شيماء الشرقاوي
تونس ,مصر
مقدمة:
يستعرض الكتاب في البداية أهم الأحداث العالمية في الفترة الأخيرة والتي كان لها تأثير كبير على حياة المواطنين في العالم أجمع، ومن أهم هذه الأحداث من حيث الأثر الواضح اندلاع الازمة الاقتصادية، التدخلات العسكرية (تحديدا التدخلات الأمريكية في أفغانستان والعراق) وما ترتب عليها من خلق أزمات متعددة داخل الدول المختلفة، ومن هنا يمكن القول أن كل هذ هو ما أدى لاندلاع الحركات والانتفاضات في العديد من المدن في العالم خلال عام 2011، والتي بدأت بتونس، القاهرة، ووصلت إلى مدريد، نيويورك وغيرها من المدن حيث قام المواطنون باحتلال المساحات العامة في إشارة واضحة لرفضهم وتحديهم للنخب الحاكمة وسياساتها. يقوم الكتاب على مدار صفحاته بتحديد بعض السمات الرئيسية لما أطلق عليه مجازا “الحركات المناهضة للسلطوية” ومن أهم هذه السمات، عدم الاقتصار في التحليل والتفسير على الاقترابات السياسية المحددة سلفا، الإيمان بوجود إجابات واضحة للأزمات الاجتماعية والسياسية دون الانخراط في التنظيمات، الإيمان بوجوب التحول الاجتماعي الجذري.
يطرح أيضا الكتاب عددا من السمات ومنها مناهضة الطائفية والدوجماتية ومحاولة الانخراط في المجتمعات التي تمر بمراحل صراع في حوار يقوم على عدة أسس منها الاحترام، الاهتمام بالتنظيم بشكل أفقي Horizontalism القائم على علاقات اجتماعية متشابكة وليست فردية. يحاول الكاتب تقديم تعريفا مختلفا عن التعريف السائد للسياسة ليؤكد على أن الشعوب لا ترفض السياسة وإنما لديها تعريفا مغايرا للمتعارف عليه من قبل النخب الحاكمة، حيث يرى أن السياسة لا تقتصر فقط على الأحزاب والأطر الرسمية للمشاركة بل يجب أن يضم التعريف جميع الحركات والمجموعات المختلفة والتي قد تنشأ خارج هذه الأطر الرسمية.
يرى الكاتب أيضا أن مصطلح السياسة الأخرى Another politics يعني أنه العمل السياسي والذي لا يلتزم بالضرورة بالخطوط الحزبية التي يضعها القادة والمؤسسات المركزية.
وعلى هذا يحدد الكتاب وجود أربعة سمات رئيسية للحركات المناهضة للسلطوية والتي يقوم الكاتب بتضمينها تحت مصطلح “السياسة الأخرى”، وهذه السمات هي:
- مقاومة كل وسائل القمع والهيمنة.
- تطوير علاقات وبنى اجتماعية مختلفة وغير قائمة على ثنائيات السيطرة والاذعان (بين النخب الحاكمة والجماهير).
- ربط نضال المواطنين اليومي من أجل حقوقهم والتي لا تنفصل عن السياسة بأي حال من الأحوال برؤى طويلة المدى للتغيير.
- آلية التنظيم القاعدي Grassroots organizing: التنظيم من أسفل والاعتماد على القواعد وليست التنظيمات هرمية.
