هزار الفرشيشي ,يسري بن حمادي
تونس
استقلال القضاء في تونس
هزار الفرشيشي
كاتبة وناشطة حقوقية تونسية
وصف المشكلة
يعد مبدأ استقلالية السلطة القضائية اليوم عماد الدولة الديمقراطية العادلة، بل وأصبح مكرسا في معظم الاتفاقيات الدولية والدساتير، وتحقيق استقلالية القضاء يتم عبر القيام بعمليات إصلاح. والإصلاح يكون نتيجة حوار مجتمعي وليس إصلاحا فوقيا، وهو يشمل مكوّنات منظومة العدالة كافة، ويلامس القضايا الجوهرية لاستقلال السلطة، ويروم معالجة قضايا الحقوق والحريات في جوهرها. ومن أهم الاخلالات التي تشوب استقلالية القضاء في تونس نذكر:
– تبعية النيابة العمومية لوزارة العدل الذي قد ينجر عنه عدم ثباتها في توجهاتها سيما أن كل وزير عدل يكون خاضعا لتطبيق أجندات سياسية معينة.
– إشراف وزارة العدل على الهيئة الرقابية المكلفة بمساءلة القضاة.
– ما زال القضاء يحمل أعباء وزارة الداخلية حيث ما زالت تمارس ضغوطاتها خصوصا عند صياغة المحاضر التي تصاغ في البداية في مراكز الأمن، فهي لا تكون عدلية بل تكون أمنية بحتة، إذ يستشير عون الأمن رئيسه وقد يأمره بعدم إعلام النيابة العمومية (مثال ذلك فرار السيدة العقربي من تونس وفتح تحقيق لمعرفة المتسبب في إخراجها).
والمشكلة المطروحة هنا أن القاضي ملزم بتصديق المحضر الذي حرره مساعد الأمن ما لم يثبت أن مبني على التدليس، أو بني على تعذيب مادي أو معنوي ما يصعب إثباته.
– كما أنه لا شك أن الوضعية المادية والأدبية للقضاة تؤثر على مدى استقلاليتهم وخضوعهم لإملاءات أصحاب النفوذ.
– تمتلك النيابة العمومية في مرحلة التحقيق سلطات من شأنها أن تؤثر بصفة ملحوظة على استقلالية سلطة التحقيق، ويتأكد ذلك من خلال الرقابة التي تمارسها النيابة على قاضي التحقيق، إذ يمارس مأمور الضبطية القضائية أعماله تحت رقابة وإشراف وكيل الدولة العام والمدعين العموميين حسب م.إ.ج، كما يمنح المشرع التونسي للنيابة العمومية بالمحاكم التي يوجد بها عدة قضاة تحقيق سلطة تعيين قاضي التحقيق الذي ستعهد إليه بالملف.
القواعد
- ·دستور 27 يناير 2014
– الفصل 102
القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات.
القاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون.
– الفصل 107
لا ينقل القاضي دون رضاه، ولا يعزل، كما لا يمكن إيقافه عن العمل أو إعفاؤه، أو تسليط عقوبة تأديبية عليه، إلا في الحالات وطبق الضمانات التي يضبطها القانون، وبموجب قرار معلل من المجلس الأعلى للقضاء.
– الفصل 113
يتمتع المجلس الاعلى للقضاء بالاستقلال الإداري والمالي والتسيير الذاتي.
مجلة الإجراءات الجزائية (م.إ.ج).
– الفصل 21
على النيابة العمومية أن تقدم طلبات كتابية طبقا للتعليمات التي تعطى لها حسب الشروط الواردة بالفصل 23 وتتولى بسط الملاحظات الشفاهية بما تراه متماشيا مع مصلحة القضاء.
– الفصل 22
الوكيل العام للجمهورية مكلف تحت إشراف كاتب الدولة للعدل بالسهر على تطبيق القانون الجنائي بكامل تراب الجمهورية.
– الفصل 23
لكاتب الدولة للعدل أن يبلغ إلى الوكيل العام للجمهورية الجرائم التي يصل له العلم بها، وأن يأذنه بإجراء المتابعة سواء بنفسه أو بواسطة من يكلفه أو بأن يقدم إلى المحكمة المختصة الملحوظات الكتابية التي يرى كاتب الدولة للعدل من المناسب تقديمها.
