إيمان زيادة
فلسطين
من المهمّ جدًّا عند تناول موضوع اللامساواة في فلسطين أن يكون المدخل اقتصادي هو الأساس على اعتبار أنه أكثر محور يؤثر بدرجة كبيرة على اللامساواة كما في مناحي عدّة سواءً الحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافة، وكذلك ارتفاع أعداد الأفراد والمواطنين المهمّشين.
الاقتصاد الفلسطيني، بشكل مختصر، ومنذ «اتفاقية أوسلو» عام 1996، خضع لتطبيق سياسات النيوليبرالية، وكنا ندرك تبعات هذه السياسات والشروط التي توضع والمتعلّقة بالحياة اليومية للناس وكذلك فرض القروض على الفرد والحكومة للتأثير على قراراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بالأساس التي تمسّ الحقوق. وكذلك بعد «بروتوكول باريس» الذي يمثّل النسخة الاقتصادية من «اتفاقية أوسلو»، والذي قيّدها سواءً على مستوى سبُل الصرف وطريقة الدعم الذي يقدَّم للسلطة الفلسطينية، والذي كان مختلفًا عندما كان يقدَّم إلى «منظمة التحرير الفلسطينية» (لأسر الشهداء خاصّة)، وبالتالي لقد وضعت هذه السياسات السلطةَ الفلسطينيةَ تحت شروط كثيرة من دون أن نغفل وجود الاحتلال وتأثيره على الحياة اليومية لعموم الناس وبالتالي يجب عدم فصل وجود الاحتلال في الإبقاء على حالة اللامساواة في فلسطين حيث كلّما زاد الضغط السياسي والانتهاكات السياسية بحق المواطنين زادت الفجوة في الحقوق الاجتماعية. إنّ الاحتلال الفلسطيني يؤثر على جميع الموارد لفلسطين على غرار الأرض، المياه، الكهرباء، المعلومات والمعرفة، الثقافة، تاريخ فلسطين وخاصّةً الهوية الفلسطينية، كلّ هذه الأمور تنصبّ في اتجاه هدم كلّ ما هو فلسطيني.
خلال السنوات الأخيرة، وأمام حالة الانقسام بين الضفة الغربية وغزّة وما تبعها من تجميد للدعم الأوروبي للسلطة الفلسطينية، وخاصةً توقف الدعم الأميركي لمنظمة «الغوث لدعم وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (في حدود 50% من ميزانية المنظمة) والتي كانت تتحمل عبء الخدمات الأساسية في كافة المخيمات داخل فلسطين وخارجها ممّا فاقم إشكاليات مئات الآلاف ممّن يعيشون في المخيمات برغم عودة الدعم مؤخرًا بشكل بسيط، إلى جانب ذلك نجد انسحابًا للمموّلين العرب بشكل متدرج إلى حدود الصفر.
عندما نتحدث عن الدعم فنحن نتحدث عن الدعم المتعلّق بمصاريف إدارة السلطة الفلسطينية وليس المشاريع، لكن في الوقت نفسه لقد توجه الداعمون أساسًا إلى المواطنين مباشرةً عبر الشركات أو عبر المستشارين من هذه الدول.
إلى جانب هذه الضغوطات، يمارس الكيان الإسرائيلي كذلك ضغطًا عبر الاقتطاعات المستمرة من الأموال وتقييدها للموارد. خلال السنوات الأخيرة، كان لجائحة كورونا على فلسطين، كما على جميع شعوب العالم، أثر خاصةً على الوضع الاقتصادي وأزمة اللامساواة. ومنذ بدء الجائحة حتى اليوم، دخلت 100 ألف عائلة جديدة تحت خط الفقر. في هذا المضمار، يجب التذكير أنّ فلسطين مقسّمة إلى مناطق “أ” و“ب” و“ج” وغيرها من المناطق، ما يعني غياب سيادة السلطة الفلسطينية على المناطق الفلسطينية، والدليل على ذلك أنّه قد استُشهد اليوم شقيقان في المنطقة “أ” على يد قوات الكيان في بير الزيت، والتي من المفترض أن تكون تابعة للسلطة الفلسطينية، وبالتالي فإنه لا توجد سيطرة لا أمنية ولا قانونية.
وفي أمثلة أخرى، تمثّل المرأة نسبة 49% من المجتمع الفلسطيني لكنها تعاني من انتهاكات اقتصادية وتمييز اجتماعي وسياسي وثقافي على كافة المستويات، سواءً من السلطة الفلسطينية والعنف داخل المجتمع الفلسطيني، أو من قبل الاحتلال. ونجد أنّ 12% من الأسر الفلسطينية ترأسها النساء وذلك إمّا بسبب استشهاد الزوج أو وجوده في معتقلات الاحتلال، وبالتالي فهي تتحمل أعباء كامل الأسرة. وبذلك، عندما تشترط الدول المانحة التوقف عن تقديم الرواتب لعائلات الشهداء فإنها تقصي 12% من الأسر الفلسطينية تمامًا من المعادلة في حين أن هذه الأسر تحتاج إلى موارد حقيقية لسدّ احتياجاتها، كما أنها تواجه الكثير من المعوقات من قبل الاحتلال عندما تريد الاستثمار في أي مجال.