- محاربة فقدان الذاكرة: تاريخ حركات السياسة الأخرى:
يتعرض هذا الفصل لفكرة تاريخ الحركات وفكرة الرهان على النسيان بمعنى نسيان التاريخ النضالي للحركات والحركات التي حققت مكاسب تاريخية، عن طريق تعمد إحداث قطيعة مع الماضي، حيث تراهن السلطات بمختلف أشكالها على أن الشعوب من الممكن أن تنسى تاريخها النضالي وأن تذعن لها ولروايتها للتاريخ عن طريق استخدامها لوسائل الإعلام المختلفة، التاريخ المدرسي، والخطاب السياسي. يطرح الكتاب فكرة مفادها بأن الحركات لها تاريخ مقاومة وأن هذه الحركات إما كانت حركات مناهضة للسلطوية أو صراع ضد الكولونيالية أو مناهضة الرأسمالية. يرى الكاتب أن تراكم نشاط هذه الحركات المناهضة للقمع والاحتلال هو ما أدى لظهور الحركات الجديدة على مر الزمن، حيث مهد الحراك في القرنين التاسع عشر والعشرين لأشكال مختلفة وحديثة من الحراك المناهض للسلطوية، وهنا يجب التأكيد على أن دراسة التاريخ النضالي للحركات المختلفة يساهم في تشكيل الوعي باللحظة الحالية، وفي فهم الممارسات التي تتبعها الحركات اليوم والتي تعد تطورا للممارسات التي اتبعتها الحركات تاريخيا.
- كيفية التعريف بأنفسنا داخل المعارضة:
تخلق الحركات المختلفة مساحات لمناهضة الرأسمالية وما يترتب عليها من أشكال الهيمنة والسلطوية المختلفة، يجدر التأكيد على أن الحركات لا تقوم فقط على سياسات الرفض فالرفض يعد عاملا هاما في تغيير الأوضاع القائمة ولكنه لا يعد أساسا قويا لاستمرارا الحركات وأثرها على أرض الواقع.
يرى العديد من النشطاء بحسب الكتاب أن المواطنين لا ينضموا للحركات لأنها تعطيهم الإجابة حول الكيفية التي يجب أن يفكروا بها بل لأنها تعطيهم الإجابة حول الكيفية التي يمكن من خلالها أن تتم مشاركتهم في الحياة السياسية يشير أيضا الكاتب لفكرة التنظيم غير الهرمي، وهو ما يعني تحدي كل أشكال القمع والتي قد تظهر نتيجة وجود فكرة الهرمية. يشير الكاتب أيضا إلى أن ما يجعل الحركات متقاربة ومتشابهة هو رفضها لعدة مبادئ واضحة وهي السلطوية، الهيمنة، والهيراركية (التنظيم الهرمي).
يعني الكاتب أيضا بمصطلح مناهضة السلطوية أنه حتى داخل نفس الإيديولوجية، يجب العمل على تعزيز الحوار بين الحركات جميعها وعدم التنميط، بالإضافة للتركيز على كفاح المواطنين من أجل الاستقلال على جميع مستوياته وليس من أجل إسقاط النظم السلطوية فقط. وهنا يتحدث التاب حول أن الثورة هي عملية خلق القوة وخلق مجتمعات مستقلة، وهناك أسس لهذا مثل مناهضة أفكار مثل قيادة الثورة، وأفكار توجيه المواطنين للتحرر.
يؤكد الكتاب على أن السمة الأساسية للحركات مناهضة السلطوية، هي مناهضة الرأسمالية لما تنطوي عليه من خلق لتنظيم اجتماعي محدد، قائم على القمع وإذعان الطبقات الفقيرة للطبقات الأوفر حظا، وعلى هذا فمناهضة الرأسمالية تعني مناهضة القمع، مناهضة الإمبريالية وسيطرة دول الشمال على دول الجنوب في جميع الجوانب.
وبالتالي لتعريف التيار المناهض للسلطوية يضع الكاتب الأربع سمات وهم مناهضة الرأسمالية، الإمبريالية، القمع، والهيمنة، بمعنى رفض العلاقة التي تستند على سيطرة بعض الناس على الأخرين، فالتيار يكافح ضد تنظيم وإدارة حياة المواطنين لصالح قلة قليلة. عن طريق معارضة جميع أشكال الاستغلال والاضطهاد، هذه العلاقات التي يتم إنتاجها عن طريق الممارسات والمؤسسات، وهذا يأخذنا من رفض السلطة إلى مواجهة مع أنظمة واسعة ومعقدة ومتشابكة لها تاريخها من العنف والتشريد، والهيمنة.