– الفصل 49
إذا كان بالمحكمة عدة حكام تحقيق فإن وكيل الجمهورية يعين لكل قضية الحاكم المكلف بالبحث فيها.
- ·مبادئ بنغالور للسلوك القضائي
– القيمة الأولى
إن الاستقلال القضائي شرط مسبق يحكم القانون وضمانة أساسية لمحاكمة عادلة، لذلك على القاضي أن يدعم ويكون مثلا أعلى للاستقلال القضائي في كل من ناحيتيه الفردية والمؤسساتية على حد سواء.
الخبرات المحلية والدولية في التعامل مع القضية
– بهدف إصلاح المنظومة القضائية، نظمت وزارة العدل التونسية استشارة وطنية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي والمفوضية العليا لحقوق الانسان. ولقد تزامنت هذه الاستشارة مع انطلاق ورشات الإصلاح القضائي في بعض البلدان المغاربية التي تواجه عدة تحديات في أفق بناء دولة الحق والقانون التي سيبقى من أهم مقوماتها بناء سلطة قضائية قوية ومستقلة.
ولقد التزمت وزارة العدل بالقيام بعملية إصلاح شاملة مبنية على رؤية استراتيجية ومستقبلية للمنظومة القضائية والسجنية. ولتحقيق هذا الهدف بادرت الوزارة في 2012 باعتماد مخطط استراتيجي للفترة الممتدة من 2012 إلى 2016.
وتنص هذه الوثيقة التخطيطية خاصة على كيفية تطبيق عملية إصلاح للمنظومة القضائية والسجنية والتي بدأت فعليا في أكتوبر 2012 بإحداث لجنة توجيهية لإصلاح المنظومة القضائية مكلفة بتبني رؤية استراتيجية لإصلاح القضاء وأيضا مخطط عمل يفصل تطبيق هذه الرؤية.
وقررت اللجنة التوجيهية للإصلاح في أكتوبر 2012 تنظيم استشارات وطنية من أجل جمع وتحليل آراء ووجهات نظر كافة الأطراف المعنية بالموضوع من ممثلي القضاء والمجتمع المدني وكل المتدخلين في المؤسسة القضائية وكذلك الشركاء التقنيين والماليين في إصلاح القضاء والمواطنين. وبعد تدارس كل المقترحات التي توصلت لها اللجنة التوجيهية للإصلاح قامت هذه الأخيرة برفع مشروع توصيات بشأن إصلاح المنظومة القضائية.
– اتّبع المغرب منهجية جديدة في التعامل مع إصلاح منظومة العدالة من خلال “الحوار الوطني حول الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة”، شاركت فيه 190 مؤسسة رسمية وجهوية ووطنية، مع مكاتبات ومقترحات الأحزاب السياسية، انتهت بعد 14 شهرا من العمل إلى تقديم خريطة طريق في مايو 2013.
– في المغرب ثمة سعي إلى فصل السلطة التنفيذية عن القضاء في القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، من خلال نقل صلاحيات النيابة إلى الوكيل العام للملك بدلا من وزير العدل، وهو ما اعتبره القيادي في حزب العدالة والتنمية ووزير العدل المغربي مصطفى الرميد خلال ورشة عمل نظمها مركز كارنيجي للشرق الأوسط في الرباط حول إصلاح منظومة العدالة في العالم العربي خطوة كبيرة في الفصل بين السلطات تفوق حتى بعض الدول الديمقراطية.
– في اليابان، لا يؤاخذ القضاة إلا في غرفة خاصة في مجلس نواب الشعب ولا تتم محاسبته من قبل السلطة التنفيذية.
الاستراتيجيات المطروحة للتعامل مع القضية
– جعل النيابة العمومية هيكلا مستقلا غير تابع لأي طرف.
– مساءلة القضاة ومن ثم محاسبتهم يجب أن تكون شعبية لا سياسية ولا حكومية.
– تحسين الوضعية المادية للقضاة.
– اخراج الضبطية القضائية من سلطة وزارة الداخلية وجعلها تابعة للنيابة العمومية.
