عمر سمير خلف
مصر
مقدمة:
اتضح على مدار الأعوام الأربعة الماضية أن ثمة معضلة مواطنة بالأساس في المجتمع المصري، تطال آثارها بشكل أكبر مجموعات بعينها كالشباب والمرأة وساكني الأطراف الجغرافية والمكانية البعيدة عن المركز، والمرأة بذاتها في موضع القلب من هذه الآثار إذ هي عابرة لكل التصنيفات السابقة فسياق تهميش الشباب أو الأطراف الجغرافية يقع فيه العبء الأكبر على المرأة وخصوصا مع السياق الضاغط أمنيا ومجتمعيا باتجاهات مضادة لفكرة خروج المرأة من المنزل للعمل أو التعليم العالي باعتبار أن أقصى طموحاتها في بعض السياقات يجب أن تتوقف عند الزواج وتكوين الأسرة، ومن ثم تعاني من آثار مضاعفة لغياب وضعف فكرة المواطنة.
هذه الأوضاع ليست وليدة الثورة، ولكنها تراكمات لسياسات اقتصادية واجتماعية ممتدة طيلة عقود قبلها، ساعدت بعض العوامل الموضوعية وغير الموضوعية التي استجدت بعد الثورة في ترسيخ بعض التمايزات والاختلالات التي عانت منها الفئات المختلفة وعلى رأسها المرأة، مع اختلاف معاناة المرأة في الريف عن الحضر فيما يتعلق ببعض الخدمات ونظرة المجتمع لحقوقها ورؤيتها هي لذاتها وطبيعة دورها، في المقابل فإن مستجدات للثورة تعمل في اتجاه ترسيخ فهم أوضح لحقوق المواطنة بشكل عام[1]، وتسعى هذه الورقة لاستشراف دور للبرلمان المقبل في تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء في ظل ضعف العلاقة بين البرلمان والمجتمع المدني في الفترة الماضية.
أهمية تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء:
لا يستطيع مجتمع أن يعمل بنصف طاقته خصوصا إذا كان مجتمعا فتيا يشكل فيه الفتيان والفتيات نسبة تفوق نصف السكان، تتضح أهمية التركيز على قضية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة في إطار المواطنة في ظل السياق الأمني المتردي الذي تطال آثاره المرأة أكثر من غيرها فتحد من فكرة قبول الأسرة لعمل المرأة في ساعات متأخرة من الليل في الحضر أو في مناطق بعيدة عن إقامتها في الريف، وبالتالي تحد من خياراتها وبالذات في التعليم والعمل، حيث رصدت العديد من الأوراق والدراسات تزايد العنف ضد المرأة وخاصة العنف المرتبط بأحداث سياسية[2]، وهو ما يزيد من المخاوف الاجتماعية وتكرس لفكرة عدم خروج المرأة للعمل والتعليم رغم كثرة المبادرات التي تعمل على تحجيم هذا الأثر، إلا أن معدلات التحرش لا تزال مرتفعة وقد ذكر استطلاع لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن قرابة 99% من المستطلعين يدركون جيدا وجود وانتشار التحرش الجنسي سواء الجنسي اللفظي أو الجسدي في الشوارع والجامعات والعمل[3]، وربما انعكس ذلك في التوجه نحو إقرار قانون مكافحة التحرش رغم بعض الانتقادات التي توجهها المنظمات النسوية له[4]، وبرغم كون هذا أمرا مهما إلا أنه لا ينبغي أن نغفل أن الهدف الأساسي هو تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين المصريين ككل والنساء كمجموعة مهمشة، وذلك لكي تتماشي السياسات مع الأهداف المعلنة بدعم العدالة الاجتماعية والسياسات المرتبطة بها، سواء في البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2014/2015 [5]، أو في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام 2014/2015 المعلنة من جانب وزارة التخطيط[6]
وفي ظل تراكمات سياسات النظم السابقة من فرض المزيد من الضرائب دون تقديم خدمات جيدة في المقابل، فإن قطاعا كبيرا من الاقتصاد المصري يظل اقتصادا غير رسمي، وتشكل النساء جزءا هاما من هذا القطاع سواء العاملات بالزراعة أو الأعمال اليدوية والمنزلية الأخرى وكذلك ورش صناعة الملابس ومحال بيعها، فإن هؤلاء العاملات في هذه الأوضاع يعانين معاناة مضاعفة إذ لا تأمينات صحية أو اجتماعية في معظم هذا القطاع غير الرسمي مع تدني شديد في الأجور بما لا يتناسب مع ساعات العمل الطويلة والمجهود المبذول أو مخرجات الإنتاج.