- السياسات الاستباقية Pre-figurative politics:
في هذا الجزء يتعرض الكتاب لفكرة أنه من ناحية، فمن الضروري للانخراط في الحياة السياسية للمعارضة والتكتل لمواجهة الحكومات والسعي للحصول على السلطة. إلا إنه إذا اقتصر الهدف على الانخراط في السياسة لتولي السلطة فقط، سيكون لدينا ميل لتكرار نفس الهياكل الهرمية التي نناهضها في حركاتنا. ولذلك فمن المهم أيضا هو عملية خلق القوة من خلال إنشاء هذه الهياكل داخل المنظمات والحركات والجماعات بالنموذج للعالم الذي نحاول خلقه، بمعنى أنه عند رفض العلاقات القائمة يجب أن يسبق عملية الرفض خلق لأنماط وعلاقات جديدة.
هذه الأنماط الجديدة هي على سبيل المثال:
- الأنماط الثقافية المضادة (حركات النباتيين).
- التعاونيات الغذائية، العيادات المجانية وهنا يطلق عليها المؤسسات المضادة Counter-institutions.
- التنظيمات الأفقية.
- خلق أنمط للتفاعل بين الحركات وفي سياقها. (الديمقراطية المباشرة في صنع القرار).
يتحدث أيضا الكاتب في هذا الجزء حول تحولات علاقات القوة: محاولة تعزيز المعارف المتعلقة بعلاقات القوة القائمة وبناء وعي مناهض لها حتى يتمكن المجتمع من خلق بنى تنظيمية معنية بتحدي ديناميات القمع.
في هذا الجزء أيضا يشير الكتاب لفكرة هامة وهي خطورة التعامل مع أحد السياسات المتبناة باعتبارها الأصح والأوحد في كل ظرف ومناسبة حيث أنه لا توجد سياسة صالحة لكل زمان ومكان وفي بعض الحالات يؤدي تبني نفس السياسة إلى نتائج عكسية، لا يمكن التعامل مع السياسات باعتبارها أشياء إما نمتلكها أو لا نمتلكها، على سبيل المثال التركيز بشكل ضيق على السياسة المناهضة للظلم باعتبارها مجموعة ثابتة من السلوكيات والمفاهيم التي يمكننا فهمها بشكل فردي، بدلا من أن تكون مجموعة من الديناميات والممارسات التي نطورها ونضعها بشكل جماعي من خلال النضال من أجل تغيير المجتمع. وبالتالي يمكن الحديث حول أن السياسات الاستباقية pre-figurative policies، تعني وضع الرؤى لممارسات وسياسات واقعية.
- المعوقات أمام وضع الاستراتيجيات:
في هذا الجزء يتعرض الكتاب للمعوقات التي تواجهها الحركات عند القيام بوضع الاستراتيجيات الخاصة بعملها السياسي والمجتمعي، ويلخصها فيما يلي:
- الميل نحو الإفراط في التركيز حول المبادئ وليس الخطط لتنفيذها.
- الإفراط في تعظيم وسائل محددة كالاعتصامات، حملات المقاطعة: حيث أنه هنا يجب مراعاة الظروف والسياقات المختلفة، وأن هذه الآليات ما هي إلا وسيلة للوصول لهدف محدد ويجدر بها أن تتغير إذا لزم الأمر.
- الانخراط في الأزمات المتلاحقة Crisis mode organizing: حيث أن العمل في ظل الأزمات يعرقل من وضع خطط طويلة المدى.
يطرح بعد ذلك الكتاب الكيفية التي من الممكن بها أن يتم بناء حركة قوية ذات توجها واضحا وضمان الاستدامة لها، وهنا يؤكد الكاتب على ضرورة وجود عناصر أساسية وهم:
- النقد الذاتي.
- بناء شبكات اجتماعية مع المواطنين العاديين.
- بلورة الأهداف والكيفية التي سيتم بها تحقيقها.
- الاهتمام بالمطالب المحددة ومحاولة البعد عن المطالب الواسعة.
- التنظيم من أسفل.
- بناء علاقات قوية مع المواطنين.