– اسناد مهمة تعيين قاضي التحقيق إلى جهة محايدة لا تربطها بقاضي التحقيق سلطة تبعية ولا تمثل طرفا في النزاع. مع إمكانية منح النيابة صلاحية أن تطلب من هذه الجهة الرجوع في قرارها بمقتضى طلب معلل.
الجهات المستهدفة
– وزارة العدل
– مجلس نواب الشعب
آليات التنفيذ
– سعيا لتكريس مبدأ استقلالية النيابة عن السلطة التنفيذية والتقليص من مبدأ التبعية الادارية للنيابة فيقترح تغيير رأس الهرم الوظيفي وذلك بإسناد رئاستها إلى وكيل الدولة العام بمحكمة التعقيب دون المساس بالجهاز نفسه الذي يجب أن يبقى خاضعا للسلم الإداري الداخلي خوفا من أي تجاوزات محتملة.
– يجب أن تتم محاسبة القضاة في غرفة خاصة بمجلس نواب الشعب على غرار التجربة اليابانية، ورفع رواتب القضاة والامتيازات المادية التي يتلقونها.
– لتدعيم استقلالية قاضي التحقيق، يتعين على المشرع التونسي سحب صفة الضبطية العدلية عنه حتى لا يخضع لرقابة النيابة العمومية. كما أنه يتعين منح سلطة الرقابة التي كانت تمارسها النيابة على التحقيق إلى رئيس دائرة الاتهام الذي يصبح من بين صلاحياته التثبت من حسن سير مكاتب التحقيق التابعة لدائرة محكمة الاستئناف والتأكد من شروط تطبيق الإنابات العدلية الممنوحة لأعوان الضبطية العدلية. ولضمان هذه الرقابة فإنه يتعين على قاضي التحقيق إرسال جميع القضايا المنشورة أمامه في كل ثلاثية إلى رئيس دائرة الاتهام مع تحديد تاريخ آخر إجراء قام به.
– إسناد مهمة تعيين قاضي التحقيق إلى رئيس المحكمة الابتدائية.
أهمية الاستراتيجيات المقترحة وإمكانية تنفيذها على أرض الواقع
يشكل إصلاح القضاء دعامة أساسية لتوطيد الشفافية والمصداقية في المؤسسات وبناء الديمقراطية الحقة، فالقضاء هو الحصن المنيع لدولة القانون والحق وعماد الأمن والمحفز للتنمية.
وحرصا على قضاء نزيه مستقل، يتعين وجود إرادة سياسية إلى جانب مشاركة واسعة لكافة أطراف المنظومة القضائية مع الجهات الحكومية مع مكونات المجتمع المدني بحضور نواب الشعب في صياغة رؤية إصلاحية عن طريق حوار وطني يجمع كافة الأطراف المذكورة يخرجون منه بتوصيات وضمانات لتطبيقها.
وبتطبيق الاستراتيجيات المقترحة يمكن توفر ضمانات لاستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية خاصة من خلال التطويرات الهيكلية المطروحة سيما وأن الطريقة الوحيدة التي كانت تشكل نقطة ضعف القضاة ودفعهم للخضوع للإملاءات قد تم حسمها في الدستور، وتتمثل في النقل التعسفي.
نحو وزارة شئون دينية أكثر حيادية
د. يسري بن حمادي
أستاذ مساعد بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس المنار
لاح بوضوح بعد الثورة ارتباك الوزارة وعجزها عن تأطير المجال الديني والاضطلاع بدورها الإشرافي على بقية المؤسسات خصوصا في ظل مناخ عام تميز بانحسار فاعلية القوانين الرقابية وهو ما أدى إلى انهيار واسع للمنظومة المسجدية بتعرض أغلب المساجد لحالة تمرد على معظم الخطباء والأئمة.
