تمثيله في البرلمان، وهو الأمر الذي جعل من الصعب على أي من الأحزاب الكردية الوصول إلى البرلمان. كذلك الأمر في حالة تونس، فعلى الرغم من الخطوات التي خطتها تونس على طريق التحول الديمقراطي منذ إسقاط نظام بن علي في يناير 2011، فان قضية مثل حقوق الأمازيغ لم تلق اهتماما من القوى السياسية والتي أقرت في المجلس التأسيسي أن لغة الدولة الرسمية هي العربية، دون أي إشارة إلى اللغة الأمازيغية.

بالإضافة إلى ذلك فان الدول التي لم تشهد حراكا ثوريا وبالتالي لم تسقط نظمها السياسية مثل العراق والمغرب، لم تكن بعيدة عن تأثير موجة الربيع العربي وبمطالبها وفي المقدمة منها بناء دولة المواطنة. ففي العراق على سبيل المثال، احتفلت العديد من القطاعات المطالبة بالتغيير بالربيع العربي، وفي مدينة السليمانية أقام ناشطو المجتمع المدني في الحراك الكردي خيمة لتلقي التهاني بمناسبة اسقاط مبارك وبن علي. وكذلك الحال في المغرب، والتي طالتها رياح الربيع العربي، فنشأت حركة 20 فبراير 2011 للمطالبة بالإصلاح السياسي.

ثانيا: تحديات العمل من أجل بناء دولة مواطنة في ظل مناخ سياسي مقيد

بينما فتحت ثورات الربيع العربي فرصة للتغيير المؤسسي من خلال إسقاط الدساتير التي كتبت في ظل الأنظمة السلطوية، وبينما حررت بدرجات المجال العام من سيطرة الأجهزة الأمنية مما سمح للفاعليين السياسيين والمجتمعيين بقدر كبير من حرية التنظيم والعمل في الشارع، فإن العمل من أجل المطالبة بدولة المواطنة في ظل النظم السياسية غير الديمقراطية واجه تحديات عدة. تأتي في مقدمة تلك التحديات صعوبة التواصل مع الجماهير، ودفاع الفاعليين التقليدين عن مصالحهم، بالإضافة إلى القيود التي يفرضها النظام على سعي هؤلاء الفاعليين إلى التنظيم والتشبيك.

1-   صعوبة التواصل مع الجماهير

تضع النظم السلطوية عادة العديد من القيود على نشاط الحركات الاجتماعية والسياسية، خاصة فيما يتعلق بحرية النزول إلى الشارع وتنظيم أي فعاليات عامة تشارك فيها الجماهير، خوفا من أن تقوم تلك الحركات بتعبئة الجماهير ضدها، وأيضا حتى لا تجذب تلك الحركات أعدادا أكبر من الأعضاء مما يزيد من نفوذها السياسي. وتستخدم النظم السياسية في ذلك ترسانة من القوانين الاستثنائية، كحالة الطوارئ في مصر قبل 25 يناير 2011 على سبيل المثال. ولذلك يشكل التواصل مع الجماهير للتعريف بأفكارها ومبادئها وكذلك تجنيد أعضاء جدد أحد أهم التحديات التي تواجه الحركات المطالبة بالمواطنة في ظل الأنظمة السياسية السلطوية.

2-   مقاومة الفاعليين التقليديين

تسعى الأنظمة السلطوية إلى توطيد علاقاتها بالفاعليين التقليديين كالمؤسسات الدينية والعشائرية في إطار اتفاق يسمح خلاله النظام السياسي لهؤلاء الفاعليين التقليدين بلعب دور الممثل الشرعي لجماعاتهم الدينية والإثنية، في المقابل يقوم هؤلاء الفاعليين بالسيطرة على جماعاتهم الدينية والعرقية كما هو حال بالنسبة للكنيسة القبطية في مصر على سبيل المثال. ومن ثم تتشابك مصالح هؤلاء الفاعليين التقليديين مع مصالح النظام السياسي ويجدوا في أي محاولة لتغيير النظام السياسي أو القواعد التي حكم علاقة الدولة بتلك الجماعات الدينية والإثنية تهديدا مباشرا لمصالحهم والمكاسب التي يحصلون عليها في ظله. ولذلك تواجه الحركات المطالبة بالمواطنة مقاومة شرسة من قبل تلك المؤسسات التقليدية التي ترى في تلك الحركات ورموزها منافسين لها في تمثيل الجماعات الدينية والعرقية، وتهديد لشكل علاقاتها مع النظام السياسي، والمصالح التي تترتب عليها.