يطرح الكتاب في فصوله الأخيرة، عددا من الإشكاليات والتحديات التي تقابلها الحركات المناهضة للسلطوية، في ظل محاولات هذه الحركات لإحداث أثرا في الحياة السياسية إلا أن العديد منها يقابل العديد من التحديات، من أهم هذه التحديات كما أشار الكتاب هو الإشكالية مع الحركات الإصلاحية، يؤكد التيار المناهض للسلطوية على عدم التوافق مع الاقترابات الإصلاحية لكنهم في نفس الوقت يؤكدوا على أن العبرة هي كيفية استغلال هذه الاصلاحات كوسيلة لتحقيق أهداف أكبر، ومن هنا يأتي الحديث حول الاهتمام بالانتصارات الصغيرة، والمحاولات الدائمة لتضييق هامش مناورة النظام، وكيفية بناء القوة المضادة لمواجهة قوة النظم الحاكمة، وعدم الانغماس في اتباع السياسات الدفاعية، يؤكد الكتاب أيضا على ضرورة التفرقة بين النشاط السياسي Activism وبين التنظيم السياسي Political organizing.
تعتبر إشكالية القيادة وما يتعلق بها من أهم الإشكاليات التي تواجه التيارات والحركات المناهضة للسلطوية ويرى الكاتب عددا من الآليات للتعامل مع هذه الإشكالية ومن أهمها:
- إشراك الجميع (عناصر الحركة والتنظيم) في اتخاذ القرار.
- آليات المحاسبة الواضحة داخل الحركة أو التنظيم.
- كيفية خلق نموذج للقيادة بعيد كل البعد عن الهيمنة: حيث يعتمد بشكل أساسي على القدرات، المهارات، المعرفة، الثقة، والمسئولية.
يناقش الكتاب أيضا عددا من الأفكار الهامة حول كيفية التعامل ودراسة مع الحركات الاحتجاجية:
- خطورة التعميم.
- التعامل مع الحركات باعتبارها “أشياء” Objectifying movements لإثبات نظريات أو أجندات محددة.
- الحكم على كفاح ونضال الحركات فقط في سياق إثبات فرضية ما حول الحركات وبنيتها وطريقة عملها.
يطرح أيضا فكرة هامة وهي ضرورة عدم انفصال العمل البحثي أو الأكاديمي عن العمل الاحتجاجي، بمعنى عدم وجود كل منهما بمعزل عن الآخر حيث أن كل منهما ينعكس على الآخر.
يرجى الإشارة إلى أن الكتاب تعرض أيضا لعدة نقاط حول الكيفية التي يمكن بها تطوير التيار المناهض للسلطوية، ومعالجة الإشكاليات التي يواجهها:
- معالجة إشكاليات التيارات اليسارية ومن أهمها الأدلجة المبالغ بها، أو الانغماس في المثاليات، أو الانقسامات.
- عدم الاستمرار في اتباع الممارسات غير المجدية والتي لا تحقق الأهداف المرجوة.
- الخروج من الأطر الجامدة في التفكير على مستوى النظرية والتطبيق أيضا.
- تطوير الرؤى من خلال فهم الواقع جيدا قبل تخيل الواقع المثالي وقراءة التجارب المتنوعة جيدا والخروج بالدروس المستفادة منها.
- عدم الاقتصار في التواصل على مجموعات وتنظيمات بعينها فقط بل التواصل مع جميع التنظيمات والتجارب المختلفة.
- العمل دائما على خلق مساحات للتواصل والانخراط مع القواعد والمواطنين، ونقل المعارف والخبرات بين الدوائر المختلفة.
السياسة الأخرى في ضوء واقع الحركات في مصر:
هناك أهمية لدراسة وفهم طبيعة الحركات الاحتجاجية والاجتماعية قبل ثورة يناير 2011، إلا أن وضع الحركات التي ظهرت مع الثورة الأن بعد ما يقرب من مرور خمس سنوات على اندلاعها، يؤكد وجود ارتباط بين وضع الحركات ما قبل الثورة وما بعدها. فبعد أن شهد المجال العام حدوث حالة من الانفتاح في أعقاب الثورة أدت لظهور عدد كبير من الحركات التي كانت إما استمرار لحركات موجودة بالفعل أو استكمال لمجهوداتها أو كانت حركات جديدة لها ميزاتها الخاصة.