لم تنفك وزارة الشؤون الدينية بوصفها المؤسسة الرئيسية المشرفة على تنظيم المجال الديني في تونس تعاني قصورا على مستوى استقلاليتها وحياديتها إزاء السلطة السياسية. ففي مرحلة الديكتاتورية، لم يكن للوزارة صلاحية اتخاذ قرارات مستقلة بحكم خوضها الكامل لسلطة رئيس الدولة والأجهزة الأمنية والسياسية[i] وهو ما جعلها تتماهى مع خيارات الدولة وسياساتها العامة وتتحول إلى مجرد أداة لإضفاء المشروعية على الإجراءات المتخذة من القيادة السياسية ومجرد آلية رقابية على الفضاء والخطاب المسجدي.[ii]
أما بعد الثورة، ومع وصول حركة إسلامية إلى السلطة، فلم تكن الوزارة وبقية المؤسسات الدينية بمنأى عن التجاذب الإيديولوجي وتجددت الخشية من استعمال الوزارة في الدعاية والتبرير السياسي، وأثير الجدل داخل المجلس الوطني التأسيسي بين الرافضين لمبدأ تحييد المؤسسات الدينية والمتمسكين به.[iii]
ونتيجة لعقود من التبعية والتهميش فقدت الوزارة مصداقيتها وموقعها كمرجع اعتباري موجه للسلوك الجمعي وطرف فاعل في رسم السياسة الدينية.
إن موقع وزارة الشؤون الدينية كمؤسسة مركزية ومفصلية مسؤولة عن إدارة المجال الديني يستدعي ضرورة تدخل السلطة الترتيبية لإعادة تنظيمها وهيكلتها بما يمكنها من الاضطلاع بمهمتها بعيدا عن هيمنة الدولة والتوظيف الحزبي.
1- القواعد الدولية والوطنية المتعلقة بحياد المؤسسات الدينية
وقد شدد تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد على ضرورة بناء الثقة عبر المؤسسات العامة إذ تفترض الثقة المستدامة داخل المجتمع وجود هياكل ومؤسسات عامة تعمل للصالح العام؛ وأن تبقى الدولة فضاء محايدا ضامنا للحرية الدينية.[iv]
من ناحيته،ضمن الدستور التونسي الجديد لسنة 2014 في فصله السادس، تماشيا مع المعاهدات الدولية والإقليمية، حرية المعتقد وحرية الضمير[v] وممارسة الشعائر الدينية. كما أشار خاصة، في نفس الفصل إلى أن الدولة راعية للدين “ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي”.
كما نص الفصل 15 من الدستور من جهةأخرى على ان الادارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام، تنظم وتعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة”.
غير أن المتأمل في النصوص المحدثة والمنظمة لوزارةالشؤون الدينية يلاحظ أنها لم تعمل على رسم سياسات واضحة ولم تنص صراحة على مبدأ الحياد [vi] بل اكتفت بالتعرض لمختلف الهياكل الراجعة لها بالنظر[vii] وطرق وإجراءات تعيينموظفيها.[viii]
2- الخبرات المحلية والدولية في تناول قضية حياد المؤسسات الدينية
وقدنظٌم المرصد العربي للأديان والحريات ندوة شارك فيها عدد من الإطارات من مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية وقضاة وممثلين عن المجتمع المدنيوخلص فيها إلى ضرورة رسم سياسة دينية وطنية، على غرار السياسات العامة التي تضعها الدولة في المجالات المختلفة، وأن تكون هذه السياسة قائمة على تحييد الشأن الديني عن التجاذبات السياسية[ix]، وهو ما عبرعنه أيضا العديد من المفكرين والمهتمين بالسياسات الدينية.[x]
وقد أدركت الحكومات السابقة ضرورة تفعيل مبدأ حياد المرافق الإدارية، إذ أكد السيد عبد الرحمان الأدغم، الوزير السابق لدى رئيس الحكومة المكلف بالحوكمة ومقاومة الفساد، في ملتقى شارك فيه عدد من الإطارات من مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية وقضاة وممثلين عن المجتمع المدني، أن مبدأ الحياد في المرافق العمومية سيصبح أحد ثوابت الحوكمة الرشيدة، إلى جانب الشفافية والنزاهة والنجاعة، والتي بدونها لا يمكن الحديث عن دولة قانون. وأوضح الأدغم أن الحياد هو ركن من أركان الدولة العصرية، وهو أحد الشروط الأساسية للمشروعية الحقيقية للمرفق العام ألا وهي مشروعية الثقة مضيفا أن ثقة الجمهور أو المواطن في المرفق العام وفي الدولة يكسبها مشروعية أقوى من شرعيتها التقليدية.[xi]