3-   غياب التنظيم والتشبيك

تضع النظم السلطوية عدة قيود على حرية التنظيممما يجعل من الصعب على الحركات المطالبة بالمواطنة الانتظام في إطار شكل قانوني كأحزاب سياسية أو منظمات مجتمع مدني للمطالبة بحقوقها، وهو الأمر الذي يجعلها دوما عرضة للملاحقة القانونية والأمنية. وكذلك وكنتيجة لغياب الشكل التنظيمي، فان تلك الأصوات تفقد الكثير من قدرتها على التشبيك المؤسسي مع الحركات والتنظيمات الأخرى التي تتشارك معها في ذات المبادئ والأهداف، والتي ترى في أن التعاون مع حركات غير مؤطرة قانونيا قد يشكل خطرا عليها.

ثالثا: كيف للفاعليين الدينيين والإثنيين النضال من أجل حقوقهم في ظل نظم التعددية السياسية المقيدة؟

يحمل كل من المسارين الثوري والمسار الإصلاحي فرص يمكن استغلالها وكذلك مخاطر يجب تخطيها لترسيخ قيم المواطنة. فلا يضمن المسار السياسي في حد ذاته النتيجة النهائية، لكن تعامل الفاعليين المطالبين بدولة المواطنة مع فرص وتحديات المسار السياسي هو ما يحدد شكل المحصلة النهائية. فأسلوب إدارة الفاعليين المطالبين بالمواطنة في سياق سياسي مقيد للتحديات السابق ذكرها هو ما يحدد فرص نجاحهم في ترسيخ المواطنة من عدمها.

توصية عامة

في مراحل الانفتاح السياسي، من المهم ألا تسقط الأقليات الدينية والإثنية في فخ الدفاع عن مطالب جماعتها فقط، حتى لا يتم استغلالها من قبل النظام السياسي من خلال التعامل مع مطالب كل جماعة دينية أو إثنيةعلى حده بهدف الالتفاف حول مطالب المواطنة. على العكس، يجب على الحركات الدينية والإثنية استغلال هذا الانفتاح السياسي من أجل التنسيق مع الحركات السياسية المطالبة الديمقراطية وكذلك منظمات المجتمع المدني لصياغة مشروع واضح لبناء دولة المواطنة لجميع مكونات المجتمع. تحقق تلك الاستراتيجية للحركات الدينية والإثنية مكسبين هامين: الأول هو ضمان وضع مطالب تلك الجماعات الدينية والعرقية على الأجندة السياسية لتلك الحركات والأحزاب السياسية، والثاني هو تطوير خطابها من مجرد الحديث عن مطالب ضيقة تتعلق بحقوق أفراد جماعتها إلى خطاب أوسع حول حقوق المواطنة للجميع. على سبيل المثال، في مصر خلال السنوات التي سبقت ثورة 25 يناير، سعى بعض الشباب النوبي إلى التواصل مع الحركات السياسية مثل 6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير من أجل التنسيق معهم. في المقابل، فإن الحراك الذي تشهده عدة محافظات عراقية منذ عدة سنوات لا يزال عاجزا على تجاوز الهويات الدينية والإثنية. فعلى الرغم من تشابه مطالب المتظاهرين في المناطق الكردية والمحافظات ذات الأغلبية الشيعية وكذلك الحراك السني فيما عرف بثورة الأنبار (قبل أن تنجح التنظيمات الجهادية في بسط نفوذها على الكثير من تلك المناطق مستغلة التهميش الذي تعرض له السنة)، والمتمثلة في الإصلاح السياسي، والقضاء على الفساد، وتحسين مستوى الخدمات إلا أن الحراك الشعبي في كل من المناطق الثلاث ظل منفصلا عما يجري في المناطق الأخرى من العراق مما أفقده الكثير من التأثير على الحكومة المركزية في بغداد. فالعمل في إطار نظم التعددية السياسية المقيدة يتطلب من الحراك المطالب بدولة المواطنة استغلال المساحات المحدودة التي يسمح بها النظام السياسي من أجل بناء تحالفات متجاوزة للهويات الإثنية والدينية للدفع بمشروع دولة المواطنة ولضمان أكبر قدر من الضغط على النظام السياسي.