يطرح الكتاب السابق في عرض أهم افكاره عددا من السمات والإشكاليات في الحركات الاحتجاجية التي ظهرت مؤخرا في الولايات المتحدة وكندا وعلى الرغم من اختلاف السياق بين هذه الحالات من الاحتجاجات وبين الحالة المصرية إلا أن هناك أوجه شبه بين الحركات في الحالتين.
شهدت الفترة ما قبل اندلاع الثورة تطورا في شكل الاحتجاجات، ففي ظل اتباع الحركات المتواجدة بالفعل للوسائل التقليدية في الاحتجاجات إلا أن الحركات التي اعتمدت بشكل كبير على جيل الشباب أضافت تطورا لمفاهيم المشاركة والاحتجاج.
أدى غياب المؤسسات والقنوات الشرعية، أو كما يمكن أن نطلق عليها وسائل وأدوات المشاركة السياسية التقليدية الدافع لاتجاه الشباب لاستخدام المجال الافتراضي من أجل المشاركة السياسية للتحايل على النظم السياسية في الدول التي شهدت الحراك حيث تم فيها تحجيم قنوات المشاركة السياسية التقليدية ووضع الكثير من القيود والعوائق أمام الأحزاب والنقابات والاتحادات الطلابية لتظل مشاركتهم باهتة وغير مؤثرة. ومن هنا ظهرت الوسائل غير التقليدية، وقد بدأ استخدام الإنترنت والوسائل الإلكترونية الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي من قبل الحركات الاحتجاجية منذ الاحتجاجات المناهضة للعولمة في بداية تسعينيات القرن العشرين.[2]
شهدت مصر قبل الثورة سيطرة الدولة على وسائل الإعلام، وتميزت هذه الفترة بوجود فجوة بين الساحة الإعلامية من جهة والأفراد من جهة أخرى؛ فتصاعد الحركات الاحتجاجية، وانصراف قطاعات واسعة من المواطنين عن المشاركة السياسية التقليدية ( من خلال الأحزاب- النقابات- الاتحادات- الجمعيات- الانتخابات…..الخ)، واتجاه فئات اجتماعية متعددة إلي أشكال المشاركة غير التقليدية السلمية؛ يمثل مؤشرا مهما علي تراجع شرعية المنظومة السياسية والاجتماعية القائمة، وعلي عدم قدرتها علي تحقيق مصالح واستيعاب مطالب فئات اجتماعية مهمة مما جعلها تلجأ إلى وسائل مبتكرة وحديثة للحصول على حقوقها والتعبير عن آراءها، فانصرفت هذه القوى عن قنوات المشاركة الشرعية بعد أن يئست من إمكانية تحقيق مطالبها في ظل القيود التي فرضتها الدولة السلطوية علي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.[3] ومع ظهور هذه الوسائل الحديثة من الاتصال والإعلام الجديد في بداية التسعينات من القرن الماضي مع انتشار الانترنت والقنوات الخاصة، كان لهذه الوسائل الدور الأقوى والأبرز في الاحتجاجات، وكان لهم الفضل الحشد والتعبئة والاتصال مع العالم الخارجي للوقوف على التطورات والمستجدات في المنطقة. ويعتبر هذا التطور هاما حيث تحول نمط المشاركة والتواصل من نمط وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة إلى التعدد في وسائل المشاركة والإعلام.[4]
كان من بين هذه الوسائل المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد كانت هذه المدونات وتلك المواقع بداية الطريق إلى فرض حرية الرأي والتعبير باعتبارها قيمة عالمية على الحكومات والشعوب سواء بطريقة مقصودة أو غير مقصودة.