وليس من الغريب أنيقع طرح هذه الورقة التي تهدف إلى إعادة هيكلة وزارة الشؤون الدينية بما يضمن استقلالها وحيادها حتى تكتسب المصداقية والنجاعة الازمة لتتطلع بدورها كمؤسسة مركزية تسهر على تنظيم المجال الديني في تونس وقد سبق للمؤسسات الدينية على غرار المؤسسة الزيتونية أن لعبت دورا في بث الفكر الحداثي وكانت رافدا من روافد تطوير المجتمع التونسي. كما سبق لوزارة الشؤون الدينية نفسها من خلالبيان مشترك معديوان الإفتاء والمجلس الإسلامي الأعلى وجامعة الزيتونةأن اعتبرت أن الانتخابات واجب شرعي ووطني، وأن أي عمل مادي أو معنوي من شأنه التشويش على الانتخابات أو تعطيلها يعد من قبيل المنكر والفساد المحرم شرعا والمُجرمقانونا، ودعا البيان الأئمة الخطباء إلى حث الناس على نبذ التعصب والعنف والتأكيد على التزامهم بالحياد التام وتجنب الدعاية لأي طرف كان.
كما يمكن في هذا الصدد الاستئناس بالتجربة المغربية، إذ مثل إصلاح الحقل الديني إحدى أولويات الملك محمد السادس، بعد توليه العرش، وذلك بوضع سياسة عمومية واضحة المعالم في المجال الديني، وتحييد المؤسسات الدينية والحفاظ على دور الدين في تحقيق الوحدة السياسية.
كما تمت هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتكريس مبدأ القرب من المواطنين، إذ أوكلت لمندوبيات الشؤون الإسلامية على المستوى الجهوي والإقليمي الإشراف على تدبير استعمال أماكن إقامة شعائر الدين الإسلامي وهو ما يسر على وزارة الأوقاف ممارسة رقابتها الإشرافية.
3- الاستراتيجيات والتوصيات المقترحة
ونقترح في هذه الورقة الاستراتيجيات والتوصيات التالية:
– إعادة تنظيم وهيكلة وزارة الشؤون الدينية مع التنصيص صراحة على حيادهاواستقلاليتها بما يجعلها بمنأى عن هيمنة الدولة وعن أي توظيف حزبي.إذ يجب أن تشيد المؤسسات الدينية على أسس إدارية علمية، بحيث يمكن لنا رؤية أهدافا واضحة وخططا مكتوبة وهيكلية إدارية قائمة على معاييروأسس تقويمية.[xii]
– تجسير العلاقة بين الوزارة وبقية المؤسسات الدينية وبخاصة منها المجلس الإسلامي الأعلى حتى يساهمها معا في تنشيط الحوار الفكري والعلمي ويستأنفا جهود الحركة الإصلاحية التونسية.[xiii]
– إعادة تنظيم الوزارة بشكل يحقق تعاونا ناجحا مع بقية المؤسسات الدينية في تأطير وتنظيم المجال الديني عوض أن تكون هذه المؤسسات في حالة تبعية للدولة.[xiv]
– إحداث هياكل جديدة تعين الوزارة على الارتقاء بالخطاب والفكر الديني مثل إنشاء قطب للشؤون الدينية لتوحيد جهود كل الأطراف المعنية بالشأن الديني في تونس وذلك عبر بناء شبكة يتم من خلالها تنسيق المبادرات وتنفيذ السياسيات التي تم الاتفاق عليها.[xv]
– إنشاء مرصد وطني للخطاب الديني لتوثيق ما يصدر عن نصوص وتشريعات وجدول في المسائل الدينية وما يطرح فوق المنابر وتحليل مضامين الخطاب ومعرفة الاتجاهات الأطراف المؤثرة وتقديم توصيات لمختلف الجهات المعنية بالشأن الديني.[xvi]
4- آليات تنفيذ هذه الاستراتيجياتمن طرف رئيس الحكومة
إن تنفيذ هذه الاستراتيجيات يقتضي تدخل رئيس الحكومة من خلال ممارسة صلاحياته المنصوص عليها بالفصل 92 من الدستور الذي ينص على أن رئيس الحكومة يتصرف في الإدارة ويختص “بإحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء” وذلك من خلال ممارسته للسلطة الترتيبية العامة التي خولها له الفصل 94 من الدستوروهو ما يستوجب اتخاذ الأوامر الحكومية الازمة.
