قطاع السكن: قانون الإيجارات المصري

(تجارب وتوصيات)

شيماء الشرقاوي
مصر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [1.23 MB]

مقدمة:

يعاني عدد كبير من المواطنين المصريين من أزمة الإسكان، حيث يقدر عدد الذين يعيشون بوحدات سكنية غير رسمية بحوالي 12 إلى 20 مليون شخص.[ii] بينما يسكن العديد من المصريين مساكن تعد خطرا أو لا تتوفر بها مقومات السكن اللائق، وتتمثل المشكلة الحقيقية هنا في أن الوحدات السكنية تعد بشكل كبير عالية القيمة، إما من حيث التملك أو الإيجار.

يعد قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر أحد أهم المشكلات التي تواجه قطاع السكن في مصر، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأزمة الحقيقية لقطاع السكن ليست في قلة أو عدم وجود مساكن كافية لاحتياجات السكان، بل من الممكن الحديث حول أن الأزمة بشكل أساسي ذات بعد اقتصادي. هناك حديث دائر الأن حول ضرورة تعديلات القوانين المتعلقة بمسألة السكن ومن أهم هذه القوانين هو قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر والذي يأتي ضمن القوانين التي سيتعامل معها البرلمان القادم.

يؤثر قانون الإيجار المصري الحالي على أحد أهم مقومات السكن اللائق وهو أمن الحيازة، والذي يعني أن السكن لا يكون لائقا إذا لم يكن قاطنوه يتمتعون بدرجة من أمن الحيازة تضمن لهم الحماية القانونية من عمليات الإخلاء القسريوالمضايقات وغيرها من التهديدات.[iv] على الجانب الآخر لا يضمن القانون أيضا حقوق الملاك، حيث أن عددا من الوحدات السكنية ما زالت تخضع حتى الآن في تأجيرها لقانون الإيجار القديم كما سبق وأشرنا له، وهنا تكمن الإشكالية في أن المستأجرين بحسب هذا القانون في العقارات القديمة يدفعون إيجارات زهيدة للغاية لا تتناسب مع مساحات الوحدات السكنية ولا تتناسب أيضا مع الأوضاع الاقتصادية العامة.[vi]، والتي تطالب بتحرير العلاقة بين الملاك والمستأجرين وأن يعتمد السوق على العرض والطلب.[viii]في عام 1981، تم تمرير قانون رقم 136 بشأن بعض الاحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، فيما عدا الإسكان الفاخر، بحيث لا يجوز أن تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمباني وعلى ألا تقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض عن ثلثي مساحة مباني العقار. يتولى مالك المبنى تحديد القيمة الإيجارية وفقا للضوابط والمعايير والتقارير والدراسات المنصوص عليها في المواد السابقة ويتضمن عقد الإيجار مقدار الأجرة المحددة على هذه الأسس. فإذا أبرم عقد الإيجار قبل إتمام البناء، وحدد فيه الأجرة بصفة مبدئية، كان علي مالك المبني إخطار المستأجر بالأجرة المحددة للمكان وفقا لأحكام هذا القانون وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ إتمام البناء وبشرط إلا تجاوز الأجرة المبدئية إلا بمقدار الخمس. وعلى المالك أن يمكن المستأجر من الاطلاع على المستندات اللازمة لتحديد الأجرة وذلك خلال شهر من تاريخ التعاقد أو من تاريخ الإخطار بحسب الأحوال. في عام 1996، تم تمرير قانون جديد أطلق عليه “قانون الإيجار الجديد”، بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها والأماكن التي انتهت أو انتهى عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها.[x]

نماذج وخبرات دولية حول التعامل مع قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر:

يحاول هذا الجزء من الورقة التعرف على أهم معايير وضع الأطر التشريعية في عدد من النماذج الدولية على اختلاف سياقاتها التي تحكم العلاقة بين المالك والمستأجر والتي بدورها تؤثر على وضع السكن.

في تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD حول سياسات الإسكان التي تتبناها الدول الأعضاء، وكان من ضمن هذا التقرير دراسة للقواعد والضوابط التي تنظم قطاع الإيجارات في هذه الدول، جاء بالنسبة للدول التي يعتمد الإسكان فيها بشكل كبير على الإيجار، أنه تظهر الحاجة لوضع أطر تشريعية وتنظيمية صارمة لتنظيم العلاقة بين الملاك والمستأجرين، مثل التشيك وألمانيا وهولندا والسويد. على سبيل المثال، من حيث ضبط أسعار سوق الإيجارات والرقابة عليه، أو من حيث إشكالية أمن الحيازة -والذي لا يعني بالضرورة طول مدة عقد الإيجار بقدر ما يعني نص العقد المبرم على إلزام الملاك والمستأجرين بتقديم إخطار قبل إنهاء التعاقد- أيضا كيف من الممكن حل النزاعات التي تنشأ بين الملاك والمستأجرين. وتعتبر القيود على آليات تحديد الإيجار أكثر صرامة في قطاعات السكن الاجتماعي مما هي عليه في القطاع الخاص، بما يتفق مع فكرة أن الوظيفة الأساسية للسكن الاجتماعي هو توفير الإسكان بأسعار معقولة. ونجد أن في السويد تعتبر الإيجارات في قطاع الإسكان الاجتماعي هي الأساس الذي يحكم الإيجارات في القطاع الخاص، بينما في هولندا لا يوجد دور كبير للقطاع الخاص في وضع معدلات الإيجارات لأن قطاع الإسكان الاجتماعي يعد الأوسع انتشارا.[xii]

 فيما يتعلق بإشكاليات المستأجرين، نجد أنه من أفضل النماذج في التعامل مع هذه الإشكالية هما النموذج السويدي والألماني. في النموذج السويدي، نجد أنه لا يجوز للمالك أن ينهي التعاقد مع المستأجر أو يطالبه بإخلاء العقار بدون إخطاره بمدة كافية لا تقل عن ثلاثة أشهر، أيضا في حالة أراد المالك رفع قيمة الإيجار يجب أن يخطر المستأجر بمدة لا تقل عن شهرين، وللمستأجر الحق في رفض رفع قيمة الإيجار وفي هذه الحالة يقوم المالك باللجوء للقضاء حتى تصبح القيمة الجديدة للإيجار نافذة.[xiv] نجد أيضا أن نموذج قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في هولندا يضمن للمستأجرين حقهم في عدم الإخلاء حيث أن عقود الإيجار بلا مدة محددة، على الرغم من أن تحديد قيمة الإيجار تعود للمالك وأيضا يلتزم المستأجر بدفع مبلغ مقدم لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر.[xvi]

وأما بالنسبة للإشكاليات المتعلقة بحقوق الملاك، كما سبق وأشرنا لنموذج التشيك، يعتبر أكثر النماذج تعزيزا لحقوق الملاك حيث لا يوجد أي قيود على قيمة الإيجارات أو مدة التعاقد بين الملاك والمستأجرين، حيث أن الإطار التشريعي يسمح بالعقود محددة المدة إلى جانب العقود غير محددة المدة على السواء.[xviii]

وكما سبق من عرض لنماذج مختلفة لقوانين ولوائح تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، نجد أن هذه النماذج استطاعت معالجة الإشكالات الموجودة في القانون المصري القديم والجديد والذي يتم العمل بهما، فعلى الرغم من وجود اختلافات في كل حالة إلا أنه ظل هناك عددا من المعايير التي تلتزم بها هذه النماذج لتنظيم العلاقة بين الملاك والمستأجرين بما يضمن حقوقهم.

توصيات للمشرع المصري:

تطرقت الدراسة لأهم التشريعات التي تتعارض مع تحقيق إصلاحات واسعة في قطاع السكن والتي تمس المواطنين بصورة كبيرة وهو قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر والذي يحتاج من المشرعين إلى إعادة نظر وإلى إدخال تعديلات تراعي الأبعاد المختلفة لأزمة السكن. وعلى هذا فمن الممكن تحديد استراتيجيتين للعمل:

  • ·تنظيم العلاقة بين الملاك والمستأجرين: كما سبق وأشرنا لا يتضمن القانونان المعمول بهم حاليا، أي ضمانات لحقوق المستأجرين من حيث الاستقرار في السكن (أمن الحيازة)، بالإضافة إلى عدم وجود ضمانات تتعلق بتناسب قيمة الإيجارات مع مساحة وجودة السكن. وبالنسبة لحقوق الملاك المالية وحقوق الحفاظ على وحداتهم السكنية من أي تخريب أو الاستيلاء عليها في بعض الحالات، فالقانون القديم المعمول به إلى الأن ويدخل تحت طائلته عددا لا يستهان به من الوحدات السكنية لا يضمن أي من هذه الحقوق كما أوضحنا سلفا. وفي هذا السياق، من الممكن أن يتم إدخال تعديلات على قانون الإيجار ليصبح أكثر مرونة من حيث التعامل مع التغييرات الاقتصادية والاجتماعية الحالية والتي تختلف اختلافا جذريا عن السياق وقت وضع القانون المعمول به حاليا، من شأن هذه التعديلات أن تتضمن:

1-    النص على آليات واضحة فيما يتعلق بحقوق المستأجرين مثل النص على أهمية أن تتضمن عقود الإيجار المبرمة تحديد قيمة الإيجار بصورة محددة بالإضافة إلى تحديد النسبة السنوية لزيادة القيمة الإيجارية.