وبرغم أن هذه الوسائل قد اختلفت في طبيعتها والمتعاملين معها ومحتواها داخل القطر الواحد من أقطار الوطن العربي ناهيك عن اختلافاتها بين تلك الأقطار والتي تعكس اختلافات -وإن تكن فرعية- إلا أنها حقيقية وواقعية، إلا أنه يمكن بالبحث والتمحيص فيها التوصل إلى أنماط واتجاهات عامة وعناصر مشتركة تربط بين مستخدمي هذه الوسائل وتعطى بعضا من المؤشرات على وجود هوية مشتركة لهؤلاء الشباب.[5]
إشكاليات الحركات الاحتجاجية والاجتماعية في مصر:
على الرغم من الدور الهام الذي لعبته هذه الحركات في الوصول للثورة وبعد الثورة أيضا وتطور وسائلها إما فيما يخص الاحتجاجات أو فيما يخص التوثيق لأحداث الثورة والانتهاكات التي قامت بها السلطات في حق المواطنين. إلا أنه هذه الحركات تواجه العديد من الإشكاليات والتي لا تختلف كثيرا عن الإشكاليات التي أشار لها كريس ديكسون في الكتاب السابق حول الحركات المناهضة للسلطوية، المتعلقة ببنية الحركات، الاليات التي تتبعها لتحقيق أهدافها وما إلى ذلك.
نجد أنه على الرغم من أن بداية ظهور الحركات كانت للالتفاف حول هدف واحد قبل إسقاط نظام مبارك وهو إسقاط النظام، ولكن نجد أنه بعد تحقق الهدف حتى لو بشكل جزئي، ظهرت بعض الإشكاليات التي تواجه هذه الحركات.
تواجه الحركات الاحتجاجية والاجتماعية في مصر في ضوء الإشكاليات التي تعرض لها الكتاب، حيث ظهرت بعد الثورة العديد من الحركات التي نشئت، إلا أنه عقب انتهاء الأحداث الأولي للثورة -والتي لم تظهر فيها جليا الاختلافات الجلية بين الأفراد والتنظيمات المختلفة نتيجة الالتفاف حول هدفا محددا وهو إسقاط نظام مبارك- لم يتمكن أغلب هؤلاء الشباب من التنظيم في إطار حركات قوية قادرة علي تحقيق أهداف الثورة، فكانت أغلب الحركات والائتلافات الشبابية هشة عاجزة عن التنسيق فيما بينها.[6] ومن الأمثلة على هذه الحركات ائتلاف شباب الثورة، اتحاد شباب الثورة، تحالف القوى الثورية، حركات ومبادرات توعوية ومطلبية مثل حركة محليات- لا للمحاكمات العسكرية- أطباء التحرير- سلفيو كوستا، ومن الملاحظ أن أغلب هذه الحركات إما تفككت أو اندثرت مثل ائتلاف شباب الثورة.
واجهت هذه الحركات عدد من الإشكالات ومنها على المستوى التنظيمي أهمها غياب لائحة داخلية تحكم عملها في كثير من الأحيان، مما قد يؤدي إلى تفكك الحركة من الداخل مثل حالة حركة 6 أبريل التي انقسمت إلى جبهتين بعد الثورة بسبب خلافات داخلية عديدة، نجد أيضا حدوث انقسامات داخل ائتلاف شباب الثورة، أيضا نجد خفوت لنشاط بعض الحركات بعد الثورة اختفائها مثل شباب من أجل العدالة والحرية.
حيث أنه لا يمكن الاعتماد فقط على معيار رغبة العضو في الانضمام للحركة حتى لو كان هناك اتفاق على الأهداف الأساسية للحركة، إلا أن الاختلاف في الرؤي وآليات التنفيذ قد يؤدي إلى تدمير الحركة.[7] يمكن الإشارة أيضا لإشكالية قصور آليات اتخاذ القرار قد أظهرت عجز الحركات عن التنسيق بينها والتشاور والوصول إلى مساحات للتفاهم والاتفاق.