  • ·على المستوى الدستوري والقانوني

يجب أن تضغط الحركات المطالبة بالمواطنة من أجل إجراء تغييرات دستورية وقانونية تضمن الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لكل مكونات المجتمع دون تمييز. وفي ظل ما عاناه بعض الفئات الاجتماعية من تمييز لعقود طويلة، فقد يكون من المهم أيضا اللجوء إلى نصوص قانونية تضمين التمييز الإيجابي لبعض الفئات الاجتماعية، كتخصيص نسبة معينة لها داخل المؤسسات التمثيلية حتى لو لفترة انتقالية، كما هو الحال بالنسبة لبعض الأقليات الدينية في العراق، وكذلك الحال في الدستور المصري الجديد حيث أقر نسبة 25% للشباب في الانتخابات المحلية.

قد يكون في بعض الأحيان الطريق إلى كتابة المواد الدستورية أهم من النصوص الدستورية ذاتها. لذلك فعلى تلك الحركات الضغط من أجل أن تتم تلك الإصلاحات الدستورية والقانونية من خلال إشراك أكبر عدد من المواطنين في تلك العملية، سواء من خلال جلسات استماع، أو تلقى مقترحاتهم مكتوبة. فمشاركة نسبة كبيرة من المواطنين في تلك العملية يعطي لتلك التعديلات شرعية أكبر، كما إنه يجعل من الصعب على أي نظام سياسي الالتفاف حولها، وأخيرا فانه يشعر المواطنين بأن تلك التعديلات تخصهم مما يجعلهم أكثر استعدادا للدفاع عنها في حالة محاولة السلطة السياسية التراجع عنها.

  • ·على مستوى السياسات

أما على مستوى السياسات، فان الإصلاحات التشريعية لا تعني شيئا دون سياسات واضحة تسعى إلى تفعيل تلك النصوص التشريعية. ففي المغرب وعلى الرغم من الإصلاح الدستوري في 2011، والذي تم الاعتراف فيه باللغة الأمازيغية، فإن حقوق المواطنة للأمازيغ لا تزال رهنا بتبني النظام المغربي لحزمة سياسات تفعل تلك النصوص الدستورية. على سبيل المثال، فإن المحاكم في المغرب تعتمد فقط على اللغة العربية، مما يضع قيودا على قدرة الأمازيغ على التخاطب مع القاضي، حيث تم اللجوء إلى ترجمة غير رسمية عن طريق المحامين الناطقين بالأمازيغية[1]. كذلك الحال بالنسبة للنوبيين في مصر، فعلى الرغم من إقرار الدستور المصري في 2014 حزمة من الحقوق النوبية مثل حق التنمية للنوبة ضمن المناطق النائية التي قرر أن تتم التنمية فيها باستشارة سكانها في عملية اتخاذ القرار، وكذلك النص على احترام التعددية الثقافية التي تسمح للنوبيين بالاعتراف بثقافتهم الخاصة والحفاظ عليها، وتجريم التمييز على أساس اللون والعرق، فأي من تلك المبادئ لم تتم ترجمته في شكل سياسات عامة.

  • ·على المستوى الثقافي: ترسيخ ثقافة المواطنة

على الحركات المطالبة بالمواطنة أن تعمل على ترسيخ ثقافة المواطنة من خلال الضغط من أجل إصلاح مناهج التعليم. ففي الكثير من الدول العربية، تعاني المناهج الدراسية من أحادية النظرة، فتسعى إلى إخفاء أي تمايز ديني أو عرقي من أجل التأكيد على هوية واحدة وطنية لا تقبل بأي هويات فرعية أخرى، بل تعتبر تلك الأخيرة تهديد لهوية الدولة. ولذلك فعلى الحركات المطالبة بالمواطنة الضغط من أجل مناهج تعليمية تؤكد على قيم التعددية والتسامح وتقدم معلومات عن المكونات الاجتماعية المختلفة لكل مجتمع.