2-    النص على ضرورة الإخطار بالإخلاء من قبل الملاك وتحديد مدة معينة للإخطار (على سبيل المثل تتراوح من شهرين لثلاثة أشهر) قبل إنهاء التعاقد مثل النموذجين السويدي والألماني كما سبق وأسلفنا.

3-    وفيما يتعلق بحقوق الملاك، يجب أن ينص القانون على ضمانات واضحة لحقوقهم المالية وحقوقهم في الحفاظ على وحداتهم السكنية، كأن ينص القانون على فرض عقوبات مالية على المستأجرين في حالة الامتناع عن دفع الإيجار أكثر من ستة أشهر على سبيل المثال.

4-    النص على عقوبات قد تصل للحبس في حالة استيلاء المستأجرين على الوحدات السكنية ونقل ملكيتها لهم (وضع اليد)، يجب أن ينص القانون أيضا على ضرورة توثيق جميع عقود الإيجار المبرمة لضمان حقوق جميع الأطراف عند حدوث نزاعات.

5-    دعم حرية تنظيم المستأجرين لاتحادات والتي من شأنها أن تنظم العلاقة بين المستأجرين والملاك وتكون صوتا لهم وتدعم حقوقهم إذا تم الإخلال بها.

  • ·ضبط سوق الإيجارات والرقابة عليه: وفي هذا السياق تظهر إشكالية الفجوة بين تحديد القيمة الإيجارية وبين القيمة الفعلية للوحدة السكنية والتي لا يعالجها أيا من القانونيين المعمول بهم حاليا، حيث أن وفقا للقانون القديم من الممكن أن نجد وحدات سكنية ذات مساحة كبيرة مقابل إيجارات زهيدة للغاية وعلى النقيض نجد أنه وفقا للقانون الجديد(136 لعام 1981)، نجد وحدات سكنية ذات مساحة منخفضة مقابل إيجارات عالية القيمة. وفي هذا الإطار:

1-     يجب أن ينص القانون على آليات واضحة لتحديد القيم الإيجارية، بحيث لا تتعارض مع مبادئ الحق في السكن اللائق وهي قدرة المستأجر على تحمل التكاليف وبحيث يتم مراعاة تغييرات السياق الاجتماعي والاقتصادي، على سبيل المثال، تحديد حدين أدنى وأقصى للقيمة الإيجارية طبقا لمساحة الوحدة السكنية والخدمات المتوفرة بها.

2-     يجب أن ينص القانون أيضا على ألية واضحة لمراقبة سوق الإيجارات، فمثلا في السويد، نجد أن قطاع الإيجار في الإسكان الاجتماعي يتم الرقابة عليه من قبل الحكومات المحلية.


[ii]Cairo – a City in Transition, UN-Habitat, 2011, http://is.gd/xzdHWj

[iv]دستور مصر 2014: http://is.gd/5MbjBZ

[vi] صفحة الجمعية على فيس بوك: http://is.gd/S3cUBp

[viii]David Sims, Understanding Cairo: The Logic of a City Out of Control, American University in Cairo Press, 2011.

[x]حسام حداد، أشرف عباس، موسوعة تشريعات السكن، مركز هشام مبارك للقانون، القاهرة، 2010.

[xii]IBID, p.52

[xiv]Germany is depressingly pro-tenant, Global property Guide, 2014: http://is.gd/nAMZlj

[xvi]London Tenants Federation: http://is.gd/A8BMkB

[xviii]Czech Republic: happiness is a rising house price, Global property Guide, 2015: http://is.gd/6JnerD

[xix]Andrews, D., A. Caldera Sánchez and Å. Johansson,2011,” Housing Markets and Structural Policies in OECD Countries”, OECD Economics Department Working Papers, No. 836, OECD Publishing, pp.: 46-50, http://is.gd/IqUZsI

Start typing and press Enter to search