وعلى مستوى الممارسة نجد أنه كان هناك انقسام كبير بين معظم هذه الحركات حول التواصل أو القطيعة التامة مع السلطة[8] ففي الوقت الذي تبنت فيه بعض الحركات منطق الحوار مع السلطة والتواصل معها سعيا لتحقيق بعض الأهداف مثل ما حدث في حالة ائتلاف شباب الثورة، وبدت بعض الحركات الأخرى جازمة في القطيعة مع السلطة وتؤكد على اتباع آليات أخرى في مناهضة السلطة والسعي لتحقيق مطالبها كبيانات الرفض وحملات مقاطعة الانتخابات والاعتصامات على سبيل المثال حركة الاشتراكيين الثوريين، وهناك حركات حاولت الجمع بين الآليتين لتحقيق أهدافها ومطالبها على سبيل المثال حركة بهية يا مصر، واتحاد شباب ماسبيرو.
إلى جانب هذا هناك عددا من الإشكالات الأخرى، فمثلا عملية وضع تصور أو خطة عمل لهذه الحركات غالبا ما تتم بشكل عشوائي أو استجابة للأحداث المتسارعة، أي أنه لا توجد مدة زمنية محددة تلتزم بها الحركات لا في وضع الخطة ولا في عملية التقييم، أيضا تتم وضع الرؤية بشكل فوقي أي لا يوجد تفاعل بين هذه الحركات وبين المواطنين.
بناءً على الكتاب، من الممكن تقديم بعض التوصيات العامة للحركات حتى تحقق بعض النجاحات وتصبح فاعلة على الأرض، ومنها:
- لا بد لها أن تكون واقعية، لا بد لها أن تتقاطع مع الحياة اليومية للمواطنين وإشراكهم في وضع الأجندة وليس فقط وضع تصور ومحاولة تطبيقه بعيدا عن تصورات الناس في المناطق التي يعملون بها.[9]
- أن تهتم الحركات في مصر بضرورة وضع آليات للتقييم المستمر لنشاط وعمل الحركة بالإضافة لآليات للمحاسبة داخل الحركة.
- العمل دائما على خلق مساحات للتواصل والانخراط مع المواطنين، ونقل المعارف والخبرات بين الحركات والتيارات المختلفة.
- العمل على أن تكون عملية صنع القرار داخل الحركات مبنية على مشاركة جميع أعضاء الحركة بصورة أو بأخرى.
تلعب الحركات الاحتجاجية والاجتماعية دورا محوريا في عمليات التحول الديمقراطي، لذا تأتي هنا أهمية الوقوف أمام الإشكالات التي تواجههم ومحاولة العمل على حل المشكلات المتعلقة بالتنظيم الداخلي وآليات صنع القرار داخل الحركات والعمل على التواصل الدائم مع القواعد الجماهيرية ومع الحركات الأخرى.
الهوامش:
[1] صدر هذا الكتاب في أغسطس 2014، عن California University press
[2] مريم مخيمر، “عوائق وتحديات المشاركة السياسية التقليدية في مصر”، الأنماط غير التقليدية للمشاركة السياسية للسباب في مصر، منتدى البدائل العربي، 2012.
[3] دينا شحاتة؛ مريم وحيد، “سياسات الشارع: تصاعد دور الحركات الاحتجاجية في المنطقة العربية”، السياسية الدولية، أكتوبر 2011.
[4] Sahar Khamis and Katherine Vaughn, “Cyber activism in the Egyptian Revolution: How Civic Engagement and Citizen Journalism Tilted the Balance Icon indicating an associated article is peer reviewed”, http://is.gd/Boizas
[5] محمد العجاتي، الفصل الختامي لكتاب: جيل الشباب في الوطن العربي ووسائل المشاركة غير التقليدية (من المجال الافتراضي إلى الثورة)، مركز دراسات الوحدة العربية، أبريل 2013، ص 241.
[6] رانيا زادة، “الحركات الشبابية والتحول الديموقراطي في مصر”، منتدى البدائل العربي، 2012.
[7] نفس المرجع.
[8] جورج فهمي، ” الحركات الشبابية بعد 25 يناير 2011″، مندي البدائل العربي، 2013، ص4.
[9] رانيا زادة، “الحركات الشبابية والتحول الديموقراطي في مصر”، منتدى البدائل العربي، 2012.