5- قابلية الاستراتيجيات للتنفيذ ونتائجها الإيجابية
إن هذه الاستراتيجيات المقترحة علاوة على قابليتها للتنفيذ فإنها تضمن إستعادة الوزارة لمصداقيتها التي فقدتها نتيجة لعقودمن هيمنة الدولة عليها وهو ما يضمن استرجاعها لمكانتها كمؤسسة مركزية ومفصلية مسؤولة عن تنظيم الفضاء الديني ويعزز قدرتها على الإشراف على المنظومة المسجدية التي عرفت حالة من التصدع والانفلات بعد الثورة.
الهوامش:
[i] Ben Achour, Yadh: Politique et religion en Tunisie, Confluences Méditerranée – N° 33 printemps 2000, pp 95- 106, Malika Zeghal: État et marché des biens religieux. Les voies égyptienne et tunisienne, Critique internationale n°5 – automne 1999, pp. 75-95.
أنظر أيضا: عبد الحق الزموري في دراسته المعنونة “المؤسسة الدينية في تونس القرن 18″.
[ii]المؤسسات الدينية في تونس:صلاح الدين الجورشي وعبد الرزاق العياري.
[iii]نفس المرجع.
[iv]مجلس حقوق الإنسان، الدورة الخامسة والعشرون، البند 3 من جدول الأعمال، تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية، تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد، هاينر بيليفيلت، (26 December 2013, A/HRC/25/58)
[v]احترام حرية الفكر والضمير والدين أو المعتقد، المكرسة في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرهما من المواثيق الدولية.
[vi]مقال علية العلاني: ليس للحكومة الحالية سياسة دينية واضحة ومقال محمد الحداد: المطلوب اليوم: سياسات دينية واضحة.
[vii]الأمر عدد 4522 لسنة 2013 المؤرخ في 12 نوفمبر 2013 المتعلق بتنظيم وزارة الشؤون الدينية.
[viii]قرار من وزير الشؤون الدينية مؤرخ في 11 مارس 2014 يتعلق بتأجيل المناظرة الداخلية بالملفات للترقية إلى رتبة واعظ أول فوق الرتبة.
قرار من وزير الشؤون الدينية مؤرخ في 11 مارس 2014، يتعلق بضبط أحكام استثنائية لكيفية تنظيم الامتحان المهني لإدماج العملة المنتمين للأصناف 4 و5 و6 و7 في رتبة عون تقني بالسلك التقني المشترك للإدارات العمومية.
قرار وزير الشؤون الدينية المؤرخ في 18 نوفمبر 2013 المتعلق بضبط كيفية تنظيم المناظرة الداخلية بالملفات للترقية إلى رتبة واعظ أول فوق الرتبة.
القرار المؤرخ في 27 ديسمبر 2013 المتعلق بفتح المناظرة الداخلية بالملفات للترقية إلى رتبة واعظ أول فوق الرتبة.
[ix]المرصد العربي للأديان والحريات يومي 18 و19 فبراير 2015، “أي سياسة دينية للجمهورية الثانية” ندوة.
[x]مقال علية العلاني: ليس للحكومة الحالية سياسة دينية واضحة ومقال محمد الحداد: المطلوب اليوم: سياسات دينية واضحة.
[xi]ملتقى حول “مبدأ الحياد في المرافق العمومية والانتقال الديمقراطي”.
[xii]ورقة سياسات عامة بعنوان: التطوير الإداري للمؤسسات الدينية؛ مؤتمر عقدته الحوزة العلمية في أغسطس 2007
[xiii]المرجع السابق:صلاح الدين الجورشي وعبد الرزاق العياري
[xiv]نفس المرجع
[xv]نفس المرجع
[xvi]نفس المرجع