تجارب وخبرات دولية في تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء:
تقدم أيرلندا نموذجا في تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء من خلال استهداف النساء المعرضات لخطر الفقر بسياسات رعاية اجتماعية مثل تقديم إعانة رعاية الطفل، ومعاش تقاعدي للمرأة التي تقضي عمرها في رعاية الأطفال من دون عمل، وكذلك تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والأسرة بعض المبادرات بهدف مساعدة النساء لتصبح مستقلة اقتصاديا، ومن بين هذه المبادرات هي العودة إلى التعليم وتقديم دعم نقدي لتسهيل إعادة تدريب وتعليم الأمهات العاطلات عن العمل[7].
كما أن السياسات التي تستهدف الحد من حساسية النساء للفقر في مولدوفا منذ إقرار قانون المساعدة الاجتماعية عام 2008، والذي كان أكثر حساسية لاحتياجات النساء الفقيرات وتضاعفت الآثار الايجابية على الأمهات والأطفال في الأسر الفقيرة وبالذات الأسر التي تعولها امرأة وحيدة سواء في مستوى التعليم أو الصحة، وتحسنت أوضاع المرأة الريفية في شرق أوروبا والقوقاز وآسيا الوسطى وذلك من خلال برامج بناء قدرات المنظمات الأهلية والنساء والمهتمين بمجال التنمية المستدامة واستخدام الطاقة النظيفة في تدعيم دخول المرأة لأسواق العمل وذلك من خلال تدعيم مؤسسة المرأة في أوربا من أجل مستقبل أفضل Women in Europe for a Common Future (WECF) [8]، والتي قامت بتدريب نساء قيرغيزستان على إنتاج المواد العازلة التقليدية وتوزيع الفاكهة والمجففات الشمسية في أرمينيا وجورجيا وتركيب غلايات المياه الساخنة لتحسين نوعية الحياة اليومية للنساء بشكل عام ولإعطاء المرأة إمكانية لتوليد دخل إضافي من أجل تعزيز حصولهن على حصة من السوق الجديدة والقادمة للطاقة[9] ومن ثم وتوفير الأموال التي تنفق على شراء الطاقة التقليدية وتحقيق مزيد من الدخل والاحتياجات الأخرى، وبالتالي تحسين المعيشة، والعمل، والظروف الصحية للمرأة الريفية.
وفي قيرغيزستان، فإن جمعية سيدات الأعمال (WESA) عملت على دعم “حق المرأة في الأرض” حيث قادت مبادرة تدعمها المنظمات النسائية والناشطات لفتت الانتباه إلى المشاكل الخاصة التي تواجهها المرأة الريفية في سياق إصلاح الأراضي والإصلاح الزراعي في البلاد منذ عام 2002، وقد اتخذت مجموعة واسعة من الأنشطة من قبل “حق المرأة في الأرض” البرنامج الذي كان بمثابة نموذج ناجح للتسهيل التعاون بين الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص لضمان أن النساء مضمونة حقوقهن في الملكية والميراث على مستوى السياسات، وقد شجعت برنامج لتعميم مراعاة حقوق المرأة في رسم السياسات البرلمانية التي أسفرت عن اعتماد عدد من القوانين التي تستهدف مكافحة التمييز بين الجنسين وتمنع سيدات الأعمال الكبار من دخول قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الرسمية، وعلى المستوى المؤسسي قامت بتعزيز برنامج قدرات السلطات المحلية في مجال الحكم لتراعي الفوارق بين الجنسين ومراقبة تنفيذ التشريعات التي تنص على إنصاف المرأة[10].
كذلك فإن الحكومة في اوزبكستان ساهمت في إنشاء بعض المؤسسات كمؤسسات تنمية اقتصادية واجتماعية أنشئت في سمرقند لدعم المرأة التي تعيش في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة من خلال تزويدها بالتعليم بشأن أساسيات اقتصاديات السوق الإدارة المالية؛ وتقديم المشورة النفسية والاجتماعية والقانونية والطبية فردية بالإضافة إلى خدمات التمويل الصغير هذا النهج في تقديم الخدمات الاجتماعية والمالية لزيادة محو الأمية القانونية والنفسية للمرأة، وخفض الفقر، والترويج أنماط الحياة الصحية – وبالتالي تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للسكان وبالذات الشابات حيث سعى معظمهن للحصول على قروض وإنشاء مشاريعهن الخاصة.