بالإضافة إلى إصلاح المناهج التعليمية، فلا بد من العمل أيضا على تغيير الثقافة الشعبية تجاه الأخر، وذلك من خلال حملات توعية بهدف تغيير ثقافة المجتمع ورؤيته للأخر. في مصر سعت بعض الحركات النوبية إلى تنظيم حملات شعبية بهدف تعريف المجتمع المصري بالقضية النوبية من خلال عدة فعاليات شعبية، كمبادرة ابن النوبة والتي سعت لاستخدام الشخصيات النوبية التي أثرت في الحياة الثقافية في مصر، وربما لا يعرف الكثير من المصريين عن أصولهم النوبية، من أجل التعريف بالثقافة النوبية.

  • ·على المستوى الاقتصادي-الاجتماعي: التمكين الاقتصادي

 عرفت بعض المناطق الجغرافية إهمالا متعمدا بسبب طبيعتها الديموغرافية. لذلك من المهم أن يصاحب الإجراءات السياسية والثقافية أيضا إجراءات اقتصادية بهدف تنمية تلك المناطق المهمشة. على سبيل المثال، في المغرب عانت المناطق الأمازيغية لعقود من تعثر عملية التنمية، مما دفع الكثير من سكان تلك المناطق إلى الهجرة إلى الدول الأوروبية. لذلك يتوجب على الفاعلين المطالبين بالمواطنة الضغط على مؤسسات الدولة من أجل ضمان سياسات تنموية عادلة ومتوازنة.

بالإضافة إلى كون تلك السياسات التنموية حق تلك الجماعات العرقية والدينية المهمشة، فإنها تسمح للقوى المطالبة بالمواطنة ببناء قاعدة شعبية لها داخل تلك المناطق المهمشة. في المقابل، فإن استمرار إهمال الدولة لتلك المناطق، يسمح للقوى التقليدية، دينيا كانت أم قبلية، بالتوسع في نشاطها وبترسيخ صورتها باعتبارها ممثلة تلك الجماعات والمسئولة عنها، وهو الأمر الذي يضعف من ثقافة المواطنة داخل تلك المناطق، كما إنه ينزع الشرعية عن الفاعلين المطالبين بالمواطنة في مواجهة تلك القوى التقليدية.

خاتمة

سعت هذه الورقة إلى تحليل أهم التحديات التي تواجه الحراك المطالب بدولة المواطنة في ظل الأنظمة السياسية غير الديمقراطية، وكذلك إلى تقديم توصيات للفاعليين المطالبين بالمواطنة في كيفية التعامل مع تلك التحديات. وعلى الرغم من تركيز الورقة على السياق السياسي المقيد، الا أن النضال من أجل إقرار قيم المواطنة هي عملية مستمرة ولا ترتبط بمسار سياسي بعينه سواء كان ديمقراطي أو سلطوي. فكل مسار سياسي يفرض تحديات مختلفة على الفاعليين المطالبين بالمواطنة، ويتطلب بالتالي استراتيجيات مختلفة للتعامل مع تلك التحديات. في حالة الأنظمة السلطوية، أو تلك التي تتميز بتعددية سياسية مقيدة، فإن التحديات تتمثل أغلبها في القيود التي يفرضها النظام السياسي على حرية التنظيم والتعبير وكذلك نمط علاقات المصالح بين النظام السياسي والفاعليين التقليدين الذين يسعون إلى مقاومة أي محاولة للتغيير، وهو ما يختلف عن تحديات المسار السياسي الثوري والذي يتميز عادة بقدر كبير من السيولة وهو الأمر الذي يحمل في طياته فرص بناء قواعد مؤسسية جديدة ولكن أيضا مخاطر الانزلاق نحو الفوضى أو الاقتتال الأهلي. في كل من الحالتين، يجب على الفاعلين المطالبين بالمواطنة أن يدركوا أن العمل من أجل بناء دولة المواطنة هو عمل تراكمي لا يتغير بتغير النظام السياسي، لكن فقط استراتيجيات العمل هي التي يجب أن تتغير لتتعامل مع التحديات المختلفة التي يفرضها السياق السياسي.


[1]يوسف لعرج، المواطنةوالتنوعالثقافي “الأمازيغفيشمالأفريقيا” دراسةحالةعنالمملكةالمغربية، في المواطنة والمكونات الاجتماعية في المنطقة العربية، منتدى البدائل العربي للدراسات، القاهرة، 2015.

Start typing and press Enter to search