بالنسبة لحالة العمل، نودّ الإشارة إلى أنّه يوجد بين النساء أنفسهنّ تمييز أساسه الطبقة الاجتماعية، والعرق، والدين، والسنّ وكذلك على مستوى الاحتياجات الخاصة. تؤثّر هذه العوامل بشكل كبير على الدخل وفي اللامساواة بين النساء، وبينهنّ وبين الرجال، وفي المجتمع عمومًا. كما أننا لا نجد مساواة في رؤية الحكومة للموازنة العامة بغضّ النظر عن حالة الوهن التي تعيشها الحكومة. وعلى هذا الأساس، وصلت معدلات البطالة بين النساء عام 2022 إلى حوالي 43%، أما الباقيات فـ12% منهنّ فقط عملن في عمل منظم والباقيات في عمل غير منتظم، الأمر الذي يفتح كذلك ملف التمييز في الولوج إلى العمل والتمييز داخل العمل (خروقات في الرواتب، في السلم المهني…) وقد أتى ذلك في مقابل 23% من البطالة في صفوف الذكور، وهذا من دون إغفال عدم قدرة المرأة على الوصول إلى الوظائف العليا ومناصب صنع القرار.
ب النسبة لمعدل الأجر اليومي في الوظائف الحكومية، فإننا نجده متقاربًا بين النساء والرجال ونجد أن الفارق بسيطًا إذ تتقاضى النساء 62 شيكلاً (حوالي 20 دولارًا) في حين يتقاضى الذكور 84 شيكلاً (أقل من 30 دولارًا) لكن تلك الأجور تُعتبر في الوقت نفسه ضعيفة مقارنةً بمستوى المعيشة، وهذه الأرقام تتعلق فقط بمنطقة الضفة الغربية وليس قطاع غزة الذي يعيش وضعًا كارثيًّا بسبب كل العوامل التي سبق الحديث عنها، إضافةً إلى الحصار المفروض عليه من قِبل الاحتلال والذي أوصَل معدل البطالة بين الشباب إلى حوالي 95%، إلى جانب أن الرواتب تتراوح بين 15 و30 شيكلاً (3 إلى 7 دولارات).
ل ا تقف اللامساواة عند هذا الحدّ، إذ نجدها في مستويات أخرى اجتماعية واقتصادية. فمثلاً لا تتجاوز نسبة حصول النساء على الميراث الـ3% على الرغم من وجود قانون ينظّم المسألة، لكنه لا يطبَّق على أرض الواقع. ويعود ذلك أساسًا إلى عدم قدرة السلطة الفلسطينية على بسط سيطرتها على المناطق الفلسطينية آنفة الذكر، إضافةً إلى العرف الاجتماعي الذي يدفع بالمرأة إلى التنازل عن حقها في الميراث.
بالنسبة للعاملات في القطاع غير المنظم، فحتى حدود عام 2020، كانت 18.6% منهنّ في الضفة الغربية و4% في غزة، مقابل 50.6% للعاملين في الضفة و32.6 % في غزة، وهو ما يدفعهنّ إلى العمل في المستوطنات، الأمر الذي يفتح الباب أكثر نحو مضاعفة التمييز الممارس عليهنّ.
ل قد كان الوضع الدولي الراهن المضطرب وراء تجميد العديد من الاتفاقيات، ومنها اتفاقيات «سيداو» برغم مصادقة السلطة الفلسطينية عليها من دون تحفّظ، والتي تواجه اليوم حملة رفضٍ داخل المجتمع الفلسطيني وبشكل كبير، وقد تمّ تشويهها بشكل متعمّد. لقد كانت هذه الهجمة ممنهجة ومنظّمة من قبل حزب سياسي معيّن هو «حزب التحرير» والذي وصل به الحدّ إلى تشويه سمعة الطرف المدافع عن الاتفاقية، الأمر الذي مثّل فرصةً أمام السلطة الفلسطينية للتوقف عن تطبيق الاتفاقية لما يتأتّى عنها من التزامات مالية وقانونية.
وبسبب الوضع الاقتصادي الراهن، تفاقمت مشكلات أخرى مثل الزواج المبكر للإناث الذي أصبح عابرًا للحدود الداخلية لفلسطين، وتحوّل إلى تجارة في مختلف المناطق الفلسطينية. إلى جانب ذلك،