كما يمكن الاستفادة من تجارب أمريكا اللاتينية في استهداف الحد من الفقر عن طريق برامج نقل الدخل التي طبقت في العديد من البلدان وأهمها تجربة بولسا فاميليا في البرازيل، والتي ربطت برامج التحويلات النقدية ببرامج لتحسين التعليم والصحة، وكانت تسلم هذه التحويلات للمرأة لضمان التزامات الأسر بتوجيه أبنائهم لتلقى التعليم والرعاية الصحية بانتظام، وهو ما حسن أوضاع الملايين في هذه التجارب وحول الاهتمام من مجرد مواجهة فقر الحاجة إلى مواجهة فقر الإمكانيات والخدمات[11].
تنبئنا هذه التجارب أن ثمة إرادة سياسية لدى الدول التي تعمل بشكل مؤسسي على حل معضلة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة عبر سياسات ومؤسسات قادرة على تحديد الفئات المستهدفة بقوة وتحقيق أثر ملموس عبر العمل معها لفترة ممتدة، كما أن هذه التجارب تعي أهمية دور المجتمع المدني المحلي والإقليمي والدولي في تدعيم حقوق المرأة من منطلق المواطنة وتقليل الاختلالات الاجتماعية التي يدفع ثمنها الجميع، ومن ثم استمعت برلماناتها للمجتمع المدني وقدمت العون التشريعي اللازم لتعزيز حقوق المرأة والمواطنة.
خاتمة وتوصيات:
من خلال البحث والتحليل للمشكلات التي تتعلق بالتمييز ضد المرأة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية سواء الناجمة عن سياسات أو عن تراكمات اجتماعية وثقافية، وحيث إن قانون تجريم التحرش الجنسي لن يحل المشكلة بمفرده، فلا بد للبرلمان من وضع استراتيجية وطنية تشارك فيها المنظمات الحقوقية والنسوية لمكافحة العنف ضد المرأة من خلال آليات متعددة في المؤسسات المختلفة من بينها المجلس القومي للمرأة، ووزارات العدل، والصحة، والتربية والتعليم، والداخلية إلى جانب مجموعة من الآليات قد تسهم في تعزيز حقوق النساء الاقتصادية والاجتماعية أهمها:
- على البرلمان القادم وضع قانون إنشاء المفوضية الوطنية لمكافحة التمييز التي نصت عليها المادة 53 من الدستور المصري الجديد، على قائمة أولوياته وذلك لأهميتها كأداة من أدوات تحقيق العدالة الاجتماعية، على أن يراعى فيها وجود لجان متخصصة قادرة على رصد التمييز وفق أنواعه المحددة في المادة الدستورية بدقة وملاحقة مرتكبيها من أفراد ومؤسسات بحيث تشكل رادعا للتمييز وأداة على طريق المواطنة، كما أن عليه متابعة تنفيذ مواد الدستور المصري المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص وحظر التمييز وكذلك العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الأمم المتحدة والتأكد من ضمان حصول الفتيات والنساء على حقوقهن في التعليم والرعاية الصحية، وتكافؤ الفرص وحظر التمييز.
- يمكن تعزيز تعاون بين البرلمان والمجتمع المدني من خلال إيجاد آلية للتعاون مع المجتمع المدني سواء من خلال الأمانة العامة أو اللجان البرلمانية، بحيث تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من تقديم مقترحاتها حول حقوق المواريث والعمل والصحة والتعليم للجان المجلس المختلفة من أجل تعزيز قدراتها التي تسهم بالضرورة في تحسن الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع ككل وتقلل من المظالم الاجتماعية، وهناك تجارب متميزة لرائدات ريفيات استطعن تحسين الخدمات التعليمية والصحية في قراهن يمكن الاستفادة منها في هذا السياق.
- برغم أن المواريث جزءا من الأحوال الشخصية التي هي جزءا من الشريعة الإسلامية بالنسبة للمسلمين، والشرائع السماوية الأخرى لغير المسلمين، دستوريا، وتكفلها القوانين إلا أن هذه الحقوق تضيع بشكل كبير نتيجة إحالتها للعرف الذي هو في أغلبه مضاد للشرائع السماوية ولحقوق المرأة، وترك مثل هذه الأمور وإحالته للأعراف مضاد لمنطق وجود الدولة ذاته، إذ يخلق مظالم اقتصادية واجتماعية تخلق عداوات وتتحول إلي ممارسات عنيفة في المجال العام، ومن ثم يمكن التفكير في مراجعة التشريعات الخاصة بالمواريث لإفراد دوائر خاصة بالمواريث للنساء ضمن محاكم الأحوال الشخصية من أجل تحقيق تخصص أفضل وقدرة على البت في هذه القضايا بشكل أسرع وأنجز، وبما يعزز سياسات أكثر عدالة للنساء.
- أيضا يمكن للبرلمان الاستفادة من وتعزيز جهود المبادرات المجتمعية التي نشأت بعد الثورة وقبلها لمواجهة ظاهرة التحرش والعنف الجسدي ضد المرأة على مدار الأربعة أعوام الماضية مثل بهية يا مصر، فؤادة watch، خريطة التحرش الجنسي، ضد التحرش، شفت تحرش، ونون النسوة، وغيرها من المبادرات لخلق سياق آمن يحد من المخاطر الأمنية التي تعمل في اتجاه مضاد لعمل المرأة وتنقلها وتعليمها بحرية من دون مخاطر.
تعديل قانون العمل بحيث يضمن إلزام المؤسسات الحكومية والخاصة التي يزيد عدد العاملات فيها عن 50 بإنشاء حضانات، وضمان التزام القطاع الخاص بالإجازات المقررة في قانون العمل للمرأة الحامل والمرضعة، سواء من خلال متابعة وزارة القوى العاملة لهذه المؤسسات أو حتى منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق المرأة، لأن الكثير من العاملات في القطاع الخاص يستبعدن لكونهن حوامل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر عمر سمير، ” المواطنة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء في مصر بعد الثورة”، في محمد العجاتي وآخرون، “المواطنة وحقوق النساء في مصر بعد الثورات العربية” أوراق ورشة عمل القاهرة 7 سبتمبر 2014، منتدى البدائل العربي للدراسات 2014، صـ53-71.
[2] زينب البقري، “المرأة والثورة في مصر.. ثلاث سنوات بين التمكين والتهميش”، ورقة بحثية منشورة على موقع فكر أونلاينK 17 أغسطس 2014، http://is.gd/3ALGss
[3] انظر موقع صندوق الأمم المتحدة للسكان مكتب مصر، http://is.gd/J5KzGB
[4] هاجر عثمان، “خيبة أمل” نساء مصر.. قانون التحرش الجنسي الجديد يطالبها بالقبض على المعتدي واصطحاب الشهود، موقع البديل، بتاريخ 9 أبريل 2014، http://is.gd/wfJ3jO
[5] وزارة المالية، البيان المالى عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2014/2015، يقدمه هانى قدرى دميان وزير المالية، القاهرة، يونيو 2014، المنشور على موقع الوزارة، http://is.gd/dJn7rX
[6] وزارة التخطيط، خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالى 2014/2015، نسخة أولية 30 يونيه 2014، http://is.gd/T9Zvud
[7] UNITED NATIONSECONOMIC COMMISSION FOR EUROPE, Promoting gender equality and women’s economic empowerment on the road to sustainable development good practices from the UNECE region, UN: New York and Geneva, 2012,p14 , http://is.gd/7WG7wN
[8] لمزيد من التفاصيل حول هذه المؤسسة يمكن زيارة موقعها http://is.gd/1XB93O
[9] Dankelman, Irene. Gender and Climate Change: An Introduction. Case Study 9.1. Earthscan Publishing (2010) pp 241-243.
[10] Presentation by Ms. Gulnara Baimambetova, Chair of the Board, Women Entrepreneurs Support Association, Kyrgyzstan at the 2011 UNECE Policy Seminar on Women’s Entrepreneurship Development in Central Asia, Session 2 , http://is.gd/JpQQDe
[11] انظر عمر سمير خلف، العدالة الاجتماعية: دروس من تجارب أمريكا اللاتينية، في أحمد فاروق غنيم وآخرون، العدالة الاجتماعية..مفاهيم وتطبيقات، دليل تدريبي صادر عن منتدى البدائل العربي للدراسات ومؤسسة روزا لوكسمبورج، القاهرة: روافد للنشر والتوزيع، ص 23-37، http://is.gd/vHHd5m